الناصرة ـ «القدس العربي»: قدّم مركز «عدالة داخل أراضي 48» أمس بالتعاون مع منظّمات حقوقيّة زميلة، التماسا للمحكمة الإسرائيليّة العليا، يطالب فيه بإلغاء قانون مؤقّت يعفي المخابرات من توثيق التحقيقات مع المعتقلين الفلسطينيين بالصوت والصورة، خلافا للقانون الذي يُلزم بالتوثيق في حالة المعتقلين الجنائيين الإسرائيليين. ومدد الكنيست هذا القانون المؤقّت الرابع من تموز/ يوليو الحالي لفترة إضافيّة مدّتها سنة ونصف السنة، استمرارا للتمديدات الجارية منذ 2002.
وجاء في الالتماس الذي قدّمه المحاميّان نديم شحادة وفادي خوري من مركز عدالة أن «القانون المؤقّت يمس بالحقوق الدستوريّة للمعتقلين بتهمٍ تعرّفها إسرائيل أمنيّة، ينتهك حقّهم بالحريّة، والكرامة والإجراءات القانونيّة العادلة.» كذلك، رفض الملتمسون الأهداف التي لأجلها تمّ سنّ القانون المؤقّت واعتبروها تتعارض مع المبادئ الأساسيّة للقانون الجنائي مثل مبدأ كشف الحقيقة، ونزاهة التحقيق والرقابة عليه، ومنع التعذيب ومنع إدانة الأبرياء عبر انتزاع اعترافات كاذبة منهم.
كذلك جاء في الالتماس أن الإعفاء من توثيق التحقيقات يؤدّي إلى مسّ خطير بحقّهم بالإجراء الجنائي العادل، حيث يحول دون قدرة المتّهمين على الإثبات بأن الاعترافات التي يحاكمون بناءً عليها كاذبة وانتزعت تحت التعذيب النفسي والجسدي خلال التحقيق. ويشددد الالتماس على أن الاعفاء من التوثيق حين تكون التهم ذات طابع أمنيّ يعني بالضرورة أن الأغلبيّة الساحقة من المتضررين من هذا القانون هم من الفلسطينيين، وعليه فإن القانون يشكّل تمييزًا مجحفا بحقهم ويمس بأحد المبادئ الجوهريّة في الإجراءات القانونيّة العادلة مبدأ المساواة أمام القانون. علاوةً على ذلك، فإن الأسرى الفلسطينيين عرضة أكثر من غيرهم لانتهاك حقوقهم، إما بسبب عداء الأجهزة الأمنيّة لهم وإما بسبب عدم تمكّنهم من اللغة العبريّة، وعليه فمن واجب القانون أن يزيد حمايتهم وليس العكس.
اعترافات كاذبة
وكان مركز عدالة قد استجاب في 2013 لطلب المحكمة وسحب التماسا بذات الشأن بعد ثلاث سنوات من تقديمه، وذلك على أثر التزام وزارة القضاء بإعادة النظر بتفاصيل القانون قبل تقديمه للتمديد القادم. واعتبر قضاة المحكمة القانون في حينه مؤقتًا ويمكن إعادة الالتماس ضدّه في حال تم تمديده مرةً أخرى.
من جهته، أكّد مركز عدالة أن الاعفاء يعرّف كقانون مؤقّت، لكنّه بالحقيقة لا يزال ساريًا منذ أكثر من 12 عامًا ويشغل وظيفة أي قانون عاديّ، وليس لمحدوديّته الزمنيّة أي معنى لطالما يتم تجديده مرةً تلو الأخرى وبشكلٍ شبه تلقائي. كذلك جاء في الالتماس أن الضرر المترتب على الإعفاء ليس ضررًا مؤقتًا إنما هو ضرر لا يمكن إصلاحه أبدًا، حتّى وإن كان القانون نفسه مؤقتًا: «حتّى وإن ألغي القانون مستقبلا فذلك لا يسعف من يقبعون في السجون اليوم لسنوات وعقود طويلة بسبب اعترافات كاذبة انتزعت منهم بالقوّة».
ويوضح المحامي نديم شحادة لـ «القدس العربي» أنه لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولا يمكن إعادة فحص الافادات التي انتزعت خلال التحقيقات والتبيّن من ظروف انتزاعها لطالما لم يكن قد تم توثيقها.»
بالصوت والصورة
ويشير إلى أنّ الإعفاء من توثيق التحقيقات بالصوت الصورة يضاف إلى سلسلة من الممارسات الإسرائيليّة التي تكوّن وضعيّة خطيرة تُبقي المتهم معزولا عن أي علاقة بينه وبين العالم الخارجي، وذلك بهدف الضغط عليه وانتزاع الاعترافات منه. وللتدليل على ذلك يقول إنه يمكن للسلطات أن تمنع لقاء المعتقل مع محاميه لمدة قد تصل حتى 21 يوما، وأن تمدد اعتقاله غيابيًا، أو تزجّ به بالحبس الانفرادي. ويتابع القول «هذه كلّها، والاعفاء من التوثيق جزءًا منها، ممارسات من شأنها أن تهيّئ الأرضيّة للأجهزة الأمنيّة من أجل استخدام وسائل التعذيب، التنكيل، والمعاملة غير الإنسانيّة ضد المعتقلين الفلسطينيين «.
وتؤكد القائمة العربية المشتركة في الكنيست أن هذا القانون هو مس خطير بحقوق المعتقلين بالإجراء القضائي العادل ويلغي الرقابة القانونيّة على إجراءات التحقيق وعلى صحّة الأدلّة والاعترافات المقدمة للمحكمة.
ويؤكد النائب عنها يوسف جبارين أن إلغاء توثيق التحقيقات يمنح المحققين حرية التصرف كيفما شاؤوا داخل غرف التحقيق الموصدة خاصة عندما يجري الحديث عن نساء فلسطينيات معتقلات.
نساء فلسطينيات
ويقول لـ «القدس العربي» إن «أمر الساعة» عنصري ويهدف لحماية التحقيقات من المحاكم وإلغاء الحق بالشفافية خلال التحقيق ويوفّر منظومة كبيرة وخطيرة للتعذيب.
مزاعم الأمن
وردا على تبريرات الشرطة والمخابرات يتابع جبارين « إذا كانت الحاجة هي حماية أساليب التحقيق ومنع «منظمات الإرهاب» دراسة أساليب التحقيق، فإسرائيل لا تنقصها أجهزة حماية».
وللتدليل على خطورة هذا الإجراء القضائي يوضح جبارين أن هناك نحو 600 شكوى تقدم بها معتقلون أشاروا لتعرضهم للتعذيب خلال التحقيق من دون أن يفتح تحقيق واحد بحق المحققين.
جبارين وهو أيضاً دكتور في القانون يتفق مع زملائه في «المشتركة» على أن تمديد «أمر الساعة» يعني مواصلة السماح بتعذيب المعتقلين الفلسطينيين لانتزاع اعترافاتهم عنوة. وأشار إلى أنه يتناقض مع المواثيق الدوليّة المطالبة باتخاذ كلّ الإجراءات الممكنة من قبل الحكومات للتأكد من منع التعذيب والمعاملة غير الإنسانيّة تجاه المعتقلين.
وديع عواودة