الجزائر ــ «القدس العربي»: قال لطفي بوجمعة النائب العام لدى مجلس قضاء جيجل ( 400 كيلومتر شرق العاصمة الجزائرية) إن إجراءات المصالحة الوطنية لاتزال سارية حتى اليوم، وأن الكثير من الملفات قد تم تسويتها بالنسبة للأشخاص الذين كانوا في الجبال حاملين السلاح، وعبروا عن رغبتهم في العودة إلى المجتمع، مؤكدا أنه لا يوجد أي إشكال بالنسبة للتائبين في العودة إلى حياتهم العادية.
وأضاف أمس الخميس في تصريح للإذاعة الجزائرية (حكومية) إن المصالحة الوطنية مشروع وطني متجدد، مشيرا إلى أن الإجراءات والقوانين التي وضعها المشرع الجزائري كانت استثنائية، وكانت أيضا بديلا لما كان موجودا، بهدف تعزيز السلم والأمن في البلاد ، مؤكدا أن المصالحة كانت بداية صفحة جديدة أصبحت بفضلها الجزائر ناجحة على المستوى الوطني والدولي، وأصبح الكثير من الدول يستشهد بالتجربة الجزائرية في مجال المصالحة الوطنية.
جدير بالذكر أن اليوم الجمعة يوافق الذكرى الـ 12 لإقرار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية من خلال استفتاء شعبي، وقد عاد الحديث كثيرا في الفترة الأخيرة عن المصالحة، الذي تقدمه الحكومة على أساس أنه مشروع ناجح، وأنه مثلما كان هناك من يعارضون سياسات الحكومة اليوم، فإن آخرين عارضوا سياسة المصالحة لما طرحها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مع أن المعارضة التي كانت موجودة ضد هذا المشروع كانت من داخل السلطة نفسها، بدليل أن أحمد أويحيى رئيس الحكومة الحالي كان من المعارضين لسياسة المصالحة
وإذا رجعنا قليلا إلى الوراء وبالتحديد إلى النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت الأزمة الأمنية التي عصفت بالجزائر في أوجها، ارتفعت أصوات داعية إلى مصالحة وطنية لوقف شلال الدم، وبين هؤلاء الذين نادوا بالمصالحة نجد الراحل عبد الحميد مهري الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، والراحل حسين آبت أحمد زعيم حزب جبهة القوى الاشتراكية، والرئيس الأسبق أحمد بن بلة، وَعَبَد الله جاب الله الزعيم الإسلامي، وحتى عبد العزيز بلخادم الذي كان آنذاك يحمل لقب رئيس برلمان سابق، قبل أن يستدعيه بوتفليقة لما تولى السلطة لتسليمه عدة مسؤوليات، وكانت هذه الشخصيات قد اجتمعت في إيطاليا فيما عرف باجتماع سانت ايجيديو مع ممثلين عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المحظورة) مثل أنور هدام، أي مع سياسيي الحزب المحظور، وقامت قائمة السلطة ونددت بالاجتماع واعتبرته «لا حدث»، وحركت المظاهرات «العفوية» ضد المشاركين في هذا الاجتماع، وأصبحت المصالحة في تلك الفترة مرادفة لـ «الخيانة»، بل إن عبد الحميد مهري كان ضحية انقلاب داخل حزب جبهة التحرير الوطني فيما عرف بالانقلاب العلمي، الذي أدى إلى عزله من الأمانة العامة للحزب بتحريض من السلطة نفسها انتقاما من مواقفه فيما يتعلق بموضوع المصالحة.
ولما جاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم سنة 1999 وجد قيادة الجيش قد عقدت اتفاق هدنة مع قيادة ما كان يسمى الجيش الإسلامي للإنقاذ بعد مفاوضات سرية دامت أشهرا طوال بين الرجل الثاني في جهاز المخابرات اللواء سماعين العماري ومدني مزراڤ قائد التنظيم المسلح، وكان لا بد من غطاء سياسي لهذا الاتفاق يمكن عناصر جيش الإنقاذ من النزول من الجبال، والعودة إلى الحياة العادية، وجاء قانون الوئام المدني، الذي وفر هذا الغطاء، ولكن في آخر لحظة رفض مزراڤ قانون الوئام لأنه يصفه هو وأعضاء «جيشه» بالتائبين ويحرمهم من حقوقهم السياسية، فأصدر الرئيس بوتفليقة مرسوم عفو خاص بقيادات جيش الإنقاذ.
ومباشرة بعد الانتهاء من موضوع قانون الوئام بدأ الرئيس بوتفليقة يتحدث عن ترقية الوئام المدني إلى وئام وطني، والغريب أن أحزاب الموالاة التي تسبح بحمده اليوم، مثل حزب رئيس الوزراء أحمد أويحيى كان من بين الرافضين لمبادرة الرئيس حتى قبل أن يعلن بوتفليقة مضمون مشروعه الجديد، ولما كان بوتفليقة سيخوض حملة الانتخابات لولاية ثانية وهي انتخابات انقسمت حولها السلطة، طرح بوتفليقة موضوع العفو الشامل عن الإرهابيين وهو الاقتراح الذي لاقى معارضة شديدة من طرف أحزاب السلطة ووكلاء عن أصحاب القرار، بدليل أن بوتفليقة بعد انتخابه لم يتمكن من الذهاب نحو عفو شامل واكتفى بميثاق للسلم والمصالحة الوطنية، وقيل آنذاك إن هذا ما تسمح به التوازنات، وحتى أويحيى كان يقول إن هذا أقصى ما يمكن للسلطة القيام به، وإن باب التوبة لن يظل مفتوحا إلى الأبد، وإنه بعد انتهاء الآجال التي حددها الميثاق للارهابيين لتسليم أنفسهم، وذلك يوم 31 أغسطس/ آب 2006، فلن يبقى هناك خيار آخر إلا سحقهم، في حين أن أحمد أويحيى نفسه دعا الأسبوع هذا من تحت قبة البرلمان الإرهابيين إلى تسليم أنفسهم والاستفادة من تدابير المصالحة.
كمال زايت:
وماذا عن إرهابيي العسكر الذي نكلوا بالمواطنين الجزائريين في العشرية السوداء ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
اللغة مشتركة بين الجزائر ودمشق