الانتخابات على الطريقة الجزائرية

حجم الخط
0

تعرف الجزائر تنظيم انتخابات محلية وتعددية، بشكل دوري وروتيني، منذ عشرين سنة (1997/2017) إذا استثنيا حالة إيقاف المسار الانتخابي التعددي، في بداية التسعينيات (1990/92). انتخابات فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، كما هو معروف وأدت، كجزء من عملية انتقالية، غير موفقة إلى المأزق السياسي والأمني الذي عاشته الجزائر أكثر من عقد من الزمن. بعد ان أصرت جموع الجزائريين، على نقل ولائها من حزب وطني أحادي شعبوي، إلى حزب ديني آخر، من النمط نفسه.
باستثناء هذه الانتخابات التعددية الأولى التي عاشتها الجزائر في بداية التسعينيات، لم تنتج الانتخابات المحلية إلا الركود السياسي، وتكرار المشهد الحزبي نفسه، الذي ورثه البلد عن فترة الحزب الواحد، المتميز بسيطرة أحزاب السلطة، وعلى رأسها، حزب جبهة التحرير وغريمه الجديد التحالف الوطني الديمقراطي، الذي حقق معجزة فعلية حين فاز في انتخابات تشريعية ومحلية، في أقل من ثلاثة أشهر، من بعثه للوجود، كحزب جديد للسلطة في 1997، نتيجة رفض حزب جبهة التحرير القيام مؤقتا، بأدواره التقليدية المطلوبة منه كحزب دولة.
الانتخابات على الطريقة الجزائرية التي تخبرنا، أن المحليات، تحمل دلالات سياسية مختلفة عن تلك التي تحملها التشريعيات. المحليات، عادة ما تبدأ بحملة انتخابية فاترة في أيامها الأولى، كما هو حاصل هذه الأيام بمناسبة انتخابات 23 نوفمبر المقبلة، حين تجد القوائم الحزبية والمستقلة صعوبات كثيرة في إقناع الناخب الجزائري بأهمية هذه الانتخابات، التي يبقى تحدي المشاركة الشعبية فيها أهم تحد يواجه الأحزاب السياسية وكل المنظومة السياسية الرسمية.
انتخابات احتكرتها النخب المحلية، عكس ما هو حاصل عندما يتعلق الأمر بالانتخابات التشريعية التي تسيطر عليها، ما يمكن تسميته بالنخب المركزية التي ما زالت ترفض الترشح لمواقع السلطة المحلية، كما فعل عدد قليل جدا من الوزراء السابقين. فقد ساد نوع من تقسيم العمل بين النخب الحزبية، يتم بموجبه تخصيص نخب بمواصفات معينة، كالمستوى التعليمي المتواضع، في هذه الانتخابات المحلية، التي تبقى أكثر ارتباطا بما يميز عمق المجتمع، بكل تنوعه، في مختلف مناطق البلاد، بما فيها تلك التي تأخر فيها انتشار التعليم، والتي ما زالت تقذف بمترشحين أميين أو شبه أميين على رأس بلديات مفلسة، كما يحصل في بعض المناطق الريفية من الهضاب العليا والصحراء.
انتخابات تتميز بكثرة الترشيحات لها (165 ألف مترشح لـ1541 بلدية و16600 لـ48 مجلس ولائي)، رغم ما ميز انتخابات هذه السنة من صعوبات وجدتها بعض الأحزاب في اقتراح مرشحين. وهي ظاهرة جديدة على المشهد الانتخابي الجزائري الذي كان معروفا بعزوف المواطنين وليس المترشحين! الوضع المالي الصعب للكثير من البلديات قد يكون عامل التفسير الأساسي لهذا النوع الجديد من العزوف الذي اشتكى منه أكثر من حزب.
إذا تجاوزنا مرحلة الترشح والحملة الانتخابية التي ما زالت تتأرجح بين الهم المحلي والوطني ولا تعرف بالضبط اين تتموقع، نتيجة الصلاحيات القانونية الضعيفة، لرئيس البلدية التي تجعله يلجأ كحل إلى عموميات مبهمة، عند الحديث عن برنامجه الانتخابي. رئيس البلدية الذي يعرف بالتجربة أن السلطة الفعلية في اتخاذ القرار، تبقى بين يدي رئيس الدائرة ومن ورائه الولاة المعينين، رغم أن رئيس الدائرة لا ذكر له في الدستور وكأنه لا يعترف به كسلطة محلية، عكس رئيس البلدية الذي يعطيه النص الدستوري مكانة كبيرة، لا يتوفر عليها في الممارسة. على أرض الواقع كحال كل المؤسسات المنتخبة في الحالة الجزائرية التي ما زالت فيها السلطة المعينة والتنفيذية، تسيطر بما لا يقارن، على السلطة المنتخبة، المفترض فيها أنها ممثلة لإرادة المواطن الجزائري.
من ميزة الانتخابات المحلية الأخرى، تجنيدها للمستويات التقليدية للمجتمع كالعائلة والعرش وحتى القبيلة، حين تكون حاضرة، كما هو حال الهضاب العليا والمناطق الجنوبية عموما. انتماءات تقليدية ما قبل وطنية، تجد ضالتها في هذا النوع من الانتخابات للانتعاش من جديد، ليكون التحزب السياسي والحزب الضحية الأولى لهذه الانتخابات، التي تزيد فيها حالات الانشقاق عنه والتمرد وتغيير الانتماء، بشكل سافر من قبل المرشحين، الذين يحسون في أنفسهم قوة، بمناسبة هذه الانتخابات المحلية. ليكون الاقتراع في نهاية الأمر، على الشخص المرشح وليس البرنامج والحزب في هذه الانتخابات على الطريقة الجزائرية.
الانتخابات المحلية التي ما زال يمثل الترشح والنجاح فيها من قبل النساء، الاستثناء وليس القاعدة، رغم قانون التمييز الإيجابي الذي يصر على حضور للمرأة في هذه الانتخابات. حالة لا نجد تفسيرا لها إلا في هذه الفكرة. المجتمع المحلي، لا يشجع المرأة عندما تكون قريبة منه، على تولي مواقع التمثيل السياسي التي يمكن أن تحصل عليها أكثر، لو ابتعدت في العاصمة كنائب في البرلمان. فالمدينة الكبيرة ما زالت أكثر حماية للخصوصيات الفردية. عكس القرية والمدينة الصغيرة التي تفرض حضورها وخصائصها السوسيو ـ ثقافية، بمناسبة هذه الانتخابات المحلية. وضع يفسر كيف تترشح المرأة مثلا، لكنها ترفض أن تضع صورها على معلقات الإشهار لحملتها الانتخابية، فهي ما زالت تتعامل كزوجة فلان واخت علان الذي يرفض أن يرى صورة اخته وزوجته على الملصقات، في أزقة وحواري قريته الصغيرة. وضع، يؤكد، ان اقتحام المرأة للمجال العام، ما زال بعيد المنال، على الأقل في هذه الجزائر العميقة.
الانتخابات المحلية، تبقى فرصة من جهة أخرى لظهور المال الفاسد والفئات الاجتماعية المرتبطة به التي تعتمد كقاعدة لها، على سيرورة تحويل المال العام إلى مال خاص، التي انطلقت، منذ عقدين على الأقل، بقوة في الجزائر. وهو ما يجعلنا نرى في هذه الانتخابات التي نظمت في العقدين الأخيرين، مؤشرا مهما، عن تحول في القاعدة الاجتماعية للدولة الوطنية ذاتها. انتخابات يتم فيها استبعاد الفئات الوسطى والشعبية لصالح الأغنياء الجدد، بكل ما يمكن أن يحمله كتحول سوسيولوجي نوعي، من تداعيات سياسية في علاقات هذه الدولة بالمواطن، في جزائر تعيش تحديات سياسية كبيرة على أبواب 2019.
كاتب جزائري

الانتخابات على الطريقة الجزائرية

ناصر جابي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية