الجامعة الأردنية… خطاب «المؤامرة» والمندسين مجددا

لا أعرف بصورة محددة ما الذي يحصل عند المسؤول العربي او الأردني بصفة خاصة عندما يتعلق الأمر بانتقاد أو حتى حراك يخص عمله أو مؤسسته.
يبدو ان ثقافة رفض النقد وعدم التسامح إزاء الملاحظة متراكمة ومتكلسة في مفاصل ذهنية المسؤول او من يتبوأ موقعا متصدرا في المجتمع وهذه الحالة للأسف الشديد لا تستثني حتى بعض كبار المؤسسات الاكاديمية.
شخصيا وبكل صراحة يفاجئني جدا البروفيسور اخليف الطراونة رئيس الجامعة الاردنية وهو يدلي بحزمة من التعليقات والتصريحات خلال التعاطي مع الأزمة المندلعة في احضان جامعته وهي الجامعة الأردنية الام للأسبوع الرابع على التوالي.
سبب المفاجأة الرئيسي هو اني أعرف الرجل ولو بصورة سطحية واستمعت له عدة مرات في منزله على هامش لقاءات ادارها لأهداف علمية.
سمعت الدكتور الطراونة يشخص حالة التعليم العالي في البلاد ويتحدث عن امكانية ادارة كل مشكلات الطلاب بالتعقل والحوار وبالروح الابوية وفهمت منه شخصيا بان الضغط في الميزانية المالية قد يكون السبب الاساسي في أزمة التعليم العالي في كل جوانبها.
عندما أغلق الثلج العاصمة عمان قبل عامين وتم إغلاق جميع كليات الجامعة الاردنية وقرر رئيسها الذي نتحدث عنه اتمام الامتحانات وتصدر الطلاب في شوارع وازقة الجامعة لفتح الطرق يدويا اكتشف بان في الجامعة الاضخم في البلاد ( 13 ) كريكا ً فقط ومفردة كريك يخصصها الاردنيون للحديث عن الاداة المعدنية اليدوية التي تستخدم في تحريك الانقاض.
بدا واضحا لي ان الدكتور الطراونة ينتقد وجود دراسات موازية اصلا ويشعر بان الدولة تترك الجامعات تحت وطأة الدين.
سمعت باذني نفس الرجل يتحدث عن فساد سابق في الاستثمارات ومخصصات بائسة للتعليم العالي وارهاق كبير ينتج عن المقاعد الاستثنائية في الجامعات وعن تحديات مالية وعلمية وبحثية واكاديمية من كل الاصناف.
داخل الجامعة حدثنا الدكتور نفسه عن بابه المفتوح وعدم وجود مشكلة مع الطلاب لا يعالجها الحوار والروح الأبوية التي تجعله يتجول بين الطلبة انفسهم يوميا ويصغي لإيقاعهم ويستمع لهم.
ذلك الرجل مع تقديري واحترامي له ولمكانته العلمية ولمنصبه لم يكن هو نفس رئيس الجامعة الذي اقرأ تصريحاته الغريبة وهو يحاول قمع مجموعة من الطلاب المعتصمين ضد قراره الشخصي برفع رسوم الدراسات الجامعية الموازية والعليا وبصورة غريبة وبنسبة تصل إلى 300٪ وعلى نحو مفاجىء.
غريب اننا ننقلب على انفسنا فنتحدث عن الديمقراطية والحوار للآخرين ونلومهم على الاجراءات المتعسفة لكن عندما يحصل الامر بيننا تصبح المسألة مختلفة تماما.
لا اعرف ما الذي حصل ودفع الدكتور الطراونة لتغيير لهجته والسماح بتحويل اذاعة جامعته وكأنها اذاعة عسكرية تدار من غرفة أمنية وليست مهنية او جامعية.
سمح الطراونة باتهام الطلبة المعتصمين لهدف واضح ومعلن ومحدد بانهم ضد الجيش ثم سمح بطرح ورقة انهم ضد العشائر ورفض الاستماع لهتافات وبيانات الطلاب المعتصمين التي تهتف وتصفق للجيش وتحشر خطابها بمسألة الرسوم الجامعية. على نحو واضح موقف ادارة الجامعة يعمل على معالجة كل الازمات المالية الناتجة اصلا عن المقاعد الاستثنائية عبر مضاعفة خيالية لرسوم الدراسات الموازية وسط اعتقاد بان الاردني الذي يستطيع تدبير الف دينار حتى يدرس ابنه لشهر واحد في برنامج مواز يستطيع بالنتيجة لأنه مضطر بسبب المقاعد الاستثنائية دفع اربعة آلاف بدلا من نفس الشهر.
المفارقة تبدو غريبة فالإصرار على التوسع بالدراسات الموازية يعني ان الجامعة تستطيع تقديم خدمات التعليم لفئة البرنامج الموازي.. السؤال هو ما الذي يمنع من قبول الطلاب انفسهم في البرنامج العادي مع رفع معقول لأسعار الساعة المعتمدة على جميع الفئات.
قلتها سابقا واعيدها من حق اردنيين خدموا البلاد اكثر من غيرهم سواء من متقاعدي الجيش او ابناء المعلمين والعشائر والجهات الاقل حظا الحصول على فرصة لمقعد جامعي لكن الاهم من هذا الحق هو تمكينهم من تلقي العلم في مدارس حكومية متميزة جدا وامكاناتها في كل مكان تفوق ان لم تقل عن امكانات مدارس القطاع الخاص.
كل المقاعد الجامعية الاستثنائية بما فيها الموازية والدولية محاولة للإفلات والتحايل على الحقيقة التي تقول بان الحكومة الاردنية تفشل في ادارة مدارس القطاع العام وتخفق في منح كل اردني في كل قرية او مخيم الحق الاساسي المكفول في الدستور وهو حق التعليم.
قلناها ونعيدها بدلا من التوسع في الاستثناءات ينبغي ان يتم التركيز على حق كل طفل اردني في مدرسة نموذجية بدون لف او دوران وفي كل مكان في المملكة.. هل يجعلني هذا الرأي معاديا لمقاعد المكارم الملكية ولحصة ابناء العشائر ؟.. انا نفسي ابن عشيرة واستفدت من مقعد استثنائي ولا يعجبني ذلك وكنت افضل دوما ان احصل على فرصة عادلة ومنصفة في مدرسة حكومية نموذجية على ان احصل على مقعد جامعي لا استحقه رغم اني مستفيد كابن لمتقاعد عسكري من المقعد الذي حصلت عليه قبل ربع قرن.
عليه يصبح الحديث عن العداء لاستثناءات مبالغة وتهويلا خارج السياق لأن الاصل في الاشياء العدالة للجميع.
بعيدا عن هذا الموضوع لا اجد ما يسوغ نظرية المؤامرة والحديث عن اعتصام طلابي يندرج في باب الحقوق الاساسية وله هدف معلن وواضح بهذه اللغة الخشبية المتعلقة بالمندسين والجهات الخارجية والأجندات الحزبية وبقايا التنظيمات الفلسطينية وممثلي الاخوان المسلمين وتعاطي المخدرات لأن هذه الاتهامات الباطلة دوما والمتهالكة أبدا موسمية وتتكرر كلما دق الكوز في الجرة وتوحي لي كمواطن اردني بان الكرة الارضية مشغولة بهدف اجمعت عليه وهو التآمر على بلدي ومؤسساتي التي لا تقوم بواجبها اصلا.

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خليل ابورزق:

    افتقاد مبدأ الحرية و العدالة و الديموقراطية هو الاساس في ضعف التعليم العام و الجامعي. لان التعليم اساسا هو تنمية الفكر و البحث و السؤال و الابتكار و الابداع و القدرة على الانتاج. و في غياب الحريات و العدالة فان التعليم هو تلقين ينتهي بالحصول على الشهادة.
    و يأتي عدم توفير الموارد المالية له في المرتبة الثانية بعد الحرية. و السبب في ذلك توجيه الموارد المالية للجيوش و الاجهزة الامنية و الاعلام و غيرها من الاجهزة اللازمة لكبت الحريات.
    وبالاضافة الى العاملين السابقين تأبى السياسة الا ان تتدخل في اضعاف التعليم بفرض اعداد المقبولين و الاستثناءات التي تخلف الدستور اصلا بعدم المساواة ما بين المواطنين في القبول. اما تبرير ذلك بضعف التعليم العام فهو مردود لان التمييز يجري ما بين خريجي نفس المدرسة. كما ان الايتام او ابناء عمال القمامة او ابناء المساجين اولى بالرعاية من ابناء المعلمين او العسكريين لو اخذنا بالاعتبار المسؤولية الاجتماعية و مصلحة المجتمع على المدى البعيد.
    التعليم بمعنى تنمية الفكر و الفهم و التطبيق و اطلاق طاقات الابداع و الابتكار هو مصنع الانسان. و الامة المتقدمة هي امة متقدمة بالانسان. و لايصلح التعليم الا باقرار مبدأ الحرية و الاولوية

إشترك في قائمتنا البريدية