«البوركيني» بدأ على شواطئ استراليا لدمج المسلمات… وتحوَّل في فرنسا رمزاً للانقسام

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: تميز الصيف الأوروبي لعام 2016 بالجدل حول منع مسؤولين فرنسيين زي السباحة الإسلامي «البوركيني» (برقع- بكيني) الذي يغطي كل جسد المرأة.
وبدأت الحملة الفرنسية على هذا الزي الذي انتشر في كل أنحاء العالم كبديل جيد ومتاح للمرأة المسلمة في مدينة كان الفرنسية والتي قرر عمدتها منع ارتدائه على الشواطئ لتضاربه مع قيم العلمانية الفرنسية.
وتبعت كان بلدة فيلنوف لوبيه فيما نشب شجار على شاطئ من شواطئ جزيرة كورسيكا وأدى لمنع ارتدائه فيها.
وبلغ عدد المدن الذي حظرته خمساً وهناك ثلاث مدن تدرس منعه. وتدخل رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس في الجدال يوم الأربعاء قائلاً إنه يدعم الحظر على «البوركيني» «لأنه يتناقض مع قيم فرنسا والجمهورية».
وتشي الحملة على زي السباحة أنه غزا الشواطئ الفرنسية مع أن عددا من مسؤولي المدن الفرنسية التي منعته اعترفوا بأنهم لم يشاهدوا إمرأة ترتديه على شواطئها ومن الصعب العثور بين مرتديات المايوهات على بوركيني واحد.
وترى إليسا روبن من صحيفة «نيويورك تايمز» أن «البوركيني» أصبح رمز الإنقسام الجديد في علاقة فرنسا المضطربة مع سكانها المسلمين الذين يشكلون أكبر تجمع مسلم في أوروبا.
كل هذا في مناخ تحضر فيه البلاد لانتخابات رئاسية في العام المقبل وبعد سلسلة من الهجمات الإرهابية كان آخرها هجوم في مدينة نيس قتل فيه 85 شخصاً.
وتشير الصحافية إلى عدم وجود تعريف واضح لما يمكن اعتباره بوركيني، فقد اشتكت نساء مسلمات جرى استهدافهن لمجرد ارتدائهن ملابس أخرى.
مما يطرح أسئلة حول معنى ودوافع الهجوم الحالي على زي السباحة الإسلامي وإن كان المنع محاولة من الدولة لإجبار المسلمين على الإلتزام بقيم الغالبية أو أنه تأكيد حقيقي وخالص على الثقافة العلمانية ـ اللائكية التي تتميز بها فرنسا.
وتعلق روبن قائلة إن النقاش حول «البوركيني» هو استمرار لعدم الارتياح في فرنسا من لباس المرأة المسلمة الذي يتوافق على رفضه الطيف السياسي.
فتصريحات فالس الإشتراكي لا تختلف بالضرورة عن ممثل يمين- الوسط الطامح في العودة إلى السلطة نيكولاي ساركوزي أو حتى زعيمة الجبهة الوطنية ماريان لوبان التي دعمت الحظر وقالت في مدونة إن «روح فرنسا هي محل تساؤل».
وأضافت «لا تحبس فرنسا جسد المرأة، وفرنسا لا تخفي نصف سكانها بناء على ذريعة كاذبة ومقيتة وهي منع النصف الثاني من الوقوع في أسر الإغراء».
وعلقت أيضاً أن «الشواطئ الفرنسية هي لباردو وفاديم» في إشارة للممثلة المعروفة بريجيت باردو وكاتب النصوص الإباحية روجر فاديم، وليس لـ «بليفغور» في إشارة لمسلسل تلفزيوني يقوم فيه شبح أسود باستهداف متحف اللوفر. وفي مقابلة لفالس نشرتها «لا بروفينس» اليومية الصادرة في مارسيليا اعتبر فيها «البوركيني» «مشروعاً سياسياً» لاستعباد المرأة.
ووصفت الناشطة الأنثوية والوزيرة الإشتراكية لشؤون الأطفال والنساء لورنس راسنيو «البوركيني» بأنه زي «متخلف» وليس «مجرد زي للسباحة» ولكنه زي يحمل معاني عدة «معنى الخفاء وتغطية جسد المرأة، كما أن الوضع الذي يضع المرأة فيه هو ما أكافح ضده».

رمز لليبرالية

ومن هنا فلا مجال للشك أن التحيزات السياسية والثقافية والمخاوف الأخيرة بعد موسم الإرهاب الأخير في فرنسا أسهمت في إشعال النقاش. وبرر رؤساء البلديات الذين منعوا «البوركيني» بناء على منطق غامض يبغي الحفاظ على النظام العام والنظافة «والأخلاق الجيدة» والعلمانية.
وتضيف الصحيفة أن الزي تلبسه النساء المسلمات تعبير عن ليبراليتهن كما يقول مروان محمد، مدير المركز ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا.
ففي الدول المسلمة المحافظة لا ترتاد النساء الشواطئ أو تختلط مع الرجال ولا حتى تنزل للمياه والسباحة بزي مثل «البوركيني» الذي يلتصق بجسد المرأة ويكشف عن تفاصيله. وقال «هذه أخبار جيدة لأن المرأة المسلمة التي لم تكن تتنزه على الشاطئ أو قرب حمام السباحة تشارك الآن وتختلط بالمجتمع».
وكان المركز ضد الإسلاموفوبيا قد تحدى قرار عمدة كان وخسر القضية، ويقوم بالإستئناف ضد القرار.
ويشير محمد إلى أن أهم ما في الأمر والنقطة الأخطر هو عدم وجود تعريف للبوركيني. فالنساء اللاتي لا يرغبن بشراء «البوركيني» ودفع 40 يورو يلبسن قميصاً وبنطالاً طويلاً. وفي بعض الحالات يخلعن الحجاب ويرتدين قبعة للسباحة. وقال إن ست نسوة قدمن شكوى لمركزه وطلب منهم في الأسبوع الماضي مغادرة الشاطئ مع أنهن لم يكن في زي «البوركيني».
وكانت واحدة منهن ترتدي قميصاً بأكمام طويلة على بنطال طويل وحجاب وأخرى ارتدت زياً لمنافسات السباحة كذلك الذي يلبس في المباريات الأوليمبية.
وفي كان اشتكت حوالي 10 نساء للجمعية الإسلامية من منعهن التمشي على البحر لكونهن يرتدين الحجاب. وفرضت السلطات غرامة 38 يورو لمن تخالف الحظر.
وأشارت الصحيفة إلى أن عدداً من رؤساء المدن الذين حظروا «البوركيني» اعترفوا بأنهم لم يروا مسلمة ترتديه على شواطئ مدنهم بمن فيهم رئيس بلدية اويي – بلاج القريبة من القنال الإنكليزي وكذا عمدة بلدة لوتوكي.

ماذا وراء القصة؟

ورغم الجدل حول زي السباحة الإسلامي إلا أن القصة وراء انتشاره لم تبدأ كما يقول آدم تيلور في «واشنطن بوست» في أوروبا ولا حتى في الشرق الأوسط أو الدول ذات الغالبية المسلمة، فقد بدأ «البوركيني» على الشواطئ الأسترالية وتم تصميمه للشواطئ الرملية البيضاء في سيدني.
ورغم تحوله رمزاً للانقسام في أوروبا إلا أن مصممته كانت تريد دمج المسلمين. وتقول المصممة الأسترالية اللبنانية الأصل عاهدة زانيتي «أردت تغيير الرمز الإسلامي المرتبط بالحجاب» و»أردت التأكد من اندماجنا في اسلوب الحياة الأسترالي».
ويعلق تايلور «يمكنك تتبع أثر «البوركيني» في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في بانكستاون، وهو حي من أحياء سيدني تعيش فيه عرقيات متنوعة ونشأت فيه زانيتي التي ولدت في طرابلس في لبنان وانتقلت إلى أستراليا عندما كان عمرها سنتين». وتقول الصحيفة إن مصدر إلهام زانيتي للزي المثير للجدل اليوم كان لعبة نيت بول (كرة الشبكة).
وتحدثت الصحيفة عبر الهاتف مع زانيتي من بيتها يوم الأربعاء حيث قالت إنها كانت مرة تراقب ابنة اختها وهي تلعب كرة الشبكة وشعرت بعدم الإرتياح عندما رأت أنها ترتدي زي الفريق فوق الزي الإسلامي.
وتقول «عندما نظرت إليها كانت تبدو مثل حبة الطماطم». في ذلك الوقت لم تكن زانيتي ترتدي الحجاب إلا أنها شعرت بالغضب لوضع ابنة اختها.
وبدأت في البحث عن زي محتشم ومناسب للرياضة فلم تجد واحداً ولهذا قررت تصميم زي جديد. وقالت وهي تشرح «أنا إمرأة جريئة». وصممت ما وصفته «هيجود» (من حجاب هود/قبعة) وهو زي يمكن لبسه بسهولة ويسمح للفتاة بالمشاركة في النشاطات الرياضية. وبعد تلقي الزي ردود أفعال محلية اثناء مهرجان إسلامي قررت فتح محل «عاهدة» 2004. وانتقلت منه لتصميم زي سباحة حيث تقول إنها استلهمت الفكرة من مقال قرأته عن نساء مسلمات يخضن في الماء وهن يرتدين البرقع. وعندما بحثت عن معنى الكلمة في القاموس وجدت أنها تعني اللباس الذي يغطي الرأس والجسد.
ومن ثم بحثت عن معنى «بيكيني» ووجدت أنها تعني قطعتين صغيرتين من القماش للسباحة. ولم تجد زانيتي حرجاً في الجمع بين البرقع والبكيني «كان مجرد اسم اخترعته ولا يعني شيئاً». فهو في النهاية زي سباحة بكيني من قطعتين مصمم برؤية إسلامية.

الانتشار

ولم يحقق الزي إلا شعبية قليلة إلا أن الأحداث المتتابعة سلطت الأضواء عليه في استراليا ومن ثم العالم. فبعد هجمات أيلول/سبتمبر 2001 نشبت مناوشات بين المسلمين والأستراليين البيض في سيدني، منها أحداث العنف التي اندلعت في عام 2005 على كرونولا بيتش.
ومن هنا بدأت بعض المؤسسات المدنية في البحث عن طرق لمساعدة المسلمين الأستراليين على الإندماج في الحياة العامة وإظهار أنهم جزء من المجتمع الأسترالي. وفي عام 2007 قررت مجموعة غير ربحية اسمها «سيرف لايف سيفينغ» القيام بحملة لمساعدة المسلمين والبحث عن منقذين بحريين إلا أن عدم توفر زي مناسب للمنقذات البحريات المسلمات حال من تقدم المشروع.
وبحثت المجموعة عن أزياء محتشمة مع أن شركة تركية اسمها «حسيما» قالت إنها تعمل في هذا المجال منذ بداية تسعينيات القرن الماضي لكنها لم تكن مناسبة لأستراليا. ولهذا السبب اتصلت المجموعة بزانيتي وطلبت دعمها في تصميم زي للمنقذات البحريات.
وتجاوبت حيث عدلت من الزي الأول الذي صممته بحيث ناسب عمل المنقذة البحرية. وانتشر الزي بين الشابات المسلمات وسمح لهن المشاركة في نشاطات على مستويات لم يكن يتوقعنها كما قالت مكة لالا التي نقلت عنها أسوشيتدبرس عام 2009. وتحولت مصممة الزي لشخصية معروفة مطلوبة من وسائل الإعلام حيث أجرت أكثر من 1.500 مقابلة صحافية. وتقدر إنها باعت منذ 2008 أكثر من 700.000 قطعة. وتوفره لأي زبون مهما كان أصله وعرقه حول العالم.
وتقول إن المنتج مناسب لأي مسلمة وغير مسلمة حيث اشترته يهوديات وهندوسيات ومسيحيات.
وشوهدت الطاهية المعروفة نايجلا لوسون وهي ترتدي «البوركيني» كما قام متجر ماركس أند سبنسر بتصميم زي جديد يقلد زي «عاهدة». وعبرت زانيني عن مخاوفها من سوء فهم الإسم وخلط الزي بالبرقع. فـ»البوركيني» يترك الوجه مكشوفاً. وفي ضوء النقاش الدائر في فرنسا حول زيها تقول إنه مختلف، ففي الماضي كان الاهتمام بـ»البوركيني» إيجابياً أما الآن «فكل واحد يعتقد أننا نخفي قنبلة في «البوركيني».
وتشعر زانيتي بالفرح كونها صممت زياً أعطى المرأة المسلمة الثقة في النفس ومنحتها الفرصة للمشاركة في الحياة، وهو خلاف الجدل الدائر في فرنسا حيث يدور معظمه حول استبعاد المرأة باسم الزي الذي يخالف قيم الدولة.
والقصة مرتبطة في علاقة الدولة الفرنسية المضطربة مع المسلمين والتفكير العلماني للدولة. وبدأت في صورتها المتشددة عام 2004 عندما قررت منع الحجاب والرموز الدينية في المدارس الحكومية ومؤسسات الدولة ولم يسر الحظر على الجامعات وبقية الكليات ولا يوجد قانون يمنع ارتداؤه في الأماكن العامة.
وفي عام 2010 أصدر البرلمان الفرنسي قراراً يمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة والسبب وراء الحظر كان السلامة العامة كما جاء في حيثيات القانون.
ولا يخفى أن هناك نوعاً من التنافس بين الساسة الفرنسيين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في المطالبة بوضع قيود على زي المرأة المسلمة. فقد طالب أحد المرشحين على قائمة حـزب الجمـهوريين بمـنع الحجـاب في الجامعـات.
ويعلق مروان محمد على النزعة «الإسلاموفوبية» في هذا الخطاب حيث يقول «الإسلاموفوبيا هي عاطفية جداً فلا تحتوي على عنصر ديني فيها ولكن عنصراً يميز بناء على الجنس وبالنسبة للبوركيني هناك محاولة حقيقية للتحكم بجسد المرأة. وليس هذا كله بل بالخطاب الديني الإسلامي في فرنسا.

السيطرة على المساجد

ولا يمكن والحالة هذه فصل النقاش الدائر والهجمات التي يتعرض لها الزي الإسلامي عن المزاج العام الفرنسي تجاه المسلمين. كما لا يمكن فصل النقاش عن الهجمات التي تعرضت لها فرنسا في الآونة الأخيرة ونفذها متشددون يقسمون الولاء لتنظيم «الدولة».
وهو ما زاد من حدة الرقابة على المسلمين ودعوات للسيطرة على الخطاب الدينـي والحد من الدعم المالي الأجنبي للمساجد مع أن تقريراً لصحيفة «واشنطن بوست» كشف في الأسبوع الماضي أن معـظم الدعم للمساجد وأماكن العبادة يأتي من متبرعين فرنسيين ولا دور للدول الأجنبية في دعم المساجد. وأن التمويل للمسـاجد يـأتي من الجزائر التي تبرعت في العام الماضي بمليونـي يورو والمغرب التي تبرعت بستة ملايين يورو للمساجد الفرنسيـة. إلا أن الدولة الفرنسية استخدمت الهجمات الأخيرة كذريعة لإغلاق عدد من المساجد. فبعد أسابيع من هجوم مدينة نيس أعلن فالس عن خطط لمواجهة المساجد المتشددة، وبعد يوم من تصريحاته كشفت وزارة الداخلية عن إغلاق 20 مسجداً سلفياً منذ كانون الأول/ديسمبر.
وقال وزير الداخلية برنارد كازانوف «لا مكان في فرنسا لمن يدعون في قاعات الصلاة على الكراهية أو يحرضون عليها»، وهو تلميح ضمني لدور المساجد في الإرهاب حسبما قال محمد، مدير المركز ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا.
مع أن المساجد المرتبطة بالتشدد لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من عدد أماكن العبادة الإسلامية في فرنسا وعددها 2.500 مسجد ومصلى. وبحسب فرانس 24 فعدد هذه المساجد لا يزيد عن 120 مسجدا.
وشكك عدد في رواية الحكومة عن التمويل الأجنبي خاصة أن فرنسا لديها قوانين قوية وبنية لمكافحة غسيل الأموال والإرهاب منذ عام 1990.
وأكد تقرير برلماني أن غالبية الدعم للمساجد هو من الداخل. وبموجب قانون عام 1905 الذي صدر بعد قضية دريفوس المعروفة فقد تم الفصل بين الدين والدولة، ولم تعد الأخيرة مسؤولة عن تمويل أماكن العبادة الدينية، سواء كانت مسيحية أم إسلامية أم يهودية.
ولهذا السبب تعتمد الكنائس والمساجد والكنس على الدعم الخيري. ورغم ذلك فقد أنشأت الحكومة الفرنسية «صندوقاً للعمل الإسلامي» للإشراف على تدريب الأئمة الذين ولدوا خارج فرنسا.
وشعر المسلمون بالإهانة عندما قررت تعيين وزير الداخلية السابق جين بيير شيفنمنت، 77 عاماً مسؤولاً عنا.
واعتبر محمد القرار «إهانة مزدوجة» للمسلمين، من خلال اختيار رجل لا يمثل شيئاً للمسلمين ولكونهم لم يعثروا على شخص صالح للمهمة من بين 6 ملايين مسلم في فرنسا. ويعتقد محمد، من الإسلاموفوبيا الجماعية بفرنسا أن الدولة تحاول مصادرة الرأي الإسلامي العام.

«البوركيني» بدأ على شواطئ استراليا لدمج المسلمات… وتحوَّل في فرنسا رمزاً للانقسام
رؤساء بلديات منعوه بدون وجود نساء يسبحن فيه… ونساء استهدفن لمجرد لبس الحجاب
إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية