القاهرة ـ «القدس العربي»: بجانب حالة الرواج للإنتاج الأدبي بأشكالة المختلفة الآن في مصر، وبغض النظر عن القيمة المرجوّه من هذا النتاج، الذي تتدخل في فرضه وشهرته كيفية تسويق العمل الأدبي، الذي أصبح للسلعة أقرب، نجد أن حالة من النشاط أو عودة الحياة لدوريات ثقافية كان لها ثقل في الماضي ــ مجلة «إبداع»، «فصول»، «الثقافة الجديدة»، و«عالم الكتاب» على سبيل المثال ــ وفقدته في الآونة الأخيرة، لكن جيلا جديدا من المحررين أعاد خلق هذه الدوريات ووفر لها مساحة من التفاعل والثقل.
نستعرض هنا كلا من مجلة «عالم الكتاب» و»إبداع» الصادرة شهرياً، وجريدة «القاهرة؟» الأسبوعية، بخلاف التجديد الذي طال جريدة «أخبار الأدب».
فهناك طفرة ملحوظة في مادة هذه الدوريات، بخلاف الإخراج الفني المتميز، الذي لا ينفصل عن المحتوى.
«عالم الكتاب»
جاء العدد الوحيد ــ حتى الآن ــ من دورية «عالم الكتاب» الشهرية، من خلال محرريها الجدد (محمد شعير/أحمد شافعي/أمير زكي) ليبدو من الغنى والثقل واتساع الرؤية من خلال المادة التي احتواها العدد، من استعراض نقدي للكتب والترجمة، وتحليل نقدي للمؤلفات الأدبية والسياسية. جاء ملف العدد بعنوان «إدوارد سعيد خارج المكان.. داخل الزمن»، من خلال ترجمة عدة فصول من كتاب «البحث عن فلسطين» لنجلاء سعيد ابنة إدوارد سعيد، إضافة إلى شهادات من مترجمي أعمال سعيد، كثائر ديب مترجم كتاب «تأملات حول المنفى» الذي تحدث بإسهاب عن المشكلات التي طالت ترجمة كتاب «الاستشراق»، إضافة إلى شهادة المترجم فواز طرابلسي، الذي قدم للمكتبة العربية ثلاثة من أعمال سعيد.. «خارج المكان»، «الأنسنة والنقد الديمقراطي»، وأخيراً كتاب «في الأسلوب المتأخر.. موسيقى وأدب عكس التيار»، إضافة إلى قراءة عرض ونقد عدة مؤلفات مهمة مثل.. كتاب «الإرهاب والديمقراطية» للفرنسيين .. فرنسوا فورييه، وفيليب رينو، وأنطوان لينيه. وتعود أهميته لجمعه بين التنظير الدقيق والرؤية العملية في مجال دراسات الإرهاب. كذلك ترجمة جزء من كتاب «مقدمة لفلسفة جيل دولوز» من تأليف الناقد الأمريكي تود ماي، وترجمة أحمد حسان.
«إبداع»
عددان صدرا من مجلة «إبداع» من خلال مجلس تحريرها الجديد (محمد المنسي قنديل/طارق إمام).
«إبداع» كانت الأشهر في الدوريات الأدبية الشهرية منذ فترة طويلة مضت، وأصبحت الأكثر نسياناً قبل صدورها بفريقها الجديد.
فالمجلة تختص بنشر الإبداع الشعري والقصصي في المقام الأول، لذا فهي أكثر احتكاكاً مع جمهور الأدب، ولكن الإضافة بجانب الأصوات الأدبية الجديدة ــ ونرجو أن يتم التنوع المستمر في هذه الأصوات، حتى لا تتحول إلى حالتها القديمة، التي اقتصرت على مجموعة بعينها من الأدباء، وكأنهم يكتبون في دورية يومية ــ كانت الدراسات النقدية المهمة، والنصوص الأدبية للشخصية محل الدراسة، مثل ..
الفرنسي باترك موديانو آخر الحاصلين على جائزة نوبل، والروائي الأشهر والمرشح المزمن لها الياباني هاروكي موراكامي.
إضافة إلى دراسات أخرى، منها «روايات المهاجرين العرب في أمريكا اللاتينية»، و»الشخصية العربية في أدب إيزابيل ألليندي» لريوجوبيرتو باريديس، ترجمة أحمد عبد اللطيف، ودراسة عن التشكيلي البريطاني دميان هيريست، أنجزها صلاح بيصار.
وشعر وفوتوغرافيا للمخرج الإيراني عباس كياروستامي، جاءت بعنوان «المشي في صحبة الريح»، ترجمها عن الفرنسية وليد الخشاب، إضافة إلى دراسات في النظرية النقدية للباحثة جيهان فاروق، وهي على الترتيب «رسم خريطة النظرية النقدية الغربية» و»عن مشروع التحديث الغربي»، بخلاف نصوص شعرية وقصص قصيرة لأدباء من مصر والعالم العربي، وهم رؤوف مسعد، وجدي الكومي، لؤي حمزة عباس، فتحي عبد السميع، مريم الساعدي، كمال الرياحي وآخرون.
«الثقافة الجديدة»
ما يميز دورية الثقافة الجديدة، الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، أنها تحرص دوماً على تقديم أصوات أدبية بعيدة عن المركز/القاهرة، وقدمت خلال مشوارها العديد من أدباء الأقاليم، الذي اتخذ بعضهم مكاناً على خريطة الأدب المصري.
لكن الركود الفكري أصابها كما أصاب مثيلاتها.
ومن خلال فريق عملها الآن (صبحي موسى، سمير درويش، شحاته العريان، حمدي أبو جليل، وجمال العسكري) وهذه الروح الجديدة الملموسة في المحتوى والشكل، نجد جيلا من الأدباء الشباب ــ الأقاليم بوجه خاص ــ والدراسات الجادة، التي تواكب المشكلات الاجتماعية والسياسية الحالية، وهي مشكلات ثقافية بالأساس.. كالعنف الديني والتطرف، وما شابه من هذه القضايا المؤرقة، مثل الملف المهم الذي جاء بالعدد رقم (291) والمعنون بـ «الأوهام والأساطير المُعضدة للعنف»، كذلك ترجمات لنصوص الأدباء العالميين، أليس مونرو صاحبة نوبل لعام 2013. ذلك على سبيل المثال لا الحصر.
وجاءت المجلة بجديد في نشرها سيناريو فيلم «أرض الخوف» لداود عبد السيد، وهي تجربة لافتة في نشر مثل هذا الشكل من أشكال الكتابة ــ السيناريو ــ فالمكتبة العربية تفتقر لنصوص الأفلام في شكلها المقروء، اللهم إلا عدة تجارب محدودة.
«القاهرة»
استطاعت جريدة «القاهرة» في وقت قصير بعد تحديث فريق تحريرها (سيد محمود، محمد طعيمة، زين العابدين شلبي) بأن تقدم شكلاً جديداً من المتابعة النقدية والتحليلية للأحداث الثقافية، سواء على مستوى مصر أو العالم، خاصة أنها دورية أسبوعية، أقدر على التفاعل مع الأحداث بشكل سريع.
من ناحية أخرى نجد موضوعات تخرج عن التقليدية، بخلاف النقد السينمائي والتشكيلي، نجد النقد والتحليل الموسيقي ــ سواء لأساليب الفنانين أو العمل نفسه ــ الذي يقدمه محمد صالح بأسلوب يحمل قدراً من التبسيط، من دون التخلي عن العمق.
ففي العدد الأخير ــ 10 فبراير/شباط 2015 ــ جاء ملف جاد عن الروائية الراحلة آسيا جبار وعالمها، سواء من خلال شهادات أو تحليل لأعمالها الأدبية.
إضافة إلى حوار مع النمساوية إلفريده يلينك صاحبة نوبل عام 2004. أجراه الناقد والمترجم سمير جريس.
محمد عبد الرحيم