القاهرة ـ «القدس العربي» : كلما اقترب موعد ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني وجدنا أن بذرة الثورة ستنمو بالفعل من جديد في أرض «المحروسة»، وهي توشك أن تتحول لجنين في غضون الفترة المقبلة، والمبرر الذي يسوقه البعض، أن الظلم بلغ المدى، وأن النظام الذي أزاح الرئيس مرسي عن سدة الحكم لم يقدم للشعب سوى مزيد من الفقر والقمع، وأن السماء التي حرم خالقها على نفسه الظلم، لن تمهل الظالمين مزيداً من الوقت، بعد أن عرف القهر طريقه لكل بيت من الصعيد للدلتا مروراً بالعاصمة، بل أن الأشقاء في غزة شربوا من كأس الرعب الذي دفع به النظام لكل من تسول له نفسه أن يقول له «لا»، في زمن القهر الجماعي، فيما يراهن أنصار السيسي على أن فكرة الثورة ماتت للأبد في وجدان الجماهير.
وفي الصحف المصرية الصادرة أمس الجمعة 11ديسمبر/كانون الأول، حصل الرئيس السيسي على ما يريد من ثناء، من قبل ترسانة إعلامية تجيد الكتابة بالعطر، وقت أن تروي وبالدم متى شاءت، والعزف على مدار الساعة، إذ يظن أصحابها أنهم يقدمون خدمات جليلة للنظام، الذي رباهم في حضانته. وقد شهدت الصحف أمس معارك صحافية من كل نوع وسقط العديد من الضحايا، بينهم أجانب ومصريون معادون للنظام، ونال الرئيس التركي أردوغان من الشتائم ما لم ينله زعيم آخر، كما واجه النظام هجوما عنيفا من قبل خصومه وإلى التفاصيل:
على الرئيس أن يستجيب للمصالحة
تعيش مصر صراعا سياسيا عنيفا منذ الإطاحة بمرسي والإخوان، وهو الأمر، الذي كان جمال سلطان رئيس تحرير «المصريون» أول من حذر كل الأطراف من الوصول بالمواجهة إلى المعادلة الصفرية: «أزعم أنني أول من كتب في ذلك قبل حوالي عامين ونصف العام ، وقبل أن تجري الدماء الغزيرة في أرض مصر على خلفية هذا الصراع، وتتوالد الثارات التي عمقت الانقسام الوطني، ولكن في النهاية لا بد أن يكون الصراع تحت سقف محدد وغير منفلت، وأن لا يكون الهدف هو التشفي أو التنكيل، لأن هذا يخرج بالصراع السياسي عن دائرة السياسة، ويصبح عنفا مجردا، بلا هدف، وأحقادا بلا نهاية، ودمارا لكل شيء. كما أنه لا يكسر إرادة، بل ربما يؤدي إلى العكس، مضافا إليه الرغبة في الانتقام. ويعتقد سلطان أن كثيرا من عناصر دائرة العنف التي نعاني منها في مصر حتى الآن مرده إلى هذا الانفلات، وغياب الرؤية عن «العنف المقنن» وحدوده وأهدافه. هناك تنديد دولي متكرر في ملف مصر في حقوق الإنسان، على خلفية ما يجري طوال العامين الماضيين، ويتكرر الرد المصري الرسمي بالكلام الفضفاض الذي لا يقنع أحدا، وبالمنطق الأعوج والمهين عندما نعاير الآخرين بأن عليهم انتقادات هم أيضا في حقوق الإنسان، على طريقة «لا تعايرني ولا أعايرك الهم طايلني وطايلك». والمؤسف بحسب الكاتب أن هذا الكلام صدر أحيانا عن وزارة الخارجية المصرية، غير أن الأهم من التنديد الدولي هو رؤية رشيدة من الداخل، تضبط هذا الانفلات، وتكبح جماح العنف المؤسسي، وتسحب شحنات الكراهية والغضب من نفوس ملايين الشباب».
«البعبع» لم يعد يخيف أحداً
ومن معارك الأمس الصحافية تلك التي أطلقتها سحر جعارة في «المصري اليوم» ضد حزب النور: «دخل الوحش الكاسر قفص الديمقراطية، حزب «النور» السلفي الذي تصورنا أنه «بعبع الانتخابات» يلملم عار الهزيمة الساحقة أمام الأحزاب الليبرالية، وعلى رأسها حزب «مستقبل وطن»، الذي وصفه رئيس حزب «النور»، الدكتور يونس مخيون، بأنه «طفل في الحضانة»، تحول لـ«سوبرمان أو الرجل الأخضر»! هذا الطفل وبقية الأحزاب المدنية وقائمة «في حب مصر» أسقطت فكرة شعبية الأحزاب الدينية بالضربة القاضية.. فلم يجد التيار السلفي إلا العودة لموجات التكفير والتضليل لجمع أشلاء جثثهم المتناثرة على أبواب اللجان الانتخابية.
ألقى ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، بحيته تسعى بيننا وهي تُكَفِّر الدولة الأهم في دعم مصر، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، أي روسيا. روسيا كافرة من وجهة نظر برهامي، فلا يجوز دعم روسيا ضد تركيا، بعد الأزمة التي وقعت بين البلدين، عقب إسقاط تركيا الطائرة الروسية.. فهل لو موَّلت روسيا تنظيمات الإسلام السياسي، وتوَلَّت إيواءها، ومنحتها جنسيتها، وحرَّضتها على أوطانها، تصبح دولة «تقية» كدولة الخلافة العثمانية تركيا؟!.. ربما. برهامي يقول إنه يختلف مع أردوغان، لأنه يدعو إلى العلمانية والليبرالية، لكنه لا يُكَفِّره: (لا نُكَفِّره كما يصنع البعض، بل هو متأول تأويلاً يَمنع مِن تكفيره!) لكن الإعلام في ضلال، فهناك غل معلن من الإعلام المصري، الذي لعب دورا مهما في كشف الوجه القبيح للأحزاب التي تتاجر بالدين، برهامي يتهم الإعلاميين وغيرهم ممن يتصور أنهم يحرِّضون روسيا على ضرب تركيا بأنهم: (على ضلال وموالاةٍ محرمة لأعداء الله المعتدين على بلاد المسلمين)».
سفير جهنم يتآمر ضد مصر
ونبقى مع المعارك الصحافية وهذه المرة على يد حمدي رزق في «المصري اليوم»: «نحن المصريين لا ننسى الإساءة أو بالأحرى الغدر، وذاكرتنا والحمد لله حديدية ليست ذاكرة سمكية، وكلام جون كاسن، سفير بريطانيا، في أربعينية ضحايا الطائرة الروسية في شرم الشيخ، كلام مخاتل، كلام ساكت، لا يخيل على عيل صغير، ما بالك بشعب يعرف جيداً عدوه من صديقه. السفير المراوغ تطوع بتصريح كذوب: «بريطانيا لن تترك مصر تواجه التحديات وحدها»، بذمتك كبريطاني محترم يحترم ما يقول، ويدقق في اللفظ قبل أن يطلقه، هكذا مبرأ من أي ذنب، أشك في أن هذا لسان حال حكومة جلالة الملكة، وبالسوابق ليست البعيدة، بل في الحادثة ذاتها التي ذهبت تتباكى على ضحاياها. موقف الحكومة البريطانية كان عدائياً بلا مبرر سوى كسر ظهر مصر، والإساءة إلى رئيس مصر وهو في ضيافة رئيس الحكومة، ديفيد كاميرون. ولا ننسى مساهماتكم تحديداً في تشكيل هذا الموقف بسلسلة من التصريحات نجحت في تنويم الخارجية المصرية عما تضمره للأسف، الحكومة البريطانية، ونحن عنه غافلون. سفير جهنم يواسي شرم الشيخ الجريحة، مواساة من يقتل القتيل ويمشي في جنازته، ويذرف الدمع الهتون: «كانت عواقب سقوط الطائرة قاسية على شرم الشيخ والمصريين العاملين في مجال السياحة»، ومن ذا الذي اتهم شرم مبكراً قبل تجميع الحطام، وتفريغ الصندوق الأسود؟ من أعلن على العالم أن مطار شرم متهم أول؟.. من منع رحلاته من أن تحط في المطارات المصرية، من الذي أوعز للسلطات الروسية من طرف استخباراتي، فخشيت تكرار الحادثة، فمنعت رحلاتها وسياحها، وتبعتها دول أخرى اتساقاً مع الموقف البريطاني الشرير؟.. شرم أنتم من خربتموها، فلا تنعوها».
الموبقات حدثت عقب رحيل الإخوان
من يتابع الأحداث في مصر يجد أن ما حدث في 2011 سيتكرر في 2016 والتاريخ 25 يناير/كانون الثاني، حيث قتلت الشرطة خالد سعيد وسيد بلال في 2011، واتحد الشعب المصري بأكمله ضد الشرطة في يوم عيد الشرطة، وترتب عليها قيام ثورة 25 يناير المجيدة في مصر، بحسب الشحات شتا في «الشعب»: «قبل أيام قتلت الشرطة ثلاثة مواطنين في مدينة الأقصر، وللأسف اتضح أن هؤلاء كانوا من مؤيدي قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي، وكما قامت الأجهزة الأمنية بتفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية في 2011، ستقوم الاجهزة الأمنية بتفجير إحدى الكنائس المسيحية، كي تلفقها للتيار الإسلامي، مع بدء العد التنازلي لذكرى ثورة يناير/كانون الثاني.
يتفاءل البعض بأن مصر على أبواب ثورة جديدة، وهو ما يراهن عليه الشحات، داعيا كل المصريين إلى أن يتحدوا صفا واحدا في ثورة 25 يناير 2016، كما اتحدوا في ثورة 25 يناير 2011. مبارك باع القطاع العام وخلق ملايين العاطلين، أما السيسي فقتل آلاف المصريين واعتقل عشرات الآلاف، وحول مصر إلى أكبر سجن في العالم، يعيش فيه مئة مليون مصري، ولم يُقتل المصريون في منازلهم إلا في عهد السيسي، كما يشير الكاتب، ولم يُقتل المصريون بالآلاف دفعة واحدة إلا في عهد السيسي، ولم تهدم المدن المصرية من أجل حماية المغتصبات الصهيونية في فلسطين المحتلة إلا في عهد السيسي، ولم تدمر كل الأنفاق ويشدد الحصار على غزة إلا في عهد السيسي، ولم تشارك مصر في حرب الإبادة على اليمن إلا في عهد النظام الجديد».
تركيا تواجه حصارا
وإلى الحرب ضد تركيا يسرد تفاصيلها يوسف أيوب في «اليوم السابع» وهو يتساءل: «كيف ستتعامل مصر واليونان وقبرص مع التجاوزات التركية؟ الرئيس عبدالفتاح السيسي كان واضحًا حينما أكد في أثينا ضرورة استمرار التعاون بين الدول الثلاث في محاربة الإرهاب، ووقف مصادر تمويله، مشيرًا إلى دعم مصر إعادة وحدة شطري جزيرة قبرص المقسمة بين تركيا واليونان، وهو الوضع الذي تحاول تركيا ترسيخه. وقال السيسي: «أعربت خلال الاجتماع عن استمرار دعم مصر لجهود التوصل لحل عادل للقضية القبرصية، بما يضمن إعادة توحيد شطري الجزيرة، ومراعاة حقوق جميع القبارصة، وفق قرارات الأمم المتحدة ومقررات الشرعية الدولية ذات الصلة». كما أكد الزعماء الثلاثة، السيسي، ورئيس وزراء اليونان أليكسيس تسيبراس، ورئيس قبرص نيكوس أنستاسيادس، على مواصلة التعاون المشترك لدعم التنمية، ومواجهة تحديات الإرهاب والهجرة غير الشرعية، مشددين على ضرورة مواجهة الإرهاب عن طريق محاربة الأفكار المتطرفة، وتصحيح المفاهيم الدينية، ودعم البرامج التنموية. هذا جزء من الآلية التي يمكن من خلالها للدول الثلاث مواجهة التجاوزات التركية التي لا تقف عند حد إشعال التوتر في قبرص، بل إنها تحاول تصدير الإرهاب في المنطقة، بما يساعد على إحداث الفوضى في دول المنطقة، وهو ما استشعر خطورته، بحسب الكاتب، قادة الدول الثلاث، كما أنهم حينما تحدثوا في إعلان إثينا عن أزمة تدفق المهاجرين، وضرورة التعامل معها من منظور شامل، من خلال التوصل إلى أفق سياسي لتسوية الأزمات الإقليمية، والقضاء على الفقر، فإن الدول الثلاث أرادت أن تلفت انتباه الاتحاد الأوروبي إلى خطأ الاعتماد على تركيا وحدها، باعتبارها الدولة التي يمكن أن تسهم في وقف موجات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا».
أعداء السيسي يجهزون لبديل
ومن بين الذين يشعرون بأن الرئيس السيسي يواجه مؤامرة من قبل أطراف عديدة عليه محمود الكردوسي في «الوطن» الذي يرى أن من أشد أعداء السيسي، الذين يشكلون خطراً بالغاً عليهم بعض المحيطين به، ومن بينهم إعلاميون لا تهمهم مصلحة الوطن، ولا يرون في الأفق سوى أنفسهم، وهو الأمر الذي دفع الكردوسي لأن يدق الأجراس بقوة محذراً السيسي من خصومه في الداخل والخارج، قال الكاتب في «الوطن»: «إحنا ما بنخافش غير من ربنا.. أما نحن فخائفون عليك من داخلك وخارجك يا سيادة الرئيس. أعداؤك يراهنون على أن إسقاطك أنت شخصياً يعني سقوط مصر.. هذا صحيح. دول في الخليج بئر نفط وقاعدة عسكرية.. العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان حزام ناسف حول وسطك. الغرب يعاقب مصر على ثباتها في وجه المؤامرة، ويجهّز بديلك. ويتابع محمود الكردوسي تحذيره للسيسي: لا نجاح لمؤامرة من دون داخل: حكومة.. برلمانا.. جماعات مصالح.. ناشطين.. إعلاميين.. تجار دين وثورات. ليكن دعاؤك: اللهم أكفني شر «داخلي»، أما «خارجي» فأنا كفيل به».
هل أخطأ السيسي؟
وإلى دفاع مستميت عن السيسي يقوده في «الأهرام» عبده مباشر: «كانت هناك مجموعة من التحديات في انتظار الرئيس السيسي، في مقدمتها غيبة الأمن عن الشارع المصري، وتوالي المظاهرات والمسيرات واللجوء إلى العنف المتمثل في العمليات الإرهابية، التي تستهدف بالدرجة الأولى رجال القوات المسلحة والشرطة، ثم المنشآت والكنائس والأبرياء، على امتداد أرض مصر. وكانت هناك تحديات هائلة على رأسها الأوضاع الاقتصادية السيئة والبطالة والأسعار، ومشكلات مزمنة مثل انقطاع الكهرباء في كل مصر، والمياه من بعض المناطق، وانهيار التعليم والمنظومة العلاجية واهتراء الجهاز الإداري وغيرها. فهل أخطأ السيسي لأنه واجه مشكلة الكهرباء، وتمكن من حلها حلا جذريا خلال فترة زمنية قصيرة، وبصورة تقترب من المعجزة؟ كما وعد بتوفير الغاز، ووفى بالوعد، فهل أخطأ عندما حقق هذا الإنجاز؟ أم ربما ارتكب أفدح الأخطاء عندما أقدم على إنجاز مشروع حفر قناة موازية لقناة السويس، ليتحقق ازدواج الممر الملاحي، وأشرك كل الناس معه في هذا المشروع الحلم؟ والذي لا شك فيه، أن لمثل هذا المشروع عائدا معنويا هائلا، لقد عمل على توحيد أهل مصر، ورفع من حجم ثقتهم في قدرتهم على إنجاز مثل هذه المشروعات الهائلة، وبكفاءة. وربما أخطأ كما يقول البعض، في تطوير تسليح القوات المسلحة.
إن الظروف الإقليمية والدولية، والأخطار التي تهدد مصر، أو التي تتعرض لها منطقة الخليج هائلة وتتجه للتصاعد، وحجم التهديد لدول شبه الجزيرة العربية، لا يمكن لأي مسؤول تجاهله، وكل ما فعلته مصر، أنها قرأت الواقع والوقائع، وأجرت حساباتها، وحددت احتياجاتها، وسعت من أجل توفيرها، سواء بشراء طائرات الرافال الفرنسية، أو حاملتي الهليكوبتر من طراز ميسترال، بجانب عقد صفقات أخرى، وأيضا إعادة تشغيل مصنع الدبابات المصري الذي توقف لسنوات. ويتساءل الكاتب، فهل أخطأ السيسي؟ أم أخطأ منتقدوه؟».
برلمان بطعم مر
وإلى البرلمان الوليد الذي لا يشعر نحوه مصطفى النجار في «الشروق» بارتياح: «انتهت الانتخابات البرلمانية بمرحلتيها، وانتهينا من مشهد انتخابي أحادي لم تره مصر في تاريخها، إذ اقتصر السباق الانتخابي على خط سياسي واحد موالٍ للسلطة ومؤيد لها بدرجات متفاوتة، لينتج في النهاية كيان يفترض أن يشرع ويراقب ويحاسب ويسائل، لكن أغلب الأصوات التي وصلت لبهوه ترفع شعارات الولاء والدعم والتأييد، حتى وصل الحديث عن تعيين شخص ما ــ من قبل السلطة التنفيذية ــ ليترأس هذا الكيان، بالتوازي مع اعتزام بعض الشخصيات المثيرة للفكاهة والتندر المنافسة على مقعد الرئاسة! القائمة المحظوظة برعاية السلطة، التي تم اختيار أعضائها في مكاتب النظام وأجهزته، تعلن أنها استطاعت تحقيق أغلبية تفوق الثلثين بعد ضم مئات النواب المستقلين لتكتل يرفع شعار دعم الدولة في مشهد جديد يجسد أقصى درجات الغرور والاستحواذ وتكرار تجربة الحزب الوطني في برلمان 2010. الأقلام الموالية للسلطة تقول إن من شاركوا في انتخابات برلمان 2015 هم نصف من شارك في انتخابات برلمان 2011 – وقد تكون النسبة أقل – وبافتراض صحة هذه النسبة، وباعتبار أن من صوتوا هم نصف الجمعية العمومية للناخبين المصريين الفاعلين، فهذا يعني أن نصف المصريين الفاعلين قاطعوا العملية الانتخابية بالكامل، وهذا ينفى أسطورة الإجماع التي يروج لها إعلام السلطة. من أخطر ما حدث في مصر خلال عامين، أن السلطة صارت لا ترى إلا مؤيديها وتعاملهم على أنهم فقط هم الشعب، بينما تتجاهل أن هناك قطاعات واسعة من المصريين لا تؤيد سياساتها، ولا تؤيد الإخوان ولا تؤيد الإرهاب وتزعجها الانتهاكات الحقوقية المتصاعدة، ولا تريد إسقاط الدولة، وإنما تريد بناء نظام ديمقراطي عادل يسع كل المصريين مهما كانت أفكارهم واختلافاتهم.
تعطي السلطة ظهرها لهؤلاء وتترك أبواقها الإعلامية تنهش فيهم، وتتهمهم بالأخونة ودعم الإرهاب والعمالة للخارج، وغيرها من قوالب الاتهامات المستهلكة والفارغة، التي لا تطال نخبا سياسية فقط، بل تطال الجماهير وتقصفهم عقابا لهم على عدم تأييد السلطة والتطبيل لكل ما تفعله.
هذا الكيان الجديد الذي أفرزته عوامل سابقة في غاية السوء من إماتة السياسة وإقصاء المعارضين وتسميم المناخ العام وسط بيئة قانونية غير سليمة، خلقت نظاما انتخابيا معيبا أوصلنا لهذا البؤس الذي نراه، هذا الكيان يشكل الآن عبئا على النظام، ومهما حاولت السلطة إخفاء ما سيحدث فيه من مهازل عبر منع عرض الجلسات على الهواء مباشرة، كما تشير التكهنات، فالنهاية واحدة، هذا البرلمان سيخصم من رصيد السلطة ولن يضيف لها، وكل محاولات الماكياج السياسي للإيحاء بأنه كانت هناك عملية سياسية تنافسية في مصر لن يصدقها أحد، لأننا نشبه من يمارس رياضة الجري في المكان وأحيانا نرجع للخلف!
نحن أمام تمثيل انتقائي للشعب المصري يعبر عن رغبات أجهزة الدولة وعدد من شبكات المصالح وبعض العصبيات والقبليات التي لا تشكل في مجموعها إرادة المصريين، لذلك السؤال الذي يطرح نفسه: من الذي سيعبر عن بقية المصريين؟».
برلمان يسيء للمصريين قبل أن يبدأ
الكثيرون يتخوفون من فشل البرلمان المقبل، ومن بين المعترضين على الطريقة التي يتعامل بها البعض، سواء في البرلمان الجديد المنتخب أو الإعلام، لكونها تخرج على نطاق اللياقة البرلمانية والمهنية الإعلامية، عبد القادر شعيب في «فيتو»: «إن رئيس البرلمان مثل الوكيلين ورؤساء ووكلاء اللجان المختلفة وأمناء السر بها، سوف يأتي بالانتخاب من قبل أعضاء البرلمان ذاته.. ولذلك ليس مفهوما أن يثير البعض اعتراضات مسبقة على شخصيات معينة، سواء للترشح أو للاختيار من قبل النواب لهذا المنصب.. وليس مقبولا أن يخرج أحد من النواب المنتخبين فقط ليضع فيتو على اختيار شخص ما، وإنما يهدد بالاستقالة أو يتوعد بتنظيم مليونيات جماهيرية إذا اختير هذا الشخص. يضيف شهيب هذا أمر لا علاقة له بالأعراف والتقاليد البرلمانية، ولا أيضا بالأعراف والتقاليد الديمقراطية.. مثلما أيضا يتعارض مع المبادئ المهنية أن يخرج علينا بعض الإعلاميين يؤيدون ويزكون اختيار شخص أو آخر لتولي مسؤولية رئاسة البرلمان، ويعتبرون اختيار غيره خطأ ديمقراطيًا.. فهذا ليس مهمة الإعلام كما درسها هؤلاء، إن كانوا قد درسوا شيئا أو يتذكرون ما درسوه.. وإنما مهمة الإعلام أولا: تقديم الحقائق كاملة للرأي العام غير مشوهة وغير منقوصة، وتؤكد الحقائق أي المعلومات الصحيحة الصائبة والصادقة. أما إثارة قضية وهمية حول رئيس البرلمان الذي دخل البرلمان بالانتخاب أو التعيين، فهذا جدل عقيم وغير صحي.. فإن البرلماني المعين لا يختلف عن البرلماني المنتخب.. الدستور هو الذي يقول ذلك.. ليس لدينا برلمانيون عاديون وآخرون فوق رؤوسهم ريشة.. ولنتذكر أن أمر اختيار رئيس البرلمان هو بيد البرلمان وحده».
«دواعش» هنا وهناك أيضاً
التصريحات التي أطلقها ترامب المرشح الجمهوري الأمريكي المحتمل، ودعا فيها لمنع المسلمين «مؤقتا» من دخول أمريكا، أثارت غضبا من مسلمين وغير مسلمين في أوروبا وأمريكا. وخرجت تصريحات مضادة كما يشير أكرم القصاص في «اليوم السابع»: «دعوات من بريطانيا وأوروبا تهاجم ترامب، وتدعو لمقاطعة منتجات شركاته. وخلف هذا الغضب المعلن تختبئ بعض الحقيقة. ترامب ليس فردا، ولكنه يعبر عن قطاعات واسعة من أمريكا وأوروبا لا يجهرون برأيهم علنا. هناك خوف وشك تجاه المسلمين، وبعيدا عن الشاشات ومواقع التواصل هناك ترامب. وما قاله يعبر عن قطاعات واسعة من الأمريكيين، تعكسه حوادث غضب وعنصرية واعتداءات، وأيضا تغذية تصريحات تكفيرية تحتل الصورة وتدعو لخلافة داعشية. وخوف من مئات الانتحاريين جاهزين لتفجير أنفسهم في المطاعم ومحطات المترو والشوارع. وكان هجوم باريس خير مثال على هذا الفزع. لا يوجد لدى الأوروبيين تصورات مفصلة يمكنهم بها التفرقة بين أغلبية مسلمة معتدلة وعشرات الإرهابيين الجاهزين للانفجار. يرون همجية ودموية «داعش» وصرخات المتطرفين يكفرون أوروبا ويدعون لإقامة خلافة في بلدان منحتهم الحماية. دونالد ترامب أثار الغضب، لكن استطلاعات الرأي تقول إنه ليس وحده، فقد أجرت بلومبرغ استطلاعا أعلنت نتائجه الأربعاء، كشف أن 37٪ من الناخبين يؤيدون اقتراح ترامب بمنع مؤقت للمسلمين، مقابل 50٪ يرفضون، و13٪ لا يعرفون، و65٪ من داعمي الجمهوريين يؤيدون ترامب.. والمفاجأة أن 18٪ من الديمقراطيين يؤيدونه. وهي أرقام بحسب الكاتب تشير إلى أن ترامب يعبر عن قطاعات واسعة من الأمريكيين، ترامب نفسه قال ردا على غضب بريطانيين: يجب على بريطانيا أن تشكرني لأن فيها مناطق لا يستطيع البوليس دخولها من المتطرفين».
سجناء رأي بلا رأي
وإلى نقد النظام الذي أبدع في سحق معارضيه، وهو الأمر الذي يلفت النظر إليه محمد يوسف عدس في «إخوان أون لاين»: «من الحقائق المرعبة في هذا العالم الذي نعيش فيه، أن أناسا مثلنا – بدون ذنب ولا جريمة- يقضون فترات طويلة من حياتهم في السجون، قد تستغرق العمر كله أو معظمه.. تصنّفهم منظمات حقوق الإنسان عادة مع سجناء الرأي، ولو تعمّقتَ قليلا في تحرّي الأمر، لوجدت أن من هؤلاء أناس لم يعبّروا حتى بكلمةٍ عما يدور في أفئدتهم؛ إذ يكفي في أي منظومة قمعية أن يُتَّهم شخص ما بانتمائه إلى جماعة بعينها، أو أنه يواظب على صلاة الفجر جماعة في المسجد، لكي يُحاكم بتهمة ملفقة، وبقانون استثنائي مثل قانون الطوارئ، أو قانون المظاهرات، وأمام محاكم عسكرية.. أو يودع في السجن بلا اتهامات وبلا محاكمات.. أو يُقتل في بيته أو في الشارع بتهمة جاهزة: «مقاومة السلطات».. حتى لو كان المتهم فتاة كسيحة تمشي على عكّاز أو بمقعد ذي عجلات مثل إسراء الطويل. يضيف عدس، عرفنا من أمثال هؤلاء رجالا حملتهم شعوبهم على الأكتاف من السجن إلى رئاسة الدولة؛ لعل من أشهرهم نيلسون مانديلا، وعلي عزت بيغوفيتش والدكتور محمد مرسي.. والعجيب في الأمر أنهم جميعا يشتركون في خصائص وسمات إنسانية يندر أن تتوفر في السياسيين، وهى أكثر نُدْرة في رؤساء الدول بصفة خاصة.. من أبرز هذه السمات: أن السلطة لا تغريهم بشهوة الثأر أو الانتقام لأنفسهم من ظالميهم.. وقد لفت نظر الكاتب لهذه الحقيقة تعليق الرئيس محمد مرسي أثناء تقديم كبار ضباط الداخلية إليه، في حفلة تخريج دفعة جديدة من كلية الشرطة.. قُدّم إليه أحد اللواءات فقال مبتسما: أعرفه وأعرف اللواء الذي يقف بجواره فقد كانا على رأس الحملة التي أخذتني إلى السجن آخر مرة…! واضح أن الرجل – رغم أنه أصبح في مركز يسمح له بالانتقام- إلا أنه عفا عنهما في قرارة نفسه ولو كان أحد غيره في موقفه لكان أول شيء يفعله هو الانتقام..».
قبر لبوتين بدعم سعودي
الرياض بدأت فصلا من المرجح أن يكون حاسما في تحديد الطور الجديد الذي سيأخذه الصراع الدولي على أرض سوريا.. وهو ما يصر عليه نادر بكار في «الشروق»: «على مدى ثلاثة أيام استضافت العاصمة السعودية مختلف فصائل المقاومة السورية على تباين منطلقاتها السياسية والعقائدية والفكرية، بهدف صياغة رأي موحد حول سوريا المستقبلية. الثورة السورية وجهت منذ اليوم الأول لاندلاعها قبل أربع سنوات بقمع وحشي شُرد على إثره أكثر من نصف تعداد الشعب السوري خارج منازله، وقُتل أكثر من مليون مدني، ودمر نحو ثلاثة أرباع البنية التحتية والمساكن، وخلف نحو نصف مليون بين غائب ومعتقل، ومثلهم من أصحاب العاهات الدائمة، غير أرامل وأيتام يستحيل الآن حصر أعدادهم. وتحول الأمر بشكل أكثر مأساوية خلال السنتين الأخيرتين بعد دعم روسي وإيراني سافر فاقم من حجم معاناة السوريين. ويتابع بكار لم تعد الحرب بالوكالة أو من خلال مرتزقة، وما كان بالأمس يُنفى صار اليوم يُتبجح به، وأضحت سوريا حقيقة لا مجازا لعبة للأمم، تنشأ لأجلها الأحلاف وتفَض، ويعقد عليها الاتفاق السياسي أو ينقض، وتتعاظم فيها أدوار وتتصاغر أخرى.. كل هذا ومعاناة الشعب نفسه قائمة لا تحل.. ولا يبدو أنها ستحل في القريب العاجل على الأقل. ويرى نادر أن الرياض الآن تلعب بكل أوراقها لحسم الصراع، لم يعد الأسد هو ما يعنيها.. استعجل الروس ومن قبلهم الإيرانيون اللعبة الصفرية من دون مواربة باب واحد على الأقل لمفاوضات سياسية، وكلاهما يراهن على أن مزيدا من الضغط سيولد عند الطرف السعودي تقهقرا أو على الأقل ترددا. السعوديون يراهنون بدورهم على أن الغرق في وحل المستنقع السوري سيكون من نصيب غرمائهم، وعلى أن إمكانية نقل الصراع إلى آفاق أبعد من دمشق خيار مطروح بقوة، لرفع تكلفة التدخل الإيراني الروسي إلى أقصى درجة ممكنة.. التضييق الاقتصادي على الروس قد يكون بطيء المفعول، لكنه ناجع جدا على المدى البعيد».
أديس أبابا تواصل بناء السد
ونتحول لأزمة سد النهضة الآخذة في التفاقم، وهو ما استدعى حسام فتحي في «المصريون» لكي يحذر من خطورة تجاهلها: «هل سيأتي يوم على المصريين ليغنوا «النيل مجاشي» بدلا من «النيل نجاشي حليوة أسمر عجب للونه دهب ومرمر..» رائعة عبدالوهاب وأحمد شوقي؟ وهل سيمر على المحروسة يوم.. لا يجد المسافر فيه زاده.. لا خيالاً ولا غير خيال، ولا تجد الريح همسات تقولها للنخيل العطش.. وتتحقق نبوءة الشاعر محمود حسن إسماعيل «شابت على أرضه الليالي.. وضيعت عمرها الجبال». ويرى الكاتب أن ما يحدث حول شريان حياة مصر والمصريين يغرقنا في علامات استفهام تتطلب رداً عاجلا وواضحا في مسألة هي بحق.. حياة أو موت.. لا أحد يجيب.. فيضطر كل مهموم بالوطن أن يتحول إلى باحث في شؤون المياه، ومنقب في اتفاقيات تقسيمها، وعلاقات دول المنبع ببلاد المصب! وماذا نفعل والخبراء مختلفون بين أقصى اليمين وآخر اليسار، بين «حكومي» مطمئن يطمئن الــ100 مليون مصري بأن كل الامور تحت السيطرة.. وبين معارض رافض خائف على مصر والمصريين أن تنجح المؤامرة ونصحو يوما على حقيقة «جفاف» النهر الخالد وغور مائه وخراب مصر.. ووقتها يكون الآوان قد فات! قبل أيام رفضت إثيوبيا عقد اجتماع عاجل لبحث أزمة تراجع المكاتب الاستشارية الدولية المنفذة للدراسات الفنية لسد النهضة عن إرسال عروضها إلى اللجنة الثلاثية المكونة من مصر والسودان وإثيوبيا، وواصلت أديس أبابا بناء السد، وواصلنا نحن الصراخ على الفضائيات!».
حسام عبد البصير
الديكتاتور يحكم وحده دون اي مناقشه او معارضه ومستبد برأيه الوحيد . لا صوت يعلو فوق صوت الفرعون ومعه ازلام مبارك الذين اخرجوا من السجون ولذلك الثورات قادمة لا محالة