من ينشئ الخطاب الروائي ومن يقف وراءه؟
سؤال مزدوج لا يعني الشيء نفسه. من ينشئ الخطاب ليس الكاتب وحده، ولكن منظومة من الحيثيات الفنية والثقافية والسياسية الأيديولوجية المحيطة به بقوة. فهي تمارس كل ثقلها في الخفاء والعلن على النصّ والكاتب أيضاً، بشكل مُدرَك أو غير مدرك. أما الذي يقف وراء هذا الخطاب بتلوناته المختلفة، الكاتب، بوسائله الفنية والثفافية التي جعلت منه سلطة مؤثرة في الرأي العام القرائي وربما العالمي، ولا يهم في هذا إن كان البلد صغيراً أو كبيراً، معروفاً من الناحية الثقافية أم غير معروف.
اسماعيل كاداري لم يكن بحاجة إلى بلد كبير ليصبح عالمياً ومؤثراً في الثقافة دولياً. إلى وقت قريب، وقريب جداً، كان العالم الذي يوجهنا اليوم ويستلب إرادتنا إلى حد بعيد، في حالة بهجة انتصار كبيرة على العدو الأيديولوجي. يعيش نشوة انتصارين سيثبت التاريخ أنهما ليسا أكثر من انتصارين وهميين لأن عالم الحروب استمر في الوجود، بل وبكثافة أكثر.
نهاية التاريخ كما صورها ودققها فوكوياما مثبتاً استقرار العالم على النظام الأكثر قابلية للتطور والنمو والتجدد، أي النظام الرأسمالي بنموذجه الثقافي والحضاري الليبيرالي وعلى رأسه الولايات المتحدة، وانتهاء الحرب الباردة التي مزقت العالم إلى معسكرين. وصدام الحضارات الذي لا مفر منه كما حدده صمويل هنتنغتون، وأن على البشرية أن تتنبه للمخاطر الآتية من شرق ديني يتمزق ويتحلل. ليكون الانتصار في النهاية للإنسانية بسقوط التوحش وانتصار الحضارة. وكأن الدخول إلى هذه الأخيرة ليس جهداً بشرياً معطى لكل الأمم، وليس قدراً. بمنطق أن هناك أمماً مقدراً عليها الحضارة، وأخرى التحلل والموت. ويصبح الآخرون هم جهنم كما صرح جون بول سارتر بذلك قبل عشرات السنين.
طبعاً أعقبت هذا المنطق حربا الخليج لوأد هذا الشرق الإسلامي والعربي في عمومه، الذي يتهدد البشرية بتوحشه. وتم بموازاة ذلك تطوير آلة التدمير الإسلاموية واللادولة ليصبح النموذج العراقي معمماً عربياً. ظهر النص الروائي الجديد مشفوعاً بهذه القوة الصاغطة واتساع مساحات التطرف الديني ليس في العالم الإسلامي وحده ولكن عالمياً. أي أن الرواية لم تنج من هذا العالم الجديد الذي بدئ التحضير له أيديولوجيا أيضاً وليس عسكرياً فقط. الرواية بوصفها الفن الأكثر شعبية دخلت فجأة هذا القلب واستعارت شكله. بدأت من الفكر المسيحي الكنسي لتنتهي في عمق الإسلاموفوبيا. رواية الخيميائي جعلت من فكرة الحكمة والنزعة الصوفية ذات المرجع الديني أساسها. المهم في كل هذا، الإيمان الداخلي العميق. فالإنسان محكوم بقدرية تتجاوزه.
هناك حس ديني صوفي مبطن. «دافنشي كود» أو «شيفرة دافنشي» لدان براون تحول في زمن وجيز إلى نموذج روائي مميز و«بيست سيلر». لكن المتتبع بعمق للنص سيكتشف أنه مخترق بفكرة التطرف الديني العميق؟ وانقلاب الأديان من إنسانيتها إلى آلة للتدمير والجريمة. ضد التسامح والحياة. أعتقد أن الروايتين تندرجان في خانة الروايات التي لامست المتخيل الديني بمعناه الانساني، أو في أفقه الكنسي. الأرضية القرائية أصبحت تتقبل تيمة الدين والتطرف بسهولة، تدعمها النصوص التي حولتها الوسيلة الدعائية إلى «بيست سيلر». هذه الأرضية الخصبة سياسياً بعد أن أصبح التطرف الإسلاموي الشغل الشاغل، لحقت بعدها روايات أخرى جعلت من المعطى الديني هدفها الجوهري لدرجة المعاداة والإسلاموفوبيا مثل «راية الخنوع» لميشيل هولبيك. هناك عملية واضحة جداً هي تصنيع الذوق العام للمستهلك. لتصبح الموضوعة الدينية الإسلاموية مرجعاً حقيقياً للكتابة الروائية لا من موقع التحليل والرغبة في فهم الآخر، ولكن من موقع «الفوبيا» المضادة للإسلام. وبُدِئ في تصنيع الذائقة وفق ما يريده الأقوى والمالك لسلطان القراءة والتأويل، في أفق صناعة عالم جديد.
لم يخرج ذلك عن فكرة تصنيع المجتمع الجديد المبشر به الذي سيصبح فيه الاسلام المتطرف والإسلام أحياناً، العدو الأساسي. وهو ما أدى إلى ابتذال العنصرية والخوف من الآخر ومن الهويات المتعددة لتصبح خطراً على الاستقرار المحلي والعالمي. وندرك جيداً كيف تم خلق هذا العالم التحتي الذي تأثثت الرواية من خطاباته. فقد تمت فبركة هذا العدو مثلما حدده هنتنغتون بمواصفاته الخطيرة المقبلة. وبدأ النموذج العربي المبتغى كحلم على الأقل، ينسحب، ويحل محله نموذج نوستالجي يمجد ماضياً هو في النهاية ماض كولونيالي. وسواء قصد الكاتب أم لم يقصد فقد اندرج جهده داخل هذه الصيرورة التي ترى في الماضي الاستعماري نموذجها الإنساني والحضاري أمام حاضر سيدته الدكتاتوريات والتخلف والتراجع المستمر.
«عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني شكلت نموذجاً في هذا السياق يستحق التأمل ضمن هذا السياق من المعطيات. ولم تخرج رواية «قسم البرابرة» للجزائري بوعلام صنصال عن هذه الرؤية حيث يصبح عدو الأمس فجأة، ناعماً، أملس الجلد وتم، عن قصد أو غير قصد، إخفاء كل النتوءات الجلدية والبشاعة الاستعمارية.
بحسب الموقع الذي نكون فيه، نعم، عالم الخمسينيات كان جميلاً وساحراً إذا كنا في دائرة المعمر المستفيد من ذلك كله. ولكننا إذا كنا في دائرة المواطن الفقير المستغَل الذي سُرِقت أرضه، سيكون العالم الممجد عالماً استعمارياً قاتلاً، وكان يحتاج إلى انتفاضة حقيقية وثورة لاقتلاعه من جذوره.
هذه الرواية العالمية الجديدة أريد لها في النهاية أن تكون التعبير الثقافي والأدبي والأيديولوجي عن عالم يتم اليوم تصنيعه وتمريره والقبول به أيضاً، وهذا يتجاوز بالضرورة إرادة الكتّاب أنفسهم. أما إعادة تركيب هذا العالم الجديد كلحظة استعمارية بلون زمانها وعصرها ضمن حلقات مترابطة، فهذا لن يمر بسهولة، لن يجد مسالكه معبدة للعبور نحو قارئ هو بدوره يتم تصنيعه وفق معطيات النظام العالمي الجديد.
واسيني الأعرج
العالم بعد أن أصبح غارقا في الواقع الذي أحالته إليه الأنانية الطاغية المتلوّنة بالسياسي البراغماتي ما عاد ينصت لصوت العقل الذي يدين كل تدخّل من قبل الأهواء التي تصنع إنسانا يدين بالقوّة ولها يسخّر كل ما يملك من أجل أن تؤمّن له وجودا فردوسيا ولو على حساب وجود الآخرين الذي يرتمون جرّاء هذه الطاغوتية السياسية الغربية في واد من التيه والإنقسامات والفوضى اللاخلاقة، ولعل تداعيات الربيع العربي تمثّل هذا الجنوح نحو عالم تسوده القوة وتسيّره الأهواء وتبنيه فراديس المتخيّل التي منها تمتح “الرواية الجديدة” كما أسميتها، وسواء قاربت الرواية أزمة الإنسان في مأزقه الوجودي او كانت سببا مباشرا في إزاحة وجه البشاعة عن الماضي الإستدماري، فإنها تخلق نوعا من التنديد الرمزي للواقع الذي أصبح يشك في وجوديته، ولا ينزاح شكه هذا إلا إذا أحاط حركته بآلة التدمير لأجل أن يفسح لقدمه موطئا يبني به مجالا حيويا يقتات منه ويزيد في عمره الأرضي.
لا يمكن للكاتب الروائي أو أي “فنان” في أي تخصص ابداعي كان ، التنصل من حيثيات واقعه و تجلياته المحيطة به ، شأنه في ذلك ، شأن السياسي و الإقتصادي ..، والرواية مهما طغت عليها صفة الخيال الابداعي لا يسعها المكابرة و التنكر للواقع الانساني المعاش ، وللأسف ، رغم أن الفن خُلق للإرتقاء بذوق الإنسان و سلوكاته، أصبحنا نشهد اليوم ذلك الهبوط المُخجل أخلاقيا و ابداعيا ، الى قعر الظلمات..قعر العنصرية و الكراهية ..وللأسف الكتابة الروائية للبعض في الشرق و الغرب ، دلت بدلوها و هبطت مع الهابطين (أخلاقيا)..تحياتي أستاذي واسيني.
لست بالناقد الادبي ولكن ما تناهى الي عن تعريف للروائي المبدع هو حياكته لعالمه الروائي
–
على انقاض الواقع الذي يشكل للروائي هدفا لإعادة تشكيله ، أما و أن يصبح المبدع متواطأ
–
مع صناع واقع لا يتربطهم بالفن صلة فالإبداع إذا قد وقع اسير الإتباع
–
وتحياتي للأديب وسيني
الاستذالمحترم: أحسنت