الجوائز العالمية: إشكالية تعبير.. أم معضلة استشراقية؟

حجم الخط
0

قبل أيام قليلة أعلنت نتائج جوائز الأوسكار لعام 2018، ومع هذا الإعلان تتضح بعض معالم التقييم، ومدى ما عكسته النتائج من مشاهدات، وآراء تتعلق بقيمة الأعمال، وأحقيتها بالتكريم والاستحقاقات، وعلى الرغم من أن النتائج هذا العام لا تبدو ذات طبيعة إشكالية، حيث لم يتفوق فيلم بعينه، ليحصد أكبر عدد من الجوائز، إذ استطاع فيلم «شكل الماء» The Shape of water أن يحصل على جائزة أفضل فيلم، في حين فشل فيلم دنكيرك Dunkirk للمخرج كريستوفر نولان من تحقيق هذه الغاية، على الرغم من تميزه، ومع ذلك، فإن ثمة ملاحظة جديرة بالتنبيه لها في ما يتعلق بجوائز هذا العام، وتتعلق بالحضور العربي في هذه التظاهرة العالمية، حيث شارك فيلمان عربيان: الأول بعنوان «آخر الرجال في حلب» عن فئة الأفلام الوثائقية، ويتناول جهود أصحاب «الخوذ البيضاء» من المتطوعين للإنقاذ في الحرب السورية، بالإضافة إلى الفيلم اللبناني «القضية رقم 23» الذي ترشح في فئة الأفلام الأجنبية.
يلاحظ أن التمثيل العربي الإبداعي، وأعني هنا النتاج العربي الثقافي، سواء أكان أدبياً، أو سينمائيا غالبا ما يتعرض لخيبة أمل، على الرغم من بعض الإنجازات التي تمثلت بفوز «الخوذ البيضاء» لجائزة الأوسكار العام المنصرم عن فئة الصور المتحركة، ولعله الفيلم الوحيد الذي تمكن من تحقيق هذا الاستحقاق، في حين أن عدداً من الأفلام العربية التي تمكنت من الوصول إلى القائمة القصيرة لترشيحات الأوسكار، وتحديدا في الأفلام الوثائقية، أو الأفلام الأجنبية، فشلت في نيل الجائزة، ومنها أفلام فلسطينية وجزائرية ومغربية ومصرية وأردنية، ولكنها كانت في معظم الأحيان ذات إنتاج مشترك مع دول غربية، إلا ما ندر منها. ومن هنا ينبغي أن نتساءل عن الخلل الكامن في عجز الثقافة العربية عن أن تترك لها بصمة في التاريخ الفني الإنساني، وهذا ينسحب على جائزة نوبل للآداب، حيث لم ينلها سوى اسم عربي واحد، هو نجيب محفوظ، وهذا ما يدفعنا إلى التسليم بأن الروائي العربي لا يحظى بحضور في وعي القارئ الكوني، فنحن لا نملك حضور روائيين نالوا شهرة ومقروئية عالمية، ومنهم على سبيل المثال كتاب من أمريكا اللاتينية كأمادو، وماركيز، وكاربنتير، أو حتى كتاب من اليابان ومنهم ميشما، وموراكامي، ومن الأتراك باموق، وحتى لأمم أقل حجماً من الأمة العربية، ومنها بيلاروسيا حيث نالت الأديبة سفيتلانا اليكسييفيتش جائزة نوبل 2015، كما يوجد الكثير من الأسماء التي نطقت بلغتها المحلية الأقل انتشاراً من العربية، غير أنها عبرت عن إنسانية في خطابها، في حين أن الأسماء العربية المرشحة، والدائمة الحضور غالباً ما تخرج بدون أن تحقق شيئا، وهذا ما يعني أن ثمة خللاً ما، فهل يكمن الخلل في تصورات مسبقة تعتمدها المؤسسات المانحة لتلك الجوائز؟ أم في معيارية تلك الجوائز؟ أم أن الخلل يقع في المنتج الثقافي العربي؟ وإذا كان كذلك، فما هي مستويات هذا الخلل، وكيف يمكن أن نتجاوزه؟
على الرغم من أن الفائض المأساوي لدى الشعوب العربية يكاد بتفوق على ما عداها من الدول على اختلاف الأسباب والمظاهر والجغرافية، فهناك بعض الكتاب العرب الذين تحدثوا عن قضايا شعوبهم، وقاوموا الظلم، والقمع، ولكن نوبل، أو الأوسكار لم تلتفت لهم، على الرغم من أن كثيرا من الذين حصلوا على نوبل منحوها لنضالهم، وتعبيرهم عن قضايا الإنسان، غير أن الثقافة العربية ربما سعت بطريقة أو بأخرى للتعبير عن قضايا الإنسان العربي بمعزل عن حكوماتهم التي تعد المسؤول الأول عن هذا الضرر البالغ الذي أصاب الإنسان العربي، غير أن نتاج المبدع العربي لم يرق إلى أن يكون جزءاً من خطاب إنساني كوني، يعكس حقيقة ما يجري في عالمنا العربي من هدر للأرواح، ومقدرات الأمم المالية التي استهلكتها حكومات على مغامراتها العسكرية، أو الشخصية، أو نتيجة الفساد النخبوي لدوائر الحكم السياسي، أضف إلى ذلك فشل تحقيق التطور الثقافي والحضاري للأجيال القادمة من أبناء الأمة العربية، التي عانت أجيالها بدءاً مما يسمى بالنهضة العربية إلى يومنا هذا، من خيبة تلو الخيبة، ومن مأساة تلو مأساة، فلم تتمكن النخب العربية التي تشكلت بعد الاستعمار من تحقيق رسالتها التي تقوم من أجلها، فأي سلطة أو حكومة وظيفتها أن ترعى مصالح شعبها، وأن تحقق له الرخاء والتقدم الاقتصادي، ولكن الذي تحقق، هو على العكس من ذلك، فقد وجهت أسلحتها ضده، وأنهكته بالضرائب، وقمعته، وصادرت أحلامه، وقوضت كل ما يمكن أن يجعله إنسانا سوياً.
هذا الاختصار لواقع الإنسان العربي، لا بد أن ينعكس ويترجم إلى منتج إبداعي، ومع التأكيد على وجود بعض الأعمال التي احتملت قدراً من الصدق من حيث القدرة على التعبير عن واقع الكابوس العربي، ولكنها مع ذلك، تبدو قليلة، ولعل تفسير ذلك ينهض على أن الثقافة العربية لا تخضع لهامش عمل تتحقق فيه مواصفات الاحترافية العالية، التي تنهض بها مؤسسات حكومية، أو مجتمعية، كما أننا لا نمتلك ثقافة الصناعة الإبداعية، فالكتابة على سبيل المثال عمل مرهق، ولكنه بلا عوائد يمكن أن يفيد منها المبدع، أضف إلى ذلك ما تعانيه الثقافة من إشكاليات حضارية، وعدم تحقيق تراكم إبداعي حقيقي، ففعل الإبداع، وصناعة الثقافة تبقى أسيرة البدء من جديد، وهذا ينهض على أن شكل الدولة العربية في تكوينها، وآلية عملها لا تستجيب لهذا الشرط، فهي في طبيعتها مناقضة للمبدأ التراكمي، أو حتى النوعي، فمع أي تحول يأتي الجديد ليهدم ما قام به السابق، وهذا ينعكس على مؤسساتها، وحتى على وعي أفرادها، ولهذا تبقى الثقافة والفن العربي رهيني الإبداع الفردي الذي يتطلب طاقة خارقة، وتضحيات جسام، ما يجعل من أي عمل إبداعي شديد الندرة، والخصوصية كما في فيلم «آخر الرجال في حلب»، فأهميته تكمن في قدرته على تجسيد البعد الإنساني، وقراءة ذلك الانحطاط الذي يكلل عالم اليوم، وهذا تجلى من خلال بعد وثائقي يتناول بعض رجال الإنقاذ من المتطوعين الذين فضلوا البقاء في الجحيم، إيماناً برسالتهم، ولإيمانهم أيضاً بدورهم الإنساني، أو لأنهم محكومين برؤية إنسانية لا تفسر، لكونها تنشأ من إحساس الإنسان بهشاشة هذا العالم وضآلته، وهذا أتى في سياق عمل، امتلك كافة الشروط الفنية من تجسيد، وتصوير، وكتابة، وفعل إخراجي، فضلاً عن قيمة الصدق التي ميزت هذا العمل، ما يعني وقوعنا على مسوغات، أو مواصفات العمل الناجح، التي توفرت لهذا الفيلم، ما جعله يخطو خطوات متقدمة جدا في هذه المسابقة، على الرغم من عدم نيلة للجائزة.
من جهة أخرى ثمة تفسيرات تحيل تجاهل المنتج العربي إلى تلك الإشكالية القائمة في الوعي الغربي الذي يبدو ضنيناً في تكريم الثقافة العربية عبر هذه الجوائز ذات الصبغة الكونية، ومع ذلك، فإنها تبدو شديدة الكرم في ما يتعلق بأي عمل يكرس الفكرة المركزية والمهيمنة، والموروث المتخيل لأي عمل يقارب الهولوكوست، أو ذاكرة الحرب العالمية الثانية، بوصفها الحدث الأكثر تأثيراً على الثقافة الغربية، بحيث لا تكاد تخلو سنة إلا وهنــــــالك تكريم، أو إشادة في أكثر من محفل عالمي، يتناول هذا الموضوع في السينما الأمريكية، أو الثقافة الغربية عامة، حيث ينال التقدير والاحترام، ولكن هذا لا يصدق بالكلية، فثمة تكريم للكثير من الأعمال الناطقة بلغات أخرى، نظرا لموضوعها الإنساني، ودفاعها عن قيم الإنسان، وكرامته، في حين أن الأعمال العربية التي تستند إلى قضايا عربية غالبا ما يتجاهلها الغربي، وهذا يجعلني أمام حيرة تطال المعيارية المتبعة… فهل يعلل ذلك بنقص الحس الفني والتعبيري لدى المبدع العربي؟ أم أن ثمة قيمة مركزية كامنة ذات طبيعة استشراقية تجاه الثقافة العربية، وإبداعها، على الرغم من توفر فائض التجربة العربية التي تمرست بالألم، والخيبة، والموت، وتدمير الأوطان لأكثر من قرن، وهذا يجعلني أطرح سؤالاً أخيراً … هل الشعوب العربية تعاني من معضلة في التعبير عن وعيها، سواء كان موضوعياً أو جمالياً؟

٭ كاتب فلسطيني أردني

الجوائز العالمية: إشكالية تعبير.. أم معضلة استشراقية؟

رامي أبو شهاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية