تغيير ماذا وباتجاه ماذا؟ سؤال بسيط ظلت الثورات العربية، أو الهبات الشعبية المناهضة في جوهرها للدكتاتوريات العربية التي حكمت قرابة القرن، بلا نظام، واستباحت وما تزال، شعوبا لا مطالب لها سوى أن تعيش كبقــــية الشعوب على وجه هذه الأرض، بأمان وبحد أدنى من الحقوق، ظلت رهينة له. يمكننا أن نجيب ببساطة مختصرين كل التعريفات الأكاديمية. حالتان تفرضان نفسيهما في هذا السياق.
الحالة الأولى، وهي الحالة الأقرب ميدانيا، والمرتبطة بوعي مرتبك مرتبط بالهزائم المتكررة، جعل العربي يلتصق بأية قشة أمل في التغيير باتجاه مجتمع آخر، حتى ولو كان، لتبريرات تأسست على أيديولوجية دينية تسطح كل ما تلمسه، أكثر انغلاقا، لأننا عندما نرى طبيعة الفاعلين ميدانيا يمكننا ببساطة أن نتصور الأسوأ. هناك انسحاب شبه كلي للحركات الليبرالية والحداثية أمام قوى إسلاموية منغلقة لا تملك إلا سلسلة من الخطابات التي راكمتها منذ العشرينيات بدون أن تتمكن من إعادة النظر لا في فكرها، ولا في تصوراتها وكأن المجتمع العربي، على غير بقية المجتمعات الأخرى، كتلة ثابتة لا تتحرك أبدا مهما كانت الزوابع من حولها أو البراكين التي تغلي في داخلها.
لم تتغير هذه التنظيمات الإسلاموية داخليا، ولهذا تشظت إلى آلاف القطع في المجتمع الواحد، مثل الزجاج المكسور. حتى تنظيميا أعادت إنتاج نفس التصورات القديمة المرتبطة بخطاب سهل مثل المفتاح السحري، تطبيق الشريعة، لإحلال العدل، وكأنه لا قيمة للجهد البشري في هذا السياق وكأن الإنسان مجرد كتلة عابرة في الزمن لا تأثير لها أمام قوى الغيب الواسعة. على الرغم من أخطائها التاريخية على مدار القرن تقريبا، تعيد هذه الحركات إنتاج صورها القديمة بالموازاة حتى جعلتها مقدسة، بل تتماهى أحيانا مع قداسة الديني. وما دامت هي الأكثر تنظيما وتواجدا، كانت هي الأقرب إلى الاستيلاء على السلطة في خضم الثورات العربية. وهو ما حدث بالفعل في الكثير من الدول العربية قبل حلول فكرة الانقلابات الديمقراطية المدنية، وهو مفهوم يستحق التأمل لأنه مستجد على الوضع. وجدنا أنفسنا فجأة، من جديد، إما أمام حركات إسلاموية متشظية، جزء منها لم يوجد إلا لتنفيذ أجندات أوكلت له لتأديتها زمنيا، إذ بمجرد انطفاء بريق الثورات العربية، انتهت هذه الحركات أو تحولت إلى معطل حقيقي للذهاب بالثورات إلى مداها، أي التغيير الفعلي باتجاه ما يفتح الإنسان العربي على التطور والحياة الأفضل، فتحولت في الأغلب الأعم، إلى حركات إجرامية للقتل وخطف الأبرياء والمقايضة بهم. أو أنظمة جوهرها عسكري، مُمَكيجة مدنيا، جاءت كمنقذة بدون أن تملك برنامجا حقيقيا يقودها نحو تحقيق الأمن والمغادرة من الباب الواسع، وتنظيم انتخابات ديمقراطية حقيقية تلعب فيها المؤسسة العسكرية، دور المنظم والساهر على الأمن وتطبيق الدستور واستمرار الدولة، لا أن تتحول إلى طرف أساسي بل وحاسم، في اللعبة السياسية. علمتنا التجربة التاريخية الإنسانية، كلما انزاحت المؤسسة العسكرية عن دورها الأساسي والدستوري، وضعت نفسها في دائرة مخاطر التمزق الداخلي الذي قد يقود إلى الانهيار النهائي للدولة. الحالة الثانية وهي الحالة الأصعب وشبه مستحيلة، وتقتضي وجود مجتمع حي وديناميكي.
تغيير الدكتاتوريات بشكل فعلي وجذري وغلق الأبواب أمامها لكي لا تعود في أشكال مختلفة معلنة أو مبطنة لتجهز على أي فعل تغييري من الداخل. والانتقال تدريجيا نحو مجتمع مدني حقيقي يجد الإنسان العربي نفسه فيه كما في كل بلدان العالم. مجتمع يضمن دستورا تقنيا جماعيا وغير مثقل بالخطابات السياسوية، وخارج كل الايديولوجيات المتناحرة، يستجيب لحاجة اجتماعية عامة خارج المعتقد الديني أو الإثني أو اللغوي أو الطائفي أو القومي أيضا، ويسهم في توحيد الشعب على أساس المواطنة التي يمكن أن تكون هي النقطة المركزية التي تجمع بين كل أفراد المجتمع. لكن هذا الحلم الذي يبدو اليوم شديد البعد، يقتضي وجود قرار عربي سيد وغير تبعي، وهو أمر مستبعد حاليا على الأقل في ظل المصالح الاستعمارية التي لا ترى في العرب إلا مصالحها المباشرة ولا تأبه بمصائر الشعوب، مهما كانت لغة الخطابات الإعلامية، التي تمررها الحداثة وحقوق الإنسان والقانون الدولي الذي يسير برجل واحدة ويرى بنصف عين.
ولا ترى في العرب أكثر من كومات بشرية ستزيل نفسها بنفسها. تحتاج هذه الخيارات إلى وجود جيل واع بما يدور من حوله من رهانات محلية وقومية ودولية واستباقها وتحليلها وتسيد رؤية براغماتية تضمن المصلحة العربية وتضمن للآخر القوي أيضا مصالحه. لنقل لتبسيط الأمور، أن أي ثورة، كيفما كانت، تأتي كحاجة حيوية للتغيير وضرورة تاريخية لهز الراكد من الأوضاع نحو الأفضل والأحسن والأكثر إنسانية، في مواجهة أنظمة فاسدة واستباحية، وإجرامية أيضا في حق شعوبها إذ استولت على كل شيء واحتكرت لها ولمحيطها العائلي والسياسي، كل خيرات البلاد العربية التي تندثر اليوم مثل الرماد. وحولت الدولة الوطنية إلى مزرعة تخدم مصالح الأقلية المستعاشة.
وكلما ضاقت مساحة الغنى، بسبب الأزمات الاقتصادية والهزات العنيفة غير المرتقبة لأنها لا تقرأ المستقبل عندما تكون في بحبوحة مالية، احتكرت كل شيء لنفسها، وجوعت شعوبها، فانهارت في المحصلة كل القيم، وحتى الطبقات المتوسطة الحامية للتوازن المجتمعي، وأفرغ كل شيء من محتواه وتحول إلى قوقعة فارغة، كالديمقراطية والدستور والحكم العادل، والاختلاف، والحداثة وغيرها. ما كان يسمى سرقة موصوفة مثلا، يعاقب عليها القانون، أصبح في ظل المعادلات الجديدة، شطارة اقتصادية. وما كان جريمة سياسية أصبح دفاعا عن الدولة، وكل نقد إيجابي وضع صاحبه في خانة أعداء الوطن. طبيعي، لأن الوطن هو الحاكم في العربي الدكتاتوري. وتزداد مساحة الظلم وتكبر وكأن شيئا لم يكن. لهذا فالثورة في تعريفها الأولي والبسيط، هي التغيير نحو الأفضل والأسمى والأنبل.
كم بقي اليوم من الشباب الذين قادوا الثورات العربية؟ لا أحد. كيف انتهوا بسهولة بعد أن استولوا، في غضون أيام معدودات، على الشارع العربي؟ الثورات الذكية حتى في حالة إخفاقاتها، وفشل الوصول إلى أهدافها النبيلة، تدفع بالأنظمة التي يتوفر لديها قليل من الذكاء وقدر من الحس الإنساني، إلى التنبه للمخاطر المحدقة، والاستباق بتحسين الأوضاع والإصغاء للتحولات والمطالب المخنوقة، قبل الانفجار النهائي الذي قد يحرق الأخضر واليابس، ولا يفكك النظام فقط ولكن الدولة كلها، ويهتك عرض الأوطان ويحول الأرض العربية إلى مساحة مستباحة. المشكل الكبير، وربما كان هو سبب الخراب، هو أن الأنظمة الدكتاتورية العربية التي لم تصبها رصاصة الرحمة، تسلخ جلدها مثل الأفعى وتلبس جلدا جديدا، لكن الجوهر يظل هو نفسه لكي تستمر في العيش. لهذا أصبحت اليوم كلمة ثورة رديفا للبراكين ومحرقة الأوطان والحروب الأهلية التي لا أفق لنهاياتها لأنها ليست هي من يتحكم في مساراتها. تراكم الظلم جعل الثورات العربية، أو لنقل الانتفاضات الاجتماعية الواسعة، تقوم ويشتعل فتيلها في كل مكان، وقبل أن تتحول إلى ثورات حقيقية، تم الاستحواذ عليها من قوى إقليمية وأجنبية فوجهت نحو مسارات تدميرية وتفكيكية للدولة أكثر من فعل التغيير الداخلي.
باسم القوانين الدولية ومناصرة التغيير، أصبحت الأراضي العربية خارج السيطرة العربية. وإذن تغيير ماذا؟ باتجاه ماذا؟ سؤال صغير جدا، لا يوحي بالأهمية الكبيرة.
لكن فك هذه المعادلة يقود بالضرورة إلى فهم ما يحدث اليوم على الأرض العربية التي تتهيأ لاستقبال زمن آت ليس فقط شديد الغموض، لكن أيضا شديد الخطورة على وجودها.
واسيني الأعرج
تطبيق الشريعة، لإحلال العدل، وكأنه لا قيمة للجهد البشري في هذا السياق وكأن الإنسان مجرد كتلة عابرة في الزمن لا تأثير لها أمام قوى الغيب الواسعة.
– انتهى الاقتباس –
بسم الله الرحمن الرحيم (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً.) الأنعام (115)
و قد ثبت وصفه سبحانه بالعدل في أفعاله ، كما في البخاري (3150) ومسلم (1062) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود ، في شأن الذي اعترض على قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فَقَالَ : فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) .
الجهد البشري لاحقاق العدل معترف به بالقرآن الكريم وبعدة آيات كريمة
وليس الجهد البشري الذي يضع العدل الوضعي فوق العدل الالهي
البشر يجتهد بالقوانين ونحن نختار منها ما يناسب ديننا فقط
ولا حول ولا قوة الا بالله
تحليل ليبرالي جيد ولكن اختلف بموضوع انسحاب الحركات الليبرالية والحداثية حيث انها غير موجودة أصلا لتنسحب وما هو موجود هو مجرد هر طاقات تتدعي الليبرالية لمجرد انها ترفض التدين او حتى الالتزام الديني المعتدل.
نعم العدالة تأتي مع تطبيق الشريعة لان الشريعة هي شريعة الله وما نراه في الغرب من مظاهر للعدالة اتى من الحضارة الإسلامية مع تطورات متلاحقة حيث اننا لا ننسى الحقبة المظلمة في أوروبا.
لنكن صريحين الديكتاتوريات منبعها الأيدولوجيات الشيوعية والاشتراكية التي تتحكم بالشعوب وهي احد أسباب التطرف لاحقا
مع تحياتى و تقديرى.نجاح الثورات يتطلب كثير من الوقت.امبراطوريتان اثنتان قامتا بعد الثورة الفرنسية قبل ارساء جمهورية قابلة للحياة. المهم أن الشرارة الاولى نجحت فى تحرير العقل العربى من الخنوع و بدون رجعة . الآن نحن فى اول الطريق الصعبة و الانتكاسات و التعثرات طبيعية .المستقبل مشرق ان شاء الله على شرط فصل الدين على السياسة.الدين فى المعبد و السياسة فى الشارع.
لوحتان من الطين عثر عليهما في سورية سنة 1929 يعود عهدهما إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد , على اللوحتين كتابة برموز تسمى الكتابة الأوغاريتية المسمارية بعد تفكيك رموزها في جامعة اللاهوت بأمستردام ظهرت قصة آدم وحواء على شكل مغاير لما هو عليه في التوراة وماتلاها .
هل يمكن للعرب مناقشة هكذا موضوع ؟ إن كان بـ” نعم” بعدها نتحدث في أمور أخرى وإلا فالحلقة مفرغة والتمنيات شيء جميل.
الى الاخ عبدالكريم: نعم العرب والمسلمين على استعداد مناقشة اي موضوع ولكن بموضوعية وانفتاح والنقاش لا يكون للنقاش فقط والسؤال يطرح على الطرف الاخر هل هو على استعداد ام لا
سلمت يداك يااستاذ واسيني الأعرج كلام واقعي ومنطقيv
أوافق على جمود فكري لدى الكثير من الحركات الاسلامية، لكنها تظل أكثر حيوية مما يسمى تيارات ليبرالية أو حداثية فهذه لا يوجد لديها فكر مطلقا ، لا يوجد فكر ليبرالي عربي . الا اذا اعتبرنا تريديد شعارات مقتبسة حرفيا من اللبرالية الغربية،،فكرا . اعطيني مقال عربي واحد حول الحرية أو الواجب لا يكرر أشياء مستهلكة غربيا “فلسفيا”.
نقد الاسلاميين ضروري لكنه كان الطريق القذر الذي سلكه ليبراليون ويساريون للانقلاب على رغبة الشعوب في التغيير.
مشكلتنا جميعا هي النزاهة يا سيدي الكريم!!!