القاهرة ـ «القدس العربي»: ركزت الصحف الصادرة يومي السبت والأحد على عدد من الأخبار والقضايا، أولها ذكرى تحرير سيناء في الخامس والعشرين من شهر إبريل/نيسان سنة 1982 برفع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك علم مصر فيها، بعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل إلى خطوط الرابع من يونيو/حزيران سنة 1967، فيما عدا شريط طابا الذي عاد لمصر في ما بعد نتيجة التحكيم الدولي.
وبهذه المناسبة نذكر بالتقدير والتحية الواجبة للرئيس الأسبق محمد أنور السادات صاحب قرار حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، الذي وقع مع إسرائيل اتفاقية الانسحاب، رغم كل عيوبها. كذلك كلمة الرئيس السيسي للشعب بهذه المناسبة.. وخطط الدولة لتعمير سيناء وبناء تجمعات سكنية جديدة، وتفضيل أبنائها في العمل في مشروعات قناة السويس الجديدة، وقرار الرئيس فرض حظر التجول لمدة ثلاثة أشهر أخرى في بعض المناطق في محافظة شمال سيناء.
ومن الأخبار الأخرى مقتل عدد من الإرهابيين. أما اهتمام الغالبية الساحقة فتركز على متابعة انتشال صندل الفوسفات الذي غرق في نهر النيل، في محافظة قنا في الصعيد ونفي الحكومة تأثر المياه. ورغم ذلك أخبرنا زميلنا الرسام محمد عبد اللطيف في «اليوم السابع» يوم السبت أنه شاهد اثنين يقومان بالصيد وسمع أحدهما يقول للثاني:
– أهو نجرب صينية السمك بالفوسفات.
والموضوع الثاني الذي يشغل بال الغالبية هو حالات التسمم من مياه الشرب في محافظة الشرقية، وتأكيد الحكومة أن السبب هو شراء الناس المياه من شركات تنقية خاصة، لا من حنفيات الحكومة ولا علاقة لغرق الفوسفات بما حدث، لأن الأولى تعرض سكان قنا وباقي المحافظات حتى القاهرة للتسمم.
والموضوع الثالث هو حالة الكهرباء مع اقتراب الصيف وشهر رمضان، وعودة الارتفاع الجنوني في فواتير الكهرباء، ومرة أخرى ادعت وزارة الكهرباء أن هناك خطأ في قراءة الموظفين للعدادات، وعلى سبيل المثال جاءتني فواتير الأشهر السابقة بمبالغ بين ثمانين جنيها ومئة، وفجأة جاءت فاتورة الشهر الجاري بسبعمئة وسبعين جنيها.
وإلى بعض مما تراكم عندنا….
حكايات وروايات من الماضي
وإلى الحكايات والروايات، حيث ذكرتنا زميلتنا الجميلة في «أخبار اليوم» يوم السبت قبل الماضي أسماء الشرقاوي في ملحق «النهاردة إجازة» ببعض من الذي كان يا ما كان من عهد خالد الذكر في سالف العصر والأوان بقولها: «مبنى الإذاعة والتلفزيون يبلغ طوله مئة متر، ويتكون من ثلاثين طابقا، تم تشييد المبنى في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بقرار منه ببدء البناء في أغسطس/آب عام 1959، على أن يتم الانتهاء منه في 21 يوليو/تموز 1960، ليواكب الاحتفال بالعيد الثامن لثورة يوليو، وتم تخصيص ميزانية البناء حوالي أربعمئة وثمانية آلاف من الجنيهات، على مساحة حوالي اثني عشر ألف متر مربع، وبالفعل كان تحديا أن ينتهي البناء في هذا الوقت القصير، وتم بث الإرسال منه بالفعل في الميعاد المحدد».
عبد المنعم الشحات: أهل السنة
احتووا الشيعة عبر التاريخ
وإلى أبرز ردود الأفعال على ما يحدث في اليمن وموقف مصر من احتمال التدخل البري، وتوصيف أسباب «عاصفة الحزم»، ونبدأ مع المهندس عبد المنعم الشحات أحد المتحدثين باسم جمعية الدعوة السلفية التي خرج منها حزب النور، إذ قال يوم الجمعة قبل الماضي في مقال على كل الصفحة الأخيرة من جريدة «الفتح» لسان حال الجمعية: «للأسف ما زال كثير من الساسة مصمما على أن الحرب ليست طائفية، مع أن إيران تصرح بأنها بصدد تأسيس إمبراطورية إيرانية شيعية، وأعلنت أخذها أربع عواصم عربية، مع هذا عندنا من يقول.. لا، الأمر فقط هو أن الحوثيين أخذوا الحكم بقوة السلاح ونحن نريد أن نسترده منهم. نقول لهم، وإيران التي بعثت بسفنها والحقيقة أنها تريد إمبراطورية شيعية فارسية. لا بد أن نستفيق ولنعلم أن أهل السنة احتووا الشيعة عبر التاريخ، ولكن ليس الاحتواء أن تفتح حصونك لهم. الحوثيون كانوا طائفة من الشيعة تسمى الزيدية، أقرب أن يكونوا إلى السنة، فحولتهم إيران إلى مذهبها الكاره للسنة الطاعن في الصحابة، وأمدتهم بالسلاح وأرادت أن تستكمل بهم الإمبراطورية الشيعية، وهذا المشروع يحتاج إلى عاصفة حزم عسكرية، ولكنه يحتاج قبلها إلى الكثير من الحزم المنهجي».
تبرير الماضي الخاطئ يتضمن
تبريرا لأخطاء أفدح في المستقبل
ويوم الأحد قبل الماضي قام زميلنا وصديقنا العزيز في «الأخبار» الأديب جمال الغيطاني في عموده اليومي المتميز بالرد بنشر رسالة صديقنا العزيز سامي شرف مدير مكتب خالد الذكر للمعلومات استكمالا لرسالته السابقة، ورد جمال عليها ومما جاء في العمود نقلا عن رسالة سامي:
«أولا: التكلفة التي سبق أن أخطرتكم بها لم تكن من عندياتي، بل كانت وفق تقديرات السادة عبد المنعم القيسوني وحسن عباس زكي وزكي هاشم من كبار الوزراء الذين عاصروا العملية.
ثانيا: حجم القوات التي شاركت هو الرقم نفسه الذي ذكرته لك في رسالتي لماذا؟ لأن القوات كانت تتبدل، بحيث لا يوجد في وقت واحد سوى ما يقارب هذا العدد فقط لأسباب كثيرة ليس هنا مجالها، وهي لا تخالف ما ذكر مجموع ما ورد في مذكرات الفريق عبد المنعم خليل كمجموع كلي، وليس كعدد موجود في وقت واحد هناك، ثم أن الطيران كان كله في مصر بما في ذلك القاذفات الثقيلة التي كانت تستخدم في اليمن.
ثالثا: إن باب المندب هو امتداد لقناة السويس جنوبا، ومن هنا تصبح السيطرة المصرية عليه وعلى البحر الأحمر أيضا أمنا قوميا مصريا، قبل أن يكون أمنا قوميا عربيا، وكان هذا هو جوهر رسالتي لكم، وأعتقد أنني كنت واضحا تماما في هذه النقطة الحيوية وما زلت وسوف أظل.
هذا ما وصلني من السيد سامي شرف ردا على الرد الذي نشرته على يومين حول تبريره للتدخل المصري في اليمن عام 1962، سأحاول تحييد مشاعري الشخصية وجوهرها الاحترام والمحبة، رغم ما مثله الرد أعلاه لي من خيبة أمل في إمكانية إجراء أي حوار موضوعي مع بعض الناصريين، الذين يرون أن قرارات الرئيس عبد الناصر لا يأتيها الباطل ولا يجوز مناقشتها حتى لو كانت صادرة من المخلصين للجانب الإيجابي في التجربة. أما عن التكلفة التي ذكرها القيسوني للحرب، وهي خمسمئة مليون جنيه، فتعتبر بمقاييس الوقت هائلة، وذكرت أن تكلفة السد العالي كانت أربعمئة مليون جنيه. أما صعيد مصر فقد كانت أكثر تخلفا من اليمن، باختصار قادنا التدخل إلى هزيمة أولى في 1967 ما زلنا نعانيها حتى الآن. أي تبرير للماضي الخاطئ يتضمن تبريرا لأخطاء أفدح في المستقبل، أخيرا ملاحظة شكلية أرجو من الصديق الكبير مراجعة بعض التعليقات من الأفراد المنتمين إليه على ما كتبت بعد نشر الصديق للردود والمكالمات، ادعوه إلى تأمل اللغة الهابطة التي تؤكد أنه لا أمل في المراجعة ولا في الحوار». هذا وقد اتصلت صباح اليوم نفسه بالصديق جمال على هاتفه المحمول لأسأله عن المقصود بعبارته، وهل التعليقات على نقلي لما دار بينه وبين صديقنا سامي، وقيامي بإلقاء مزيد من الأضواء على بعض الوقائع التي ورد ذكرها منشورة في «القدس العربي» أم على الفيسبوك ولكن يظهر أن الهاتف لم يكن بجواره.
تحرير الأرض والشعوب لا يقدر بالمال
ثم نشر جمال الغيطاني في «الأخبار» أيضا عدد يوم الثلاثاء ردا آخر من سامي للتوضيح جاء فيه:
«أولا: الخمسمئة مليون جنيه ردت لمصر سنة 1967 بألف مليون في الخرطوم، ثم أن العملية ليست الفلوس، وإنما كانت هناك أرواح لشهداء مصريين ويمنيين بالآلاف، وهي أغلي بكثير جدا من الخمسمئة مليون، ثم أن تحرير الأرض والشعوب لا يقدر بالمال وإلا فما معنى القومية العربية إذا تقوقعنا على أنفسنا.
ثانيا: حدث خلط غير مقصود مني ومنك حول موضوع 1967 وعبد الحكيم عامر وشمس بدران، وهذا موضوع كبير جدا تعرضت له في كتابي الأول «سنوات وأيام مع عبد الناصر» في فصلين كاملين، وباختصار غير مخل كان من رأينا نحن المطبخ الداخلي للرئيس، أن عبد الحكيم عامر لا يصلح للقيادة العسكرية، وأن المفروض أن يتحول لرجل سياسة فقط، ولكن وآه من لكن تفتح باب الشيطان، شاءت الأقدار والتوازنات أن تستمر، وهذا موضوع كبير أعود لأقرر أنني شرحته وقومته تفصيلا في كتابي الأول.
أما اختيار أنور السادات فلا دخل له في قضيتنا محل البحث، لأنه كان موضوعا إنسانيا بحتا، تدخل فيه القدر ورحل عبد الناصر وبقي السادات قبل أن تتحقق أهدافه الإنسانية، والحقيقة أنا مش عارف ليه أصابتك خيبة أمل من التحاور معي، أو كما قلت مع بعض الناصريين الذين يرون أن قرارات عبد الناصر لا يأتيها الباطل ولا تجوز مناقشتها؟ طيب ما أحنا على مدى أربع رسائل نناقش بهدوء وبموضوعية، من دون عصبية أو نرفزة والحقيقة أنا لست أفهم ما سبب كتابتك لعبارة أنه لا أمل في المراجعة ولا الحوار».
ليس لمصر أي تحيز طائفي في اليمن
وهكذا دفعنا سامي والغيطاني إلى مواقف بعض الناصريين الذين كتبوا في الموضوع، وسنلاحظ اختلافها من واحد لآخر، ففي «صوت الأمة» الأسبوعية المستقلة التي تصدر كل أحد قال رئيس تحريرها زميلنا وصديقنا العزيز عبد الحليم قنديل يوم الأحد قبل الماضي: «اليمن في حالة فوضى شاملة ولا يوجد طرف بذاته يستحق التدخل المصري إلى جواره في حرب برية، وهو وضع مختلف عما كان عليه اليمن في أوائل الستينيات بعد ثورته الأم، فقد تدخلت «مصر عبد الناصر» بريا لنصرة الجمهورية ضد حكم الإمامة الغارق في التخلف باسم الدين، وكانت السعودية وقتها على الجانب الآخر وبذلت ما في وسعها لإحباط الثورة اليمنية، لكن الجمهورية الوليدة انتصرت في النهاية.
نعم لا مبرر ولا ضرورة مبدئية ولا أخلاقية ولا قومية لتدخل مصري بري في اليمن الآن، فمصر ليست بلد عصبيات ولا طوائف ولا مذاهب مغلقة، وقضية مصر هي قضية الأمة العربية وقضية استرداد الإسلام من خاطفيه الطائفيين، أيا كانت عناوينهم من «السلفيين» إلى «الإخوان» إلى «الحوثيين» إلى «القاعدة» و«داعش» وأخواتها، وقضية مصر في اليمن هي استرداد الجمهورية التي وضعت مصر حجر أساسها، والمعنى أنه ليس لمصر أي تحيز طائفي في اليمن أو غيره، والذي دمر اليمن هو غرس داء الطائفية فيه، فقد كان الإسلام في اليمن فريدا متجانسا.
نعم وألف نعم لا مصلحة مصرية ولا عربية بالتدخل البري في اليمن ويكفي التدخل الجوي والبحري لحماية مصالحنا وردع التوحش الإيراني والمطلوب بعدها مهمة من نوع آخر، هو أن نساعد اليمنيين على إعادة بناء تجانسهم ودولتهم وجيشهم وجمهوريتهم الموحدة، لا أن نصب الزيت على النار في حرب طائفية كافرة».
تفكيك الجيش حرمان أي سلطة سند شرعيتها
وإلى يوم الاثنين الماضي وناصري آخر هو زميلنا وصديقنا عبد الله السناوي في «الشروق»: «الحوثي فقير للغاية وشبه معدم وتعرض لحقب طويلة من الإقصاء والتهميش وإعلان الحروب عليه في معاقله في جبال صعدة، وأيا كانت قوته العسكرية ومستوى تدريبه فإنه لم يكن بوسعه الإمساك بمفاصل السلطة، من دون دعم كامل من القوات الموالية للرئيس السابق، هل العدو هو الحوثي الفقير أم الرئيس الذي خلعه شعبه؟ الأول قريب من إيران ويحظي بدعمها، والثاني مستعد أن يلعب بكل الأوراق ويقايض الجميع، ما مصير القوات التي تحارب في معركة صالح، وهي القوة الضاربة في الجيش والأكثر جاهزية وتدريبا وتسليحا. تفكيك الجيش كليا خيار كارثي يفضي إلى حرمان أي سلطة مقبلة سند شرعيتها وإطلاق يد الميليشيات القبلية للدخول في تصفية حسابات تالية لأي تسوية مفترضة. والقاهرة لا غيرها هي المكان الذي يمكن أن تتوافق عليه الأطراف المتنازعة للتفاوض على حل سياسي، وهذا دور يستدعي انفتاحا على الحياة السياسية والاجتماعية في اليمن، بدرجة أعلى من الكفاءة وتفويضا خليجيا عبر كلام صريح وحوار مع إيران في القضايا الخلافية لتطويق أزمات الإقليم كله».
دول «عاصفة الحزم» رفضت أي دور لإيران في الأزمة
«وفي الحقيقة لم أجد أي مبرر معقول لمطالبة السناوي بان تكون إيران طرفا في حل أي مشاكل، سواء بين دولة عربية وأخرى أو بين أبناء أي دولة عربية، لأن معنى هذا الاعتراف بها طرفا داخليا وقائدا ومرجعية للشيعة العرب، بدلا من أن تكون مرجعيتهم وطنيتهم وقوميتهم العربية، وإلا فليطالب صديقنا عبد الله بأن تكون الدولة العربية وسيطا بين النظام الإيراني وبين العرب في خوزستان – عربستان سابقا – والسعودية راعية للسنة الإيرانيين ومفاوضة باسمهم وهذا أمر غير مقبول.
وعلى كل حال فقد رفضت الدول في «عاصفة الحزم» أي دور لإيران في الأزمة. هناك مخرجات الحوار وقرارات مجلس الأمن والمبادرة الخليجية، وعدم استبعاد أي طرف، بالإضافة إلى أن الحوثي، وهو المذهب الزيدي ليس ممثلا لأنصار المذهب كلهم، إنما هو أقلهم فعلي عبد الله صالح زيدي، وهو الذي حارب الحوثيين ست مرات، وآل الأحمر زيود، وحاربوا صالح والحوثيين بل أن اليمنيين لم يعرفوا من قبل مثل هذه التفرقة بين سني شافعي وزيدي وكل الثورات والانتفاضات التي قامت ضد حكم أسرة حميد الدين كان الزيود القوة الأساسية فيها من قبيلتي حاشد وبكيل، وآخرها الثورة التي فشلت عام 1948 وقت كان فيها الإمام يحيى والد الإمام أحمد».
مصر ترد الجميل للدعم المادي الخليجي
وأما ثالث ناصري سيدخل طرفا في النقاش في يوم الاثنين نفسه فسيكون صديقنا الكاتب والقيادي في حزب «حركة الكرامة» الناصري أمين إسكندر وقوله في جريدة «المقال»:
«شن تحالف العشرة تحت قيادة السعودية عدوانه على اليمن منذ أسابيع، تحت غطاء ذرائع تتفاوت من طرف لآخر. أما بالنسبة إلى مصر فالمسألة تتعلق بإدراك القاهرة في ضوء التفاهم الذي حدث بين الولايات المتحدة وإيران، وكذلك في ضوء التهديد الحقيقي الذي تعرضت له السعودية، ما وضع مصر في موضع تباين مصداقية موقفها تجاه الدفاع عن الخليج العربي، و»مسافة السكة» تعبير الرئيس السيسي. كما أن مصر كان لابد أن ترد الجميل مقابل الدعم المادي الذي وقفته دول الخليج لصالح مصر، خصوصا بعد أربع سنوات عجاف هددت الاقتصاد المصري، كما أن مساندة مصر للسعودية ودول الخليج جاءت أيضا كمقايضة لوقوف دول الخليج مع مصر في طلبها عبر القمة بتشكيل قوة عسكرية عربية لها حق التدخل في بعض المناطق المهددة من قبل جماعات الإرهاب وبالذات ليبيا دولة الجوار المصري.
مخاطر التدخل البري سوف تغرق الجيش المصري في استنزاف طويل الأمد، في ظل التضاريس الوعرة وفي ظل تعقيدات المشهد السياسي، وصراع الأدوار في الشرق الأوسط، وخبرة مصر في زمن عبد الناصر والخسائر التي لحقت بها والدرس الذي استخلصته من تلك الحروب بالنسبة للجيش المصري، انتصار السعودية في اليمن يجعل حزب الإصلاح هو من سيتولى السلطة في اليمن، أي أن الإخوان المسلمين سوف يتولون السلطة في اليمن، وهم في عداء شديد مع مصر. كما أن التدخل البري بالنسبة لمصر سوف يسهم في مد العداء والمقاطعة مع إيران، أي سنوات أخرى مقبلة بعدما يقارب أكثر من خمسة وثلاثين عاما قطيعة لا نعلم سببا حقيقيا لها. يجب أن تقف مصر عند الدفاع عن السعودية، ولا تشارك في العدوان على اليمن لا في الجو ولا في البر ولا في البحر، وتلعب دورا إيجابيا على طاولة المفاوضات لعلنا نكتسب الحفاظ على قوة السعودية واليمن معا، وعفا الله عما سلف ووقع على أرض المعارك».
الصراع الجاري في اليمن دموي ومرشح للتفاقم
ونظل في يوم الاثنين الماضي لنكون مع الجمال والرقة أي الجنس اللطيف ورأيه في هذه القضية حيث قالت زميلتنا الجميلة سناء السعيد في «الأسبوع»: «المرء يستبعد أن تغامر مصر بإرسال قوات برية للحرب في اليمن، فالعقيدة العسكرية للجيش المصري ترتكز في الأساس على ألا تحارب قواته خارج الأراضي المصرية، لا سيما وقد استوعبت مصر تماما ما حدث في عام 1962، عندما زجت بقواتها في اليمن، فقتل منهم من قتل وأصيب الكثيرون، وأدت ورطة اليمن هذه إلى هزيمة مصر في حرب 1967 أمام إسرائيل، وثبت عندئذ أن اليمن مقبرة الغزاة، مثلما قال الملك عبد العزيز رحمه الله. الصراع الجاري في اليمن اليوم دموي ومرشح للتفاقم، ولهذا ينبغي على كل الأطراف، بما فيها الدول المشاركة في «عاصفة الحزم» أن تتريث وتطالب بالحل السياسي في أسرع وقت ممكن، لا سيما أن قرار مجلس الأمن الأخير أكد على الأمر نفسه، ولنا في الموقف الذي تبنته باكستان نموذجا عندما التزمت الحياد وبادرت فدعت إلى حل الأزمة سياسيا، من خلال عقد حوار بين الأطراف المتنازعة حقنا للدماء، كما أن تركيا تنصلت عن المشاركة في العاصفة، وبادرت إلى الهروب من أي التزام عسكري، وعليه يتعين اليوم على مصر عدم التورط بالتدخل البري في اليمن، لا سيما في ظل وجود معارضة عسكرية وشعبية ضد إرسال جنود للقتال خارج الأرض المصرية».
تحالف يضم أغنى الدول العربية
يشن حربا على أفقر شعب عربي
أما الجميلة الثانية التي عارضت في «المصري اليوم» في اليوم نفسه، فكانت جيهان العلايلي بقولها: «لم يعط الإعلام العربي اهتماما مستحقا للكارثة الإنسانية التي حلت باليمن، فالسمة الغالبة، خاصة في الإعلام الخليجي هي هيمنة خطاب مذهبي استقطابي عالي النبرة، يعكس التشنج السائد في الخطاب السياسي، ويضع اللوم بالكامل على الحوثيين «المتمردين ـ أذيال إيران»، وعلى مع تضخيم نقطتين، سعيها للهيمنة الإقليمية.. وتهديد أمن وسلامة دول الخليج. ومع قتامه الصورة وعدم وجود أفق لحل سياسي توافقي فستظل الحقيقة الماثلة، حتى إن بدت على أبصارنا غشاوة، هي أن تحالفا يضم أغنى دول عربية في المنطقة، يشن حربا بلا هوادة على أفقر شعب عربي. حرب حذرت الأمم المتحدة من آثارها المروعة على الاستقرار الإقليمي».
حسن أبو طالب: «حزب الله» متناقض مع نفسه
ومن الجمال والرقة في معارضة إرسال قوات إلى أصحاب الخشونة من الرجال، ففي اليوم نفسه، كتب زميلنا في «الأهرام» الدكتور حسن أبو طالب مقالا عن زيارته للبنان ومناقشاته مع بعض قادة «حزب الله» حول هذا الموضوع ومما جاء فيه قوله: «مصر تشارك في العمليات العسكرية لوقف التمدد الحوثي المدعوم إيرانيا في الأراضي اليمنية، وتنتصر للشرعية، وعينها في الآن نفسه تركز على دفع تسوية سياسية مقبولة من كل الأطراف اليمنية، بمن فيهم الحوثيون باعتبارهم فصيلا من الفصائل السياسية، ولكن بدون استعلاء أو هيمنة، بفضل استيلائهم على أسلحة الجيش اليمني، وتحالفهم البغيض مع بعض قادته الخاضعين للرئيس اليمني المعزول. وها هو الرئيس السيسي في لقائه بطلاب الكلية الحربية يؤكد على أن مشاركة مصر قاصرة على القوات الجوية والبحرية، وأن الدفع بقوات برية لم يحدث ولن يصدر قرار إلا بعد أن يعلم الشعب المصري بذلك، إذا كان ذلك ضرورة وبعد المرور بكل الإجراءات الدستورية والقانونية، ولكن الأولوية لمصر هي للحل السياسي، الذي يقوم على احترام الشرعية ومقررات الحوار الوطني اليمني نفسه، ومشاركة كل القوى اليمنية في إعادة بناء بلدهم. ومن الواضح أن الرؤية المصرية ليست محل ترحاب من حزب الله اللبناني، الذي يرى في «عاصفة الحزم» عملا عدوانيا ضد شعب عربي. و«حزب الله» يجب عليه أولا أن يثبت أنه غير متناقض مع نفسه، فإذا كان يدعو إلى وقف أي عمليات عسكرية في بلد عربي، فلماذا لم يفعل ذلك في سوريا مثلا، التي شارك في كثير من المعارك التي تدور رحاها على الأرض السورية، مستندا في ذلك إلى أن مصالحه العليا ومصالح إيران معا ترتبط بالحفاظ على نظام بشار الأسد، رغم كل المآسي التي تسبب فيها هذا النظام ضد شعبه وضد الأمة العربية بكاملها؟ ولماذا أيضا لم يدن الحزب ولم يدع أبدا إلى خروج إيران وميليشياتها وحرسها الثوري من العراق، بل يرى في هيمنة إيران على الشأن العراقي امرأ طبيعيا للغاية، لأنه حقق الامتداد الجغرافي للثورة الإيرانية الأم».
التبعية المصرية للسعودية والإمارات
لكن هذا الكلام لم يعجب الدكتور نادر فرجاني فكتب مقالا في جريدة «المشهد» الأسبوعية المستقلة يوم الثلاثاء مهاجما الرئيس السيسي والسعودية كما أخبرنا بأسرار جديدة قال: «تبدى الدور السعودي الهدام في حرب اليمن الأولى التي اندلعت في 1962 مُحاربة ضد مصر عبد الناصر، والتي استهدفت فيها السعودية ضرب التحول إلى النظام الجمهوري في اليمن بمعاونة استخباراتية ولوجيستية (إسقاط أسلحة للقوات الملكية) مهمة من الولايات المتحدة وإسرائيل.
كما استعدَت السعودية الولايات المتحدة لضرب مصر، من خلال إسرائيل، في 1967. وبعدها ضغطت السعودية على عبد الناصر لتعيين أنور السادات نائبا له. وهو القرار الذي مازال يدهش كثيرين ويكمن تفسيره في ظني أنه كان في مقابل تمويل السعودية لإعادة بناء الجيش المصري بعد هزيمة 1967. وتنجلي الدهشة بمعرفة أن السادات كان معروفا بصلاته الوثيقة مع المخابرات السعودية بقيادة كمال أدهم حينئذ. على ضوء هذا التاريخ، يتبين أن مأزق السعودية، وبالتبعية مصر الرسمية تحت الحكم العسكري الراهن، الذي أسفر عن تبعية كاملة للسعودية، وللإمارات من بعدها، في الوقت الحالي، هو مأزق تاريخي بامتياز. ولن يخرجهم منه التشنج بالضربات الجوية والهتاف من رئيس الحكم العسكري في مصر، وذبح المصريين الغلابة في الحرب البرية في اليمن لصالح السعودية والخليج.
ولحسن الحظ، قد يخيب أمل قادة المؤسسة العسكرية في مصر من غنيمة التدخل البري في اليمن، فباكستان تتنافس على مقاولة «عاصفة الحزم» وقد تطلب أثمانا أقل. فقد نقل عن وزير الدفاع الباكستاني، أمام جلسة في البرلمان لحسم التدخل العسكري من عدمه في اليمن، إن السعودية طلبت من باكستان جنوداً وطائرات وسفناً حربية لعملياتها ضد المتمردين الحوثيين. ولكن سوق الارتزاق العسكري الدولية شديدة التنافسية، والبلدان العربية الخليجية متمرسة في توظيف المرتزقة حتى في جيوشها، ولذلك أسرع وزير الدفاع المصري بالسفر إلى باكستان، على رأس وفد عسكري.
استراتيجيا، ما لم يفهمه حكام السعودية أن الامريكان لا صديق لهم، ولا تحركهم إلا مصالحهم كما يرونها في معمعة السياسية الأمريكية المعقدة، وقد تفاوضوا مع إيران لأنهم لا يستطيعون هزيمتها عسكريا، على الرغم من العقوبات الغربية القاسية لمدة طويلة، واذا هزموها فإن انتصارهم لن يكون حاسما، وكلفته ستكون مرتفعة جدا، وباهظة التكاليف، ماديا وبشريا واستراتيجيا».
تنظيم «بيت المقدس» ينشط على أخطاء السلطة
وآخر جولتنا ستكون مع جريدة «المصريون» ومقال رئيس تحريرها التنفيذي جمال سلطان ومما جاء فيه: «يوم 25/4/2015، أعلن تنظيم «ولاية سيناء ـ بيت المقدس» عن تأسيس ولاية جديدة في صعيد مصر. ولعل السؤال الأخطر في هذا السياق، هو لم اختار التنظيم «الصعيد» تحديدًا.. ولا يتحدث عن «ولاية الدلتا» مثلاً؟ من الخطأ ـ في تقديري ـ استسهال الإجابة، واستدعاء الإفيهات الكسولة، والتحدث بثقة، بأنه يعبر عن «دحر» الإرهاب في سيناء.. فيبحث عن مكان آخر يتمدد فيه، أقل قبضة أمنية على نشاطه، لأنه ـ في المقابل ـ يمكن أن يُطرح سؤال بالتوازي، يحمل وجهة نظر مختلفة: فلم لا يقال بأن بيت المقدس يتمدد.. بعد اكتسابه ثقة أكبر من تجربته في سيناء؟ فمن ـ إذن ـ يملك الإجابة الصحيحة على السؤال وعكسه؟ اللافت.. أن الإعلان عن «ولاية الصعيد» جاء في يوم الاحتفال بأعياد سيناء.. وكأن التنظيم شاء أن يحتفل بهذه المناسبة بطريقة مختلفة. وأيًا ما كان الأمر، فإن ما يحتاج إلى تدقيق، هو اختياره للصعيد بعد سيناء.. وهو اختيار من المفترض أن يخضع لتحليل رصين، لأنه يعتبر رسالة محملة بكثير من الدلالات المهمة. ويبدو لي أن «بيت المقدس» ينشط على أخطاء السلطة.. فهو في سيناء، المنطقة المهمشة والمحرومة من حنان الدولة، والفقر والبطالة والقمع الأمني غير المسؤول، أحالها إلى حاضنة قابلة لاستضافة «التطرف»، فهي منطقة فراغ لا تشغله السلطة بالتنمية، ولكن بالقهر والإذلال.. فتتمدد فيها «القوى البديلة» أيًا كانت هويتها: تنظيمات مسلحة، عصابات جريمة، جماعات متطرفة أو مخابرات قوى دولية وإقليمية. الصعيد.. أيضًا من الأطراف المهمشة والمحرومة أيضًا من حنان الدولة، ولا يرى في الأخيرة إلا «جابي ضرائب» بالعصا الغليظة.. وهو منطقة شديدة الفقر، طاردة للعمالة غير المدربة، وبمعنى آخر فهي أيضًا منطقة «فراغ» لا تشغله الدولة بمشروعات تغني المواطن الصعيدي عن مشقة المذلة والبهدلة والتسول عند كل إشارة مرور في القاهرة.. فتتمدد فيه أيضًا «القوى الموازية» أيًا كانت هويتها القبلية أو السياسية أو التنظيمية، ناهيك عن تطابق البيئتين السيناوية والصعيدية، من حيث التقاليد والعادات ونزعات التمرد والجغرافيا الوعرة، التي تستعصى على السيطرة وإخضاعها للجيوش النظامية. تنظيم بيت المقدس ـ إذن ـ يقتفي أثر الإهمال الحكومي، وتضخم ديكتاتورية العاصمة، واستحواذها على الاهتمام الأكبر.. وترك الأطراف «المهملة» تؤسس ولاءاتها الخاصة، وتحولها إلى حواضن لأي قوى مناوئة للسلطة «الاستعلائية» في القاهرة. المشكلة أن الدولة مشغولة بمشاريع «الشو».. غير مدركة أن تنظيم بيت المقدس، عينه على كل منطقة محرومة.. ويعتبرها مشروع «ولاية محتملا».. وبمعنى آخر أكثر تلخيصًا، فإن غياب «العدالة المناطقية»، هو المظلة التي يتمدد تحتها، بيت المقدس.. ونأمل أن يفهم صناع السياسات الرسمية في مصر، معنى ومغزى إعلانه الصعيد «ولاية» تابعة له».
حسنين كروم