تم الاعلان مؤخرا عن قيام ما سمي، بالخلية الاستخبارية، بين العراق وسوريا وإيران وروسيا، وهي تضم أجهزة الاستخبارات والأمن للدول المذكورة، حيث اتفق الجميع على أن تكون رئاستها دورية كل ثلاثة أشهر لدولة.
وقد أعلن عن اختيار العاصمة العراقية بغداد مقرا لها، وكان التبرير أن أغلب النشاطات الأمنية والاستخبارية تحصل على الأرض العراقية. الهيكل التنظيمي لهذه الغرفة يتكون من ممثل عن الجهاز الأمني في كل بلد، يعينه ستة مستشارين في اختصاصات الأمن الداخلي والخارجي، ولكي يبدد الشركاء هواجس ومخاوف دول الجوار العربي والاقليمي من هذه الخطوة، أعلنوا أن واجباتها تتلخص بتقديم الاستشارات العسكرية للقوات المسلحة، والمشورة الأمنية كذلك، ودراسة وتقييم فاعلية الأسلحة والمعدات المستخدمة على الارض. أما من جانب الحكومة العراقية فقد أعلنوا أن الخطوة الجديدة ستصب في مصلحة العراق الأمنية والعسكرية، لانها ستكون أداة فاعلة في القضاء على التنظيمات الإرهابية أولا، والمحافظة على المصالح العسكرية التي تربط العراق بالدول الثلاث الأخرى ثانيا.
ولكي يتم تقييم هذه الخطوة، يجب تناول الموضوع من الجانبين، الاستخباراتي والسياسي، حيث أنه لا يمكن إقامة تحالف أمني كهذا، من دون وجود إرادة سياسية، ولا توجد إرادة سياسية تقرر فعلا كهذا، من دون التيقن الاستخباراتي من أهداف ونوايا الاطراف المتحالفة معها. فالتحالفات الأمنية والعسكرية والسياسية جميعها تقبل حسابات الربح والخسارة، وعندما تكون الخسارة على المستويات التكتيكية تكون مقبولة، عندما تقابلها أرباح استراتيجية كبرى. العمل الاستخباراتي هدفه الأول هو جمع المعلومات الصحيحة ووضع الخطط اللازمة على ضوئها، بغية عدم تعرض الدولة إلى مفاجآت سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية غير محسوبة.
هذا العمل يتطلب أن تكون الدولة والسلطة والقوى الموثرة في المجتمع تسير حركتها بصورة متناغمة، وهدفها الاول هو المصلحة الوطنية العليا، كي يتمكن الجهاز الوطني الاستخباراتي من التمدد بأذرعه إلى الخارج لحماية الأمن القومي. لكن هذا المسار مفقود تماما في الدولة العراقية اليوم، ما انعكس تماما على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية العراقية، وبالتالي بان هذا الخلل بصورة واضحة على المشهد الأمني والعسكري. فمن يراقب الوضع الأمني منذ عام 2003 وحتى اليوم يجد بصورة واضحة أن القرار الأمني والعسكري دائما ما يأتي لاحقا للحدث وليس متنبئأ به. لم يعلم أحد إطلاقا ولحد اليوم مصدر السيارات المفخخة، ولم يستطع أحد تماما التنبؤ بسقوط الموصل وصلاح الدين، بل أن الطامة الكبرى هو أن سقوط الانبار جاء في وقت يجب أن يكون فيه الجهاز الاستخباراتي في حالة استنفار تام، لمعرفة الخطط والتوجهات المقبلة لـ»تنظيم الدولة». هذه أمثلة بسيطة على فشل الاستخبار في الدولة العراقية لأن الدولة نفسها فاشلة، وبالتالي ما الذي يستفيد منه العراق من هذا التحالف، وهو اصلا ساحة مفتوحة لحروب بين أجهزة استخباراتية عالمية وإقليمية؟ على العكس من ذلك هو أن هذه الحرب الاستخباراتية ستستعر أكثر من قبل، لأن الأطراف غير الموجودة في التحالف ستعمل على محاربة هذا الحلف، كما أن هنالك من سينظر اليه على أنه موجه ضده، وهذه حقيقة، لأن المحور الروسي الإيراني خاصة له توجهات سياسية أمنية وعسكرية تتقاطع تماما مع الاخرين الموجودين في الإقليم وفي خارجه، وهؤلاء لن يبقوا مكتوفي الأيدي، خاصة الامريكان الموجودين في الساحة نفسها، والذين كانوا يشيرون إلى أن العراق أمريكي وليس روسيا.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو هل أن الغرفة الاستخباراتية الرباعية حدث جديد؟ كلا لا يمكن القول بذلك، لأن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الايرانية كانت ومازالت لها اليد الطولى في العراق، وقد زادت من فاعلية عملها في ضوء التطورات التي حصلت في الساحة السورية، لان العراق بات حجاباتها الامامية بعد أن فشلت في احتواء الموقف في سوريا، وقاموا بإنشاء غرفة عمليات مشتركة أمنية وعسكرية، كذلك الروس كانوا موجودين، حيث كانت طائراتهم تعبر الاجواء العراقية محملة بالاسلحة والذخائر والمعدات، ولابد في وضع كهذا أن يكون لهم وجود على الارض، التي تمر من خلالها تجهيزاتهم التسليحية. أصلا اختيار بغداد لتكون مقر الغرفة الاستخباراتية المشتركة لم يكن اعتباطيا، بل جاء بسبب وجود غرفة عمليات مشتركة للتحالف الروسي الايراني السوري، التي كانت تراقب الوضع هنالك وتقرر إرسال التعزيزات إلى الساحة السورية. إذن نحن أمام حرب استخباراتية شرسة وجديدة ستتم على الارض العراقية.
أما في مجال الأبعاد والتأثيرات السياسية التي ستنتج عن هذه الاتفاقية، فقد بانت ملامحها باكرا من خلال الانقسامات التي ظهرت في المواقف داخل البيت السياسي الشيعي ومع الشركاء الاخرين أيضا. فقوى البيت السياسي السني ستعتبر الحلف الاستخباراتي الجديد، وسيلة جدية من وسائل محاربة وجودهم في العملية السياسية، لانهم يناوئون الوجود والسياسة الايرانية، كما أنهم يعتقدون بأنه موجه أيضا لحلفائهم الاقليميين والدوليين. وهو خطوة مهمة لاعادة تعزيز محور طهران بغداد دمشق بيروت، كما أن تأثيراته ستكون اعتقالات واغتيالات أكبر في عموم جغرافيتهم الطائفية، تمهيدا لإنهاء وجودهم في المناصب الشكلية التي يتسنمونها. أما القوى السياسية الشيعية فأول الخاسرين من هذه الاتفاقية هو رئيس الوزراء الحالي، لأنه أعتمد على الدعم الامريكي السياسي عند قدومه إلى المنصب، في محاولة منه لصنع حالة توازن بينه وبين رئيس الوزراء السابق المحسوب على إيران، لكن التحالف الجديد أغضب الامريكان، بينما عزز من محور المالكي والحشد الشعبي. ورغم محاولات رئيس الوزراء الجديد أن تكون له عيون في الغرفة الاستخباراتية الجديدة، منطلقا من كونه القائد العام الذي له وحده صلاحية تعيين ممثل العراق فيها، فإنه سيفشل في فرض إرادته في الموضوع، لأن الطرف الآخر أقوى منه عسكريا وميليشياويا على الارض، وهذه هي القوة الفعلية في العراق اليوم وليست المصادر السياسية الأخرى، وسوف لن يقتنع الامريكان بالتطمينات التي أعلن عنها رئيس الوزراء حين صرح، بأن الغرفة هي لتبادل المعلومات حول «تنظيم الدولة»، من أجل مساعدة القوات العراقية لهزيمة التنظيم وحماية الشعب العراقي، وليست ذات تنسيق عسكري.
إن المشهد الأمني والعسكري والسياسي لن يكون كما كان قبل الاتفاقية، خاصة أن الروس مازالوا يدفعون باتجاه التصعيد العسكري والسياسي، والإيرانيون لا يريدون مطلقا تجرع كأس السم في الوضع السوري. العراق ساحة حرب استخباراتية وعسكرية مستقبلية، سوف تتطاحن فيها كل قوى الطحن في الساحة السورية، لأنها ستحاول أن تضرب في العراق مقر الغرفة الاستخباراتية لتأكيد وجودها. كما أن القوى السياسية العراقية من السنة والشيعة ستكون لهم جولات حروب جديدة.
٭ باحث سياسي عراقي
د. مثنى عبدالله
الاستخبارات بالعراق انحصرت بالمخبر السري
وطبعا حسب المادة 4 ارهاب الخاصة باعتقال السنة
الفساد طال القضاء نفسه يا دكتور أفلا يطول المخابرات
عندما ينتصر الشعب السوري ستخرج ايران صاغرة حتى من العراق
عندها ستقوم الثورة بايران وسنرى العمائم السوداء مرمية بالطرقات
ولا حول ولا قوة الا بالله