«السيد الرئيس لقد أصبح الشعب شغوفا إلى الحقيقة لكن لماذا كل هذه السفسطة»
بأي معنى يمكن أن نتحدث عن براديغم الحقيقة ونحن لم نصل بعد إلى براديغم الثورات العلمية؟ وكيف يمكن صياغة أسئلة عميقة في أفق يمتلك أجوبة جاهزة؟ وبعبارة أخرى: ألا تكون هذه الأسئلة القلقة مجرد تأملات في الضياع؟ وإلا ما معنى الأبدية في مرحلة ما قبل العلم؟
الفكر النمطي يؤسس للتقليد ويشيد بالأرواح الميكانيكية التي تنشر العلم السائد بلغة الخرافات، من خلال قواعد سيكولائية خارج جدلية العقل والتنوير، لأنها تنقل بطريقة مملة، يجب اتباعها للوصول إلى حقيقة معروفة مسبقاً، ولذلك فإن العلم ههنا يقال باشتراك في الاسم مع العلم الثوري، مادام أنه يكتسب هويته بعيداً عن صراع البراديغمات، إلى درجة أن المزج بين قواعد التراكم العلمي، والتراكم الثيولوجي، هو شعار المرحلة، التي أصبح التميز فيها بين تاريخ علوم الشريعة مستحيلا، فالرياضيات والفيزياء هما نفسهما علم الكلام وعلم أصول الفقه، ولذلك نجد أن كليات العلوم والطب والصيدلة والهندسة لم تعد سوى كليات للشريعة ونشر التوجهات السلفية، فأي علم يدرس هناك؟ هل هو العلم بمعناه الكوني؟ أم العلم بمعناه الإسلامي؟ ألا نكون في أمس الحاجة إلى أزمة العلم الان؟ ولماذا لا يتم استغلال هذه الأزمة في بناء براديغم العقل العربي؟ وهل هناك عقل عربي يمكن بناؤه؟ أم ينبغي انتظار الف عام من أجل ولادته؟
لا أريد أن أخدع الحقيقة وتهرب من جديد إلى الضفة الأخرى لأنها تركت كل أمتعتها هناك، ولذلك سأتوجه إلى الحقيقة بالحقيقة التي تأمرنا بسلوك طريقها. ومن أجل ذلك يجب صياغة سؤال الراهن داخل مجتمع المعرفة الذي يتحكم في مصير المجتمع العلمي، والذي يقوم بتصنيع العقل، لانه بدون هذا المصنع يظل العقل مجرد ملكة عمياء تتعرف على نفسها من خلال الحقيقة المقدسة. أما الحقيقة التي تتجلى للعقول المستنيرة، فإنه يجهلها وسيظل كذلك مادام أنه يميز بين العقيدة والعلم: «إذ لا يصبح المرء عالما إلا عندما ينشغل بفهم العالم الذي يعيش فيه»، خاصة حين تتحرر رؤيته من التفسير الخرافي للظواهر، وتتشبت بالقياس البرهاني الذي يقول له ما هو عالمه وما هو علمه.
ولذلك ينبغي على العالم أن يجمع ثماره من التأملات الفلسفية، وأن يتخذ من الحقيقة غايته لمشروع، ولعل هذا بالذات هو الترياق الذي يحتاجه العقل العربي من أجل أن يتماثل للشفاء من تراكم التراث الذي يقود إلى تأسيس العلم العادي. لأنه كلما تحول العلم إلى قواعد روتينية يتم نقلها بين الأرواح الميكانيكية كلما فقد بريقه المنهجي، وعمقه المعرفي، وأصله التأملي، هكذا يتحول إلى معرفة خالصة بالذات والعالم، باعتبارهما يشكلان معا عنصر العلم وتربته، وبلغة ديكارت إن شجرة المعرفة الفلسفية هي التي تنتج ثمار العلم، ولذالك فإنها تحتاج إلى تربة خصبة لكي تنمو. فأين توجد هذه التربة؟ ولماذا شجرة المعرفة لم تستنبت فيها؟ وهل يستطيع العلم أن يكتشف هويته بدون هذه الشجرة؟ وهل تستطيع الأمة أن تصل إلى الحقيقة في غياب هذه الارادة الطيبة؟
والحال أن التناول الفلسفي للحقيقة لا يختلف عن التناول العلمي، لأنهما مولعان بشغف الحقيقة، هكذا تجد هايدغر يتساءل في مطلع رسالة في النزعة الإنسانية قائلا: «هل من العدل أن تصنف المحاولة التي تعيد الفكر إلى أساسه وأصله باللامعقولة؟ وكيف يمكن الحفاظ على المعنى الحق للإنسانية» وما الذي يجعل الإنسان يقتنع بعدم جدوى حياته وبأنها عدم؟
بهذا السؤال الأخير يجعل الإنسان ماهيته في النور، لأن العدم حجاب الوجود وقناعته، وبمجرد ما يستجيب الإنسان لنداء الوجود يمزق هذا الحجاب، ويضع نفسه رهن إشارة مسكن الحقيقة، فمن الممكن للإنسان أن يصبح إنسانا من جديد، عندما يكتشف في الحرية إنسانيته أو كرامته الإنسانية: «وعلى هذا الأساس لابد للتفكير الإنساني أن يلتزم بقضيته نقل الإنسان من حالة وجوده اللاإنساني إلى حالة الوجود الإنساني الأصيل»، والحق أن اكتشاف ماهية الإنسان في الفكر يختلف عن الطرح الماركسي الذي يقول بالإنسان الاجتماعي، لأن الإنسان لا يكون إلا في المجتمع وبالمجتمع، وإذا أبعدته عن المجتمع أزلت عنه ماهيته، وبعبارة الفلاسفة: فماهيته الإنسان هي حقيقته، ولذلك نجد الإنسان يعيش حقيقته سواء كمفكر أو مناضل سياسي، أو عالم.
الإنسان والحقيقة، اثنان في العدد، واحد بالماهية، ولكن مع ذلك نتساءل ما هما؟ ومن أين جاء؟ وهل تعرفا على بعضهما؟ ولماذا يتنازل الحيوان العاقل عن الحق في الحقيقة؟ وبما أن ماهية الإنسان تكون دائما مؤقتة في العالم المادي، وأبديته في الفكر، فإن الإنسان لا يتعرفه على الحقيقة إلا في الأبدية، ويتجاوز الزمنية، ولذلك فإن الإنسان حسب كتاب الوجود والزمان: «ملقى في حقيقة الوجود، ولابد أن يكون حارساً للوجود، وفي نور الوجود لابد للأشياء الموجودة أن تتبدى وتظهر في كامل ماهيتها».
فإذا كان الإنسان راعي الوجود، فان هذا الراعي يعرف الحقيقة، بوضعها في الانكشاف، بيد أن هذا الأقرب إلى الوجود أصبح هو الأبعد لأنه قطع علاقته بالوجود مما جعله كائناً بلا جذور، غريباً عن العالم وعن نفسه يتحرك في فراغ العدم، فما مبرر هذا النسيان؟ ولماذا كل هذا الغروب في شفق الأصيل؟
بمجرد ما ينسى الإنسان حقيقة الوجود ينسى حقيقته ويلقي بنفسه في الضياع مع الدهماء، في صبح وجوده وعدمه هما الشيء نفسه. هكذا يتساءل هايدغر عن مدة هذا الظلام، هل سيظل منتشراً على العالم، أم أن عقل الأنوار سيشرق من جديد، بل كيف يمكن لهذا السؤال أن يسأل في عصره مضطرب، أصبح لا يسمع إلا إلى لغة الحرب. وعشوائية التفكير، التي لا تنظر إلى إنسانية الإنسان إلا في العدمية، فهل مات الإنسان إلا عندنا؟ ومن قتله؟ ألا يكون هذا الرحيل في الظلام سببا في موته؟ وكيف يمكن تفسير انتشار مقولة إن العدم هو المعنى الوحيد للحقيقة. والحال أن الإنسان قد مات، منذ أن ألقى بنفسه في حقيقة العدم، وتحول إلى راع للعدم، يحاول القفز على ظله، ولذلك فإن هذه العدمية الهدامة التي تنشر الفوضى والرعب في العالم العربي لا يمكن التخلص منها الا بالثورات العلمية، وجعل روح العصر تسكن بالقرب من الفكر والوجود، تلمع تحت أشعة شمس الحقيقة. ذلك أن أزمة العصر لا تحل.
كاتب مغربي
عزيز الحدادي
الحقيقة ان الانسان عدو نفسه بيد ان كل الوجود مسخر له والعقل يدعوه ليحافظ على وجوده بتطبيق سياسات السلم والسلام وهي معاني سلسة لا تحتاج الى كثير من التفكير ان خلق النزاعات عبر العالم خلل في التفكير ليبقى الانا ويعدم الاخر والكرة الارصية تسع الجميع
منذ وجدالانسان من رحم امه الطبيعة وتطور في حضنها المتمثل في البيئة المادية الاجتماعية وهويعيش صيرورة التقدم تتخللها حالات ركود عابرة تتكون نتيجة توهم الانسان احيانا انه قادر بعيدا عن البيئة المادية الاجتماعية ان يخلق عالما مستقلا عن هذه البيئة مما يدخله في وهم الميتافيزيقيا اي الغيبية مما يؤدي الى ركود تقدم الانسان القائم اصلا على التفاعل مع البيئة المادية الاجتماعية، وهذا مربط التخلف .