الدورة السابعة من مهرجان «سماع» الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية بمشاركة 15 دولة

حجم الخط
0

القاهرة – «القدس العربي»: «لقد تحقق الحلم وأصبحت الفكرة واقعاً ملموساً، وها نحن نقوم برحلة اسطورية أشبه بقداس كوني حيث تمتزج الأسطورة بالواقع وتتناغم الأصوات وتتوحد لتؤكد فكرة التواصل الإنساني بين شعوب العالم وعلى عمق مفهوم الأديان بمعناه الكوني».
بهذه الكلمات يؤكد الفنان انتصار عبد الفتاح مؤسس مهرجان «سماع» الدولي للانشاد والموسيقى الروحية أن النبع الأساسي الذي استقت منه مصر ديانتها كانت تهدف الى الإرتقاء بالروح نحو النور، وأضاف ان المهرجان في الأساس يهدف الى اتاحة الفرصة للتعرف على فنون وثقافات الشعوب المختلفة لفن «سماع» والتراث الديني بأشكاله المتعددة في العالم أجمع، حيث تمتزج الأصوات وتنصهر وتتوحد في لحظة إنسانية واحدة لتخلق عالماً أوسع أفقاً وأكثر رحابة في معزوفة كونية رائعة تعبر عن روح المحبة والتسامح والسلام ليصبح الإنسان هنا هو الوطن والوطن هو الإنسان.
استلهم الفنان انتصار عبد الفتاح فكرة إنشاء مدرسة «سماع» للإنشاد والموسيقى الروحية امتدادا لفكرة الكتاب الموجود في قبة الغوري. وتم تأسيس المدرسة عام 2007 من خلال ورشة منشد الغوري والتي قامت بتخريج أجيال من الأصوات المتميزة على مدار 7 سنوات، وتم تأسيس فرقة براعم للأطفال (رسالة سلام) لأول مرة عام 2013 والتي تجمع بين التراث الإسلامي والقبطي ومازالت المدرسة مستمرة لاحتضان المواهب المتميزة من أقاليم مصر والدول العربية.
انطلقت الدورة السابعة من مهرجان «سماع» الدولي للأنشاد والموسيقى الروحية في الفترة من 20 وحتى 27 ايلول/سبتمبر الجاري، وقال انتصار عبد الفتاح ان المهرجان بدأ من خلال فلسفة منهجية لمحاولة تجميع تراث أقاليم مصر المختلفة من خلال تدشين مدرسة «سماع للإنشاد والموسيقى الروحية» وايضاً المركز الدولي، الذي يجمع عددا من الفرق الدولية.

أول مهرجان «سماع»

خاص للأطفال

وأضاف «خلال الدورات السابقة تمكن المهرجان من تحقيق مكانة دولية ورسالة سلام انضمت اليها 27 دولة، ينشدون من أجل السلام والمحبة، ليس فقط هذا ولكن أيضا انشاء مدرسة راعي «سماع» وهذه المدرسة سنقيم من خلالها أول مهرجان «سماع» خاص للأطفال». وأشار الى انه «من خلال هذه الدورة ستكون هناك ورشة هامة خاصة بالوطن العربي، نرسل من خلال هذا العمل رسالة سلام ومحبة بكل اللغات الى العالم، بينما تنتشر الفعاليات في أماكن أثرية في القاهرة بمنطقة بئر يوسف بقلعة صلاح الدين، وقبة الغوري، شارع المعز، بالإضافة إلى ساحة الهناجر ومسرح الصوت والضوء تحت سفح الاهرامات». وأضاف أن المهرجان يتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للسلام في الحادي والعشرين من ايلول/سبتمبر حيث تشارك شعوب العالم في هذا الاحتفال، بالاضافة الى الاحتفال باليوم العالمي للسياحة الذي يوافق يوم ختام المهرجان 27 ايلول/سبتمبر.
المهرجان هذا العام كرم عددا من الرموز الدينية والفنية لما لهم من دور فعال في التقارب بين الأديان، من بينهم الراحل الشيخ سيد النقشبندي صاحب المدرسة المتميزة في الابتهالات وأستاذ المداحين ليكون على رأس المكرمين، وهو أحد أشهر المنشدين والمبتهلين في تاريخ الإنشاد الديني، يتمتع بصوت يراه الموسيقيون من أقوى وأوسع الأصوات مساحة في تاريخ التسجيلات.
رسم نقشبندي من العلم الإلهي صورا ليس لها من شبيه، ونقش نقوشا خفية للخلق الأبدي ولذلك عرف أتباعه بالنقشبندية، صوته الأخاذ القوي المتميز، طالما هز المشاعر والوجدان وكان أحد أهم ملامح شهر رمضان المعظم حيث يصافح آذان الملايين وقلوبهم خلال فترة الإفطار بأحلى الابتهالات التي كانت تنبع من قلبه قبل حنجرته فتسمو معه مشاعر المسلمين، هو واحد من أبرز من ابتهلوا ورتلوا وأنشدوا التواشيح الدينية .
كرم المهرجان أيضاً اسم الراحل الدكتور محمود عزب، مستشار شيخ الأزهر السابق وصاحب فكرة «بيت العائلة»، الذي أقامه في العديد من محافظات مصر؛ ليرتفع بالعمل من أجل العلاقات الوطنية والأخوية والروحية بين المسلمين والأقباط، عن المستوى المناسباتي إلى المستوى المؤسسي الذى يحفظ لحمة النسيج الوطني، وجوهر الوحدة الوطنية.
وشمل التكريم ايضاً الكاتب الروائي جمال الغيطاني، الذي اسهم بعدد من الدراسات عن مفهوم الإنشاد الصوفي وعن فنون القاهرة الإسلامية في 1000 عام، وهو روائي فريد استلهم التراث المصري ليخلق عالما روائيا يعد اليوم من أكثر التجارب الروائية أهمية وقد لعب تأثره بصديقه وأستاذه الكاتب نجيب محفوظ دورا أساسيا لبلوغه هذه المرحلة مع إطلاعه الموسوعي على الأدب القديم وساهم في إحياء الكثير من النصوص العربية المنسية وإعادة اكتشاف الأدب العربي القديم بنظرة معاصرة جادة.
وكرم الأب بطرس دانيال مدير المركز الكاثوليكي للسينما ومدير قاعة النيل للأباء الفرنسيسكان لما يبذله من مجهود كبير في مجال التقارب بين الأديان بجانب أنشطته الثقافية المتعددة والتي تؤكد تواصله الإنساني مع كافة الديانات السماوية. من أبرز انشطة المركز تنظيم مهرجان للسينما والذي يعد من أقدم المهرجانات السينمائية في مصر والشرق الأوسط .
وفي إطار ضيف شرف المهرجان لهذا العام، تم إختيار المفكر التونسي عز الدين مدني الذي طالما إستلهم في كتاباته المسرحية التراث الإسلامي بشكل مبتكر، وهو كاتب مسرحي تونسي وقاص وروائي، تميز بخصوصيته فكراً وابداعاً، له دراسات وبحوث نظرية ونقدية في الأدب والفن. وكرم المهرجان أيضاً الشاعرة المغربية ثريا إقبال لما لها من دراسات في مجال التراث الصوفي الى جانب كتابتها للأشعار الصوفية.

تجسير الفجوة

بين الثقافات عبر الحوار

شارك في الدورة السابعة من مهرجان «سماع « 15 دولة منها الكويت والاردن وباكستان وأمريكا واليونان وزامبيا والصين واندونيسيا والهند ونيجيريا وتونس وبنغلاديش والبوسنة والمغرب، وتشارك مصر من خلال 6 فرق منها فرقة مجموعة «سماع» للتراتيل والألحان القبطية التي تأسست عام 2009 بمبادرة من الفنان انتصار عبد الفتاح، حيث قرر انشاء منتخب للإنشاد يعكس كافة أطياف التراث الديني في مصر بهدف الحفاظ على الهوية المصرية وتأكيد تفردها، بينما تتكون المجموعة من بعض شمامسة الكنيسة الكاتدرائية المرقسية بقيادة انطوان عياد وتقدم تراث الألحان القبطية المتوارثة على مدار القرون.
وتشارك مصر أيضا من خلال فرقة السباعية للإنشاد الديني والتي تقدم لونا جاء من صعيد مصر عن طريق الايقاعات التقليدية المصاحبة للدفوف والرق والقصائد التي تؤديها الفرقة من تأليف مشايخ الطرق الصوفية مثل الشيخ ابو الحسن الشاذلي والشيخ البيومي والشيخ صالح الجعفري.
وزير الثقافة د. جابر عصفور أكد خلال حفل افتتاح المهرجان أن هذا الحدث الفني العالمي يؤكد مبدأ الحوار لا الصراع، والتسامح لا التعصب، التعاون لا التنافر، الاعتماد المتبادل لا الأنانية، فضلا عن عبور الإنقسام وتجسير الفجوة بين الثقافات التي يقوم الحوار بينها على التكافؤ الذي يحترم الاختلاف ويرى فيه مصدر ثراء متزايد للثقافة. وأضاف «ان المهرجان يعكس عمق أصولنا الحضارية المتواصلة في جذور واقعنا ووعينا المفتوح بتراثنا الخلاق خاصة في عصور ازدهاره التي عبرت بها الحضارة الإنسانية الى العصر الحديث، وعقولنا المفتوحة على كل ابداع إنساني جديد، في مجالات الفكر والعلم والثقافة والفن، وايماناً بالحوار المتكافىء بين الحضارات».
من جانبها أكدت الناقدة د. ياسمين فراج لـ «القدس العربي» على أهمية وجود مثل هذه الفعاليات خاصة ان أهم ما يميز مهرجان «سماع» انه الوحيد في مصر الذي يقيم ورشة عمل تجمع كل الفرق المشاركة لتقديم عرض احتفالي واحد من خلال ثيمة موسيقية محددة وتتفاعل معها الفرق المختلفة يبرز كل فريق من خلالها سمات الغناء الصوفي في بلده مستخدماً لغته وثقافته وتراثه.

رانيا يوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية