الناصرة – «القدس العربي»: أعلن الجيش الإسرائيلي أمس عن خطة جديدة لمكافحة هروب الأدمغة من صفوفه للقطاع المدني الخاص، تقوم على منح الجنود والضباط الخبراء في التكنولوجيا والسايبر منحة مالية مقابل استمرار خدمتهم العسكرية. وأوضح جيش الاحتلال أنه قرر تقديم منحة لنحو 2000 ضابط شاب بقيمة حوالى ستة آلاف دولار بالمعدل مقابل مواصلة خدمتهم العسكرية في وحدة الاستخبارات 8200 وفي وحدات تكنولوجية أخرى.
وبذلك يحاول جيش الاحتلال مواجهة ظاهرة هروب الأدمغة من الوحدات المذكورة لشركات تكنولوجية خاصة تعرض عليهم رواتب مرتفعة وشروط عمل مريحة ومغرية، وهي ظاهرة بلغت أوجها قبل عامين.
وكانت لجنة فحص خاصة في الموضوع قد أوصت قبل عامين بانتقال الجيش لنظام العقود الخاصة، لكنه تحفظ منها لـ « اعتبارات قيمية».
1800 دولار شهريا
ومع ذلك يقوم جيش الاحتلال بهدوء وبالتدريج بمكافأة الضباط الخبراء بالتكنولوجيا بمنح مالية كل حسب قدراته بشكل غير رسمي. ويتم ذلك بتشجيع من وزير الأمن أفيغدور ليبرمان المهتم في تقليص عدد الضباط الشباب المغادرين للجيش بحثا عن شروط عمل أفضل في شركات خاصة.
وحسب معطيات جيش الاحتلال، فقد شهد العام الأخير انخفاضا بحجم ظاهرة هروب الأدمغة من 27 % إلى 23% والهدف تقليصها لما تحت 20 %. ويبلغ معدل راتب الضباط الشباب في جيش الاحتلال نحو 1800 دولار شهريا. وتقضي الخطة الجديدة بزيادته لحد مضاعفته من خلال بنود «منحة القائد» و»منحة امتياز».لكن هذه المكافآت ما زالت متدنية مقارنة بالرواتب التي تعرضها الشركات الخاصة. ويرجح الجيش أن نجاح الخطة المذكورة بالإبقاء على الضباط الشباب حتى جيل 26-25 في صفوفه فإنه سينجح في حل قسم من المشاكل التكنولوجية التي تواجهه. ويدرس أيضا إمكانية تمديد فترة الخدمة العسكرية الدائمة بثلاث سنوات لكل من يتجند لوحدات السايبر.
ومن الضباط الذين غادروا الجيش طمعا في شروط عمل أفضل خارجه الرائد عيدان (26 عاما) الحائز على لقب جامعي بعلوم الحاسوب، ويقيم وزوجته بشقة مستأجرة ويعمل منذ ست سنوات في وحدة تكنولوجية خاصة.
وفي تصريح لإذاعة الجيش يقول إنه تمتع في المساهمة بتكريس تفوق إسرائيل في مجال حرب السايبر خلال عمله الذي يتقاضى مقابله نحو ألفي دولار شهريا. ويضيف «لم أعد احتمل هذا الوضع، فالعروض من خارج الجيش مغرية وأقلها يبلغ سبعة آلاف دولار ولذا سأغادر الجيش في نهاية العام الحالي».
ويوضح المعلق للشؤون العسكرية في القناة العاشرة ألون بن دافيد أن الحديث يدور عن قوى عاملة تتمتع بجودة عالية جدا تعمل في وحدات خاصة كوحدة الاستخبارات البارزة 8200 أو في وحدات التنصت والتعقب. ولذا يعتبر أن الظاهرة تنطوي على قنبلة إستراتيجية موقوتة داخل الجيش ومن شأنها أن تحول مستواه لمتوسط على الأقل من ناحية القوى العاملة. ويضيف «بما أن الحرب القادمة ستحسم بساحة الوغى الإلكترونية فإن المعطيات المذكورة ينبغي أن تقلق كل إسرائيلي ولذا يقف الجيش أمام حالة قاسية».
ويشير إلى أن الرغبة بالتفوق في مجال الحرب الإلكترونية دفعت الموساد للتعاون مع شركات اتصالات خاصة منطلقا من الدوافع ذاتها المنطبقة على الجيش أيضا. ويتفق معه المعلق شاؤول أرئيلي وهو جنرال بالاحتياط محذرا من أن هروب الأدمغة من الجيش بات بالجملة ويهدد تفوقه البشري وهو «سر قوته» منذ تأسيسه.
وللتدليل على خطورة الظاهرة يشير أرئيلي الى أنها تتزامن مع حرب إلكترونية متصاعدة بين إسرائيل وإيران. ويضيف «لا أرى علاجا حقيقيا لهذه الظاهرة دون تكريس رواتب سمينة للضباط الماهرين في الوحدات الإلكترونية والتكنولوجية بغية إبقائهم في الجيش النظامي وأرجو ألا يتردد الجيش بتطبيق خطته الجديدة».
وتحذر إذاعة الجيش من احتمالات اتساع الظاهرة في السنوات المقبلة نتيجة انتقال وحدات الاستخبارات العسكرية لمركزها الجديد في منطقة النقب النائية. وتقول إن البعد عن مركز البلاد ومدينة تل أبيب سيثقل على الجيش مهمة الاحتفاظ بالقوى العاملة المتميزة مقابل كفاءات عالية.
مئة عبقري
وأشارت الى أن الاستخبارات العسكرية يمكنها أن تكتفي بمئة «عبقري» من هؤلاء الضباط المتفوقين حتى تحافظ على تفوق الجيش الإسرائيلي في هذا المجال. يذكر أن ميزانية الأمن في إسرائيل ما زالت تحظى بحصة الأسد، وتبلغ نحو 18 مليار دولار. عن ذلك يقول أستاذ علم الاجتماع المحاضر في جامعة تل أبيب يهودا شنهاف إن الصهيونية وحدها لم تعد كافية لإبقاء المتفوقين من الضباط داخل الجيش. ويتابع في حديث للقناة العاشرة «تعكس الظاهرة تحولات لدى الإسرائيليين الذين باتت تميزهم فوارق طبقية كبيرة، فالضباط أيضا مضطرون لتسديد إيجارات الشقة في نهاية الشهر وهم ينظرون للبيوت الفاخرة المجاورة ويحلمون بمثلها». ويتفق شنهاف مع بن دافيد على أن الظاهرة تنطوي على خطر إستراتيجي، مرجحا أن تبادر الحكومة لمعالجتها بسرعة من خلال دعم الجيش ومساندته في تطبيق خطته الجديدة.
يشار الى أن إسرائيل تواجه هجرة العقول الأكاديمية والبحثية والهندسية لدول كثيرة للعالم بحثا عن شروط عمل أفضل مما يجدونه في البلاد، وتحاول وزارتا المالية والاقتصاد مواجهتها بأشكال مختلفة.
وديع عواودة