أحيانا أتابع برنامج الثامنة الذي يقدمه السعودي «داوود الشريان»، رغم أن البرنامج في مجمله يناقش قضايا سعودية محلية صرفة، وكلما أغرق البرنامج في الشؤون السعودية الداخلية إنتبهت لحلقاته أكثر، وذلك تلبية لحالة فضول عندي لفهم المجتمع السعودي بشكل يتجاوز الإنطباعات المحكومة سلفا بما إعتدنا عليه.. ولأن البرنامج تبثه قناة فضائية تطرح نفسها كقناة لكل العرب، وعليه أعتقد أن البرنامج يأتي في سياق أجندة سعودية مشتركة مع القناة لوضع السعودية كنموذج «عربي» للجميع.
الحلقة المثيرة للجدل، والتي بثتها القناة أخيرا، كانت بلا شك مثيرة أيضا للوجع والضحك على حد سواء، وكانت لقاء مع «آخر الحشاشين» منذ نهاية قلعة الموت الشهيرة، وهو الإرهابي خالد المولد الموقوف في السجون السعودية.
اللقاء معه أثار في بالي كثيرا من التساؤلات، كان أهمها، لماذا تحاول «أم بي سي» وعبر أكثر برامجها السعودية متابعة أن تروج لفكرة أن من نحاربهم من قوى الفكر الظلامي هم من هذه النماذج؟
هل يمكن تصديق أن «داعش» أو حتى «القاعدة» مثلا، هي جيش مؤلف من هذه المخلوقات المغيبة والغائبة والموغلة في غيبوبتها عن الواقع والعالم الذي نعيشه؟
والتساؤل المخيف الآخر، هل نحن أمام نماذج مستنسخة كثيرة من هذا المسخ، الذي يؤمن بقناعة أنه المسلم الوحيد منذ عهد عبدالملك بن مروان؟
سؤالي الفانتازي حين طرح المولد فكرته تلك كان حول رأي عبدالملك بن مروان شخصيا في خالد المولد لو كان حيا في زمنه).
ما هو الهدف من ترسيخ فكرة أن من نواجههم هم من هذه النوعية؟ ألسنا نواجه عدوا أكثر ذكاء وخبثا ومعرفة من خالد المولد وأمثاله؟
وحول هؤلاء – ويبدو أنهم نسبة كبيرة في مجتمعات الخبز والحشيش والقمر – هل يمكن فعلا إعادة تصحيح الوعي العربي المشوه، بإعادة إنتاج أجيال جديدة مسلحة بالوعي الكافي والمحصنة بالإنسانية؟
حلقة داوود الشريان لم تكن بريئة في رأيي الشخصي، وتمريرها على قناة كبيرة مثل «أم بي سي»، لها ما لها من أهداف!!
أمة لا تقرأ
وحول الوعي العربي، وإعادة إنتاج الأجيال ما غيرها، فإن المعطيات الإحصائية التي توردها مؤسسات إحصائية لا تبشر بالخير أبدا.
فحسب المجلس الأعلى للثقافة في مصر، وفي بحث إحصائي محكم قاموا بإجرائه، تبين في النتيجة أن العالم العربي يقف في ذيل الأمم القارئة!! ذلك أن متوسط قراءة الفرد العربي فيه لا يتعدى الربع صفحة سنويا مقابل 11 كتابا متوسط قراءة الفرد الأمريكي مثلا!!
وبينما ينشر العالم العربي ما متوسطه ألف و 650 كتابا في السنة، تنشر دور النشر الأمريكية وحدها 85 ألف كتاب سنويا.
هذه أرقام مرعبة، تعكس واقعا مرعبا.. لا تستغرب بعدها حين يخرج من بطون المجتمعات العربية المعاصرة من يفكر بعقلية عنترة العبسي ويحمل ثارات الزير سالم في داخله ويؤمن باستمرار «داحس والغبراء» ويحل ضيفا على المحطات العربية، سواء كان خبرا يوميا أو ضيفا مفتيا!
الرسم تهديد للأمن العربي
من هنا، فإن المثل الدراج «إن جن ربعك، عقلك ما بينفعك» يصبح مفهوما حين يشكو إليك فنان مبدع مثل فنان الكاريكاتير الأردني أسامة حجاج، حجم الرعب الذي يعيشه جراء التهديدات التي تصله يوميا وتباعا من مجهولين يرون في رسوماته إساءة لهم .
أسامة فنان كاريكاتير معروف في الأردن، ورسوماته التي إبتدع فيها شخصيات كاريكاتورية ينتقد فيها سلبيات المجتمع، ومن ضمن ذلك سلبية التعصب والتطرف الديني والقبلي.
أسامة وصل إلى مرحلة يخشى فيها على رزقه وعيشه وحياته هو وأسرته.. والسبب رسومات إبداعية يحلق فيها في عالم الكاريكاتير، وعبر الإبتسامة اللطيفة والشخصيات الطريفة، التي إختلقها يوصل الفكرة في مجتمعات فيها من لا يؤمن بالتعددية الفكرية، ولا بالإختلاف، ولا حتى بالحرية.
ميريام كلينيك.. متهمة
وهكذا، وأنت بين تلك الأفكار المتضاربة حول الوعي واللاوعي، تقفز عبر القنوات الفضائية لتبحث عن ميناء سلام خفيف لطيف ينتشلك من هذه الفوضى «غير الخلاقة»، وإذ بالسيدة الفاضلة «ميريام كلينيك» تطل عبر برنامج حواري إسمه «المتهم» على قناة «أل بي سي» أو بالأحرى «لا تلبسي» وتفيض علينا بجواهر و درر معرفتها الفنية وغيرها.
كلينيك، أكدت خبر إفلاسها وطريقتها الفيسبوكية بجمع التبرعات بمقدار دولارين من كل معجبيها عبر صفحتها الشخصية، فهي لا تقبل الذل، والجنس برأيها ذل وهي تقرف منه!!
وتحدثت – الله يسلمها – عن كثير من المواضيع، وخلطت الزيت بالماء في كثير من القضايا حتى وصلت إلى مرحلة أتساءل فيها مع نفسي إن كان الخيار في العالم العربي قائما بين نموذج الحشاش خالد المولد أو نموذج المفكرة القومية ميريام كلينيك.
وغاب «الناظر»
ومات «الناظر».. ورحل حسن مصطفى عن عالمنا، وقد ترك خلفه ذكريات عن وجه ممتلئ وبشوش ألفناه في بيوتنا عبر مسرحيات وأفلام وأعمال درامية.
ما يوجع في رحيل هؤلاء (والموت حق على الجميع) أن رحيلهم يسدل الستار على زمن الفن الجميل، وعلى زمن أخاله جميلا كان بوجودهم وإبداعهم.
رحم الله حسن مصطفى.
كاتب وإعلامي أردني يقيم في بروكسيل
مالك العثامنة
مقال في غاية الجمال والإبداع
ومن قال لك ان القراءة هي من اهم معايير تقييم الامم … و ماذا ونقرأ … لدينا حياة اجتماعية تشغلنا و تملا فراغنا … اخي مالك لا تنجر كثيرا الى معايير الغرب … فلهم ثقافتهم و لنا ثقافتنا
كل ما يقرا الغرب هو قصص بايخة و كتب ابيخ او اخبار مفبركة … على العموم مبروك عليهم كتبهم و ثقافتهم …الواحد فيهم لا يعرف شي عن اوضاع العالم و خصوصا الشرق الأوسط … شعوب مغسول دماغها