تونس ـ «القدس العربي»: «الله لا تربّحهم.. خرّجناهم من الباب.. يا خي رجعولنا من الشُبّاك» بهذه العبارة يلخّص سائق التاكسي موقفه من عودة رموز نظام الرئيس السابق زين العابدين للمشاركة في الحياة السياسية، دون أن يخفي امتعاضه من الفوضى و»الحرية الزائدة» التي تعيشها البلاد.
في المقابل، لا تبدو زُهرة (عاملة تنظيف) مهتمة بالأمر، فهي لا تهتم لا بعودة الدساترة (رجال بورقيبة) والتجمعيين (رموز بن علي) ولا حتى بن علي او بورقيبة نفسه، وتلخص مطالبها من السياسيين بقولها «المهم كيف (عندما) نمشي نقضي (نشتري).. الخضرة ترجع كيف (مثل) ما كانت».
وتؤكد الآراء السابقة وجميع من التقتهم «القدس العربي» لاحقا، الانقسام الواضح في الشارع التونسي بين مقاطعة الانتخابات التي قد تؤدي لعودة بعض رموز النظام السابق للحكم، والتردد في انتخاب أحزاب الترويكا التي يرى البعض أنها ارتكبت أخطاء كثيرة خلال فترة حكمها «رغم مناخ الحرية الكبير الذي تمتعت به البلاد بعد ربع قرن من الديكتاتورية».
ويشارك في الانتخابات التشريعية (البرلمانية) والرئاسة عدد كبير من رموز نظام بن علي، أبرزهم السياسي المخضرم الباجي قائد السبسي (رئيس نداء تونس) الذي تسلم مهام عديدة خلال فترة حكمي بورقيبة وبن علي، ورئيس حزب المبادرة كمال مرجان (آخر وزير خارجية لبن علي)، فضلا عن عبد الرحيم الزواري ومنذر الزنايدي وحودة بن سلامة وجميعهم تولوا مناصب عدة خلال حكم بن علي، فضلا عن الاقتصادي المعروف مصطفى كمال النابلي الذي رفص في حوار سابق مع «القدس العربي» اتهامه بتلميع صورة نظام بن علي، مشيرا إلى أنه غادر البلاد لعقد ونصف بعد اعتراضه على طريقة حكم بن علي.
ويميل بعض التونسيين إلى الفصل بين الدساترة والتجمعيين، على اعتبار أن من رافق بورقيبة تميز نوعا ما بـ»نظافة اليد» بخلاف أغلب رموز بن علي، فيما يرى آخرون أن الجميع متورط في سياسة القمع والفساد التي تفاقمت بشكل خاص في عهد بن علي.
وكتبت الناشطة والإعلامية نزيهة رجيبة (أم زياد) في صفحتها على فيسبوك «الدساترة والتجمعيين.. قلت إنهم توانسة كي التوانسة الكل، لكن ما يلزمش ينساو (ينسوا) انهم كانوا جزءا من نظام خرّب المؤسّسات واعتدى على الحقوق والحريات و سلّم تونس لمافيا شنيعة، وعليه (هذا) يلزمهم ينقدوا انفسهم ويعترفوا بأخطائهم، ويبعدوا مؤقّتا عن الحياة العامّة حتى يتغيّروا ويرجعوا بنفس جديد ورؤية أنظف (…) وما بديت نهاجم فيهم إلا بعد ما رجعوا بها الكمّ الهائل من العنجهيّة وصحّة الرّقعة، وخاصّة بطرقهم المعهودة في التزييف والكذب والسلوكات المنحطّة»، في إشارة اتهام بعض مرشحي الرئاسة بتزوير قوائم التزكية الخاصة بهم.
وكتب مستخدم يدعى عماد شرفي معلقا على تقسيم رموز بن علي إلى نظيف وفاسد «قادة التجمع كلهم سواسية في المساهمة في الفساد والاستبداد والدكترة والتلاعب بمصالح البلاد والعباد، وأضاف آخر «من تقلد مسؤولية في نظام فاسد فهو فاسد».
وكانت الناطقة باسم حزب المبادرة التونسية سميرة الشواشي أكدت في حوار سابق أن الدساترة استوعبوا درس بن علي جيدا، مشيرة إلى أنه لا مجال لعودة الاستبداد إلى تونس، كما دعت بقية الأطراف السياسية إلى الابتعاد عن «الفكر الإقصائي والتفكير بأنهم شركاء للآخر في الوطن وليسوا مالكين له».
غير أن المتتبع للخطاب السياسي لأغلب الشخصيات المحسوبة على المنظومة السابقة يلاحظ تبدلا كبيرا على صعيد نوعية هذا الخطاب وحدته تجاه بقية الفرقاء السياسيين، ويتجلى هذا الأمر لدى حزب «نداء تونس» الذي أعلن مؤخرا نهاية شهر العسل مع خصمه الأبرز حركة النهضة التي يتهمها بتبني خطاب «قروسطي»، إضافة إلى بعض الأحزاب الدستورية الأخرى كالحركة الدستورية التي أكد رئيسها حامد القروي وعدد من الشخصيات الرئيسية فيه أنهم يتشرفون بكونهم «أزلام النظام السابق»، وهذا التصريح الصادم أثار قلقا كبيرا لدى التونسيين حول تبدد مكتسبات الثورة التي كلفتهم تضحيات كثيرة، ولم تنضج ثمارها حتى الآن.
وتعلّق رجيبة على هذا الأمر بقولها «قدّرت دور السّبسي في المرحلة الانتقالية الأولى، (..) وقلت نداء تونس ما زلت ما نعرفوش، وما بديت نهاجم في النداء إلا بعد ما توضّحت ملامحه التّجمّعيّة والانتهازية، وعرفت انّو السبسي يحب على الرئاسة وموش على جمع العائلة «الحداثية»، ونزعته لاستغلال خوف الناس على مصيرهم لتحريف وعيهم وإكراههم على اختياره تحت ضغط التّخويف فقط لا غير».
ويضيف جمعة ( رجل تربية وتعليم متقاعد) «الدساترة كان فيهم بورقيبة الله يرحمو.. وتوا (الآن) ما تنجمش (لا تستطيع) تعمّل على حد.. لا الباجي ولا غيرو.. وكان الباجي يحب يلبس جبة بورقيبة فا سماحني، ما أبعد الثرى عا الثريا، ما يلزمنا توا هو رجل دولة بالفم والملا، وأهم حاجة يحب البلاد موش ياخذها مزرعة ليه ولأماليه ( أهله).. تونس طول عمرها ولاَدة أما في السياسة.. بن علي ظاهرلي فيه قطع النسل على (عن) الجد الأوَل».
وكان الأمين العام لحركة النهضة علي العريض أكد في حوار سابق مع «القدس العربي» أن الدساترة جزء من الشعب التونسي، مشيرا إلى أن محاسبة رموز النظام السابق المتورطين بقضايا فساد يجب أن يتم بطريقة قانونية بعيدا عن الانتقام والتشفي، وعلق على مشاركة بعضهم بالانتخابات بقوله «نحن نثق بقدرة الشعب على تمييز الغث من السمين والانتصار لأهداف الثورة وحماية التجربة الديمقراطية الحالية».
يذكر أن بعض وسائل الإعلام أشارت مؤخرا إلى أن أهالي ولاية القصرين (غرب) قاموا بطرد مرشح الرئاسة منذر الزنايدي (وزير الصحة في عهد بن علي) إثر زيارته لمسقط رأسه في الولاية، مرددين شعارات تندد بـ»حزب التجمع المنحل وأزلام النظام البائد»، وهو ما دعى بعض المراقبين للتأكيد بأن موقف الناخبين لن يختلف كثيرا عن موقف أهالي القصرين من رموز نظام بن علي.
حسن سلمان
إن أي رهان على البعض من قبل عرب، اعتقد الواحد منهم أنه قارون، يعتبر خاسرا. أولئك العرب إنما يحرثون أو يثقبون الماء ولن يناولوا مرادهم.