منذ الأزمة القبرصية في صيف العام 1974، وبعدها بفترة وجيزة انطلاقة حروب لبنان، والكلام يجترّ نفسه في المشرق العربي، والشرق الأوسط عموماً، عن «أشباح» و «مشاريع» و»مخططات» و»مؤامرات» تقسيم، واختفاء دول وظهور أخرى جديدة. ومنهم من يتصنّع الحكمة والنبوة في معرض مقابلة تلفزيونية هنا أو هناك، فيفتعل نبرة أن «المنطقة مقبلة على مشروع تقسيم». ومنهم من يقص حكايات خرافية عن هنري كيسنجر وكندوليسا رايس وسيرجي لافروف. ومنهم من يحسب نفسه يحطّم وثناً بطرح السؤال «لماذا نقف ضد التقسيم»، أو يستعيد الردود على المذهب الذري في الفلسفة القديمة فيتخوف من مغبة التقسيم وتقسيم المقسّم إلى ما لا نهاية، كل هذا دون أن يتنبه أحد إلى أنّ أزيد من أربعين عاماً صارت وراءنا منذ شيوع النغمة، وأنّّه ما من دولة جديدة نشأت في الشرق الأوسط، وأن تشطير قبرص القريبة من الساحل الشرقي للمتوسط إلى كيانين واحد عضو في الاتحاد الاوروبي والثاني غير معترف به دولياً، لم يستتبع أي تعديل يذكر على الحدود الوطنية شرق المتوسط، وكذلك الكلام عن طفرة تقسيمية بعد الاستقلال الذاتي لاقليم كردستان العراق، فإنّه كلام لم يستجب له الواقع، فلا انفصال الاقليم حدث، ولا انبثاق كيانية وطنية كردية متجاوزة للحدود غير الاثنية حدث. وبطبيعة الحال عادت نغمة «راهنية التقسيم» لتطل مجدداً مع استقلال جنوب السودان (الذي لم يعدّل التسمية السودانية حتى الآن) عن شماله، لكنه لم يظهر أي مسار اقليمي – اثني قادر جدياً على تكرار ذلك في مناطق أخرى من العالم العربي أو من الشرق الأوسط.
أربعون عاماً وأكثر من الحديث عن «اقبال» المنطقة على فلاحة تقسيمية لها لم يأت ما يسنده اذاً. تكفي المقارنة بين تطور الخارطة السياسية للقارة الأوروبية أو للمجال الأوراسي في نفس المدة الزمنية لتبيان الندرة التقسيمية في بلادنا قياساً على وفرتها وخصوبتها شمالنا، ليس فقط بسبب سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار يوغوسلافيا واعادة توحيد المانيا وتشطير تشيكوسلوفاكيا، بل انها بلدان الاتحاد الاوروبي نفسها تشهد حيوية نزعات استقلالية – مناطقية غير مسبوقة في بلدانها في السنوات الأخيرة، تأتي في طليعتها الحركة القومية الاسكتلندية وحراك الشمال الايطالي والثنائية البليجيكية المتوسعة قدماً في مفهوم الفدرالية نحو ما يلامس الانفصال.
أما ما هو واقع من حرب أهلية اوكرانية شرق الاتحاد، فأهميته أنه يخبرنا بشكل أساسي عن الفارق بين الحيوية التقسيمية كتلك المعاشة في اوكرانيا اليوم، وبين الجَدْب وقلة الحيلة التقسيميين رغم الطابع المتداخل لرزمة الحروب الاهلية العربية الحالية، أو ما يصح وصفه بالحرب الأهلية العربية (الكبرى؟).
النزاع الاهلي الدائرة رحاه في الشرق الاوكراني يعبر عن انتعاشة نزعتين «ترابيتين – اثنيتين» متواجهتين، واحدة تنتمي إلى تراث الحركة القومية الاوكرانية الغربية، وثانية تعبّر عن خصوصية ترابية اثنية في مناطق الشرق الأوكراني، وذات منزع التحاقي بالقومية الامبراطورية الروسية. توسع الأولى كي تكون قومية – وطنية وليس فقط قومية – اثنية، أي كي تكون حركة قومية قادرة على تسيير تجربة دولة وطنية متحددة أساساً بترابها، ليس أمراً سهلاً. وكذلك تمكن الثانية من أن تميز نفسها عن القومية الامبراطورية الروسية ليس أمراً سهلاً، بل هو أصعب من الحالة الأولى. لكن، في حالتي غرب وشرق اوكرانيا، نحن امام حركتين، واحدة تريد ان تكون قومية وطنية (أي متوسعة لمجمل التراب الوطني المقر لاوكرانيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي) ولا تملك الشروط، والثانية انفعالية بازاء الاولى، والتحاقية وجدانياً ومافيوياً وأمنياً بموسكو، لكنها غير قادرة بسبب من هذه الانفعالية والالتحاقية من الذهاب لما هو أبعد، الا إذا قررت السير قدماً في التأسيس لكيانية دونتسكية واختراع أساطير مؤسسة قابلة للصرف بالحد الأدنى لهذه الكيانية الجديدة.
لا شيء من هذا في العراق، سوريا، ليبيا، اليمن: البلدان المشمولة بالحرب الأهلية العربية الممتدة اليوم.
رغم ضعف الدولة المركزية فيه، قياساً ببطش وخبث السلطة المركزية فيه أيضاً، فإنّ تاريخ اليمن في نصف القرن الأخير لم يكن تقسيمياً، بل توحيدياً بامتياز. سلطنات ومشيخات الجنوب اليمني تحولت إلى يمن جنوبي واحد. الشمال عاد وابتلع الجنوب في الوحدة. الحراك الجنوبي استعاد وهجه في مواجهة نظام آل صالح، لكن بالنتيجة الحرب لا تحدث اليوم على قاعدة أجندة تقسيمية واضحة بين شمال وجنوب اليمن، ومشروع الفدرالية رفضه الحوثيون لأنه صغّر الولاية التي أعطيت لهم فيها، فيما رفضه الجنوبيون لأنه لم يكن فدرالياً بالشكل الكافي بالنسبة لهم. لكن الحروب الأهلية ليست بحد ذاتها توطئة لتقسيم البلاد الا إذا تطورت فيها نزعات اثنية – مناطقية قادرة على اجتراح كيانيات وطنية او نصف وطنية بديلة، وهذا غير مطروح في اليمن اليوم. الكل يقاتل تحت راية «الوحدة الفدرالية»، وأي وحدة فدرالية نريد.
في العراق وسوريا المسألة أعقد. هناك نزعات لانتاج سيطرات اثنية – ترابية او مذهبية – ترابية تكّون كيانيات وطنية أو نصف وطنية بديلة، لكن الاطالة في النزاع ستعود وتعوق المنحى الانشطاري، التقسيمي. صحيح ان تنظيم «الدولة الإسلامية» يسيطر على ما يجوز وصفه بالكيانية العرب سنية الفراتية، لكن تنظيم الدولة بحد ذاته لا يتعرف على نفسه في مرايا هذه الكيانية، بل يحذر منها، وكذلك حديث المعارضة السورية عن نية النظام الانفصال بمنطقة الساحل فهذا حديث يتعامل مع رقعة النظام في دمشق وحلب وصولاً وامتداداته شرقاً كما لو أنها منتهية، وليس هو الواقع، مثلما ان اي كيانية للساحل تحتاج إلى زفّة أيديولوجية مختلفة تماماً عن كل ما أدمنه الخطاب الرسمي السوري على امتداد العقود. مناطق سيطرة «لوردات الحروب الاهلية» غالباً ما توحي بأنها قادرة على تشكيل كيانات وطنية بديلة، لكن في معظم الحروب الاهلية هذا لا يحدث، وبالعكس في احيان كثيرة، يتحول فشل لوردات الحروب الاهلية في بناء الكيانية الوطنية البديلة في المنطقة التي يسيطرون عليها إلى زاد لعملية اعادة توحيد البلد في نهاية النزاع اياً كان شكل حسم هذا النزاع او انتهائه او تلاشيه.
الحدود الوطنية القائمة منذ رحيل المستعمر الاوروبي عن ديارنا لا تزال تمتلك الحيلة على البقاء لفترة اطول بكثير من استعجالات جماعة «المنطقة مقبلة على التقسيم»، هذه المعزوفة التي تردّد منذ اربعين عاماً واكثر، فيما التقسيمات والدول الجديدة، من نصيب اقاليم جغرافية اخرى في العالم، وليس اقليمنا «الوفي» للحدود الوطنية بين دوله اكثر بكثير مما يعتقده ابناؤه.
٭ كاتب لبناني
وسام سعادة
العرب لا يقبلون التقسيم
والا لقبلوا التقسيم بسنة 1947 مع الصهاينة
يقول الله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات
السؤال هو : هل يوجد تعارف بين العرب أنفسهم ؟
والجواب لا طبعا والا لما تقاتلنا والسبب طبعا يعود لتقاسم الغنائم
ولا حول ولا قوة الا بالله
كما الوسائل من جنس الاهداف،كذلك الالام من صنف المهمات ،ولو لم تكن امتنا امة رسالات وحضارة ودور انساني يهدد مكانة امم اخرى منافسة لما اهتم بنا الاخرون وطرحوا مشاريعهم التقسيمية الهدامة ،انها امة حية رغم كل شئ ،وضعفها عابر.
الأخ المعلق الاول يقول:( العرب لا يقبلون التقسيم
والا لقبلوا التقسيم بسنة 1947 مع الصهاينة.) وفعلا العرب هم هكذا إما كل شيء أو لا شيء. فنحن لم نقبل بنصف فلسطسين فبقينا اليوم بلا شيء. كذلك في العراق, العرب السنة لم يرضو إلا بكل العراق كما في السابق وها هم اليوم انحرموا من كل شيء وحتى في سوريا يصر السنة على أن يأخذوا كل سوريا بدون أية مشاركة للعلويين ولسوف يخسرون كل شيء ويخرجون في نهاية المطاف خال الوفاض.