الجامعة العربية ومسألة تداول منصب الأمين العام

هناك نوعان من المنظمات الإقليمية – منظمات قائمة على تجمع جغرافي لبلدان متلاصقة في الحدود كالاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي ومنظمة الدول الأمريكية ورابطة دول جنوب شرقي آسيا ومجلس التعاون الخليجي، وهناك منظمات إقليمية تجمع في عضويتها دولا متقاربة المصالح الاقتصادية أو العسكرية أو الأمنية مثل، منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) أو منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو المنظمة الأوروبية للتعاون والأمن وغيرها. ولكل منظمة نظام داخلي ينظم عملها ويحدد أهدافها وينص على شروط العضوية وواجبات الدول الأعضاء وتقاسم المسؤوليات والبناء الهيكلي للمنظمة، الذي يحدد الأقسام والدوائر والمناصب المختلفة. ولا يوجد في جميع المنظمات الإقليمية قانون أو عرف يحصر مسؤولية الأمانة العامة أو الرئاسة في بلد واحد، بل هناك نظام لتداول الرئاسة يتيح للدول الكبيرة والصغيرة أن تتسلم قيادة مسيرة المنظمة لفترة معينة، ثم تسلمها لمن يأتي بعدها، إلا الجامعة العربية التي حصرت منصب الأمين العام في مصر تحديدا، رغم أن القانون الداخلي للجامعة لا ينص على ذلك. ولم يشغل هذا الموقع منذ عام 1945 أحد غير مصري إلا التونسي الشاذلي القليبي، الذي انتخب أمينا عاما بعد تجميد عضوية مصر من الجامعة على إثر توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين عامي 1979- 1990.

الجامعة العربية الحاضر الغائب

عندما نطرح مسألة تداول منصب الأمين العام، لا يعني أننا نؤمن بأن علة الجامعة تكمن في أمينها العام أو مقرها أو آليات عملها. لأن العلة أصلا أكبر من ذلك ومنذ تأسيسها عام 1945 من ستة أعضاء خاضعين معظمهم للتاج البريطاني (مصر والعراق والسعودية والأردن ولبنان وسوريا). كان يعرف وزير الخارجية البريطاني آنذاك، أنطوني إيدن، بتأييده فكرة الجامعة العربية، التي تبنى على أساس الدول سيلغي دور الشعوب، وأن الحلم الذي كان يرواد أجيال الأربعينات بالوحدة العربية أو تقارب الشعوب العربية وتلاحمها وتكاتفها في وجه الاستعمار والصهيونية لن تقوم له قائمة. وبالفعل أصبحت جامعة الدول العربية صورة مشوهة لوضع عربي مشوه وآلة مشلولة لوضع عربي مشلول، خاصة في أيام الصراعات الكبرى التي تستهدف الأمة مثل، النكبة الفلسطينية واحتلال الكويت والحروب على العراق وسوريا والسودان واليمن وغيرها الكثير، بل عندما حاولت أن تلعب دورا، أو سمح لها أن تلعب دورا، كما الحال في الأزمة السورية كان دورها كارثيا جر وبالا على الأمة بأسرها.
إذن نحن ندرك قصور هذه المنظمة البيروقراطية التي ما فتئت تعكس كثيرا من توجهات السياسة المصرية. تصمت على ما تصمت عليه مصر وتصرخ إذا ما صرخت مصر، بل استعملت مصر الجامعة العربية غطاء لتمرير بعض السياسات الأمريكية، كما حدث في اجتماع القاهرة بتاريخ 10 أغسطس 1990 الذي شرعن الجهود الأمريكية لتحرير الكويت وغيرها. لكننا نتساءل لماذا تصر مصر على أن يكون الأمين العام دائما وأبدا منها، ويتم تعيينه من قبل الرئيس المصري مباشرة؟ هذا ما نريد أن نطرحه للنقاش. لعل الأمر يفتح مجالا ليس فقط لتدوير منصب الأمين العام، بل لإعادة النظر في الجامعة العربية بكافة هياكلها من أجل إصلاحها وتفعيلها وإعطائها دورا أكبر في قضايا العرب المصيرية، وإن لم يكن في المسائل المصيرية فعلى الأقل في قضايا العرب التي ليست مجال خلاف كبير، كالتجارة البينية وشبكات المواصلات والاتصالات والسياحة، وتسهيل تنقل المواطنين بين البلدان العربية وقضايا السكان والبيئة والتعليم والمناخ والصناعة والرياضة.

دور مصر المحوري

لعبت مصر وما زالت دورا محوريا في كافة القضايا العربية سلما أو حربا، اقتصادا أو ثقافة، فنا أو علما. ولمصر ميزات ثلاث تفرض عليها هذا الدور القيادي: الموقع الاستراتيجي الرابط بين جناحي الأمة في آسيا وأفريقيا، والثقل السكاني الذي يعادل ربع الأمة، وقيام الدولة الحديثة وتشكلها على أساس مؤسساتي منذ عهد محمد علي قبل كافة الدول العربية. إذا صلحت مصر صلح أمر العرب وإذا وهن وغاب دورها انعكس ذلك على العرب جميعا تفككا وضياعا وصراعا وتراجعا واحتلالا وهوانا. ومذاكرة بسيطة بين دور العرب وأهميتهم كأمة في عهد جمال عبد الناصر، وامتدادا لما بعد حرب 1973، ووضع العرب بعد خروج مصر من دائرة الإجماع العربي بعد اتفاقية كامب ديفيد يوضح تلك الصورة المأساوية التي وصل إليها العرب كأمة.
لم يجادل أحد عند إنشاء الجامعة العربية عام 1945 على أن يكون مقرها الدائم القاهرة، وعلى أن يكون أول أمين عام لها من مصر (عبد الرحمن عزام 1945-1952) لكن الذي بدأ عرفا تحول إلى ما يشبه القانون. فقد شغل المنصب بعده كل من عبدالخالق حسونة فمحمود رياض، الذي استقال بعد كامب ديفيد، حيث رحل المقر إلى تونس، وبعد استقالة الشاذلي القليبي انتخب عام 1991 عصمت عبد المجيد، تلاه عمرو موسى وأخيرا نبيل العربي. لا نريد أن نناقش كفاءاتهم ولا نريد أن نقدم جرد حساب فيما أنجزوا وفيما أخفقوا، وإن كان الميزان يميل لصالح الإخفاقات. لكننا نريد أن نطرح قضية الأمانة العامة وتداولها بين الدول الأعضاء ونقارن بين هذا الإصرارعلى أن يكون الأمين العام من بلد واحد فقط، رغم اعترافنا بأهمية هذا البلد وبين ما هو معمول به في كافة المنظمات الإقليمية في العالم، من تداول لمنصب الأمين العام أو الرئيس كي لا تشعر الدول الصغيرة بالغبن، حتى ان العديد من المنظمات الإقليمية لجأت إلى نظام الترويكا، الذي يجمع بين رئيس حالي ورئيس قادم ورئيس قد رحل للتو. فيستفيد الحالي ممن سبقه في المنصب ويتعلم الرئيس القادم ويتمرن على مهام المنصب قبل وصوله مقعد القيادة.
إذن لا أحد يجادل في أهمية مصر وحجمها ودورها القيادي، ولكن آن الأوان أن يعاد النظر في موضوع تداول منصب الأمين العام بين الكتل العربية الأربع : شمال أفريقيا وحوض النيل والهلال الخصيب (بلاد الشام والعراق) ومنطقة الخليج العربي أسوة ببقية المنظمات الإقليمية الأخرى في العالم.
منصب الأمين العام/ الرئيس- مقارنة مع المنظمات الإقليمية

منظمة الدول الأمريكية

تأسست منظمة الدول الأمريكية في 30 أبريل 1948 في بوغوتا عاصمة كولمبيا بهدف التنسيق والتعاون والتضامن بين الدول الأعضاء في أمريكا الجنوبية والولايات المتحدة فقط، ثم اتسعت لتشمل في عضويتها 35 دولة مستقلة في القارتين الأمريكيتين الشمالة والجنوبية مرورا بما يسمى أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي. واتفقت على أن يكون مقرها في مدينة واشنطن، العاصمة الأمريكية وسمي الكولومبي ألبيرتو يارس كامارغو أول أمين عام لها. ويشغل الآن منصب الأمين العام وزير الداخلية التشيلي السابق هوزي ميغيل إنسولسا. وتعتبر اللغات الإسبانية والإنكليزية والفرنسية والبرتغالية لغات رسمية للمنظمة.
تتكون المنظمة من الأمانة العامة والمجلس الدائم للجمعية العامة والمجلس العابر للدول الأمريكية لتكامل التنمية. وتعمل الجمعية العامة كجهاز أعلى لصناعة القرار.
أما منصب الأمين العام فيتم بالانتخاب لدورة واحدة مدتها خمس سنوات يمكن تجديدها مرة واحدة. ولا يجوز على الإطلاق أن ينتخب أمين عام جديد من بلد من انتهت ولايته نفسه. ويتقدم للمنصب أكثر من مرشح ويجلس المرشحون جميعهم أمام الممثلين الدائمين للدول الأعضاء، حيث يجرى استجوابهم والتأكد من خبراتهم وقدراتهم قبل انتخاب أحدهم.
فمثلا في 18 مارس المقبل سيجلس مرشحان يتنافسان على منصب الأمين العام بعد نهاية ولاية الأمين العام الحالي بتاريخ 25 مايو المقبل. والمرشحان هما إدواردو ستاين، نائب رئيس غواتيمالا السابق ولويس الماغرو، وزير خارجية أورغواي، وقد انسحب مرشح ثالث هو دييغو غارسيا سايان، وزير خارجية البيرو السابق.
وقد تداول على منصب الأمين العام منذ 1948 ولغاية الآن عشرة أمناء عامين من بينهم واحد فقط من الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر الدول الأعضاء حجما وسكانا ومساحة وقوة، بينما شغل المنصب اثنان من تشيلي وواحد من البرازيل ومن دول صغيرة مثل كوستا ريكا والإكوادور وأورغواي.

الاتحاد الأوروبي

تأسس الاتحاد الأوروبي في الأول من نوفمبر 1993 خلفا للجنة الاقتصادية الأوروبية التي حلت لصالح الاتحاد، وبلغت عضويته 28 دولة منتشرة بين أوروبا الغربية والشرقية.
لقد اختار الاتحاد الأوروبي نظاما سهلا يعطي رئاسة الاتحاد دورا لكل عضو، ولكن لمدة ستة شهر فقط. والرئيس يدخل مجلس الترويكا كعضو قبل ستة أشهر من تسلمه الرئاسة، ثم يبقى ستة أشهر بعد انتهاء رئاسته. والرئاسة في الترويكا تكون للدولة ومن يمثلها في الاتحاد وليس للشخص بصفته الفردية. ومهمة الرئاسة تحضير الاجتماعات والاتفاق على جدول الأعمال وتسهيل الحوار بين الأطراف والقيام بدور الوساطة ومتابعة تنفيذ البرامج. ويرأس الاتحاد الآن بلد صغير مثل لاتفيا ولم تجد دول كبرى مثل ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا غضاضة في ذلك.

الاتحاد الأفريقي

أسس الاتحاد الأفريقي خلفا لمنظمة الوحدة الأفريقية في أديس ابابا بتاريخ 26 مايو 2001 وأعلن رسميا على الملأ في جنوب أفريقيا في يوليو 2002. تؤخذ فيه القرارات من قبل جمعية الاتحاد الأفريقي التي تعقد اجتماعا نصف سنوي لرؤساء الدول والحكومات. وللاتحاد أمانة عامة في أديس أبابا بإثيوبيا. يبلغ عدد الدول الأعضاء 54 عضوا، من بينها الجمهورية الصحراوية بينما انسحبت المغرب من عضوية منظمة الوحدة الأفريقية ومن بعدها الاتحاد الأفريقي بسبب قبول عضوية الجمهورية الصحراوية. أما جمهورية أفريقيا الوسطى فقد تم تجميد عضويتها.
وحيث تعقد قمة الاتحاد السنوية يرأس رئيس البلاد الاتحاد الأفريقي لمدة سنة واحدة فقط، حيث تتنقل الرئاسة بين المجموعات الإقليمية الأربع: شمال أفريقيا وجنوبها وشرقها وغربها.
والرئيس الحالـــي للاتحاد هو الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز. وقـــد رئـس الاتحـــاد معمر القذافي عام 2009 وهو الوحيد الذي حاول تمديد ولايته سنة أخـــرى وفشل.
وحدث خلاف حول رئاسة الاتحاد عنـــدما حاول الرئيس السوداني عمر البشير أن يرأس الاتحاد في يناير 2007 ولم ينجح بعد تهديد بعض الدول الأعضاء بالانسحاب في حالة انتخابه بسبب ما كان يجري في دارفور.
ويلعب الاتحاد الآن دورا محوريا في عمليات حفظ السلام والتعاون الإقليمي وحل الصراعات بالطرق السلمية وتشكيل قوات تدخل لمساعدة الدول التي تواجه تهديدا لأمنها أو استقرارها.

آن أوان إصلاح الجامعة
بدءا بالأمين العام أو انتهاء به

إن تفعيل دور الجامعة أصبح أمرا ملحا والعالم العربي يواجه من التحديات ما لا يوصف. إن اقتصار دور الجامعة على إصدار البيانات الباردة في مسائل مصيرية كما يجري في اليمن يقلل من هيبة هذه المؤسسة المهمة التي لو أعطيت الفرصة وتم إصلاحها هيكليا وأعيد النظر في ولايتها وصلاحياتها ودور أمينها العام كما تفعل المنظمات الإقليمية التي تحترم نفسها وتعكس كذلك احترام الدول الأعضاء للمؤسسة التي فصلوها لتخدم المصالح الجماعية للإقليم لا لتصبح غطاء رديئا لسياسة دولة واحدة أو حفنة من الدول التي تدور في فلك تلك الدولة.

٭ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

د. عبد الحميد صيام

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد الأحمد:

    مقال مشكور يا أستاذ صيام ولكن مصر لن ترضي بذلك ابدا لان الجامعة العربية مصدر دخل ونهش لها وهذا ما يحكم كل العلاقات المصرية المتعاقبة منذ تأسيس الجامعة. هذه الجامعة مصيبة على الشعوب العربية لان دورها كان وما زال خدمة الحكام العرب الذين لا يمتون بصلة الى شعوبهم فما الذي فعلته هذه الجامعة سوي إصدار البيانات والتفاهات والاجتماعات الفارغة والنهب الممنهج لميزانيتها المسحوبة من عرق واموال المواطنين والشعوب العربية . الحقيقة ان مجمع نفايات او بالأحري مزبلة قمامة فيهما فائدة للبشر والمخلوقات الاخرى اكثر من هذه الجامعة. فلتذهب غير مأسوف عليها الى الجحيم وستدبر شعوب المنطقة حلولا أجدى وأنفع واحكم من عصابات الموظفين في هذه الجامعة الذين يعتاشون ويسمسرون ويسرقون أموال الشعوب العربية للبروزات والمؤتمرات والخزعبلات والتفاهات التى لم يستفيد منها اي عربي حتى الان سوي هذه العصابة من موظفي جامعة الحكام العرب. والحقيقة ان وصف حال هذه الجامعة بمقرف فيه كثير من التواضع والانصاف

    1. يقول لزهارى وادى سوف:

      السيد الاحمد ..
      الجامعة كان لها الدور الاكبر مع امينها عمر موسى الم يطلب من الناتو التدخل فى ليبيا والبقية يعرفها الجميع حرب .تمزق ..تقسيم تنكر هذا الدور الذى قام به موسى والجامعة من ورائه …ولا تنسى العراق الم تجند الجامة كل الدول وراء امركا لتحتل العراق وتبيد اهله

  2. يقول سامح // الامارات:

    * مع احترامي لكلام الأخ الكاتب ومقاله القيم الثري بالمعلومات .
    * مشكلة ( الجامعة العربية ) لا تكمن بأمينها العام ع الإطلاق ؟؟؟
    * المشكلة ف الدول العربية نفسها : لا تريد جامعة عربية ( قوية )
    وتفرض قرارات حاسمة عليها .
    * ببساطة لأنّ كل دولة عربية تعتبر نفسها ( فوق الجامعة العربية )
    وأنها حرة بتصرفاتها وهنا مربط الفرس ؟!
    * عندما تقتنع الدول العربية بأهمية ( الجامعة العربية ) يصبح
    الكلام عن تداول أمينها العام مهما وليس قبل ذلك .
    شكرا والشكر موصول للأخ الكاتب .

إشترك في قائمتنا البريدية