تونس – «القدس العربي»: قال الجيلاني الهمّامي النائب والقيادي في «الجبهة الشعبية» إن مبادرة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي للمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة هي عبارة عن مناورة سياسية وحملة انتخابية مبكرة، وأشار إلى أن السبسي يسعى لكسب أصوات النساء في الانتخابات الرئاسية المقبلة وإحراج حركة «النهضة» وإرباكها سياسيا، ومن ثم التغطية على الحملة التي يقوم بها رئيس الحكومة يوسف الشاهد ضد رموز الفساد في البلاد، مؤكدا أن السبسي تدخل في أكثر من مناسبة لمحاولة إيقاف حملة الشاهد ضد الفساد. من جهة أخرى، اعتبر أن الظروف العامة في تونس غير مهيأة لإجراء انتخابات بلدية ديمقراطية وشفافة، معتبرا أن فشل البرلمان في المصادقة على قانون الجماعات المحلية وعدم مواجهة المال الفاسد وتنظيم عمل مؤسسات سبر الآراء، ستؤدي إلى الطعن في مصداقية الانتخابات المقبلة.
وكان قائد السبسي دعا في خطاب ألقاه، الأحد، في قصر قرطاج بمناسبة «العيد الوطني للمرأة»، إلى المساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات وخاصة في الميراث، مؤكدا أن هذا الأمر لا يتعارض مع الدين. وقال الهمامي في حوار خاص مع «القدس العربي» إن دعوة السبسي تتضمن «مناورة سياسية ومحاولة لخلط الأوراق وحملة انتخابية سابقة لأوانها، وهو أراد ضرب عدة عصافير بحجر واحد، فقد اختار في هذه المناسبة موضوعا حساسا يمكن أن يصلح مادة حملة انتخابية له ولحزبه، علما أن الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية عام 2019 بدأت مبكرا في تونس، وهناك خلافات بينه (قائد السبسي) وبين رئيس الحكومة من جهة وبين نداء تونس ورئيس الحكومة من جهة ثانية، وبنفس الوقت نحن مقبلون على انتخابات بلدية في نهاية هذه السنة، والسبسي نجح في الرئاسة بفضل أصوات النساء أساسا لذلك اختار هذا الموضوع للقيام بحملة انتخابية».
وأضاف: «هو أراد، في الوقت نفسه، إثارة إشكاليات لدى خصومه السياسيين وخاصة القوى التقدمية اليسارية بصفة عامة وسحب البساط من تحت أقدامهم، لأنهم مختصون بهذا الملف ولديهم مشروع للمساواة التامة بين المرأة والرجل، كما أنه حاول وضع حركة النهضة في موقع الغريم أو الأخ العدو، في محاولة لإجبارها على اتخاذ أحد الموقفين المتناقضين: فهي إما أن تبتلع الجرعة (توافق على دعوة السبسي) وبذلك ربما تجد مشكلة مع قواعدها وبعض الأجنحة الراديكالية داخلها، أو تضطر إلى الإفصاح عن موقف رافض لها وبذلك تفسد العلاقة مع السبسي وقد يصبح الائتلاف الحاكم مهددا بانفراط عقده، وخاصة أن التحالف مع نداء تونس يشكل نوعا من الضمانة لدى حركة النهضة كي لا يتم تصنيفها ضمن الجماعات الإرهابية، وخاصة أن ثمة اتجاه داخل الكونغرس الأمريكي نحو هذا الأمر (تصنيف الأحزاب والجماعات الإسلامية كجماعات متطرفة)، وهذا ما يضعها في حيرة».
وحول إمكانية تحول دعوة قائد السبسي إلى مشروع قانون وعرضه على البرلمان، قال الهمامي: «قائد السبسي طرح الموضوع على سبيل المبادرة السياسية الفكرية المجتمعية، لكن أعتقد أن المجتمع التونسي ومؤسسات الدولة في تونس مهيأة بدرجة ما إلى تحويل هذه الفكرة إلى حقيقة واقعية ومشروع قانون، وسبق أن تقدم أحد النواب العام الماضي بمبادرة تشريعية للمصادقة على المساواة في الإرث وأمضى على ذلك عدد من النواب وزكتها عدد من الكتل النيابية، ولذلك فقضية المساواة في الإرث في تونس – بخلاف بلدان عربية أخرى – لا يُنظر إليها من الزاوية النصية القُدسية المطلقة، بل ينظر لهذا الموضوع على أنه موضوع مجتمعي (قابل للتطبيق)».
وكانت دار الإفتاء التونسية أصدرت بيانا عبّرت فيه عن تأييدها لدعوة رئيس الجمهورية المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، معتبرة أنها تعد «تدعيما لمكانة المرأة، وضمانا وتفعيلا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات التي نادى بها ديننا الحنيف في قوله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. فضلا عن المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية التي تعمل على إزالة الفوارق في الحقوق بين الجنسين».
وعلّق الهمامي على ذلك بقوله: «مؤسسات الإفتاء هي مؤسسات دولة وتسير في رِكاب الحكم، ودار الإفتاء في تونس بقدر ما يمكن أن يُعتبر موقفها إيجابيا في هذه المسألة ومتقدما على دور الإفتاء الأخرى، فإننا في الوقت نفسه نشتم فيه رائحة الانجرار وراء رئيس الجمهورية، ولكن من المهم أن توافق أو تصادق على مبدأ المساواة في الإرث بصورة مبدأية، بغض النظر عن موقف رئيس الجمهورية، وعلى كل حال هو نوع من الانفتاح، فدار الافتاء في تونس تشقّها العديد من التيارات ولكن – تاريخيا – كان التيار المنفتح دوما هو الغالب على توجهاتها».
وحول اعتبار بعضهم أن مبادرة السبسي تأتي للتغطية على الحملة الحكومية ضد الفساد، قال الهمامي: «بالفعل هي كذلك، وخاصة أن الحملة ضد الفساد هي أحد نقاط الخلف بين قائد السبسي والشاهد، فرئيس الحكومة يريد عن طريق هذه الحملة صُنع مصداقية لشخصه ونوع من التمهيد لإثبات جدارته بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ورئيس الجمهورية يعلم مدى «خطر» هذه الحملة (عليه) لذلك هو تدخل لدى رئيس الحكومة في أكثر من مرة من أجل إيقاف هذه الحملة أو التحكم فيها على الأقل، وبطبيعة الحل لم يجد الخضوع الطوعي أو القبول من قبل رئيس الحكومة الذي استمر بحملته بأشكال مختلفة من حين إلى آخر».
وأضاف: «أعتقد أن قائد السبسي بإثارته لهذا الأمر يرغب بالانحراف بالرأي العام عن قضية الفساد وعن القضايا الاجتماعية الأخرى، علما أننا مقبلون في مستهل السنة السياسية الجديدة على احتجاجات جديدة بالنظر لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ورئيس الجمهورية كأنما يريد إثارة جدل جديد في تونس حول قضية فكرية سياسية مجتمعية تأخذ حيزا من الزمن في اهتمام الرأي العام والنخبة وتترك جانبا القضايا الحارقة التي تؤرّق حياة المواطنين والنخبة والأحزاب السياسية وخاصة المعارضة».
واعتبر من جهة أخرى أن الظروف العامة في تونس غير مهيأة لإجراء انتخابات بلدية ديمقراطية وشفافة، معتبرا أن «جميع الشروط المفروض توفرها لإجراء هذه الانتخابات غير متوفرة الآن، فقانون الجماعات المحلية الذي يؤطّر هذه الانتخابات ويشكل أساسها القانوني ومجمل التصور للحكم المحلي والجهوي، لم ينطلق النقاش فيه حتى الآن في البرلمان، وهو مرشّح أن يأخذ وقتا طويل في النقاش بالنظر للتعقيدات الواردة فيه وخاصة أنه يتضمن 363 فصلا، وقد لا تقع المصادقة عليه قبل الانتخابات، وما لم تقع المصادقة على هذا القانون سيكون هناك طعن في مصداقية هذه الانتخابات».
وأضاف: «ومن جهة ثانية، ثمة جوانب سياسية أخرى تتعلق بالمال الفاسد الذي أدى أدوارا سيئة في الانتخابات السابقة، ولا توجد هناك آلية لمواجهته الآن، وكذلك مؤسسات سبر الآراء التي تشتغل بحرية مطلقة وهي غير مؤطرة بقانون أو بتقاليد سياسية في البلاد، وهي تلعب أدوارا خطيرة لأنها ترفع من شأن بعض الأحزاب وتحط من شأن أخرى، كما أنها موظّفة بالمال السياسي لفائدة هذا الطرف أو ذاك». وكان عدد من الأطراف دعا في وقت سابق إلى تأجيل الانتخابات البلدية إلى آذار/مارس 2018 على اعتبار أن البلاد ما زالت غير مهيأة لإجرائها، فضلا عن تزامن موعدها مع مناقشة الميزانية العامة للدولة، فيما حذرت أطراف أخرى من تأجيل الانتخابات كي لا تؤثر سلبا في موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، مشيرة إلى أن المطالبة في تأجيلها يدخل في إطار «المزايدة السياسية».
حسن سلمان