التزام أمريكا بهزيمة الجهاديين والتخلص من الأسد سيرضي طموحات السنة في العراق وسوريا

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: عادة ما يجري الحديث عن دور دول عربية في ظهور تنظيم «الدولة» وقبله «القاعدة». وقبل أيام اتهم معلق جزائري في صحيفة «نيويورك تايمز» السعودية وعقيدتها الوهابية بالوقوف وراء صعود الجهادية في العراق وسوريا.
وقال إن «داعش الأسود» لا يختلف عن «داعش الأبيض» إلا بالمظهر ولكن الجوهر واحد، في إشارة لزي مقاتلي «الخلافة» والزي المنتشر في دول الخليج. وقد جرى إنتاج وإعادة انتاج هذا المفهوم منذ خروج «تنظيم الدولة» السريع وسيطرته على مدينة الموصل العراقية في حزيران/يونيو 2014.
ومهما كانت حقيقة التقارب الأيديولوجي المفترض إلا أن هناك محاولة لتجنب الحديث عن الدور الذي لعبه الغزو العراقي في صعود التنظيمات الجهادية، فقبل الغزو عام 2003 لم يكن هناك تنظيم لـ»القاعدة» وإن وجد فلم يكن منظما ولا ظاهرا بسبب الطبيعة القمعية للنظام العراقي بزعامة صدام حسين. ويرى الباحث الأمريكي جون ريكاردو الأول (خوان) كول المحاضر في التاريخ وشؤون الشرق الأوسط في جامعة ميتشغان أن الأخطاء التي ارتكبتها إدارة جورج بوش هي مسؤولة عن صعودا المتشددين.
وتساءل في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» هل أدى غزو إدارة بوش للعراق عام 2003 إلى الأزمة الحالية حول «تنظيم الدولة»؟ ويعلق قائلا إن هذا السؤال حضر بشكل واسع في حملة الانتخابات الرئاسية الحالية، خاصة بين المتتنافسين على الترشيح في الحزب الجمهوري عندما وقفت إمرأة شابة وسألت جيب بوش أحد المتنافسين قائلة «شقيقك هو الذي خلق داعش».
ويرى كول أن الغزو لم يكن السبب ولكن السياسات التي تم تطبيقها، فيما بعد، كانت مسؤولة عن تمزق كل من العراق وسوريا. فما فعلته إدارة جورج دبليو بوش هي أنها شجعت الانقسام الطائفي وخلقت تمردا طويلا.
ويقول «في كل مرحلة على طريق الاحتلال، أصدرت إدارة بوش قرارات فاقمت التوتر الطائفي في العراق ووضعت البلد على طريق الانهيار».

سوء فهم

ويعتقد كول أن التأكيدات التي طرحها بعض المراقبين في محاولة لتبرير الوضع، وهي أن البلد يعاني قبل الغزو من كراهية مستحكمة وضاربة في القدم، غير صحيحة ولا تاريخية. ففي العقود التي سبقت الاحتلال الأمريكي تركزت مشاعر العراقيين على معاداة الاستعمار أو الاقطاعيات الكبيرة والاشتراكية.
وأدى قرار الولايات المتحدة حل حكم البعث العلماني إلى فراغ في السلطة ملأه ساسة لعبوا على المشاعر الطائفية بطريقة غير مسبوقة، وهو ما أدى لاندلاع تمرد عنيف كان في طبيعته قاتلا. ومن المعروف أنه عندما يندلع التمرد فإنه لا ينتهي قبل 10 إلى 15 عاما.
ويرى الكاتب أن هناك سببين منعا الأمريكيين من الاعتراف بذنبهم ودورهم في صعود «تنظيم الدولة»، الأول يتعلق بموقف الرأي العام والإعلام بالضرورة الذي لم يعترف إلا نادرا بقدرة القوى العراقية الاجتماعية على التصرف باستقلالية وتم التركيز في الغالب على الحملات العسكرية الأمريكية. أما الثاني فهو تحول العراق إلى ملعب كرة قدم للمماحكات الحزبية. وبعد غزو عام 2003 قامت إدارة بوش وعن قصد بتهميش السنة الذين تسيدوا نظام صدام حسين وفضلت بدلا عنهم بطانة من الشيعة.
وتم وقف العجلة الرئيسية للسياسة في البلد وهي حزب البعث العلماني الدموي والذي حكم ما بين 1968ـ2003.
وقام حلفاء بوش من الشيعة مثل أحمد الجلبي ونوري المالكي الذي حكم ما بين 2006-2014 بتشكيل لجنة «اجتثاث البعث» التي طردت أكثر من 100.000 سني من وظائف الحكومة وشملت وظائف في القطاع التعليمي. حدث هذا في وقت لم يكن فيه قطاع خاص في العراق، فيما لم يتم المساس بوظائف الشيعة البعثيين الذين استمروا في عملهم كالمعتاد. وقام مفوض بوش «السامي» على العراق بول بريمر، الذي يؤمن بالسوق الحرة، بوقف كل المصانع المملوكة من الدولة مما أثر على الاقتصاد ووضعه في حالة هبوط لولبي.
ولم يكتف بريمر بهذا بل أصدر أمرا بحل الجيش العراقي ورمى بضباطه وجنوده في الشارع من دون أي تقاعد أو وسيلة للعيش. وهو ما أدى لانتشار حالة البطالة في أوساط العرب السنة مثل الطاعون الذي أصاب أوروبا في العصور الوسطى. ووصلت نسبة البطالة بينهم إلى 70% التي ظهر فيها التمرد. وبالمقارنة مع هذا الوضع تأكدت الشلة الشيعية المتعاونة مع الأمريكيين من توفر الوظائف لأبناء طائفتها في الحكومة الجديدة.

عكس مانديلا

ويرى كول أن إدارة بوش وحلفاءها العراقيين فعلوا على عكس ما فعله نيلسون مانديلا الذي أنشأ لجنة للمساءلة والمصالحة الوطنية في فترة ما بعد التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. والنتيجة في العراق كانت مختلفة والحالة هذه. ويشير كول هنا للطريقة الانتقامية التي تعاملت بها الإدارة الأمريكية مع مدينة الفلوجة وسكانها الذي يعتزون بتاريخهم، عندما حول المارينز المدينة لأنقاض عام 2004 بعد مقتل أربعة متعهدين أمريكيين، وهو ما أدى لنفور السنة الذين رفضوا المشاركة في الانتخابات التي نظمت في كانون الثاني/يناير 2005.
وكانت النتيجة هي برلمان تسيده الشيعة قاموا بالإشراف على كتابة دستور رفضته كل المحافظات ذات الغالبية السنية. ومن هنا يقول كول إن المعاملة السيئة للسنة العرب دفعتهم إلى خوض حرب عصابات ضد الولايات المتحدة. وظهرت في مناطقهم أكثر من 50 خلية. وكانت واحدة منها تنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين الذي شكله الأردني أبو مصعب الزرقاوي، ولم يجلب هذا التنظيم المتدينين السنة الذين عبروا عن قلق من التسيد الأمريكي- الإيراني المتزايد في العراق بل ضباط البعث السابقين الذين كانوا يعرفون مخابئ الأسلحة التي خلفها النظام السابق.
وتولت التنظيم، بعد مقتل الزرقاوي بغارة أمريكية عام 2006، قيادة عراقية وأطلق عليه اسم «الدولة الإسلامية في العراق». وكان معظم قادته من الضباط العسكريين في النظام السابق والتقى بعضهم في معسكر بوكا جنوب العراق، والذي احتجزت فيه الولايات المتحدة أكثر من 25.000 شخص.
ويعتقد الكاتب أن عددا من الذين انضموا إلى «القاعدة» من الضباط السابقين لم ينضموا لإيمانهم بها ولكن لبناء دعم شعبي لهم. وبعد اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011 ضد الدكتاتور السوري بشار الأسد والتي تحولت تدريجيا إلى حرب أهلية.
ودعم أبو بكر البغدادي الفرع السوري عام 2012 «جبهة النصرة» والذي كان معظم أفراده من المحاربين السابقين في أفغانستان. وبعد انفصاله عن «جبهة النصرة» عام 2013 بدأ التنظيم لعبة انتهازية، حيث كان يترك جماعات المعارضة لمواجهة نظام الأسد، ومن بعد ذلك يقوم بالسيطرة على المناطق التي حررتها من سيطرة النظام.

قمع السنة

وفي الوقت نفسه استمرت الأحزاب الشيعية التي وصلت للسلطة بعد الغزو بسياسة استبعاد السنة.
وسيطر قادة الميليشيات الشيعية السابقون مثل منظمة بدر على قيادة الجيش العراقي. وعندما اندلع حراك سني عام 2011 وطالب من خلاله المتظاهرون بتحسين أوضاعهم قام الجيش العراقي بقمعهم وقتل عدد من المعتصمين.
وبدأ التنظيم بعد سيطرته على مدينة الرقة عام 2013 بالاتصال مع قيادات سنية في مدن عراقية، مثل الموصل، وانتهت بدخول رجال التنظيم المدينة في عملية سريعة أثارت انتباه العالم، خاصة بعد انهيار الجيش العراقي.
ويرى الكاتب أن النخبة السنية المحلية التي تعبت من التهميش والإهانة التي عانتها في ظل الحكومة الشيعية في بغداد قررت المخاطرة وعقد تحالف مع «تنظيم الدولة».
وكان بإمكان الجيش العراقي الفاسد الصمود أمام الجهاديين في الموصل، ولكن قادته قرروا الهروب وقدموا المدينة هدية لهم. وواصل التنظيم توسعه بعد الموصل وسيطر على نسبة 40% من أراضي العراق. ويقول كول إن إدارة بوش لو ركزت جهودها على تدمير تنظيم «القاعدة» في أفغانستان بدلا من التركيز على العراق لكانت النتيجة تدميره في الفترة ما بين 2001 ـ 2002 وبدلا من ذلك أعطى بوش باحتلاله العراق الشباب الغاضب قضية للدفاع عنها ومنح «القاعدة» حياة جديدة. ولو لم يدمر بوش الجيش والدولة العراقية لعملت مؤسساتها كحاجز ضد صعود التمرد الذي قاده تنظيم «القاعدة»، ولم يكن ليستفيد من خبراته في قتال قوات المارينز ولا استطاع تطوير شبكاته والحصول على السلاح. وبدون التنظيم والتجربة والتمويل الجيد عبر الحدود مع سوريا لما استطاعت العناصر المتشددة داخل فصائل المعارضة السورية البروز.
ولكان بإمكان «الجيش السوري الحر» الاستمرار في العمل كمظلة تضم تنظيمات معارضة للنظام السوري بمن فيها الجماعات العلمانية و»الإخوان المسلمون» المعتدلين.
وبدلا من ذلك تفوق المتشددون والمحاربون القدماء من «القاعدة» على «الجيش السوري الحر». ومن هنا فالمحاباة التي مارستها إدارة بوش مع الشيعة في العراق وتهميش السنة العرب خلقت منطقة دعم قوية لـ»تنظيم الدولة».
ويتساءل كول عن السبب الذي دفع ببوش لمحاباة الشيعة على فكرة التسامح والمصالحة التي طبقت في جنوب أفريقيا.
وفي الوقت الذي يناقش فيه البعض إن إطالة أمد الوجود الأمريكي في العراق كانت ستوقف صعود «تنظيم الدولة» إلا أن كول يرى عكس ذلك فاحتلال العراق وتدمير بنيته التحتية وجيشه هيأت الظروف لانتعاش التنظيم.

كعب أخيل

وعلى العموم يعترف كول بأن السياسات الطائفية التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق بوش كانت وراء انتعاش «تنظيم الدولة» حيث وجد فيه بعض السنة ملجأ يحميهم من قسوة الحكومة في بغداد وممارستها.
ولكن هل يمكن الحديث عن علاقة بين التنظيم وهوية سنية؟ يرى ماكس بوت، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي هذا الرأي. في مقال نشرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» قال إن «الهوية الإسلامية» لـ»تنظيم الدولة» أثارت جدلا كبيرا «فلا مجال للشك في أنه جماعة متعصبة في جوهرها أيديولوجية دينية منحرفة».
والجاذبية التي تملكها هذه الأيديولوجية وما تقدمه لأعضائها من حس المغامرة وراء تدفق الجهاديين الغربيين إلى صفوفه.
وتقدر إحصاءات عدد المقاتلين الأجانب الذين يسافرون للقتال معه بحوالي 1.000 شخص في الشهر.
وهذه الأيديولوجية مسؤولة عن دفع وإلهام الشباب المتحمس للقيام بهجمات مثل تلك التي نفذت في باريس وسيناء المصرية وبيروت. ويضيف بوت ملمحا آخر للهوية التي يحملها «تنظيم الدولة» وهي «الخلافة»، فهي جماعة سنية عربية متفوقة تزعم دفاعها عن المصالح العربية السنية ضد الأكراد وهم سنة والشيعة والعلويين والتركمان وغيرهم من الجماعات الإثنية في كل من العراق وسوريا. وهذه المصالح هي بالضرورة إثنية وسياسية مثلما هي دينية. وهو ما يفسر الدور البارز الذي يلعبه البعثيون، خاصة ضباط النظام العراقي السابق في صفوف التنظيم.
وفي سوريا تم تهميش السنة منذ عام 1971 حيث قام حافظ الأسد والد الرئيس الحالي بشار ببناء نظام للطائفة العلوية من خلال عباءة حزب البعث.
ومن هنا يرى الكاتب أن «الهوية الإثنية السنية للتنظيم تظل مصدر قوة وضعف إن تم استغلالها بطريقة مناسبة».
ويعتقد أن سجل السنوات الماضية شاهد على هذا الافتراض. فقد أثبت التنظيم قدرة على التمسك وحكم المناطق ذات الغالبية السنية ولم يستطع التوغل في المناطق ذات الغالبية الشيعية أو العلوية. وعندما حاول التمدد فوق طاقته في مناطق الأكراد والإيزيديين تم إخراجه منها بالقوة.
وهذا ما حصل في بلدة عين العرب/كوباني وجبل سنجار حيث يعيش الإيزيديين ومدينة سنجار التي أخرج منها قبل أسبوعين بعملية مشتركة أمريكية – كردية. ولا يزال «تنظيم الدولة» يسيطر على الرقة والموصل والرمادي والفلوجة ومدن العراق الأخرى، وكلها مناطق سنية يرى سكانها في حكم التنظيم بديلا عن الحكم الانتقامي للعلويين والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
ويقول بوت إن الميليشيات الشيعية وداعميها الإيرانيين يفهمون هذه القضية، فهي وإن مثلت قوة مهمة في العراق إلا أنها لا تتعجل في دخول الموصل والرمادي والفلوجة لأنها لا تستطيع السيطرة عليها. ويفهم الأكراد المعادلة أيضا وهم لا يتقدمون نحو الرمادي أو الرقة. ويعرفون أن دخولهم الموصل سيؤدي لتداعيات سلبية ضدهم من الغالبية السنية فيها.

تقوية السنة

وبناء عليه، فسقوط سنجار بيد الأكراد لا يعني بداية النهاية لـ»تنظيم الدولة». ولا يمكن والحالة هذه هزيمة الجهاديين إلا بنفس الطريقة التي هزمت فيها «القاعدة» قبل عقد من الزمان. وذلك عندما حشدت القوات الأمريكية القبائل السنية وشكلت عام 2007 ما عرف بالصحوات. ولن يحدث هذا طالما لم يحصل السنة على تعهدات من الأمريكيين أنهم لن يسبتدلوا استبداد «تنظيم الدولة» باستبداد الشيعة. ويقترح الكاتب هنا منح السنة حكما إقليميا بالطريقة نفسها التي منح فيها الأكراد حكما على مناطقهم شمال العراق.
ومن دون منطقة حكم ذاتي تحميها القبائل السنية ومضمونة من الولايات المتحدة فلن يهزم التنظيم.
ويضيف أنه في حالة عدم موافقة حكومة بغداد على هذا فعلى واشنطن تجاوز بغداد وتوفير الدعم العسكري والتدريب للقبائل السنية.
وفي سوريا يجب منح السنة مستقبلا يحميهم من استبداد الأسد والميليشيات الشيعية. ولن يتحقق هذا من دون إعلان الولايات المتحدة عن نيتها الإطاحة بكل من نظام الأسد و»تنظيم الدولة». والبداية لتحقيق هذا هي الإعلان عن مناطق حظر جوي لضرب الطيران السوري ومناطق آمنة لمنع تقدم قوات الأسد للمناطق السنية. وحتى يتحقق هذا فستواصل الولايات المتحدة «قصقصة» حواف «تنظيم الدولة» بالتعاون مع الأكراد المترافقة مع توجيه الغارات الجوية واستهداف جهادييه مثل «جون الجهادي» إلا أن هذا لن يهزم «الدولة الإسلامية» الذي أثبتت أنها قادرة على ضرب باريس والطائرة الروسية في شرم الشيخ وأصبحت خطيرة بدرجة كبيرة.
وهذا شر لا يمكن «احتواؤه» كما يقول الرئيس باراك أوباما «ويجب هزيمته، والطريقة الوحيدة لتحقيق هذا هي استعداء القاعدة السنية ضده» أي «تنظيم الدولة».

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية