البوكر دائما

منتصف الأسبوع الماضي، أعلنت القائمة الطويلة، للجائزة العالمية للرواية العربية، أو البوكر كما يطلق عليها، بوصفها تحت رعاية جائزة مان بوكر البريطانية القديمة، ويصادف هذا العام مرور عشر سنوات على إطلاق هذه الجائزة المفرحة، والمرهقة لجميع من يتنافسون عليها، فيكسب البعض ويبتهج كثيرا، ويخسر البعض الآخر، ويتجهم، لكن المحاولات الجادة لاقتناصها لا تنتهي، والسعي الحثيث وأحيانا الركض، للحاق بغبارها، وما يحدثه الدخول إلى قوائمها من رواج للكتاب، وربما الكاتب وأعماله السابقة إن كان يملك أعمالا سابقة، ما يلبث أن يبدأ بمجرد أن تنطفئ دورة، وتبدأ دورة جديدة في الاشتعال.
وعلى الرغم من أن جوائز عديدة ومهمة، موجودة في الوطن العربي، إما سابقة للبوكر، وإما جاءت بعدها بزمن، وبملامح جيدة للغاية، ومزايا أيضا تجعل الكتاب يبتهجون، ويتحفزون للمنافسة فيها، مثل جائزة كتارا، وجائزة الشيخ زايد، إلا أن البوكر ما تزال الجائزة التي لا يهدأ في شأنها الصخب، وقد اخترعت ضجيجها الخاص، ذلك الضجيج الذي تحدثه الأعمال الفائزة إن فازت، والأعمال المستبعدة إن استبعدت، دائما ما نجد تلك الأسئلة التي تطرح بعنف حينا، وبعنف أشد أحيانا: لماذا وكيف، وإلى متى؟ أسئلة الإحساس بأن العمل لم يقيم جيدا من قبل صاحب عمل لم يدخل المنافسة، وهناك من تبنى فكرة أنه عمل متجاوز ورائع ومهم، وربما الكاتب نفسه، يحس بأن ذلك العمل كان يستحق، ولكن لم ينتبه لاستحقاقه أحد. وأذكر أنني قدمت رواية أعتبرها مهمة في تجربتي، في الدورة الثالثة ربما، وكان كثيرون يعتبرونها كذلك، وجلست أحلم أن أراها في قوائم الجائزة، ثم متوجة بالجائزة نفسها، لكن ذلك لم يحدث، وبالطبع جاءت تلك الأسئلة العنيفة الضاجة، راكضة، لتحتل أفكاري: لماذا وكيف؟ وهل هذا معقول؟ ولأكتشف بعد ذلك، من تعدد التجارب في الدخول والخروج من الجوائز، والعمل في لجان التحكيم أيضا، أن أي سؤال يأتي بعد نهاية المطاف، لن يجدي أبدا، وأي سؤال يتحدث عن نتائج، هي رصدت وأعلنت، ليس سؤالا دافئا، يمكن أن يحتضنه أحد، ويحكي له حكاية. إنها أسئلة وقتية، تأخذ دورتها في بحر الانفعال الإنساني وتذوب، لتأتي بعدها أسئلة أخرى، بسبب أحداث أخرى طارئة.
والأهم من ذلك، أي طرح الأسئلة ومحاولة العثور على إجابات لها، هو الاستمرار في الإبداع، الاستمرار بطاقة قصوى، والإنسان المبدع، يستطيع تدبير تلك الطاقة القصوى، وأعني طاقة الالتقاط من الحياة، وطاقة توظيف ما يلتقط، في العمل الإبداعي، وبلا شك، طاقة الجلوس ساعات طويلة منتظمة، لكتابة نص، ينبغي على الكاتب أن لا يسعى لتلقيبه وتسميته، نصا كبيرا، أو نصا متجاوزا، أو نصا مختلفا في فكرته عن باقي النصوص، فكل ما يكتب، حتى لو تعرض للفكرة نفسها عند الغير، يعد مختلفا أيضا، ومعروف أن الأفكار التي تستدعي الكتابة الإبداعية، محدودة جدا، وما يحدث أن تلك الأفكار، تدخل الأذهان وتخرج من ذهن هذا بزي أبيض، وذهن ذلك بزي أصفر، وهكذا من كل ذهن يفكر، بزي جديد مختلف، ولذلك سنرى كتابة الفانتازيا مثلا عند ماركيز، تختلف عنها عند كثيرين من اللاتينيين، أخذوا المعطيات نفسها، وأعادوا إخراجها، بأزيائها المختلفة التي فصلها كل على حدة. واستخدام أجواء مدينة واحدة في أعمال روائية عدة، بالبيوت والشوارع والمقاهي نفسها ورائحة البحر والصخب، وحتى الموت نفسه، يمنحنا المدينة نفسها، هذا صحيح، ولكن بوجوه لا تشبه بعضها بعضا، ولذلك نقرأ أعمالا متعددة عن مدينة لشبونة، كل يحمل متعته الخاصة: ليلة لشبونة، الشتاء في لشبونة، بيريرا يدعي، هنا كتاب من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، غازلتهم لشبونة، وكتبوها.
أعود لجائزة البوكر، وشبيهاتها من الجوائز، القديمة والمستحدثة، ومعنى أن تكون ثمة جوائز لكتابة ما زال البعض يطرح سؤالها القديم، حتى الآن: لماذا نكتب؟ والسؤال القديم بلا إجابة شافية للذي لا يريد إجابة شافية، وأظن هذا السؤال، من الممكن تفصيله على أجساد كثير من الأنشطة الأخرى، وإن أي إجابة عليه، هي ليست إجابة على الإطلاق، سؤال الحياة نفسه، يمكن للبعض أن يطرحوه، ويتفهون من قيمة الشهيق والزفير، والخوف والضحك، وهكذا أشياء عديدة، أرى أن نتذوقها ونعيشها بلا أسئلة.
إذن الجوائز، وبناء على ما نراه من انفعالات شتى، معظمها صادق، أرى أنها في كل الأحوال، ورغم سلبيات بلا حصر، أغنت المشهد العام للحياة الأدبية، خاصة البوكر، كما ذكرت، وأتعمد أن أمر بعد كل قائمة تعلن لها، على مواقع القراءة، لأجد قائمتها وقد أدرجت هناك، والقراء وضعوها في خانة الكتب التي ستقرأ فورا. وعلى الرغم من أن كتبا عديدة ربما صدرت في الموسم نفسه، ولم تدخل القوائم، أو لم تشارك أصلا في السباق، إلا أن كتب قوائم البوكر، دائما ما تتصدر، وتأتي الكتب الأخرى لاحقا. ولطالما تساءلت كثيرا عن فلسفة أولئك الذين لم تهمهم هذه الجوائز، ولم يسعوا إليها قط، لا متسابقين، ولا أعضاء لجان تحكيم فيها، إن كانوا كبارا ومخضرمين، ولم أعثر على إجابة معينة، فحتى البريق الذي يخطف أبصار الجميع قد لا يخطف بصر أحد ما، وبالتالي، لن يشارك في لحظة الانبهار، وربما هناك من يجد أن الجوائز لن تقيم إنتاجه كما ينبغي، أو يرى أن ما يكتبه أكثر أهمية من تعريضه لخطر أن يلفظ من المنافسات، ويجرح إحساسا ما، خاصة أن اعتقاد الأهمية الكبرى، الذي يحمله بعض المبدعين في صدورهم، ليس اعتقادا نادرا، ويمكن العثور عليه في أي مقهى، يرتاده كتاب وشعراء.
بالنسبة للمواضيع التي تحبها الجوائز، والتي دائما ما نرى أن هناك من يضع قائمة بها، فلا أعتقد أن الجوائز تحب مواضيع معينة، ولا تحب مواضيع أخرى، أو تفضل أسلوبا على أسلوب، كل ذلك غير حقيقي، والحقيقي هو أن العمل يطرح للمنافسة، فيقبل أو لا يقبل، ومهما كان الانفعال عنيفا وردة الفعل قاسية عند صاحب العمل، الذي لم تبتسم له القائمة، فعليه كما قلت أن لا يظنها نهاية الجهد، بل بداية الجهد لمواسم أرحب.

* كاتب سوداني

البوكر دائما

أمير تاج السر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول صالح الرزوق / سرريا:

    ليست النتيجة محددة لكفاءة الروايات المرشحة بالضرورة لكن تسويق الكاتب من خلال الجائزة عمل تشكر عليه اللجنة،
    كتارا جائزة هامة كذلك و مشكلتها التفريعات الناجمة من الرأس، فارتباط الانساق بالحكمة المرجوة من الجائزة ليس بدرجة واحدة من العلاقة، و يا حبذا لو يتم فصل الرواية بفئتيها المنشورة و غير المنشورة عن بقية الأنساق و الفئات ليأخذ السرد حقه من العناية و الاهتمام. فهو فن ملتبس و عمره لا يزيد على مائة عام و ليس مثل الشعر و لا الدراسات…

  2. يقول balli_mohamed casa:

    تحت ظل هده السطور الفنية اضع كلمة اد اسمح لناالمنبر شكراهناك مواضيع فنية ادبية اخرى على ظهر المنبر المتميز فمازلنا نعطي كلمتنا باالحرف رغم قلة العلم والمعرفة ليس من السهل ولوج عالم النقد الواسع ان لم تكن عندك الأدوات وهي بمثابة الزاد نكررماقلناه يكفي الشعرفخرارغم انه غائب حضورد ائم حضور في الرواية وعلى اي شكل حضور في القصة وعلى اي صورة حضور في التشكيل وعلى اي وجه وقد يكون الشعرسببافي فوز عمل روائي متميز ممكن هد امائة في المائة فنحن نعتبرالشعروزن ثقيل اسألواالرواية عنه .
    إن الرواية هي قصة خيالية ونثرية طويلة؛ وهي اكثر فن انتشارا و شهرة من فنون الأدب النثريّ. تتميز بالتشويق في الأمور والمواضيع والقضايا المختلفة سواء أكانت أخلاقية أو اجتماعية أو فلسفية،وبعضها يتحدث عن الإصلاح و إظهار غير المألوف او يكون هدف الرواية للضحك و الترفيه. الرواية النفسية :
    تتحدث عن تجارب و أفكار ومشاعر شخص أو أكثر وتختلف عن الواقعية.
    الرواية الرومانسية:
    هي المراة التي تعكس الشكل المثالي للحياة كما أنها تحتوي على الخيال العلمي والمستقبل أو تتحدث عن الفضاء الخارجي او الكواكب. الرواية البوليسية: أحب الروايات عند المتلقي حيث تتميز بعنصر الغموض والتشويق والمجهول.
    الجائزة ليست كل شيء اي بمجرد ان يحصل الشاعرالروائي المتميز عليها يتقاعد وينسى كل شيء لاهي من باب المزيد من الجهد المزيد من الصور المسلية الثي ترضي العيون وتدخل الفرحة على القلوب الحزينة وقلناان الرواية لهافي عيون السينما مكانة .
    جائزة بوكر هي من أهم الجوائز الأدبية المخصصة للأعمال الروائية باللغة الإنكليزية، وذلك منذ تأسيسها عام 1968. تُمنح لأفضل رواية كتبها مواطن من المملكة المتحدة أو من دول الكومنولث أو من جمهورية أيرلندا. ولها فرع يهتم بالرواية العربية وهي الجائزة العالمية للرواية العربية التي تم إطلاقها في أبو ظبي في أبريل 2007.

  3. يقول سوري:

    دكتور امير
    قلمك كمبضعك، كونك طبيبا يجمع بين المبضع والقلم، وكلامك بلون سماء الياقوت التي كتبتها مبكرا. من الأخوة السودانيين تعلمنا كثير بدءا من موسم الهجرة إلى الشمال لكاتبنا الكبير الطيب صالح إلى محمد مفتاح الفيتوري عطاء بصلابة الأبنوس وغزارة النيلين الجوائز يا سيدي وللاسف الشديد معظم هذه الجوائز تمنح لأصدقاء في اللجنة وليس للمبدعين ولدي أمثلة كثيرة لا داع لذكرها الآن
    ومهما يكن من أمر فإن الأعمال الروائية الغزيرة هذه السنوات جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار وإن لم يتقدم أصحابها للجائزة، وعلى لجان التحكيم أن تحكم بالعدل

إشترك في قائمتنا البريدية