لندن ـ «القدس العربي»: كثر التكهن في الآونة الأخيرة حول الدور الأمريكي في المنطقة العربية، خاصة العلاقات الأمريكية – السعودية.
ويعقد اليوم مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ندوة حول السعودية والتوتر المتزايد بينها وإيران والأزمات الإقليمية والعلاقات مع الولايات المتحدة وتشارك فيها كارين إليوت هاوس، وهي مؤلفة كتاب عن السعودية وبيرنارد هيكل وهو أكاديمي متخصص بالمنطقة والحركة الإصلاحية اليمنية وجاكسون ديهيل المعلق في صحيفة «واشنطن بوست» وهي جزء من تقييم للسياسات التي اتخذتها السعودية في الآونة الأخيرة. وكانت إليون قد كتبت قبل أيام مقالاً على موقع مركز هوفر للدراسات التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية تحدثت فيه عن الدور الإقليمي المتزايد للسعودية.
وقالت في المقال «بعد عقود من الاعتماد الكبير على الحماية الأمريكية تقف اليوم المملكة للدفاع عن نفسها بنفسها».
وعزت هذا التطور لسببين. الأول هو التغير الجيلي للقيادة في السعودية وتعيين أمير شاب ونشط وهو محمد بن سلمان، نجل الملك سلمان ولياً لولي العهد.
ويجمع الأمير محمد في دوره الجديد بين منصب وزير الدفاع ومسؤول عن الملف الاقتصادي بما في ذلك شركة «أرامكو» النفطية والتي تشكل 70% من موارد الدولة.
وتقول الكاتبة إن الأمير الشاب يقوم بهز النظام الجامد. ولم تشهد المملكة منذ الملك عبد العزيز بن سعود، المؤسس أميراً شاباً لديه السلطة التي بيد محمد بن سلمان.
ورغم غضب بعض الأمراء من أبناء العائلة لصعوده إلا أن دعم والده له يؤكد سيطرته. أما الأمر الثاني فيتعلق بعلاقة السعودية مع الولايات المتحدة التي ظلت توفر الحماية للمملكة من التهديدات الخارجية.
لكن هذا الوضع تغير في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما. فقد شاهد السعوديون الرئيس الأمريكي وهو يتخلى عن الرئيس المصري حسني مبارك ويتردد في تطبيق تهديده ضد النظام السوري لبشار الأسد عندما تجاوز الخط الأحمر واستخدم السلاح الكيميائي. ولاحظت إليوت أن السعوديين وخلال العام الماضي أكدوا موقفهم أكثر من أي وقت مضى. فقد تدخلوا في اليمن لمواجهة النفوذ الإيراني الداعم للحوثيين هناك وعزز السعوديون من دعمهم للمعارضة السورية.
وقادت المملكة جهوداً لتشكيل تحالف من 34 دولة إسلامية لمكافحة الإرهاب. كما وقطعت علاقاتها مع إيران وبعد 25 عاما استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع العراق.
وقابل القادة السعوديون سلسلة من القادة العالميين بمن فيهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ. وتلاحظ إليوت أن كل هذه الخطوات تمت بعيداً عن التأثير الأمريكي.
استقلالية
وأهم ما في الخطوات السعودية أنها جاءت لتأكيد الاستقلالية عن واشنطن. وتشير الكاتبة هنا لما يطرحه المسؤولون السعوديون حول التحول في سياسة أمريكا الخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط وإن كان هذا التحول «دائماً» أم عبارة عن انحراف استمر لمدة ثماني سنوات. وترى إليوت أن السعوديين هم المستفيدون الأكبر من تحولات السياسة الخارجية الضعيفة في عهد أوباما .
ولكن فعالية السياسة السعودية تظل محلاً للإمتحان. وفي الوقت الحالي تتمتع السعودية بدعم دول الخليج والتي تبعت المملكة في قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.
ولا يعرف إن كان التحالف الإسلامي مجرد علاقات عامة لا يتجاوز التشارك في المعلومات الأمنية أم أنه تحرك عسكري له عناصره الفعالة.
وتشير إلى مصر التي تعتمد على السعودية بسبب الحاجة المالية. ولا يعرف إن كانت الرياض ستواصل دعمها لمصر خاصة بعد انخفاض الاقتصاد بنسبة 50% أم لا.
وفي الوقت نفسه تواجه الرياض الخطر القادم من إيران الشيعية التي تواصل طموحاتها الإقليمية وهجماتها العدائية ضد السعوديين.
ومع رفع الحظر عن 100 مليار دولار أمريكي فستتمكن إيران من مواصلة أعمالها التخريبية في المنطقة.
ولم يمنع هذا السعوديين من التمسك بدورهم القيادي. وفي الحقيقة ليس لديهم أي خيار، فلا خيار أمامهم إلا القيادة لاعتقادهم أنهم هدف رئيسي لإيران كما تعلق إليوت.
وتواجه السعودية خطراً آخر متمثلاً بتنظيم «الدولة» الذي قام بتنفيذ هجمات في داخل السعودية.
ومع اعتراف السعوديين بالخطر الذي تمثله إيران إلا أن الدولة لم يعد بإمكانها إرضاء المواطنين بسبب تراجع أسعار النفط إلا ان نائب ولي العهد مصمم على تطوير الإقتصاد وفطمه من الاعتماد المطلق على الموارد النفطية.
وقام بسلسلة من الأجراءات الراديكالية خاصة ما يتعلق بأداء الوزراء. ولقيت الكثير من الخطوات دعما من الشباب الذين يشكلون نسبة 70% من عدد السكان.
مسار جديد
وفي تعليق على مسار العلاقات الخارجية السعودية كتبت في الأسبوع الماضي جين كننمونت، كبيرة الباحثين في المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتام هاوس» معلقة إن تحولات السياسة السعودية لا تؤشر لولادة «عقيدة» جديدة في السياسة الخارجية السعودية بقدر ما هي تعبير عن محاولات جيل شاب للتجاوب مع بيئة متقلبة جداً، وتعبر عن استعداد لاستخدام القوة العسكرية.
ولأن النتيجة النهائية لحرب اليمن ليست واضحة فالتوجه والأدوات التي تستخدمها السياسة الخارجية السعودية في ظل الملك سلمان لا تزال تحت التجربة.
ومع ذلك فالتحولات السعودية هي نتاج لما تشهده المنطقة من صراعات. فدائماً ما وصفت السعودية بالقوة المحافظة التي تسعى لإبقاء الحال على ما هو في الشرق الأوسط، متمثلا في دعم الدول المستقلة والترحيب بالوجود الأمريكي في المنطقة. فقد دعمت وعلى مدى الثلاثة عقود الماضية حل الدولتين للقضية الفلسطينية.
وكانت مواقفها على عكس إيران منذ الثورة التي ظلت لاعبا تصحيحيا يدعم القوى الثورية الغير حكومية ويسعى لإنهاء الوجود الأمريكي في المنطقة ويدعو لمواجهة إسرائيل.
وتشير الكاتبة للإنقلابات التي تشهدها المنطقة من انهيار للدولة في سوريا والعراق واليمن وليبيا. ومع هذا أدى تراجع أمريكا من المنطقة لتشجيع روسيا التدخل عسكريا في سوريا. وقد تكون الاتفاقية النووية مع إيران مقدمة لتقارب مع أمريكا ينهي أكثر من ثلاثة عقود من العداوة والاحتواء.
وترى الكاتبة أن ما تغير في السياسة السعودية الخارجية هو الأدوات والطموحات. وكما يقول الدبلوماسيون الأكاديميون السعوديون فبلادهم تهدف بالدرجة الأولى الحفاظ على الاستقرار الداخلي وأن يكون حولها أنظمة صديقة تستطيع التعامل معها ويقبلون بالدور الغربي في المنطقة ومنع تمكين المجموعات الذين لديهم أجندات عابرة للحدود وتهدف لزعزعة حكم آل سعود.
ولذلك فإن التنافس مع إيران يتعلق أكثر بمعارضة النفوذ الإيراني في المنطقة أكثر من تعلقه بالمسائل الإثنية والطائفية، بالضبط كما كانت السعودية ترى تحدياً في قومية جمال عبدالناصر. وارتفاع التوتر مع إيران اليوم هو بسبب معارضة الدور الإيراني في سوريا والعراق واليمن بالإضافة لشعور السعودية بفشل أمريكا في احتواء أو ردع تمدد النفوذ الإيراني. وترى الكاتبة أن الملمح المهم في التغيرات السعودية مرتبطة بالجيل الجديد سواء في وزارة الدفاع أو الخارجية. ولا يمكن عزل الحالة السعودية عن مجمل ما يقال عن التحولات في السياسة الأمريكية.
قتال أم هروب؟
ففي مقال نشرته دورية «فورين أفيرز» للباحث في معهد بروكينغز كينث بولاك تحت عنوان «قتال أم هروب: خيارات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط».
يرسم الكاتب صورة عن شرق أوسط يعيش انقلابات وتوترات وانهيار دول، من سوريا واليمن وجنوب السودان إلى تركيا مصر.
وحتى الدول التي نجت من الأزمات مثل الكويت وعمان وقطر والمغرب تخشى مما يجري حولها «ولم يشهد الشرق الأوسط فوضى كهذه منذ الغزو المغولي في القرن الثالث عشر». ويرى أن الأزمات لن تخف في أي وقت.
وبدون تدخل خارجي فالحلول المحلية للحروب الأهلية عادة ما تزيد من اشتعالها. ذلك أن الحروب الأهلية تتسم بالعناد، ففي الكونغو تدخل عامها الـ22 والحرب الأفغانية الـ 37 والبيروفية 36 عاما.
ولا يوجد هناك سبب يمنع من استمرار حروب الشرق الأوسط لسنوات طويلة. وعليه فالرئيس الأمريكي القادم بحاجة لاتخاذ قرار مهم: إما عمل المزيد لتحقيق الإستقرار في الشرق الأوسط أو فك الإرتباط معه.
وفي ضوء الوضع الذي وصلت إليه المنطقة فأي خيار تتبناه الإدارة المقبلة سيكلفها غاليا. فتحقيق الإستقرار يحتاج إلى مصادر وطاقة واهتمام ورأسمال سياسي.
وفي حالة فك الإرتباط فعلى الولايات المتحدة الإعتراف بالمخاطر التي يحملها هذا الخيار. ويرى أن كلفة زيادة الإلتزامات يمكن التحكم بها أكثر من التراجع.
فهم
وفي كلا الحالتين تحتاج الولايات المتحدة لفهم ما يجري في المنطقة. فالمشاكل فيها لم تبدأ كما يحلو للبعض الحديث من ترتيبات سايكس- بيكو أو الأحقاد التاريخية القديمة ولكنها جاءت مع الدولة الحديثة في الشرق الأوسط.
ويحدد الكاتب الحرب العالمية الثانية التي تحررت بعدها معظم الدول العربية من ماضيها الإستعماري وتبنى العديد منها النظام الغربي في الحكم، جمهورياً- ديكتاتورياً أم ملكياً.
ولم تحقق أية دولة من هذه الدولة نظاماً جيداً، فهي إما اعتمدت على النفط ووفرت الثروة للمواطنين وجعلتهم يعتمدون عليها فيما لم تولد اقتصادياتها وظائف كثيرة. كما ولدت الثروة النفطية فساداً واسعاً وقطاعاً عاماً متضخماً.
وزاد الأمر سوءاً خروج الدول العربية من الحقبة العثمانية والإستعمارية بنظامها الإجتماعي- السياسي التقليدي على ما هو، واستمر بسبب النفط والإستبداد.
وظلت أنظمة الحكم بدون تغيير لعقود حتى بدأت تتداعى بسبب انخفاض أسعار النفط والعولمة التي جلبت للمنطقة أفكاراً جديدة حول العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وطالبت الجماهير العربية والإيرانية حكوماتها حل مشاكلها وكل ما حصلت عليه هو التجاهل. ونتيجة لهذا زادت معدلات السخط في نهاية القرن العشرين ونمت الحركات الإسلامية والجماعات المرتبطة بها.
ولجأت جماعات أخرى للعنف كما في السعودية ومصر وقررت هذه ضرب مصالح الدول الداعمة للحكومات هناك.
ولكن الإحباط المتزايد قاد للثورات العربية في عام 2011. والثورة كما يقول عمل محفوف بالمخاطر خاصة أن كل الدول التي اندلعت فيها الثورات قامت بسحق كل القيادات الجذابة القادرة على القيادة.
ولهذا كانت النتيجة في ليبيا وسوريا واليمن دولة فاشلة وفراغاً أمنياً وحرباً أهلية. وإذا كان مشكلة النظام في الشرط الأوسط هو فشلها فيما بعد الحرب العالمية الثانية فالمشكلة الثانية هي الحروب الأهلية في مرحلة الثورات العربية.
وأصبح لهذه الحروب حياتها التي أصبحت وسيلة للفوضى وتشكل تهديداً ليس لسكان المنطقة بل والعالم. فهذه الحروب تترك آثارها على الجيران من خلال الأعداد الهائلة من اللاجئين وتؤدي للتشدد والثورات والإنفصال.
وبهذه المثابة تصبح الدول الجارة عرضة للثورات والفوضى. وكما تندفع الدول الجارة التي تريد حماية نفسها لدعم الجماعات الوكيلة لها والتنافس مع الدول الأخرى.
وفي أسوأ الحالات تقود الحرب الأهلية إلى حرب إقليمية عندما تعتقد الدولة أن الجماعة التي تدعمها لا تقوم بالمهمة. والأمثلة حاضرة في اليمن وسوريا والعراق.
الانسحاب
وزاد من مشاكل المنطقة الإنسحاب الأمريكي، فلأول مرة منذ الغزو العثماني في القرن السادس عشر تعيش المنطقة بدون قوة مهيمنة عليها.
وهذا لا يعني أن قوة عظمى خارجية ضرورية لسلامة المنطقة. لكن القوة العظمى عادة ما تلعب دوراً بناء في تخفيف حدة النزاعات.
ويرى أن الإنسحاب كان مضراً بشكل واضح في العراق. فخروج القوات الأمريكية كان واحداً من العوامل المهمة التي أعادت البلاد إلى الحرب الأهلية.
ويرى الباحثون أن الدول التي تنشأ فيها النزاعات بحاجة لقوات حفظ سلام محلية وخارجية لضمان الأمن. ومثال البوسنة حاضر.ولعبت الولايات المتحدة هذا الدور في العراق.
ولهذا ترك انسحابها عام 2010 و 2011 أثراً توقعه الكثيرون. وتكرر السيناريو نفسه في الشرق الأوسط حيث تفاعلت دول المنطقة بطرق جديدة وبدون انتظار الولايات المتحدة تقديم الدعم المناسب.
كما أثار انسحاب الولايات المتحدة قلق الكثير من الدول من بعضها البعض. ودفعها للتصرف بطرق لوقف هجوم الأخرى عليها. وهذه الدينامية واضحة في العلاقات بين السعودية وإيران.
وفي الوقت الذي تخرج فيه منطقة الشرق الأوسط عن السيطرة لم تسارع إدارة الرئيس أوباما لتقديم الدعم، فهي لا تقوم بتخفيف النزاعات أو حتى بإنهائها. ويرى الكاتب أن منطقة الشرق الأوسط شهدت وضعاً سيئاً منذ وصول أوباما للسلطة.
فرغم تعهده في عام 2009 بالقاهرة دعم المنطقة إلا أنه لم يقرن كلامه بالفعل أو المصادر. وفشلت إدارة الرئيس عام 2011 بوضع استراتيجية متماسكة تتعامل مع الربيع العربي. وبالنسبة للحروب الأهلية فقد ركزت واشنطن على معالجة الأعراض لا أصل المشكلة- فهي تحاول احتواء تنظيم «الدولة» واستقبال اعداد من اللاجئين.
ولكن تاريخ الحروب الأهلية يكشف عن صعوبة احتواء آثارها، والشرق الأوسط ليس استثناء. فالحربان في سوريا والعراق أدتا لحرب أهلية ذات وتيرة بطيئة في تركيا.
والأمر نفسه يمكن أن يحدث في الأردن ولبنان. أما الحرب الأهلية في ليبيا فهي تهدد أمن مصر ومالي وتونس.
وأدت سوريا واليمن لتوريط إيران ودول الخليج في حروب بالوكالة فيما تهدد ازمة اللاجئين والخطر الإرهابي الولايات المتحدة وأوروبا.
فبدون وقف الحرب الأهلية لن تتوقف أزمة اللجوء ولا الإرهاب مهما قتلت أمريكا من الجهاديين. فالسلفية الجهادية نمت خلال الـ 15 عاما الماضية رغم كل الجهود التي بذلتها أمريكا لمواجهة تنظيم القاعدة في أفغانستان.
وتوفر الحروب الأهلية الجديدة للجهاديين متطوعين جدداً وساحات للقتال. ولا يمكن وقف الحروب الأهلية بدون تدخل خارجي يحقق ثلاثة أهداف وهي تغيير الميزان العسكري وتحقيق اتفاق للتشارك في السلطة وبناء مؤسسات لطمأنة الأطراف المشاركة أن ما اتفق عليه سيدوم.
ويظهر التاريخ أن أي انحراف عن هذه الشروط يؤدي لنتائج عكسية وهو ما تشير إليه الحرب في العراق وسوريا واليمن. وقد تسبب الحملة الأمريكية الكثير من الضرر على تنظيم «الدولة» لكنه سيظل ينمو بصور جديدة حتى يتم وقف الحرب الأهلية.
التصعيد
ومن هنا ففي حالة اختارت أمريكا خيار التصعيد. فهي بحاجة من أجل تحقيق الإستقرار لزيادة التزاماتها العسكرية كي تغير ميزان الحرب وهذا يعني إرسال قوة عسكرية صغيرة – 10.000 للعراق وسوريا.
وبدون هذا الإلتزام والإرادة السياسية فيجب إرسال مزيد من المستشارين والطيران والتشارك في المعلومات الأمنية. ومهما كان الأمر فهناك حاجة لتدريب قوى محلية في العراق من خلال إعادة تدريب القوى الأمنية. ويعني هذا في اليمن وسوريا وليبيا خلق قوى محلية جديدة.
وبالإضافة لهذا فعلى الولايات المتحدة والدول الحليفة معها أن تلعب دوراً مهماً في النزاعات الأربعة. ففي العراق على واشنطن أن تعرف نقاط اللقاء الرئيسية بين السنة والشيعة وتقديم المصادر للجماعات السياسية المعتدلة.
وفي سوريا يمثل اتفاق فيينا نقطة انطلاق للحل السياسي. ولكنه لا يقدم غير هذا خاصة أن الوضع على الأرض لا يدفع للتسويات السياسية، لا النظام أو الجماعات التي تلقى دعما من الغرب. وفي حالة عدم حصول تحول على الساحة العسكرية فلا شيء يمكن للسياسة عمله. وبالنسبة لليبيا فالوضع فيها مشابه للحال في سوريا باستثناء أن الأهتمام بها قليل.
ويرى أن حلها يقع على كاهل الدول الأوروبية التي تتأثر مصالحها بما يجري في ليبيا أكثر مما يؤثر على أمريكا. وفي اليمن يرى أن هناك حاجة لبذل جهد وإقناع دول الخليج على تقديم تنازلات ذات معنى للطرف الآخر.
وإذا لم ينفع هذا فيجب إقناع دول الخليج تخفيف تدخلها في اليمن قبل أن يؤثر ما يجري هناك عليها. والخطوة الثانية بعد وقف الحروب الاهلية هي تعزيز قوة الدول التي تواجه مخاطر مثل تركيا ومصر وتونس والأردن. ففي هذه الدول فالمخاطر ناشئة من فشل السياسات الحكومية لا المخاطر الخارجية النابعة من إيران أو «القاعدة» أو تنظيم «الدولة».
وكل هذه الدول بحاجة لتطوير البنى التحتية والمساعدات التجارية ويجب أن لا يكون التركيز على الدمقرطة بقدر ما هو الحكم الرشيد. أما المرحلة الأخيرة فهي الضغط تجاه التغيير والإصلاح السياسي والإجتماعي.
التراجع
في حالة عدم استعداد الرئيس الأمريكي القادم المشاركة في حل النزاعات فعليه الإنسحاب ولكن من خلال استراتيجية تعمل على احتواء ومنع انتشار آثار الحروب الأهلية.
فقد بذلت إدارة أوباما جهداً محموداً لتعزيز الأردن ومنع آثار الحربين في سوريا والعراق عليه. ويمكن عمل هذا مع تركيا وتونس ومصر. ويعني خيار التراجع قيام واشنطن بدراسة تقييم لما يمكنها عمله من أجل تأمين مصالحها الحيوية في المنطقة. ومنها تأمين إسرائيل.
ويعتقد الكاتب أن أهم مصلحة تعود على الولايات المتحدة من التراجع هي منع المخاطر الإرهابية المقبلة من الشرق الأوسط.
ومع ذلك فالولايات المتحدة بحاجة لتأمين النفط، مشيراً إلى أن فكرة اكتفاء الولايات المتحدة من الزيت الصخري هي أسطورة. فواشنطن بحاجة للدفاع عن كل برميل نفط. وهذا يقتضي الدفاع عن السعودية ولكن ممن؟ ويرى الكاتب أن التهديدات على المملكة داخلية.
إبراهيم درويش