مرّت الذكرى السبعون للنكبة ـ التي تتالت بعدها نكبات عديدة ـ وجرى الاحتفال على ركامها، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كون هذا اليوم يتواءم مع ما يسمى «يوم توحيد القدس» وفقا للتقويم العبري بعد حرب يونيو 1967.
وحضرت الاحتفال 28 دولة فقط، فقد أعلنت 4 دول عدم مشاركتها فيه (وفقا لقائمة الدول التي كانت قد أعلنتها صحيفة «هآرتس»). أما الدول فهي، النمسا، فيتنام، الكونغو وساحل العاج وهما دولتان إفريقيتان، ما أسهم في تنفيس بعض الغضب إزاء دول تعاطَف معها العرب كثيرا، خاصة في عهد الرئيس عبدالناصر.
لقد فقد شعبنا 59 شهيدا وما يزيد عن ألفي جريح في يوم 14 مايو، في مذبحة إسرائيلية جديدة، ولم تكن هناك ردود فعل عربية رسمية سوى من بعض الدول، بالطبع، جدّد الفلسطينيون في الوطن والشتات بيعتهم لحق العودة إلى وطنهم، رغم 102 شهيد وآلاف الجرحى في أيام «مسيرة العودة» التي نظموها في هذه الذكرى، ورغم آلاف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم على مدار قرن زمني من أجل الوطن، ورغم التهجير القسري لحوالي مليون فلسطيني، ومعاناة اللجوء، والمذابح والجرائم العديدة، التي لا تعد ولا تحصى، التي اقترفتها إسرائيل بحقهم وحق الأمة العربية.
ورغم الاحتلال، لم تغب الذاكرة الفلسطينية للكبار والصغار عن الحق التاريخي في فلسطين ولا السعي الدؤوب لنيل الحقوق الوطنية، الأمر، الذي يشكل أحد المآزق الكبيرة للوجود الإسرائيلي نفسه، وقد تحوّلت بفعل ذلك إلى أزمة تاريخية، تتناسب طردياً مع سنوات الوجود الإسرائيلي. لقد مارست إسرائيل محاولات كثيرة بأشكال عديدة، «أسرلة» أهلنا في منطقة 48، من أجل أن تنسيهم هويتهم الوطنية الفلسطينية العربية الكنعانية اليبوسية الأصيلة على المستويات السياسية، الاجتماعية والثقافية، من أجل محو الذاكرة الفلسطينية، لكن أهلنا في منطقة 48 زادوا انتماء لشعبهم. كما أن الهوية الفلسطينية والذاكرة، في ردّ فعل شعبي أصيل تزدادان اشتعالا بمرور السنوات، إضافة إلى الزيادة العددية لشعبنا، حيث أصبح الفلسطينيون يتساوون عددا مع اليهود، على أرض فلسطين التاريخية، ما أدّي بالاستراتيجيين الإسرائيليين إلى البحث في ما أسموه «أزمة الديموغرافيا» وتأثيرها على مستقبل إسرائيل، وهذا يشكل مأزقا جديدا لها.
أما المآزق الأخرى التي تعيشها إسرائيل فيتمثل أهمها في التالي: إن إنشاء دولتها لم يكن تطورا طبيعيا، وإنما جاء نتيجة اقتلاع شعب من وطنه، وإحلال المهاجرين اليهود محلّه، هذا الأمر، أفرز بالضرورة تداعيات خطيرة لم يتوقعها آباء الحركة الصهيونية ولا استراتيجيوها، ومن هذه التداعيات، الانتماء المزدوج للمستوطن الإسرائيلي بين الوطن القديم (الأصلي) والوطن الجديد (الإسرائيلي) وهو ما انعكس سلبا على الشعور بأصالة الانتماء إلى الوطن الذي أنشيء فجأة.
هذا الأمر تحوّل مع مرور السنوات إلى مأزق تمثّل في تناقص هجرة اليهود إلى إسرائيل، وتزايد وتائر الهجرة العكسية منها، خاصة في ظلّ عدوانيتها وحروبها الدائمة على البلدان العربية، الأمر الذي أنشأ شعورا لدى أغلبية المستوطنين في هذه الدولة بأنه يعيش في معسكر حربي، وليس في دولة يشعر فيها بالأمن والأمان، على شاكلة الدول الأخرى المستقرّة. من المآزق أيضاً: تنامي اليمين الأكثر تطرفا في الشارع الإسرائيلي طرديا مع سنوات وجود إسرائيل، وفرضه لاشتراطاته الدينية والسياسية على الحكومات الإسرائيلية، التي تحتاج إلى دعم أحزابه في تشكيل الإئتلافات الحكومية، ثم السعي حثيثا نحو تطبيق شعار «يهودية الدولة» الذي يتناقض مع الأسس الديمقراطية التي تدّعيها إسرائيل.
لذلك ليس من الصعب كشف الصراع الخفي بين الإثنيات المختلفة المشكّلة للشارع الإسرائيلي، وقد توقع إستراتيجيون يهود إمكانية قيام حرب أهلية بين الإثنيات الإسرائيلية المختلفة على المدى البعيد.
من المآزق أيضا، تنامي العنصرية الإسرائيلية إلى الحدّ الذي أدى إلى قوننتها، فقد تم سنّ 142 قانونا عنصريا في السنوات الأخيرة، ثم الصراع بين الأساس التوراتي والأساس القانوني لشرعية وجود الدولة، الأمر الذي أدّى إلى محاولة قادتها تحويل الصراع من وطني تحرري للفلسطينيين والعرب إلى صراع ديني، فشعار «العداء لليهود» هو الشعار الأكثر مواءمة لوجود إسرائيل، وهو ما نجحت فيه الحركة الصهيونية في ما بعد تشكيلها، والانتقال بها من الفهم الديني لها، إلى أضاليل وأساطير تاريخية سياسية، اعتمدت عليها للترويج من أجل إنشاء دولتها. هذا لا يمكن تكراره بعد مئة سنة، وفي ظروف مغايرة ومختلفة إلا (كما تقول الفلسفة) على شكل مأساة أو مهزلة، فما كان سهلا ادعاؤه سابقا وقبوله من الآخرين، ونتيجة للتطور التاريخي والثورة المعلوماتية والتقدم في وسائل الاتصال، حيث أصبح العالم قرية صغيرة، من الصعب قبوله في الزمن الحالي، هذا إن لم يكن من المستحيل.
نعم، إن كانت إسرائيل لم تصل بعد سبعين عاما من إنشاء دولتها إلى تعريف من هو اليهودي؟ فهل ستصل إلى التعريف على المدى القريب المنظور؟ نقول ذلك ونحن مدركون لحدّة الخلافات في المؤسسة الدينية والسياسية الإسرائيلية، وهي تتزايد بدلاً من الوصول إلى تعريف موحّد.
إن أزمات مثل هذه، إضافة إلى هاجس زوال إسرائيل يظل يراود أحلام وعقول المستوطنين الإسرائيليين، قدماءهم والجديدين منهم، ففي مؤتمر عقد منذ عام في جامعة حيفا لـ»الرابطة الدولية للدراسات الإسرائيلية»، وفي إحدى ندواته تحدث الكاتب الإسرائيلي سامي ميخائيل عن: العنصرية الصهيونية في الكيان، من خلال القول «بإمكان إسرائيل أن تتفاخر بلقب الدولة الأكثر عنصرية في العالم المتطور». وعن سياسة إسرائيل قال الكاتب: «يوجد خطر حقيقي على إسرائيل إذا لم تدرك القيادة الحالية لحقيقة أن إسرائيل ليست موجودة في شمال أوروبا، وإنما في المركز النشيط للشرق الأوسط المعذب، وليس لنا مكان فيه بعد أن جعلنا كل المحيط يكرهنا، وشددنا ليل نهار على أن هذا المحيط مكروه علينا أيضا»، وأضاف ميخائيل محذرا: «قد نفقد كل شيء ودولة إسرائيل ستكون ظاهرة عابرة مثل الهيكل الأول والهيكل الثاني».
توقعات ميخائيل تعيد إلى الأذهان تصريحات رئيس الكنيست الأسبق، إبراهام بورغ، الذي صرّح في مقابلة له منذ أعوام «بأن إسرائيل دولة فاشية وهي قوة استعمارية شبيهة بألمانيا عشية صعود النازية إلى الحكم». وحول واقع الحياة في إسرائيل قال بورغ آنذاك: «إن أكثر من نصف النخب الإسرائيلية لا يريدون لأبنائهم العيش في دولة إسرائيل»، ونصح الإسرائيليين باستصدار جوازات سفر أجنبية. وحول المستقبل أضاف بورغ في المقابلة الصحافية التي أجرتها معه صحيفة «يديعوت أحرونوت» من خلال الصحافي آري شاليط: «أن يهودية دولة إسرائيل ستقرّب نهايتها». حينها ثارت ضجة كبيرة في الكيان الصهيوني وكانت بمثابة الهزة الأرضية القوية (بمقاييس ريختر) فبورغ هو ابن للحاخام يوسف بورغ، الذي كان مقرباً من ديفيد بن غوريون، وتولى منصب رئاسة الوكالة اليهودية لسنوات عديدة، وتسلم رئاسة الكنيست في الفترة بين عامي 1999 -2003 وتولى مناصب وزارية عديدة، ونافس مراراً إيهود باراك على زعامة حزب العمل. إن ما سبق يذكر بالمؤرخ الإسرائيلي إسرائيل شاحاك وكتاباته «التي يفصّل فيها شرح العنصرية في تاريخ اليهود تجاه الآخرين، التي ازدادت حدتها بوجود دولة إسرائيل». وحول توقعاته بالنسبة لمستقبل دولة إسرائيل صرّح شاحاك مراراً «بأن مصيرها إلى زوال»، ولذلك كان مُحَارَباً في الكيان الصهيوني بوسائل عديدة. في السياق نفسه يأتي أستاذ التاريخ والمؤرخ إيلان بابيه، حتى أن نتنياهو نفسه، حذّر خلال «لقاء ديني» أجراه في بيته بحضور زوجته سارة، بمناسبة «عيد العرش» الأخير، ذلك وفقا لصحيفة «هآرتس»، من مخاطر تهدد وجود إسرائيل، حيث ذكر «بأن مملكة «حشمونائيم» عاشت لمدة 80 سنة وأنه يعمل لضمان اجتياز إسرائيل لهذا الجيل والوصول لـ 100 سنة».
نقلت الصحيفة عن مشارك آخر في الندوة (لم تذكر اسمه) أن نتنياهو قال «إن وجودنا ليس بديهيًا وإنه سيبذل كل ما في وسعه للدفاع عن الدولة».
كاتب فلسطيني
د. فايز رشيد
نعم كما اشار كاتبنا الكبير الدكتور فايز رشيد: “مرّت الذكرى السبعون للنكبة التي تتالت بعدها نكبات عديدة”. ان كفاح شعبنا الأبي ضد الأستعمار الصهيوني والتضحية بارواحهم الغالية في سبيل تحرير فلسطين من ايادي المغتصبين يعتبر رسالة واضحة للصهاينة ومن يدور في فلكهم بأن دوام الحال من المحال. ان ما يدعم نظرية زوال هذه الدويلة الصهيونية العنصرية هي تصريحات البعض من الأسرائيليين التي اشار اليها الدكتور فايز. وهل هناك من دليل اقوى من مثل هذه التصريحات؟
احسنت يا دكتور فايز. و اضيف،
يحتفل الامريكيون بعيد الشكر بمناسبة عقد توافق بين المستوطنين الجدد في امريكا و اصحاب البلاد الهنود الحمر على الساحل الشرقي لامريكا فيما يعرف الان بولاية ماساتشوستس عام 1620. وواضح ان المستوطنين لم يستقر لهم الامر الا بعد ان طاردوا الهنود الحمر حتي الساحل الغربي. فهل يمكن لليهود الذين نزلوا على ساحل فلسطين القضاء على كل العرب و المسلمين من ورائهم حتى يستقر لهم الامر؟؟
اسرائيل جسم غريب في محيط هائل متناقض معه بالضرورة و موصول بحبل خارجي ولا يمكن له الاستقرار داخليا و مع ما حوله و لا يمكن له ضمان الحبل الخارجي. اليس هذا ما حدث في الغزو الصليبي ايضا؟؟
ليس صحيحاً أن قوى الإحتلال تعيش مأزقاً من أيُ نوع، المشكلة تتلخص في عدم وجود خريطة تغيير واضح و سراتيجيّة ممنهجة الخطى للفعل المقاوم ، وإن وجدت من ملامح تلك الرؤى و بعائد معالمها لدى البعض من تيارات و نخب وأفراد ذوي تجربة فإن الظروف الملائمة لإنفاذها من قبيل القيادة السياسية الموحدة و التماهي بين السلطة والشعب هي العائق الأكبر لترجمة مثل هكذا ستراتيجيات.
شكرا للعزيزين رجاء وخليل , ولكل الذين أعجبوا في المقالة أو قد يسجلون إعجابهم لاحقاً. للتوضيح أقول: في الوقت الذي يشكك فيه استراتيجيون إسرائيليون باستمرار وجود دولتهم, وصل الانحدار بالبعض الرسمي العربي إلى محاولة تثبيت الأساسين الشرعي التوراتي والقانوني السياسي لهذه الدولة ! أتمنى لو يقرأ مستشاروا هؤلاء لهم, إسرائيل من داخلها في كل الجوانب, كما المثل العربي البديع”أكلتُ يوم أكِلَ الثور الأبيض”, وهذا ينطبق تماما على ما قلته يا صديقي خليل عن أمريكا والهنود الحمر, ولعل أفضل من كتب حول هذا الموضوع الأستاذ الباحث منير العكش في كتابه المعنون بـ “دولة فلسطينية للهنود الحمر”. آه لو يعرف “المستقيلون من عروبتهم” أن الاستفراد بالفلسطينيين “وأكل الثور الأبيض” وهو بالمناسبة عصيّ على المضغ ,والفلسطينيون لم ولن يكونوا هنودا حمر- عنوان مقالة سابقة لكاتب هذه السطور في “القدس العربي”….سيتم الاستفراد ببقية الثيران العربية من قبل الحليفتين الشايلوكيتين :أمريكا وإسرائيل… وما أسهل أكل التابعين!. تحية لكما أيها العزيزين.
كلا أخي عمار, اسمح لي أن أختلف معك , فاحتلال أرض الغير هو في حدّ ذاته مأزق! كما أن مقاومة الشعب المحتل, هي أكبر مأزق للعدو, أتمنى عليك متابعة هذا الموضوع من خلال الكتاب اليهود, من داخل إسرائيل وخارجها, عدا عن كل المآزق الأخرى: السياسية, الاقتصادية الاجتماعية والبنيوية الإسرائيلية.
المأساة الأم تجسدت في اغتصاب فلسطين ، فلسطين لم تزل مغتصبة ؛ والدم العربي الفلسطيني مستباح وتحت أنظار العالم ؟ وننسى وكالعادة بأن معظم قيادات هذا العالم ..وخاصة الغربي منه .هــم صانعي الجريمة ومرتكبيها ؛؛سئمنا تعريف كيفية وقوع الكارثة؛؛ تداعياتها ،،كما التطورات المستجدة لكيان الاغتصاب بنية وصراعات داخلية ، نقدا ..كما اصرارا على التمسك بالجريمة ؛؛ لم أكن ومنذ الطفولة التي واكبت المأساة لمؤمن للحظة بغير ما أصّر عليه اليوم والى آخر الطريق ؟؟ لم أهتم للحظة لما يعتري مجتمع الاغتصاب ( رغم ضرورة تجديد زيت الشعلة ، حرصا على ديموميتها) وتعليم الأجيال ( العربية خاصة ) بتاريخ الكارثة ، للحيلولة دون تغلّب ..غياب الوعي المبرمج ، تغّلبه لفرض الضباب الغير مقدس صناعة عربية مندحرة تارة ومتآمرة في تارات أخـر ؟؟ عشت مع جيل العزة والكرامة كافة مراحل الصراع الغير متكافيء؛؛ وأدركت توازيا مع ادراك عبد الناصر وصدام ..أسباب ذلك التفاوت في القوى ..عدة .. وليس عددا ؛؟ كذلك طهارة البيت العربي قياداتات وحواشيا؛؛سئمت تكرار ما صدع رؤسنا ، ومزق لواعجنا وحولنا لأشرطة تسجيل تكاد أن تهتريء؛ وأن يضيع قيها الصوت مع حامله؛؛ وقفت في وجوهنا ( وقاحة الغرب ذا اليد العليا عسكريا.تعتمد على اندحار الكرامة ومنذ انتهت معركة الكرامة 1968؛ أضحينا من رواد السينما في طفولتنا ..نرى الهنود الحمر ..وننتظر رعاة البقر كي يسلخون فروات رؤسهم…ونرتاح ونسعد بنهاية أنجزها الأبيض الأشقر فلقد انتصر ؛؛وكأن الأشقر كان يمثلنا ؛؛ ننتظر حتى اليوم ..عدالـــة الأشقر؛ لينهي مأساتنــا ؛؛ وننسى أنه هو المأساة وهو صانعها والمصر على استمرارها فوق هاماتنا؛؛نسينا قبية ودير يسن، وطوينا صفحة بحر البقر، وأحرقنا ملفات الانفصال 68 وخيانة حزيران67 ؛؛ونحاول ( منعا للطائفية ؟؟) أن نلغي محاكم تل الزعتر ومخيم اليرموك ،، تدّمر وحماة ؛؛ وأن نجـّل وادي عربة واصطبل داوود وأسلو ومدريد ونعلم أجيال اليوم بأن صدام ؛؛ اعتدى على الكويت؛ ولكنها والحمد لبوش؛؛ تحررت؛؛ كما تحرر العراق وبأروع صور الديموقراطية والأمن والرفاه ؛؛ فلسطين لم تعد بحاجة لصناع العــار ؛؛ فلسطين ملكت أقدس الدماء ، وأشبال ولدت بعد أن تعلمت في الأرحام الطاهرة..بأن ما أخذ بالقوة لا يسـترد بغير القوة؛؛ وأن نضع يوم العرس الأكبر زهور النصر فوق قبري عبد الناصر وصـدام