تشتغل التشكيلية شامة مؤدن وفق منهج تعبيري مليء بالحجب، وهو مسلك يمتح مقوماته من التجريد، حيث تعمد المبدعة إلى تجسيد رؤاها الفنية وفق اعتبارات جمالية تغذي أعمالها التشكيلية، بصياغات لونية كثيفة وأشكال تعبيرية متنوعة تُخضعها لروابط تجاورية في نطاق الحفاظ على وحدة البناء والشكل والرؤية، وإبراز المادة الحسية في شكل بصري رائق، مع نسج روابط بينها وبين المادة الفنية.
ويشكل المنجز اللوني قيمة فنية في أعمالها، تُغذيه بنبرات إيقاعية تنسجم مع مختلف الكتل والأشكال، حيث تصنع بينها مجموعة من العلاقات التجاورية، والأساليب التحاورية، بأدوات تحولية. وهو ما يجعل بعض الأشكال التعبيرية والعناصر الرمزية والعلاماتية تتداخل في ما بينها، فالاستعمالات اللونية تلعب دورا أساسيا في تشكيل مجموعة من العناصر التوهجية، التي تنسج الحيوية وتغذي المشاهد الرمزية في إطار لغة بصرية لها مضمونها الرؤيوي، وأســـلوبها المؤثر على الملمس التشكيلي، حيث تضحى أعمالها متماسكة وذات مضامين.
وهي تربط بلغة الشكل واللون مختلف العلامات والرموز وتجعلها ذات قيمة تعبيرية، تزيد المادة التجريدية قدرة إنتاجية، وتشكل فيها التقنية المستعملة أداة جوهرية لتحويل التصورات إلى منجز بصري بخصوصيات تفاعلية.
فمجمل المفردات الفنية تنبثق من المجال التعبيري وهي توظفه ضمن نسيجها المعرفي بمعية العناصر المكونة لأعمالها بعفوية وانطباعية. وعملا بالقاعدة النقدية، فإن الشكل المروني في الاستعمالات اللونية يسهم في تقييض بعض التأثيرات الفارقية التي تفرغ المادة اللونية المستعملة من دورها الأساسي، في دعم القيم الجمالية والرمزية التي تدل على عمق الفن الفعلي ودعم المجال التعبيري المعاصر. وعلى الرغم من ذلك؛ فالتوظيفــــات اللونية المتنوعة تمنح الكتل تأثيرا بصريا بانعكاسات تأويلية، تمثل مشاهد متنوعة وتحمل بعض المفاهيم وتصنع نوعا مــــن الحــــركة، وبين هاتين الخلتــــين، فإن هذه الفارقية ـ على الرغم من تأثيرها المباشر ـ فإنها تسهم في استجلاء مجموعة من المضامين، باستنطاق المفردات الفنية والألوان المتداخلة، التي تجعل منها الفنانة شامة مؤدن أدوات للتعبير، بل وتجعل منها مواد أيقونية تقارب بها المادة التجريدية، ما يظهر إبداعاتها ذات إيحاءات وإشارات لها مغازٍ ودلالات. فكونها تـــروم استدعــــاء المجال الإشاراتي والعلاماتي بما يكتنـــــفه من تشعب دلالي، تجعل القارئ بذلك ينفتح على تعدد قرائي ويركن إلى تأويلات تتيح تعدد الدلالات، وتسمح ببناء وشائج بين عمق المضامين والمادة التجريدية، ما يمكّن من الاقتراب من الموضوع المحوري بشكل مباشر، الشيء الذي يدعم المسار الإبداعي المعاصر للفنانة شامة مؤدن، التي ترسي أسلوبها الإبداعي بمقومات العمل التشكيلي المبني على أسس سليمة. إنها بتصميماتها الرمزية والعلاماتية والتشكيلية – التي تبدو فطرية – تُخضع أعمالها لنسيج تركيبي، لا تتم تأديته إلا بنوع من المهارة والتقنيات العالية، على الرغم من الفارقية البنائية؛ فهي تجعل من تعبيراتها حتمية إبداعية تقتحم المجال الحسي والبصري بتقنيات ومهارات عالية، وهو ما تتوفر عليه الفنانة شامة، وهو أيضا ما تختزله تجربتها المائزة في النسيج التشكيلي المعاصر.
ناقد تشكيلي مغربي
محمد البندوري