القاهرة – أحمد ليثي: عقب صدور قرار بعفو رئاسي عنه، وفور خروجه من السجن، سارع الباحث إسلام بحيري بالإدلاء بحديث صحافي قال فيه أن هذا القرار رفع رأس كل المثقفين في مصر، موضحاً أن فكرة العفو الرئاسي، هي فكرة أيديولوجية، متجاهلاً بذلك كاتباً آخر هو أحمد ناجي، الذي كان حتى وقت تصريح البحيري قابعاً في سجنه بتهمة خدش الحياء العام.
لا يبدو أن إصرار بحيري على أيديولوجية القرار يتوافق مع خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي ألقاه في الاحتفالية الأخيرة بالمولد النبوي أمام ثلة من العمائم الأزهرية، ذلك أن الرئيس لا يزال مصراً على توكيل مهمة تجديد الخطاب، للسلطة الدينية المتحالفة مع السلطة السياسية.
في الخطاب نفسه، استبدل السيسي مفردة تجديد الخطاب التي كان يلح على استخدامها في خطاباته السالفة، بمفردة أخرى مخففة، إذ أشار إلى أن مصر تخوض معركة في «تصويب» بدلاً من تجديد، الخطاب الديني، مشدداً على أن تصويب هذا الخطاب لا يجب أن يمس الثوابت. هو الإلحاح مجدداً على هذا التعبير الفضفاض الذي لا يعني سوى تثبيت سلطة الأزهر وعلمائه في فهم الدين.
وعلينا هنا، أن نستعيد حديثاً أُجري مع المفكر المصري نصر حامد أبو زيد قبيل وفاته بفترة وجيزة قال فيه: إن «الخطابين الديني والسياسي يتشابهان، كلاهما ينطلق من فرضيات غير مختبرة، الفرضية الأولى للخطاب الديني هي أن السيادة الإلهية مطلقة، يتبع ذلك ثنائية أن الله يملك الحكمة والمعرفة، والبشر جاهلون والله قوي والناس ضعفاء، لذا فأي ما يأمر به الله يؤخذ حرفيا».
هذا التماهي بين السلطة الدينية والسلطة السياسية، هو ما يحدث حين يطالب السيسي الأزهر بتجديد الخطاب الديني، لذا، ستكون النتيجة المتوقعة هي أنه بدلاً من قيام الأزهر بتجديد الخطاب بالفعل، يستمر في تكريس مصالح السلطة السياسية.
والحال هكذا، لم يكن من المستغرب أن يوكل رئيس الدولة مهمة تجديد الخطاب لسلطة دينية من المفترض فيها أن تظل خارج أى خطة لتجديد الخطاب، لأنها تتحمل مسؤولية تجميده والمفارقة أن إسلام بحيري بدلاً من أن يأخذ الجانب الأقل سلطوية، عاد ليطالب بإنشاء لجنة، لم يحددها، لتصدر كتابًا باسمها في الدراسات الإسلامية الحديثة، يلتزم به العامة، ليستبدل بذلك سلطة الأزهر الدينية، بسلطة أخرى مصدرها اللجنة التي لا نعلم بالضبط ممن تتشكل.
ذلك مع تسليمه، بأنه يمكن لأي لجنة أن تنعقد بعد عدة سنوات لتناقش أمور تجديد ذلك الكتاب مرة أخرى. ويبدو أن بحيري باقتراحه هذا انزلق إلى المتاهة نفسها سواء عن علم يضعه في صف المؤيد لخطاب سياسي محدد، أو عن جهل يجعلنا نعيد النظر في تجربته منذ بدايتها، فبإصدار كتاب يتم اعتماده من قبل لجنة تحظى برعاية السلطة السياسية، يتحول هذا الكتاب إلى كتالوغ يتم استعماله، لذا يغدو الاقتراح الوجيه لاسم الكتاب هو الإسلام المستعمل بدلا من دراسات إسلامية حديثة.
وهكذا، يُهدر إسلام بحيري الباحث، أية معايير للبحث العلمي الذي يدعي استخدامه، ذلك أن البحث قائم أساسًا على المراجعة والتجاوز، وليس فرض منهج محدد سلفًا يجب اعتماده، ويلتزم به الناس، لذا، لا يبدو أن النظرة التي يتسم بها، تختلف في شيء عن النظرة الأزهرية السلفية، التي تقرر للناس ما يجب أن يأخذوا من الدين، وما يجب عليهم أن يرفضوه.
وعلى فرض وجاهة الأفكار التي يطرحها، فإن مهمة تأسيس التنوير لا تعني استبدال خطاب أصولي بآخر سلطوي يتماهى مع السلطة السياسية، ولا انعقاد لجان تصدر عنها قرارات لا تُلزم أحدًا، ذلك أن التنوير تيار عام يعني بتسليط الضوء على التراث الديني، وإتاحة الفرصة لمحاولة فهمه بطرق عدة.
ما يغفله إسلام وغيره ممن يدعون حمل راية التنوير أن المطالبة بالتجديد تقتضي مثلا مطالبة السلطة السياسية بإلغاء كافة القوانين التي تكبل حرية الفكر والبحث العلمي، وإلغاء قوانين الحبس في جرائم النشر، وتبني رسالة واضحة لا لبس فيها، تؤكد أن الحبس لن يطال صوتًا يحاول التفكير بخلاف السائد، وتأسيس خطاب التنوع والتعددية، بدلا من تكريس خطاب مطلق لن يُشبع عقلا باحثًا عن مسار تنويري حقيقي.