مدّد للمرّة الثالثة للمجلس النيابي اللبناني المنتخب في حزيران/يونيو من عام 2009.
في المرّة الأولى، 2013، كان مسوّغ التمديد حاجة المجلس لإشباع البحث في قانون انتخابي بشكل مستفيض ما دام لا رجعة إلى القانون الذي انتخب به هذا المجلس، كما حاجة المجلس إلى المزيد من التداول داخله وخارجه للتمكّن من انتخاب رئيس للجمهورية، ولو اقترن ذلك بالفراغ في رأس السدّة. كانت هذه طرفة، «مشروعية الوقت الإضافي».
في المرّة الثانية، 2015، صار مسوّغ التمديد رسوب المجلس في تحقيق ما سوّغ به تمديده السابق لنفسه. فلا هو صاغ قانون الإنتخاب العتيد، ولا هو نجح بملء الفراغ في قصر بعبدا. كانت هذه سابقة، بحق، «مشروعية الرسّوب».
المفارقة زاد منسوبها في المرّة الثالثة. فبعد عامين ونصف العام من الفراغ الدستوريّ، «اقتنعت» معظم القوى بأنّه لا مخرج إلا بانتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وانهاء الشغور، ووضع الرئيس الجديد نصب عينيه هدف انجاز قانون جديد للانتخاب يحدث نقلة من النظام الأكثري إلى النظام النسبي، ويستجيب للشكوى المسيحية المزمنة من سوء التمثيل منذ مطلع التسعينيات. وبعد أن فاضل اللبنانيون لأشهر بين انتهاء مدّة المجلس النيابي بلا تمديد جديد، وبالتالي الفراغ في السلطة التشريعية (التي كانت مكفوفة عن العمل كسلطة تشريعية في سنوات الفراغ الرئاسي قبل ذلك، عملاً بمقتضى الدستور)، وبين العودة إلى قانون الانتخاب النافذ الذي جاء به المجلس الحاليّ، واجراء الانتخابات وفقاً له، وبعد أن استعصى التوافق على قانون لأن كل طرف برأي، ولأن مقولة «صحّة التمثيل» لا توفّر من تلقائه ترجمة تطبيقية واحدة لما يراد بها، خصوصاً في الوضع اللبنانيّ، إذ بجملة نقاط تتبلور وتتشابك. أوّلها أنّ القوى السياسية الحالية لديها مصلحة مشتركة في انهاء أفضل ما كان يتضمنه نظام التصويت الأكثرية المتعدد الأسماء في لبنان، على سيئات هذا النظام، وهو «التشطيب»، لصالح اعتماد مبدأ اللائحة المقفلة بالنظام النسبي.
وثانيها أنّ ارفاق ذلك بمبدأ الصوت التفضيلي على مستوى القضاء من شأنه أن يعوّض لقوى بعينها ما هي بصدد خسارته في دوائر أخرى، بموجب التقسيم الجديد للدوائر، ونظام التصويت النسبي. لكن الأهم من كل ذلك أنّ الصورة المعطاة لهذا القانون كمعقّد ومزركش ويستلزم تحضيراً للآلة الانتخابية وللهيئة الانتخابية على حد سواء له، أعطت للمشروع الذي جرى الإتفاق عليه بالنهاية، مشروع الخمس عشرة دائرة بالنظام النسبي واللوائح المقفلة والصوت التفضيلي، لا على مستوى الدائرة، التي تتألف من قضاءين أو ثلاثة، وإنّما على مستوى القضاء، تسويغاً جديداً للتمديد الثالث.
هذه المرّة، مدّد المجلس النيابي لنفسه عاماً جديداً، لا كي يطلب وقتاً اضافياً لإنجاز قانون، وانتخاب رئيس، كما عام 2013، ولا لأنه فشل في الإنجازين، كما عام 2015، وإنّما لأنه انتخب رئيس في الخريف الماضي، وأقرّ قانون انتخاب قبل أيّام، ولأنّ قانون الانتخاب هذا يلزمه وقت لفهمه والتفقه فيه والتدرّب عليه. وهكذا، بعد الإفراط في ترداد مقولة «قانون انتخابي يؤمن صحّة التمثيل» صار القانون الذي يؤمّن هذا التمثيل الصحيح عويصاً بحيث تلزمه فترة انتقالية يتأمن بها صحّة فهم قانون صحّة التمثيل هذا. بالتوازي، أبقى عراب هذا القانون الجديد، النائب القواتي جورج عدوان، الباب مفتوحاً لإدخال المزيد من التعديلات على القانون طيلة العام المقبل.
التمديد الأول: لمزيد من الوقت.
التمديد الثاني: بداعي الفشل.
التمديد الثالث: بداعي النجاح بعد شق النفس، لكن لأنه نجاح صعب ومقعّر، يحتاج إلى استعداد تقني وتوعوي بل تربوي من أجله.
إنّها لحظة التمديد «التربويّ». لا يختزل فيها قانون الانتخاب الجديد بالمدة الإضافية التي ينالها المجلس النيابي الممدد له ثلاث مرات، كمجازاة له على صنيعه، لكن هذه المدّة ليست نافلة أبداً في الحسابات التي أدّت إلى تفادي الفراغ في السلطة التشريعية من خلال مزدوجة «التمديد الجديد في مقابل انجاز القانون الجديد».
وكما في التمديدين السابقين، كذلك اليوم، لم يقابل هذا التأجيل الإضافي للإستحقاق التشريعيّ بحركة شعبية معترضة له، وإنما بتحرّكات شبابية معزولة، إنّما نجحت في ان تنفذ الى مركز الضوء بسبب هراوة البطش الأمني في محيط المجلس النيابي. جزء أساسي من المشكلة، أن المتحرّكين المعترضين قلّما يطرحون على أنفسهم سؤال «أين الناس؟» بالشكل المطلوب، وتراهم مندفعين أكثر للنطق بإسم «الشعب يريد»، إنّما من دون جمهور. أمّا تقديم تفسيرات من نوع «حزب الكنبة» لتفسير لماذا لم تتحرك الناس لفرض ارادة اجراء الاستحقاق النيابي طيلة السنوات الماضية، أو من نوع أنّ الناس مغرّر بهم من قبل النظام الطوائفي، ففيه قدر غير قليل من التسطيح والإبتذال والعنترية.
لا يعني ذلك أن الخيار محصور بين «معاتبة» الناس أو الشعب على نكوصهم وعدم تحرّكهم، أو بين «تحريم» أي سؤال يتناول الديناميات الشعبية ونقد غيابها او اضمحلالها. عندما لا تتحرّك الناس لا عام 2013 ولا عام 2014 ولا عام 2017 ضدّ أي من التمديدات الثلاثة للمجلس النيابي الحالي، فليس هذا لأنّ الناس «غير مبالية» ولا لأنّها «يائسة» بقدر ما أن مردّه أنّ هناك تواطؤا مجتمعيا لبنانيا شاملا على أننا نعيش في «السيرك»، وأنّ الظواهر التي تعتلي خشبة هذا السيرك، من سياسيين إلى فنانات استعراض، إلى ناشطين مدنيين، إلى إعلاميين، تقيّم بحركاتها الإيمائية أو البهلوانية أو الصاخبة، أو بألعاب الخفّة، تسلّي وتضجر. التمديدات الثلاثة دفعت هذا السيرك اللبناني إلى ثلاث نوبات مختلفة من المرح والضجر. وحتى إشعار آخر، ما زال القسم الأكبر من الناس ينظرون إلى المنادين بالخروج من هذا السيرك، بشكل أو بآخر، على أنّهم يعتلون الخشبة لتقديم عرضهم على هامش العروض الأكثر «وطأة».
هناك شكل من الإستقرار نجح في تثبيت نفسه من تمديد الى آخر، طالما ان مجلس 2009 سيستمر الآن رسمياً حتى 2018: انه استقرار «السيرك». يستمد السيرك اللبناني مسوّغاً له اضافي، بمقارنته بأحوال المنطقة العربية. يقول هذا السيرك لنفسه، على الأقل أنا مجتمع سيركيّ، ونظام سيركيّ، ولست مجزرة متواصلة، ولا طغيانا دمويا. أكثر من هذا، يقول هذا السيرك لنفسه، أنّه حتى الظواهر التي تبدو شرسة وهيمنية وشمولية في لبنان، لن تلبث حتى تقع في مصيدة أحوال السيرك.
٭ كاتب لبناني
وسام سعادة