رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس»، 1962، تنتهي عند أبو الخيزران، سائق الصهريج، بسؤال سوف تتلقف أصداءه صحراء الكويت أيضاً:
«- لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقرعوا جدران الخزان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟».
وعندما شاع خبر الـ71 لاجئاً سورياً (59 رجلاً وثماني نساء وأربعة أطفال)، الذين عُثر على جثثهم داخل شاحنة أوروبية، على طريق سريع في النمسا؛ لم يملك الكثيرون دفع إغواء العودة إلى رواية كنفاني، واستعادة السؤال ذاته: لماذا لم يدقوا جدران الشاحنة؟ لكنّ طارح السؤال بصدد هذه المأساة السورية لسنة 2015 يعرف، مثل أبو الخيزران بصدد المأساة الفلسطينية قبل 60 سنة، أنّ الجواب واضح، في حدوده الدنيا مثل تلك القصوى: خوف المختبئين في الشاحنة/الصهريج من افتضاح أمرهم، وبالتالي انكسار أحلامهم في الوصول إلى برّ الأمان (النمسا ثمّ ألمانيا أو الدنمارك أو السويد، في المثال السوري؛ والكويت، في المثال الفلسطيني). وإذا كانت إسرائيل والنكبة، ثمّ الأنظمة العربية في الخلفية، هي المسؤولة عن اختناق الفلسطينيين الثلاثة، أبو قيس وأسعد ومروان؛ فإنّ نظام بشار الأسد هو المسؤول، أولاً وثانياً وعاشراً، عن مقتل السوريين الـ71، قبل أن يتحمل النظام العربي بدوره، أسوة بما يُسمّى «المجتمع الدولي»، قسطاً من المسؤولية؛ لعلّه أعلى، في الدرجة الأخلاقية والحقوقية أوّلاً، من مسؤولية المهرّب أو سائق الشاحنة الأوروبية.
ورغم ذلك، على ضفة أخرى من احتمالات ما جرى داخل الشاحنة، وحتى تتضح ملابسات أخرى للواقعة الرهيبة؛ الأرجح أنّ الكثيرين بادروا بالفعل إلى قرع الجدران، وربما الصراخ بأعلى الصوت، إنْ لم يكن من أجل المقاومة الغريزية في وجه الموت، فعلى الأقلّ من أجل الدفاع عن الأطفال داخل المحبس. هل تبدد القرع، مثل الصرخات، في أرجاء غابات صمّاء، وعلى إسفلت صاخب ضاجّ لكنه أصمّ أبكم أعمى أيضاً؟ أم أنّ أحداً لم يبادر إلى ترجمة دلالة الموت الفيزيائية المحضة، لأصوات غريبة اللكنة، لم تكن سوى حشرجة احتضار آدمي؟ أم أنّ السامع خطرت له خواطر شتى، لكنّ أياً منها لم يبلغ عنده ذلك المستوى المرعب الذي يتيح التنبّه إلى طراز فريد من فناء بشري جَمْعي، وحشي وبهيمي، هولوكوستي بامتياز؟
ولقد توفّر لنا، نحن السوريين، ناطق سفيه مثل أدونيس، منحلّ الضمير، حليف للقتلة ومجرمي الحرب، ازدرى السوريين الذين يهاجرون من بلدهم: «في سوريا مثلاً، فإن ثلث الشعب هاجر. لا يوجد شعب في العالم يهاجر ونستمرّ في تسميته بأنه شعب ثوري»، قال في حوار مع «السفير» اللبنانية. من الإجحاف، بالطبع، أن يضع المرء كلاماً في فم أدونيس لم يصرّح به، أو لم يفعل بعد؛ ولكن، في القياس على موقفه من الشعب الذي يهاجر، ما الذي يمكن أن يقوله عن شاحنة النمسا؟ ليس ذاك السؤال الذي تردد تلقائياً: لماذا لم يدقوا جدران الشاحنة؟ بل السؤال الآخر: لماذا جازفوا بالدخول إلى الشاحنة؟ أو، على نحو أكثر وفاءً لـ»فلسفة» الهجرة عنده: لماذا تركوا بلادهم وهاجروا، أصلاً؟ ألم تكن براميل الأسد، وسمومه الكيميائية، وطائراته الحربية… أولى بهم؟ ألم تكن نصال «داعش» أرحم من الموت اختناقاً، داخل شاحنة، في بلاد الغربة؟
في المقابل، لم يتوفر لنا، نحن السوريين، ضمير غربي من طراز إرنست همنغواي؛ المراسل الصحافي الشاب الذي كان يكتب لصحيفة كندية مغمورة، وصاحب تقرير شهير بعنوان «الموكب الصامت المروع»، وصف فيه نزوح آلاف اليونانيين من القسم الشرقي لجزيرة ثراسي، أُغلقت في وجوههم الحدود البلغارية، ولم يتبق أمامهم سوى مقدونيا والقسم الغربي من ثراسي ذاتها. كان همنغواي يغطي أحداث شبه جزيرة البلقان من أدريانوبل وإسطنبول، وكان في الثالثة والعشرين من عمره، لكنّ تقريره ذاك وضع اسمه على كل شفة ولسان في أوروبا، ليس بسبب موهبة مبكرة جلية وساطعة، فحسب؛ بل، كذلك، لأنّ النصّ انقلب إلى ضمير صارخ في البرّية، ترددت أصداؤه في النفوس. يتيمة هذه الانتفاضة السورية، إذاً، حتى في مستوى استيقاظ الضمائر الغربية على عراء مواكب السوريين في مقدونيا، أو جدران الشاحنات في النمسا.
القاتل الأوّل هو نظام الأسد، والسوريون كفيلون به، قصر الزمان أم طال؛ وأمّا المنشغلون، عمداً، عن سماع ما يُقرع على جدران الخزانات والشاحنات، وما يتلقفه البحر وتبتلعه الوديان السحيقة، فإنّ سجلات العار التي سطّرها التاريخ، على امتداد قرون وقرون، لن تغفل عن تدوين حصتهم في صناعة الفظائع.
صبحي حديدي
So true.
بصراحة أنا ضد هجرة الشباب السوري القادر على حمل السلاح
هل الموت غرقا أو اختناقا أفضل من الموت دفاعا عن الوطن !
بالسابق ترك السنة الجيش والأمن للعلويين فماذا كانت النتيجة
لمن تتركوا بلدكم يا شباب سوريا
المقاتلين يأتون للقتال بسوريا بعشرات الآلاف
وأنتم تهربون للخارج بمئات الآلاف – هل بعتم بلدكم يا شباب
ولا حول ولا قوة الا بالله
ولم تعاتبهم للرحيلهم من الموت بالبراميل المتفجرة ، أو الموت بالغازات السامة ، أو الموت جوعا” على الاقل جميل أن ترحل للبحث عن الحياة ، في اي مكان بأية وسيلة ، على الأقل هي أمل، وان كانت به نسبة موت!!
هل ستحدث أزمة سوريا حرب عالمية ثالثة سوريا أصبحت مشكلة عالمية وا إنتقلت حرب سوري الي الغرب حرب بين مؤيد للمهاجرين وبين رافض للمهاجرين
إستقبال المهاجرين يتطلب لوجستك كبير وأروبا تقول أنها لم تكن تتصور مثل هذا العدد الكبير من اللاجئين طبعا اللاجئين ليسوا كلهم سوريين لكن سوريا هي المشكلة المستعصية علي العالم لانها بلد حرب من يتحمل كل هذا المآسي هي المخابرات العالمية الوسخة التي شاركت دولها في الحرب السورية عددة دول مثل إسرائيل تركيا السعودية رأوا في الثورة السورية ضد الديكتاتور هدف للتحقيق أهدافهم السياسية
واحدة تريد محاربة إيران في سوريا والاخرة تريد محاربة حزب الله في سوريا لكن التونسييون من أرادوا محاربة من ? تصرفات حماس من الحرب السورية كانت ذكية أرسلت هذه الدول مقاتلين أو سمحت بدخول مقاتليين دون أن تحسب حساب داعش أو تتصور دخول داعش الي سوريا إستولت داعش علي مقاتليين أجانب وأصبح العالم يخشي أن يدخل في حرب بريئة معها الأن اصبحت سوريا مستنقع حرب والاجيئين في لبنان وغيرها من الدول سوف لن يصمدوا ضد ضعهم المؤساوي فالقتلي من السوريين في المخيما ت سيرتفع جرء البرد والأوساخ والأمراض له الديكتاتورية والمخابرات عالمية غبية تلعب بمصير شعوب وسياسين دمى تحركهم مخابرات غبيىة وهذه مشكلة العالم
مقال جيد وأجمل مافيه وصف ادونيس ب “منحل الضمير”