مجموعة من النشطاء السوريين، تتعدد وتتنوع مشاربهم السياسية والفكرية، والإثنية حتى، ولكنهم توحّدوا…! وحّدهم بكاء الروح همّا وحسرة على الوطن الذي إستوطنه الدمار والموت، بعد أن قذف بالبسطاء من أبنائه إلى لجة المجهول. ووحّدهم سؤال المعاناة والحزن النبيل: «سوريا إلى أين؟». يبتسمون إليك وعيونهم مغرورقة بالأسى على مآلات الثورة «المغدورة» كما أسموها. عرّفوا أنفسهم بكل صدق وشفافية: «نحن مجرد أفراد ننتمي لسوريا ولثورة شعبنا «المغدورة»، لا نمثل حزبا سياسيا أو أية مجموعة أو أحدا، ولا ندعي تمثيل كل السوريين ولا أغلبھم، مع أننا ّ جزء من تلك المخاضات التي شغلت كل السوريين بعد الانتكاسات الأخيرة، والتي جاءت كإستجابة لدعوات وضرورات القطيعة الفكرية والسياسية مع كل التصورات والممارسات الخاطئة للمرحلة السابقة». عقدوا في برلين، بتاريخ 18 آذار/مارس الجاري، جلسة حوارية إبتدر فيها النقاش كل من الإعلامية سميرة مسالمة والدكتور جلبير الأشقر والأستاذ ميشيل كيلو. وشاركنا، د. حامد فضل الله وشخصي، بالإستماع للحوار والإستمتاع به.
وعلى الرغم من أن الثورة السورية إنطلقت بمشاركة 8 ملايين سوري، حوالي 35٪ من الشعب السوري، إلا أنها أكملت عامها السادس دون انتصار، بل عائدها اليوم جاء تدميرا ومناقضا لأهدافها المعلنة..، لماذا؟! تقرير وسؤال، جاءا ضمن حديث الأستاذ ميشيل كيلو، والذي جزم بعدم إمكانية انتصار ثورة تتبنى برنامجين، أحدهما ديمقراطي والآخر ديني، مشيرا إلى أن الثورة بدأت إجتماعية المحتوى وسلمية الوسيلة قبل أن تنحرف إلى المذهبية والعسكرة مما أصابها في مقتل. وعلى ذات المنوال كان حديث الأستاذة سميرة مسالمة التي دفعت بأن التدخلات الإقليمية والدولية حورت النزاع من صراع في سوريا إلى صراع على سوريا!. أما الدكتور جلبير الأشقر فقدم تحليلا قيما لاستراتيجية التدخل الدولي في سوريا، وتحديدا أمريكا التي تحاول الاستفادة من دروس العراق لتجنب أخطاءها التي ارتكبتها هناك. وجوهر هذه الاستراتيجية هو الحفاظ على بنية النظام، على جهاز الدولة، متحالفا مع أمريكا وخادما لمصالحها، مع الإطاحة برأس النظام وغطائه السياسي، أو إستمالتهما إن صعبت الإطاحة. أيضا، نادى الدكتور الأشقر بضرورة أن تراجع الثورة السورية حساباتها وتكتيكاتها، مشددا على أن الأولوية هي لوقف الحرب ولوقف تدمير سوريا، وأن هذه الأولوية هي شرط أساسي لإعادة بناء وتنظيم صفوف الثورة.
مبتدرو الحوار، وأكثر من مناقش في القاعة، ظلوا جميعا يرددون فكرة أن الثورة السورية لم تفشل، وإنما فشلت النخب المعارضة التي تزعّمتها زوراً وبهتاناً. ولكني شخصيا، لا أجد مشكلة في تقبل فكرة الفشل، لأني لا أراه فشلا مطلقا وإنما نسبيا، في هذه المرحلة، والنجاح يمكن تحقيقه في مراحل قادمة، ما دامت أسباب الثورة لا تزال قائمة. وكما حدثنا التاريخ، ليس غريبا ان تمر الثورات بعدة مراحل قبل ان تكشف عن كل إمكانياتها وتتبلور في نهاية الأمر بوصفها تكويناً جديداً جذريا. فمثلا، في فرنسا، تطلب الأمر بعد ثورتها العظمي في الفترة ما بين 1789م/ 1793م، حدوث ثلاث ثورات أخرى في الأعوام 1830 و 1838 و1871، لانتصار الثورة واستقرار بنيتها الجديدة بقيادة البرجوازية. ونفس الشيء انطبق على بريطانيا، حيث في أعقاب ثورة كرومل 1649م جاءت الثورة المجيدة في فترة 1688م/ 1689م ثم إصلاحات 1832م، لكي تستقر الثورة.
وفي المانيا كانت هناك ثورتان ديمقراطيتان في 1818م/ 1918م وما بينهما حدثت الاصلاحات العنيفة في ستينات القرن التاسع عشر والتي نفذها بسمارك بقوة الحديد والدم. وهكذا، يمكن أن تمر الثورة بعدة محاولات، كل محاولة منها يمكن أن تعتبر قاصرة ودون النجاح المطلوب بالنسبة للأهداف النهائية، حتى تأتي المرحلة الأخيرة، حيث يتحقق الإنتصار. وبالطبع، بعد كل مرحلة، بالنسبة للثوار، لا بد من وقفة مراجعة ونقد ذاتي، ولا بد من إعادة النظر في تركيبة وبرنامج وتكتيكات قوى الثورة. وأعتقد، أن هذا ما اتفق عليه ثوار سوريا الطامحون في بناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية في سوريا.
ملاحظتان هامتان أثيرتا في اللقاء، الأولى: مآل الثورة السورية الراهن أكد فشل مشروع الإسلام السياسي، سياسيا وعسكريا، وفتح الباب لتستعيد القوى الديمقراطية والوطنية زمام المبادرة. والملاحظة الثانية، أن هنالك يقظة شبابية للعودة بالثورة إلى سيرتها الأولى بعيدا عن المذهبية والعسكرة. ومن جانبنا، نضيف النقطتين التاليتين، وهما قطعا في مقدمة تفكير الثورة السورية:
الأولى: أمريكا تسعى لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، عبر التحالف، أو التنسيق، مع بعض تيارات الإسلام السياسي في المنطقة. ولا يستبعد أن ينص المشروع على تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، مع الإبقاء
على وحدة سوريا الجغرافيّة تحت النفوذ الروسي، ومع ضمان مصالح كل الأطراف الأخرى، بما في ذك تطمين تركيا وإيران.
الثانية: فئة الشباب، بمختلف شرائحها الاجتماعية ومشاربها الفكرية، ربما تلعب دورا حاسما في تخفيف حدة الاختلافات والفوارق الفكرية والايديولوجية بين مختلف مكونات الشارع الثائر، مثلما حدث في تونس والقاهرة، وصهر هذا الشارع في بوتقة الشعارات المندفعة بنفس النغمة ونفس قوة تردد الموجة. وهي فئة تمتلك حيوية وقدرة على المغامرة، ونهم للمعرفة وإدراك المصير، وكلها من صفات إحداث التغيير الجذري. وباستطاعة الشباب تجاوز حدود الحراك التقليدي للقوى السياسية المعارضة، فلا يتوقف عند فكرة برنامج الحد الأدنى بقدر ما يبحث عن بداية الطريق الصحيح لإعادة ترسيم مصير الوطن عبر إرادة حقيقية تفرض العدالة التي لا تستثني أحدا.
وأعتقد أن وضع النقاط الأربع هذه في الاعتبار، سيساعد كثيرا في إعادة رسم تحالفات الثورة، وفي إعادة صياغة أهدافها وجدولتها وفق أولويات محددة، وفي ابتداع أفضل التكتيكات لتحقيق هذه الأهداف، علما بأن ما تواجهه الثورة السورية ليس النظام وحده، وإنما تحالفا دوليا وإقليميا يسعى لإجهاض الثورة، وتطلعات الشعب السوري، وسائر شعوب المنطقة.
٭ كاتب سوداني
د. الشفيع خضر سعيد
ما جاء في هذا المقال رغم وضع الاصبع على بعض جروح الثورة السورية الا ان هناك بعض النقاط التي لا يجب اغفالها وهي ان هذه الثورة لم تطرح شعارا طائفيا بل هبت تقول واحد واحد واحد الشعب السوري واحد ولم تتبن ايديولوجية معينة وانما رفضت كل الايديولوجيات واولها تخريفات حزب البعث، لقد كانت الثورة السورية عفوية كباقي الثورات في تونس ومصر وليبيا، فلم تكن ثورة انقلابية عسكرية يقوجها ضابط بشهادة ثانوية ودورة اجرام، وهذه الثورة شملت اكثر من ثمانين بالمئة من الشعب السوري والدليل ان اليوم هناك اكثر من نصف الشعب السوري في المهاجر وربعه رهينة تحت بطش بشار الكيماوي ابن ابيه ابو المسالخ البشرية والربع الاخر يقود الثورة، وقلة هؤلاء من يؤيدون بشارون البراميلي لان مصالحهم تقتضي ذلك والدليل على ذلك انه عندما شعر باهتزاز عرشه سارع لطلب النجدة من الروس والمجوس وميليشيات طائفية على راسها حزب الله، واكثر المثقفين في سورية اليوم يقفون مع الثورة وهم من جميع الطوائف ودون ذكر للاسماء هناك اعمال ادبية ومسرحية وسينمائية وتشكيلية انجزها مبدعون سوريون من كل فئات الشعب السوري، فالثورة السورية وان دخلت في فخ العسكرة التي نصبها نظام الاجرام الا انها مستمرة وستبقى مستمرة رغم الداء والاعداء
هل كانت فعلا ثورة سورية؟ أم كانت إستغلالا لمطالب مشروعة للمواطن السوري لجره إلى حرب تدميرية لبلده٠ الأكيد أن المواطن السوري سيستخلص الدروس كما فعلها من قبله المواطن اللبناني و الجزائري؛ فلا معنى لثورة تخرب بدل أن تبني الوطن