الرياض اليوم مركز ثقل جديد… تعج بالمنفيين السياسيين وفيها حكومة منفية وقادة هاربون…

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: انتهت القمة الأمريكية- الخليجية التي حاول فيها الرئيس الأمريكي باراك أوباما تطمين حلفائه من قادة دول مجلس التعاون الخليجي بعد ما سادها من أجواء التوتر وعدم الرضى السعودي حول منظور اتفاقية مع إيران بشأن ملفها النووي.
وهذا لا يعني أن القمة لم تكن مهمة أو تاريخية مهما كانت نتائجها. فقد أعادت تشكيل طبيعة العلاقات بين أمريكا ودول الخليج وجاءت في ظل الحملة التي تقودها السعودية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران وهي أول عملية عسكرية تقودها الرياض منذ سنوات طويلة.
ورغم تغيب معظم قادة الخليج وعلى رأسهم الملك سلمان بن عبد العزيز الذي اعتذر في اللحظة الأخيرة متعللا بالأزمة في اليمن إلا أن الرئيس باراك أوباما نجح في انتزاع دعم خليجي لمساره التفاوضي وإن جاء الدعم العربي مشروطا بعملية شاملة تكبح جماح إيران وتدخلها في شؤون الدول العربية.
وانتهت ليلة الخميس دراما كبيرة ركز فيها الإعلام الأمريكي على مطالب دول الخليج من ناحية تعهد مكتوب للدفاع عن مصالحها في حال تعرضت لهجوم خارجي. ولكن القمة انتهت بتعهد من الولايات المتحدة بحماية دول الخليج من أي اعتداء خارجي بدون توقيع معاهدة دفاع مشترك على غرار المعاهدة مع اليابان وكوريا الجنوبية أو تلك التي تضبط علاقات دول حلف شمال الأطلنطي.
وأكد أوباما في مؤتمره الصحافي على أن «الولايات المتحدة مستعد للعمل بشكل مشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي لمنع ومواجهة التهديدات الخارجية التي يتعرض لها أي عضو في مجلس التعاون ويهدد سيادتها على أراضيها».
وقد وردت كلمة «الخارجية» ست مرات في البيان الختامي وهي تلمح بشكل واضح لإيران التي وسعت نفوذها من العراق عبر سوريا ولبنان إلى اليمن. ولكن الكلمة مهمة لأنها تحل البيت الأبيض من مسؤولية التدخل في النزاعات المحلية والإنتفاضات ضد الأنظمة الديكتاتورية كما حدث في ثورات الربيع العربي التي شهدتها تونس ومصر ولييبا وغيرها.
ويشكل الموضوع حساسية للإدارة الأمريكية خاصة أن معظم دول الخليج هي ملكية وراثية يتراوح سجلها في مجال الحريات والأنظمة السياسية.
وقد بدا موقف الرئيس أوباما منها واضحا في لقائه مع صحيفة «نيويورك تايمز» حيث تحدث الشهر الماضي لتوماس فريدمان قائلا «أعتقد أن التهديد الأكبر الذي يواجهونه قد لا يأتي من غزو إيران» و»لكن من المحرومين داخل بلادهم، وهو نقاش صعب ولكن علينا التطرق إليه».
وقد تردد صدى التصريحات في كل أنحاء العالم العربي وأغضبت دول الخليج. وفي سياق القمة تعهدت دول الخليج بالعمل بشكل مشترك مع الولايات المتحدة لتعزيز النظام الصاروخي والتعاون في المناورات والتدريب ومكافحة الإرهاب وأمن البحار والأمن السايبري.
وفي الوقت نفسه قلل الرئيس أوباما مما ورد هذا الأسبوع في صحيفة «نيويورك تايمز» عن محاولة بعض دول الخليج الحصول على برامجها النووية كي توازي البرنامج الذي سيسمح لإيران الإحتفاظ به ولكن تحت الرقابة الدائمة.
ورغم ترحيب السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير بنتائج المؤتمر إلا أن المملكة لم تخف الحس بالغبن الذي تراه من الولايات المتحدة. فالرياض التي قامت بتجميع تحالف لخوض حرب تقول إنها اضطرت إليها بسبب تصرفات الحوثيين تعرضت للإنتقاد من الولايات المتحدة حول الطريقة التي أدارت بها الحرب والأزمة الإنسانية التي نتجت عنها.

ضغوط
ولهذا السبب تقول مجلة «إيكونوميست» في عددها الأخير إن الملك سلمان يتعرض لضغوط من أجل الحفاظ على الهدنة. وقد خففت المملكة من غاراتها على اليمن التي استمرت مدة 50 يوما. وفي الوقت الذي خف فيه مستوى العنف من جانب الحوثيين إلا أنهم استمروا بدعم من فرق موالية للرئيس السابق في مواجهة المقاتلين المعادين والقبائل في المنطقة الغنية بالنفط في محافظة مأرب وفي ميناء عدن المهم ومحافظة تعز.
وتقول المجلة إن قلة من المواطنين اليمنيين يتوقعون استمرار الهدوء وهو ما يثير قلق منظمات الإغاثة الدولية التي دفعت من أجل التوصل للهدنة وإيصال المساعدات الإنسانية. ويقول عمال الإغاثة إن سكان البلد البالغ عددهم 24 مليون نسمة يواجهون مجاعة، خاصة أن الحصار البحري الذي فرض لمنع وصول السلاح للحوثيين يمنع من وصول المواد الغذائية.
ولا تتوفر لنصف السكان المواد الأساسية فيما شردت الحرب أكثر من 300.000 نسمة. ويخشى مسؤولوا الأمم المتحدة الذين عادوا إلى اليمن من أن يؤثر استئناف العمليات العسكرية على توزيع المواد الغذائية.
وقد يعاود السعوديون الحملات العسكرية وتشير المجلة إلى أن أنهم اعتبروا معظم محافظة صعدة معقل الحوثيين منطقة عسكرية مع أنهم أعلنوا وقف العمليات العسكرية بضغط أمريكي. وترى المجلة أن الملك سلمان يعي حجم الأزمة الإنسانية حيث افتتح مركز الملك سلمان للإغاثة والعمل الإنساني في الرياض وتبرع بـ 275 ملبون دولار لليمنيين.
لكن الملك الجديد الذي استلم السلطة بعد وفاة أخية الملك عبدالله في كانون الثاني/يناير يحتاج لتقديم الحرب كقصة نجاح. فنجله الأمير سلمان، وزير الدفاع هو الذي يدير دفتها. وترى المجلة إن الحوثيين حتى هذا الوقت نجحوا بتعزيز مكتسباتهم في عدن.
وفي المقابل يرى السعوديون أن الحملة تسير في الإتجاه الصحيح وهم والحالة هذه راغبون في مواصلتها بعد انتهاء الهدنة الإنسانية. ولكن الهدنة قد تمنح السعوديين فرصة لفك ارتباطهم، فهم يقومون بتدريب وتسليح 3.000 من مقاتلي العشائر. وهناك بعض الدول الأعضاء في التحالف تعتقد أنه يمكن إقناع صالح بتغيير موقفه. وستقوم الرياض غداً الأحد باستضافة مؤتمر لمناقشة الحل السياسي ولن يحضره الحوثيون ولا إيران.
والمهمة الكبرى لجمع كل الأطراف ستترك للأمم المتحدة التي عينت مبعوثا جديدا لها في اليمن وهو إسماعيل ولد شيخ أحمد خلفا لجمال بن عمر الذي استقال من مهمته.
وتعلق المجلة على قمة كامب ديفيد التي دعا إليها أوباما قائلة إن السعوديين أصبحوا أقل استعدادا للإستماع لأمريكا من ذي قبل كما بدا في قرار الملك سلمان عدم حضور القمة. فالسعوديون لم يعودوا يعتمدون على أمريكا.
ويعتقدون أن الحرب في اليمن ليست إلا نذيرا سيئا لعدم الإستقرار في المنطقة والتي ستزداد سوءا حالة وقعت واشنطن اتفاقا مع إيران.

حزم
كل هذا جعل من الرياض بمثابة مركز وقبلة للمعارضة والهاربين من بلادهم. وهنا يتساءل تايلور لاك في صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» عن الأسباب الكامنة وراء استعراض السعودية عضلاتها.
ويتحدث الكاتب في البداية عن الدعم الشعبي السعودي في اليمن والكيفية التي استقبل بها السعوديون مؤتمر العميد أحمد العسيري، المتحدث باسم عاصفة الحزم حيث توقفت الحياة في الرياض وكأن السكان على موعد من حلقة من دراما تلفزيونية. فيما انتشرت اليافطات والملصقات التي باركت الغارات الجوية التي تجعل السعودية في حال حرب منذ أكثر من ربع قرن.
وشبهت القنوات الإعلامية الغارات على اليمن بأنها مثل «معركة الخزاز» والتي ثارت فيها القبائل العربية على الغزاة الفرس لليمن قبل 1500 عام. ويقول لاك إن الرأي العام لا يدعم فقط الحرب الجديدة في اليمن ولكن دور السعودية في الشرق الأوسط «كشرطي» يملأ الفراغ الذي خلفه الأمريكيون وراءهم.
وينقل عن محمد حمدان، مهندس كهربائي «غدا ستندم الدول العربية التي لم تقف معنا»، «فإما معنا أو ضدنا».
ويرى الكاتب إن المشاعر الوطنية الواضحة هي تعبير عن موقف سعودي حازم وجريء حيث تحاول السعودية توسيع دورها السياسي في الشرق الأوسط وحول العالم. فبعد أقل من خمسة أشهر من نقل السلطة في البلاد بعد وفاة الملك عبدالله ها هي السعودية في ظل الملك سلمان تنظر خلف حدودها وتحاول لعب دور سياسي واقتصادي نشط.
دور يترك أثره على موازين القوة في المنطقة التي تشهد تغيرات كبيرة لم تشهدها منذ قرن. وكدليل على التحولات السعودية هي استعراضها للقوة العسكرية في اليمن ودعمها للمعارضة السنية سوريا لمواجهة التأثير الإيراني في المنطقة. كما أنها عدلت من سياساتها النفطية حتى يكون لها نفوذ في العواصم الأجنبية. وتعيد في الوقت نفسه النظر في قوتها العاملة من أجل تقوية اقتصادها وتمارس سلطة على ما يقال على المنابر.
وقرأ لاك مثل غيره في قرار الملك سلمان إرسال ولي عهد الأمير محمد بن نايف ونائبه الأمير سلمان نوعا من الرفض للولايات المتحدة. فالرسالة واضحة وهي أن السعودية لن تكون جاهزة حسب الطلب الأمريكي. ومع ذلك فالتحولات السعودية تأتي وسط مجموعة من المشاكل: حرب باردة مع إيران، نزاع في سوريا، صعود لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وعنف في اليمن وهو ما أدخل السعودية في أكثر ساحة حرب ولأول مرة في تاريخها. وفي الوقت نفسه تواجه السعودية مشاكل تطرف داخلية ونقد غربي بسبب سجلها الفقير في مجال حقوق الإنسان.
ويتساءل إلى أي مدى سيكون في إمكان السعودية المضي في هذا الطريق وماذا يعني كل هذا للمنطقة؟ وينقل في هذا عن رئيس تحرير جريدة « الرياض» هاني وفا «اعتمدت السعودية ولعقود على حلفائها وكانت تنتظر الإجماع والضوء الأخضر بدلا من العمل على حماية مصالحها في المنطقة والعالم». ويشير «لدينا الرأسمال السياسي والعسكري ونحن مستعدون لاستخدامه».

عاصمة للمعارضة
ويتحدث لاك عن تحول العاصمة السعودية إلى عاصمة للمنفيين السياسيين، مثل وزير الخارجية اليمني رياض ياسين الذي يعمل من فندق خمسة نجوم ويتخذه مقرا للخارجية ويعقد فيه مؤتمرات صحافية.
ويقول ياسين «لقد كرست السعودية جيشها ومصادرها لحماية الشعب اليمني والحكومة الشرعية». وقال «في اليمن نعيش في سجن وفي السعودية يمكننا أن نحكم».
ويقول لاك إن الرياض تحولت في السنوات الأخيرة لعاصمة للمنفيين والديكتاتوريين الذين أطيح بهم. ويعتبر احمد الجربا، رئيس الإئتلاف الوطني السوري السابق الرياض بيته وكذا عدد من قادة الجيش السوري الحر الذين يأخذون تمويلا وتوجيهات من الرياض. ويعيش الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بهدوء في العاصمة منذ عام 2011.
ويرى أن قائمة المنفيين والقادة المنبوذين هي تعبير عن سياسة المملكة الفاشلة في احتواء إيران. ففي ظل الملك عبدالله اعتمدت السعودية على مجموعة من الجماعات الموالية لها لمواجهة إيران ووكلائها. وقد أنفقت منذ عام 2005 أكثر من 30 مليار دولار قدمتها لجماعات مسلحة وقبائل في العراق ولبنان والبحرين مما أدى لخلق شبكة سنية واسعة مرتبطة بالرياض. وبحلول عام 2014 اكتشفت السعودية محدودية حروب الوكالة التي تخوضها، فقد توقفت حملات وفشلت حروب وسحقت انتفاضات. وفشلت حركة سياسية شبه سنية للوقوف أمام حزب الله في لبنان وتراجعت قبائل سنية امام النفوذ الإيراني في العراق.فيما صمد الأسد خلال السنوات الأربع الماضية.
وجاءت الضربة القاصمة للجهود السعودية في كانون الثاني/يناير 2015 عندما سيطر الحوثيون على الحكومة في اليمن. ويقول شخص مطلع «ظلت السعودية ولعقود صامتة على تدخل إيران في الشؤون العربية»، مشيرا إلى ان دخول إيران اليمن كان «خطا أحمر».
ومن هنا جاء التدخل في اليمن لإعادة الحكومة الشرعية التي لا تزال في الرياض رغم شهر من الغارات الجوية.
ومهما كانت نتائج العملية فإن الهدف منها كما يقول المحللون والسياسيون كان إرسال رسالة للحلفاء والأعداء، أي الولايات المتحدة وإيران ومفادها أن السعودية قادرة للإعتماد على نفسها. ويقول عسكري سعودي «نحن كدولة مستعدون للتحرك ضد العدوان حتى عندما يحرف حلفاؤنا أعينهم عنا».
ويرى سعوديون إن بلادهم اليوم في مقدمة الدول العربية فكما يقول جاسر الجاسر، مدير صحيفة «الجزيرة» السعودية «لو نظرت حولك فكل القوى التاريخية العربية – العراق وسوريا ومصر تعاني من الفوضى» و»هناك حاجة لقوة عربية كبرى في المنطقة وقد تقدمت السعودية في ظل سلمان لتصبح قوة».
وفي الوقت الذي يتباهى فيه القادة العسكريون السعوديون أن بلادهم تحركت في اليمن بدون إعلام الولايات المتحدة إلا أن مسؤولا غربيا في الرياض «كنا نعرف أن السعوديين سيتحركون في اللحظة التي يقترب فيها الصراع من حدودهم» و»ما لم نكن نعرفه أنهم كانوا سيحولونه إلى تحالف سني». ويرى لاك إن السعوديين يحاولون لعب دور عسكري في المنطقة بشكل يذكر بعقيدة جورج بوش الإبن والحرب الوقائية. ويقول عسكري سعودي «هذه ليست حربا» بل «هي هجوم وقائي».

النفط
جانب آخر من جوانب الحزم في السياسة السعودية هو النفط، فقد حافظت السعودية على مستويات إنتاجها في وقت استمر فيه اسعار النفط بالإنخفاض ورغم العجز بقيمة 38.6 مليار دولار جراء هذا القرار. والسبب كما يقول لاك أن السعودية أضرت بإيران التي لا تملك مثل السعودية احتياطي مالي بمليارات الدولارات لتخفيف الصدمة.
وتأثرت بالدرجة نفسها روسيا التي لم تغير موقفها من النظام السوري مثل إيران. وبحسب هشام ملحم من قناة «العربية» في واشنطن «يعتبر الحفاظ على مستوى انتاج النفط الوسيلة السعودية الجديدة في السياسة الخارجية».

qal

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية