الجزائر ـ «القدس العربي»: الجزائر العاصمة، البيضاء، البهجة.. تعددت التسميات والأوصاف، وتغنى بجمالها الفنانون والشعراء، لتظل عاصمة المليون والنصف شهيد، مرآة لهذا البلد، وواحدة من أجمل مدن البحر الأبيض المتوسط، غنية بتاريخها ومعالمها، وحافلة بأحداث على مر العصور، لتبقى شاهدة على مقاومة شعب رفض البقاء تحت نير استعمار استيطاني أراد أن يمحو هويته وتاريخه ويصادر مستقبله.
تعتبر الجزائر العاصمة واحدة من أكبر مدن البلاد، والأكثر كثافة سكانية مقارنة بباقي المدن، كما أن تقع وسط البلاد وتطل على البحر الأبيض المتوسط، ورغم المراحل والظروف الصعبة التي عاشتها، إلا أنها ما تزال تحافظ على إشعاعها، وتبقى الأجمل بين مختلف المدن الجزائرية.
ورغم أن اسم المدينة يكتب وينطق بطريقة كتابة ونطق اسم البلد، نفسها إلا أنها بالفرنسية تكتب بطريقة مختلفة. تأسست المدينة سنة 960 ميلادية على أنقاض مدينة رومانية كانت تدعى ايكوزيوم، واسم الجزائر مشتق من الجزر، وكان يطلق على الجزر التي كانت تقع مقابل ميناء الجزائر، قبل أن يتم دمجها في رصيف ميناء المدينة.
وحسب كتب التاريخ فان الجغرافي أبو القاسم ابراهيم محمد الكرخي هو أول من أطلق عليها اسم جزائر بني مزغنة، وذلك بداية القرن الرابع هجري، أما الجغرافي الأندلسي أبو عبيد البكري فقد تحدث عنها في كتاب «المسالك والممالك» سنة 1068 ميلادية واصفا إياها «جزائر بني مزغنة مدينة جليلة قديمة البنيان، فيها آثار ومحكمة تدل على أنها كانت دار ملك لسالف الأمم».
وأشار البكري إلى أن سكان الجزائر كانوا من الأمازيغ، وأن مؤسسي المدينة هم الزيريون الذين احتلوا الجزائر العاصمة في عهد بولوغين بن زيري ليصبح اسم سكانها «الزيريون بنو مزغنة» وهناك من يرى بما أن كلمة الجزائر تنطق بالعامية «دزاير» فإن أصل الكلمة أمازيغي وهي «تيزيري» والمقصود بها ضوء القمر.
تاريخ قديم
يعود تاريخ الجزائر العاصمة إلى العصور القديمة، إذ خضعت المدينة سنة 202 قبل الميلاد إلى السيطرة الرومانية، ونجم عن ذلك تغيير الاسم الفينيقي للمدينة من ايكوسيم إلى إيكوزيوم بالرومانية، وفي سنة 429 سقطت المدينة بين أيدي الوندال، إلى غاية سنة 442 حتى عادت لتقع تحت سيطرة الرومان مرة أخرى.
وفي سنة 710 دخلت الفتوحات الإسلامية إلى شمال إفريقيا، وكانت العاصمة آنذاك تحت سيطرة المغروايين الزناتة، ويقول ابن خلدون إن العاصمة كانت تقيم فيها قبائل الصنهاجة، وأن سيطرة سلالة الزيريين سمح بتأسيس ثلاث مدن، وهي جزائر بني مزغنة، ومليانة والمدية.
وفي سنة 960 ميلادية قام بولوغين بن زيري بإعادة بناء المدينة في القرن العاشر، وعمل على تحصينها، وجعلها مستعدة لمواجهة أي محاولة لغزوها مجددا، ولكن الحرب بين الزناتيين والصنهاجة لم تتوقف حتى عام 971، دون أن تتوقف محاولات الزناتيين السيطرة على المدينة، بطلب العون من قرطبة، ولكن مع وفاة بولوغين بن زيري سنة 983 تمكن الزناتيون من تحقيق انتصارات ووصلت سيطرتهم إلى مدينة طنجة المغربية، قبل أن تقع تحت سيطرة المرابطين الذين ينتمون أيضا إلى قبائل صنهاجة، بفضل يوسف بن تاشفين الذي هزم القبائل الأخرى، وقام ببناء أول مسجد يتبع المذهب المالكي، وهو المسجد الكبير الذي ما زال قائما حتى الآن، والذي بني سنة 1097.
واستمر الصراع على المدينة، حتى تمكن أمير الموحدين عبد المؤمن بن علي الكومي من السيطرة عليها، وتوحيد مناطق المغرب العربي والأندلس تحت حكمه، وفي سنة 1510 استولى على المدينة فرناندو الكاثوليكي، وبعد ذلك بست سنوات، طالب سالم بن تومي قائد بن مزغنة المساعدة من الأتراك، ومن الأخوين عروج وخير الدين بربروس، وجاءت الموافقة سريعا، إذ دخل عروج مدينة جيجل وطرد الاسبان منها، ثم خاض معركة استرجاع الجزائر، وبعد وفاته سنة 1517 في معركة استرجاع تلمسان، ولكن الحملات الاسبانية على الجزائر العاصمة تواصلت، الأمر الذي جعل سكان المدينة يطلبون حماية السلطان العثماني سليم القانوني، مقابل الدخول تحت راية الإمبراطورية العثمانية، ووافق السلطان العثماني، وأرسل تعزيزات عسكرية جديدة، وعين خير الدين بربروس أميرا على الجزائر، لتسقط المدينة مرة أخرى بين يدي الاسبان سنة 1524، لكنه استرجعها مجددا في معركة جديدة سنة 1529.
سنة 1830 استغلت فرنسا ما يعرف بحادثة المروحة فقامت بغزو الجزائر واحتلالها، وكانت نقطة الدخول هي العاصمة، وبالتحديد ميناء سيدي فرج، الذي شهد وصول الأسطول الفرنسي من أجل احتلال المدينة عن طريق البحر، لتأكد الفرنسيين من أنهم لن يستطيعوا غزو المدينة عن طريق البر، وسقطت الجزائر العاصمة بسهولة بين أيدي الفرنسيين، في غياب خطة دفاعية، وسارع الداي حسين يعرض الصلح على الفرنسيين مقابل التنازل عن الديون ومنح بعض الامتيازات التجارية لفرنسا، لكن قائد الحملة الفرنسية الجنرال دي بورمن رفض، وأصر على أن يتم التوقيع على وثيقة الاستسلام في الخامس من يوليو/تموز 1830، لتبدأ بذلك واحدة من أحلك وأصعب المراحل التي عاشتها الجزائر، التي وقعت بين براثن استعمار استيطاني أراد محو تاريخ وهوية ومقومات الشعب الجزائري، وتحويله إلى «أنديجانا» ( أهالي) إلى جانب المعمرين الأوروبيين الذين تم جلبهم إلى الجزائر، استعمار دام 132 عاما دمرت خلاله فرنسا الأخضر واليابس، وعملت على تجهيل الشعب الجزائري، ومسخ هويته ولغته ودينه، لكن الشعب الجزائري انتفض عدة مرات، وكانت آخرها وأهمها ثورة التحرير التي اندلعت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954 والتي استمرت سبع سنوات ونصف ليتم إعلان استقلال الجزائر عن فرنسا في الخامس من يوليو/تموز 1962 بعد أن دفع الشعب الجزائري فاتورة مليون ونصف مليون شهيد للإنعتاق من نير الاستعمار.
العاصمة خلال الثورة
كانت عاصمة البلاد هي القلب النابض خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وخاصة مع ظهور الحركة الوطنية في الأربعينيات، عندما بدأ الوعي السياسي بالظهور، ومعه القناعة بأن ما أخذ بالقوة لا يمكن أن يسترد إلا بالقوة، كما أن العاصمة هي التي استضافت الاجتماع الشهير لما يعرف بمجموعة الـ22 والتي خططت وحضرت لإندلاع الثورة، وقد عقد هذا الاجتماع الشهير في فيلا الياس دشير في حي سالامبيي المعروف حالة بالمدنية، وقد شاركت في هذا الاجتماع شخصيات تاريخية شهيرة مثل الرئيس الراحل محمد بوضياف، والشهداء مصطفى بن بولعيد، والعربي بن مهيدي، وديدوش مراد، وزيغود يوسف، وكذا الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد، وقد تكلفت هذه المجموعة بالتحضير لاطلاق الثورة التحريرية التي وضعت حدا لاستعمار فرنسي دام أكثر من 132 سنة.
رغم أن الثورة كانت في الجبال، وكان مصطلح الصعود إلى الجبل يستخدم للحديث عن الذين التحقوا بالثورة التحريرية، إلا أن المدن والعاصمة تحديدا كانت مسرحا لمعركة أخرى لا تقل صعوبة وقساوة، ولعل «معركة الجزائر» سنة 1957 التي اندلعت في العاصمة كان لها الأثر الكبير في تحويل مجرى الأحداث، على اعتبار أن الثورة لجأت إلى أسلوب جديد من أجل ضرب معنويات المستعمر من جهة، وتأليب الرأي العام الفرنسي والعالمي ضد حكومة الاستعمار، إذ تم تكوين خلايا من الفدائيين الذين قاموا بتنفيذ عمليات داخل العاصمة، من خلال وضع قنابل في مراكز تجمع القوات الفرنسية، وفي الأماكن العامة، في تحد لجبروت الاستعمار الفرنسي، وكان ياسف سعدي هو قائد معركة الجزائر( العاصمة) بالإضافة إلى أسماء أخرى دفعت حياتها في هذه المعركة، مثل علي لابوانت، حسيبة بن بوعلي، طالب عبد الرحمن، و»عمار الصغير» وقد تخللت معركة الجزائر إضراب الثمانية أيام، الذي استعملت فرنسا الاستعمارية فيه كل الأساليب من أجل تكسيره، وقد وضعت معركة الجزائر السلطات الفرنسية في حرج، لأنها نقلت المعركة إلى قلب المدن، ولم يعد بإمكانها القول إن الأمر يتعلق ببعض المتمردين في الجبال، الأمر الذي عجل بتدويل القضية الجزائرية، وطرحها على مستوى الأمم المتحدة.
ورغم أن السلطات الاستعمارية تمكنت من إخماد معركة الجزائر، بعد استعمالها لكل أساليب البطش والتعذيب، إلا أن الأهداف التي سطرت لهذه المعركة تم تحقيقها.
معالم البهجة
تحتوي الجزائر العاصمة على عدة معالم فطبيعتها الجغرافية المتفردة تعطيها جمالا منقطع النظير، إذ بقيت معالمها شاهدة على العصور المتعاقبة والمراحل المختلفة التي عاشتها، فأغلبية البنايات الموجودة في قلب العاصمة يعود بناؤها إلى الفترة الاستعمارية، الأمر الذي يجعل العاصمة لا تختلف كثيرا عن المدن الفرنسية من حيث العمران، ورغم أن أغلبية العمارات قديمة وكانت في وضع سيء، إلا أن عملية الترميم التي شرع فيها خلال السنوات القليلة الماضية، وهي الأولى منذ استقلال البلاد سنة 1962 أعاد لتلك البنايات جمالها وبياضها، كما أن العاصمة تحتوي على الكثير من المعالم العثمانية، مثل قصر رياس البحر، والذي يسمى أيضا «الحصن 23» الواقع بالقرب من باب الوادي، والذي أيضا أعيد ترميمه، مع الحف وتحول إلى متحف، وقد تم بناؤه خلال القرن السادس عشر.
وتعتبر كنيسة السيدة الافريقية أيضا من معالم الجزائر العاصمة، والتي تعتبر أشهر الكنائس في البحر الأبيض المتوسط، والتي شرع في بنائها سنة 1858 وانتهت الأشغال بها في 1872 وتعتبر ذات طراز معماري بيزنطي، وزخرفتها عربية اسبانية.
وليس ببعيد عن كنيسة السيدة الافريقية التي تطل على البحر، يوجد حي القصبة الشهير، الذي يعود تاريخ بنائه إلى الفترة العثمانية، إذ يعتبر هذا الحي المصنف ضمن التراث العالمي، شاهدا على مختلف العصور التي مرت بها العاصمة الجزائرية، فالأزقة الضيقة والبيوت المتداخلة فيما بينها تصنع لهذا الحي الذي بني على الجبل المطل على البحر المتوسط، وقد بنيت المدينة بطراز تركي وهي أقرب إلى المتاهة، وقد كانت بمثابة حصن يغلق ليلا، ولديه عدة أبواب، مثل باب الوادي وباب جديد وباب عزون، وقد اختفت هذه الأبواب بشكل نهائي تقريبا، لكن التسميات ما زالت موجودة، ورغم محاولات السلطات ترميم هذا الحي، والحفاظ عليه، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل، ويوجد حاليا في حالة سيئة.
أما حديقة التجارب أو كما تسمى حديقة الحامة، فتعتبر رئة الجزائر العاصمة، فهذه الحديقة تضم أكثر من 2500 نوع من النباتات والأشجار يعود عمر الكثير منها إلى مئات السنوات، كما تضم 25 نوعا من أشجار النخيل، وقد تم إنشاؤها سنتين فقط بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830 ويوجد فيها حديقة فرنسية وأخرى انكليزية، وتصنف كواحدة من أجمل خمس حدائق في العالم، كما أن الفيلم الأول لطرزان صور فيها، وهي المعلومة التي يجهلها الكثيرون، بمن فيهم أغلبية الجزائريين.
كما أن رائعة الكاتب الاسباني ميغيل دي سيرفانتس «دون كيشوت» كتبت في الجزائر، فسيرفانتس كان جنديا إلى جانب كونه روائيا وكاتبا مسرحيا، ولما تم تجنيده في قوات المشاة البحرية الاسبانية ألقي عليه القبض بعد ذلك أي سنة 1575 من طرف قراصنة جزائريين، وبقي خمس سنوات في الأسر قبل أن يتم إطلاق سراحه، والمغارة التي كان محتجزا فيها وكتب داخلها رواية «دون كيشوت» الذي يحارب طواحين الهواء ما تزال موجود في حي بلكور الشعبي الشهير في العاصمة.
وفي العاصمة عدد من المساجد التي تعتبر معالم تاريخية، مثل مسجد كتشاوة، الذي حوله الاستعمار الفرنسي إلى كنيسة، قبل أن يحول مجددا إلى مسجد بعد الاستقلال، وكذا المسجد الكبير، والذي يقال إنه الأقدم في الجزائر بعد مسجد سيدي عقبة في مدينة بسكرة، ويعتبر من الشواهد المعمارية على دولة المرابطين، وقد بني على يد يوسف بن تاشفين سنة 1097.
ويعتبر مبنى البريد المركزي الموجود في قلب العاصمة، واحدا من المعالم التاريخية وشرع في بنائه سنة 1910 وانتهت عملية البناء به سنة 1913، ليتم افتتاحه رسميا، وبقي كدار للبريد بعد استقلال البلاد سنة 1962.
ومن المعالم التي بنيت بعد الاستقلال مقام الشهيد، الذي شيد في أعالي حي المدنية والذي لا يمكن لعين من يدخل العاصمة أن تخطئه، وقد بني في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، بمناسبة إحياء الذكرى العشرين للاستقلال، وشكله كثلاث سعفات نخيل وقد وضعت أمام السعفات الثلاث تماثيل ترمز إلى الثورة التحريرية.
ويتم حاليا بناء المسجد الأعظم الذي يعتبر المشروع الذي يريد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن يخلد اسمه من خلاله، والذي ينتظر أن يستوعب 120 ألف مصل، كما أن منارته ستكون الأعلى في العالم بعد الانتهاء منها، إذ ينتظر أن يبلغ ارتفاعها الـ300 متر، وسيكون للمسجد مرآب يتسع لستة آلاف سيارة.
شكرا على هذا المقال. رائع
باب الجديد مازالت آثاره و حبذا لو يرمم.
في شرق العاصمة بنيت حديقة و رصيف على البحر يمكن المشي عليه لساعات.
في غرب العاصمة توجد غابة باينام التي تطل على البحر.
و حدث عن الابيار و بوزريعة و المرادية و حسين داي و و و حسرتاه.
البلد رائع ولكن يا كاتب (ة) المقال الأخلاق تغيرت.
بالرغم أنني ولدت في الجزائر وأمضيت فيها كل سنين عمري تقريبا فواجب الإنصاف يلزمني بالإقرار أنها ليست أجمل مدينة ولا أعرقها في الجزائر
أين هي من تلمسان أو بجاية أو وهران أو قسنطينة أو حتى سطيف وعنابة..
الجزائر مدينة كبرى نعم.. لكنها اليوم مدينة إقتصادية سياسية بالدرجة الأولى، غير صحية تماما مختنقة بالإزدحام وفوضى البنايات والطرق المهترئة تشوهها الأوساخ وتكتم أنفاسها الرطوبة العالية.. تلاشت هويتها الثقافية وسكانها في تعاسة وهم لازم….
هذا جميل وشكرا لهذه النبذة الجميلة عن المدينة وعن نضال الشعب الجزائري البطل ولكن ما الذي حصل لكم ايها الأبطال هل تعبتم من النضال وما عندكم رجل غير بوتفليقة؟ .
الرئيس بوتفليقة صوتت عليه أغلبية لا يهمني ان كانت بالتزوير ام لا و نحفظ له اجتهاده في خدمة بلده و المستقبل اجلا ام عاجلا للشباب الجزائري نحفظ للرئيس بوتفليقة الذي لم اصوت له عدم التطبيع مع العدو الصهيوني و إكماله ما بدأه الرئيس زروال سياسة الوئام و ميثاق المصالحة هو بشر خطاء ككل البشر و لم يعرف عنه طيلة عهدته انه حاصر الفلسطينين في غزة و رفض التدخل العسكري العربي في ليبيا الشقيقة