التنبؤ بالمستقبل: من «مرايا» إلى «ضيعة ضايعة»… هل دفع الإعلام الفرنسي الملك للرحيل؟… وبساطة الرئيسة التي تدهن منزلها

في مقال سابق، كنت قد ذكرت في سياقه شيئا عن الفنان السوري عابد فهد، ومسلسله الرمضاني مع شريكته الموسمية الجديدة سيرين عبدالنور، وذكرت حينها عن بدايات عابد فهد في الكوميديا السورية من خلال سلسلة ياسر العظمة «مرايا» والتي ظهر فيها فهد منتصف الثمانينات فتى يافعا متخما بالحس الكوميدي الجميل.
لا أفهم، منذ كتبت ذلك، سر بعض الغضب الذي وصلني من أصدقاء وصديقات ارتأوا أني تجنيت على النجم السوري، مع أنني أرى في بداياته تلك، إبداعا فنيا متميزا بالنسبة لعمره الفني آنذاك وأمام قامة كوميدية كياسر العظمة.
سلسلة «مرايا» لياسر العظمة كانت حسب تعريف نجمها نفسه على التتر، مما قرأ وسمع وشاهد، وقد اكتشفت بعد أن قرأت أغلب أعمال الكاتب التركي الساخر الكبير عزيز نيسين، أن معظم حلقات مرايا في البدايات كانت من قراءات نيسين، وهذا لا يعيب العمل بقدر ما يثريه ويعطي لياسر العظمة السبق في تحويل السخرية التركية إلى عربية بسهولة، ربما لتشابه الأحوال وتقارب الثقافات.
المغزى من القول، هو تلك القدرة في ما مضى من زمن قريب، على إنتاج كوميديا جميلة وممتعة، ولاذعة بحس ساخر وناقد اجتماعيا وسياسيا، فيما المفارقة أن زماننا الراهن، حيث السقوف أعلى والنقد مباح أكثر وانتشار مذهل للفضائيات، تصبح الكوميديا التي نفتقدها عملة صعبة في سوق الأعمال المنتشرة على كثرتها، وتلك الكوميديا النادرة، تعلق في الذاكرة، لا تتلاشى بانتهاء حلقتها الأخيرة.. وهنا تكمن قيمتها.

«أم الطنافس الفوقا» هي عالمنا العربي

وفي الحديث عن كوميديا لا تنسى، فلا أزال أعتقد أن آخر ما قدمته الدراما السورية من كوميديا راسخة في الذاكرة، وذكية، كان في مسلسل «ضيعة ضايعة» بجزأيه الأول والثاني. فقد نشأ التحالف العجيب عام 2008 بين مؤلف سوري مثقف اسمه ممدوح حمادة ومخرج هادئ ويحمل رؤية ساخرة اسمه الليث حجو، لتكون فكرة «ضيعة ضايعة» عملا متميزا يمكن اسقاط كل واقعنا المرير على أحداثه الساخرة، بل ويمكن اعتبار قرية «أم الطنافس الفوقا» المنسية تماما من على الخارطة هي ذاتها عالمنا العربي قياسا إلى باقي جغرافيا الكوكب.
وفي كل حلقة، هناك لازمة مكررة أشبه بمقدمة على لسان المؤلف والعمل كله، نصها نسمعه قبل بداية كل حلقة، وهو نص قصير ومكثف ويلخص واقعنا لا في العالم العربي وحسب، بل على هذا الكوكب برمته.
فمع صورة لكوكب الأرض عن بعد من الفضاء الخارجي مع «زوم إن» بطيء.. يأتيك التعليق بصوت جهوري ويقول: «الثورة الرقمية جعلت أشياء كثيرة لم نكن نتصور حدوثها قبل عدة سنوات امرا ضروريا لحياتنا اليوم، لا يمكن أن نتخيل حياتنا بدونها، باختصار يمكن القول إن الإنسان أصبح عبداً للتكنولوجيا بكل ما تعنيه كلمة «عبد» من معنى. وكما هي العادة في كل المجازر التي تحدث هناك ناج وحيد… أم الطنافس الفوقا».
وفعلا، كلما تأملت في حياتنا اليوم، وكيف أصبحنا أسرى لكبسات الأزرار والتقنيات الرقمية، تأملت بذاكرتي شيئا من بساطة «أم الطنافس الفوقا» وناسها، ومشاكلهم البسيطة بالنسبة لي، والكبيرة جدا بالنسبة لهم.
لم تكن السخرية التي أضحكتنا على الشخصيات في حقيقتها سخرية عليهم، بقدر ما هي سخرية بالمقلوب علينا نحن المشاهدين.. وهذه كوميديا حقيقية تسخر بحدة من واقعنا بذكاء.

هدايا الزعماء العرب وكتاب ريغان

وعلى ضفاف السياق ذاته، فيبدو ان العودة لأصول البساطة في الأشياء بات من مدهشات زماننا. ومن ذلك ما تناقلته الأخبار والصور عن رئيسة كرواتيا (وهي سيدة جميلة للإنصاف والضمير)، حيث تقوم بدهان منزلها بنفسها وقد اعتلت السلم وأمسكت بالفرشاة وانهمكت في العمل الشاق لمنزلها، مما أراه طبيعيا ما دام الأمر يتعلق بمنزلها، لكن في زمن كبسة الزر، والفخفخات الرئاسية اللامعقولة، يصبح الأمر خبرا غير معقول، تتناقله الوكالات ونشرات الأخبار.
عربيا، ومنذ عرفنا الرياسة والسياسة، ونحن مبهورون بأولي الأمر الذين نراهم فوق الطبيعة، وهذا يجعلنا نرى في عاديات الأخبار عن رؤساء العالم غرائب وعجائب مدهشة.
أذكر في الثمانينات، أن زعيما عربيا لدولة ثرية، أراد أن يهدي الرئيس رونالد ريغان في نهاية مدته الرئاسية هدية وداع له ولزوجته نانسي، فوصل إلى ساكن البيت الأبيض في شهوره الأخيرة، سيف ذهبي مرصع بالجواهر، ووصل السيدة الأولى حقيبة جلدية فاخرة مطعمة بالجواهر أيضا!! طبعا كان مصير الهدايا حسب القانون الأمريكي إلى الخزانة العامة وبلا تردد، ذلك ان الهدايا التي يتلقاها الرئيس وتتجاوز قيمة يحددها القانون تؤول لدافع الضرائب الأمريكي ومنفعته العامة.
في المقابل، وردا للهدايا الثمينة، أرسل ريغان وزوجته نانسي للزعيم الراحل إياه، هدية كانت عبارة عن كتاب مصور يتحدث عن الطيور البرية في أمريكا!! وبصراحة، ومنذ قرأت الخبر منذ سنوات طويلة، وعندي فضول قاتل وأموت وأعرف مصير الكتاب وأين انتهى؟

حينما يجرؤ الإعلام على الشكوى

من هنا، فإنني ومع احترامي للمصادر السعودية التي نفت أن يكون للضجة الإعلامية في فرنسا أو للإحتجاجات الشعبية «المحترمة» أي علاقة بتغيير العاهل السعودي لخطط إجازته في الجنوب الفرنسي، فإنني أؤمن أن الضغط الشعبي المرافق لإعلام مسؤول ومحترم، كانا سببا في قطع إجازة العاهل السعودي وتغيير برنامجها إلى المغرب، حيث – كما في كل العالم العربي – لا احتجاجات ولا إعلام يجرؤ على الشكوى او نقل الشكوى حتى!!

كاتب من الأردن يقيم في بروكسيل

مالك العثامنة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الداودي:

    حكام العالم كلهم يقضون اجازاتهم في بلدانهم لشعورهم بالمسئولية ويرسخون فكرة انهم من الشعب وبالشعب ويرسخون مبدأ الوطنية . … والكلام يطول في هذا الموضوع ولكن ساكتفى بهذا السؤال ، ما حاجة الملك سلمان بعدد هولاء المرافقين الالف الذين معه ؟

  2. يقول شاهر ابوزيتون:

    سلام عليكم…

    اعجبني ما تعلق يزيارة الملك السعودي الى جنوب فرنسا….صديقي مالك…هذه يحصل عند الامم الحية التي لاتعيش في زريبة حيوانات…..اشكرك ع المقال…!

  3. يقول maroc:

    و انا اتفق معاك تماما فيما يخص عابد فهد فانا عرفته اول ما عرفته في مسلسلا ت اخرى غير مرايا و ورجعت الى بدايته يا اخي مع ياسر العظمة متعة ما بعدها متعة

  4. يقول عمر عبد الرحمان:

    حكام العالم كلهم يقضون إجازاتهم في بلدانهم كلام خاطئ فكثير من الرؤساء الفرنسيين كانوا يقضون عطلهم ورأس السنة الميلادية في المغرب وبوتن قضى عطلته أيضا هذه السنة في المغرب حتى أن ابنته أقام لها العرس في مراكش وبدون ضجيج و …..

إشترك في قائمتنا البريدية