الرياض وطهران: شتان بين الجربا وسليماني!

حجم الخط
16

 

في وسع المرء أن يبدأ معادلة التصارع الإقليمي الإيراني ـ السعودي من هذا المشهد المتناظر: احتضان المملكة لملتقى المعارضة السورية الذي عُرف باسم الرياض ـ 2، والذي بدأ في هيئة مسرحية ركيكة الإخراج، وانتهى إلى نتائج أشدّ هزالاً؛ مقابل مشاركة الرئيس الإيراني حسن روحاني في قمة سوتشي الثلاثية، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الروسي المضيف فلاديمير بوتين، والتي انتهت إلى تفاهم متقدم حول مستقبل سوريا، الانتفاضة الشعبية والنظام معاً.
وليس الأمر أنّ التناظر كان فاضحاً بين فشل الرياض ونجاح سوتشي، فحسب؛ بل حقيقة أنّ الرياض ـ 2 بدا بمثابة تمرين أوّلي قوامه تأهيب هذه «المعارضة» السورية لمؤتمر سوتشي المقبل، الذي تنظمه موسكو أيضاً وتخطط لتحويله إلى منصة هائلة لتطبيق «التسوية السياسية» كما ترى عناصرها، أو كما توافقت عليها مع طهران وأنقرة؛ بعد تعهيد من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، و(كما تقول مؤشرات كثيرة) إيماءة رضا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
في عبارة أخرى، بدل أن يكون الرياض ـ2 ورقة ضغط سعودية في الملف السوري، أسوة بما امتلكت تركيا وإيران من أوراق، لا يلوح أنّ نجاح المملكة في جمع أشتات «هيئة التفاوض» والفصائل و«هيئة التنسيق» والمستقلين والمستقلات ومنصتَي القاهرة وموسكو… يمكن أن يُترجم إلى أيّ مقدار من فرض بعض عناصر الأجندة السعودية في ترتيبات المستقبل القريب ذات الصلة بالملف السوري، في جنيف وأستانة وسوتشي.
هذا بالرغم من أنّ زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كان يُفترض بها أن تقرّب الرياض من المشروع الروسي حول سوريا، خاصة بعد «الانقلاب» الجذري في خيارات المملكة بصدد مصير بشار الأسد، والذي كان قد اتضح قبل شهرين خلال الاجتماع الشهير بين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والمنسق العام لهيئة التفاوض السورية رياض حجاب. واقع الحال أنّ طلب انتساب المملكة إلى النادي الذي تديره روسيا، لم يمنحها عضوية مكافئة لتلك التي تتمتع بها إيران، أو حتى تركيا.
وقد يساجل البعض بأنّ السعودية ليست موجودة عسكرياً على الأرض السورية، كما هي حال روسيا وإيران وتركيا؛ وهذا عامل مرجِّح وجدير بالاعتبار، غني عن القول. غير أنّ المملكة، وطيلة ستّ سنوات على الأقلّ من عمر الانتفاضة الشعبية في سوريا، نجحت في تجيير شرائح واسعة من هذه «المعارضة» السورية لصالح أجندتها، وبالتالي صارت الرياض رقماً تفاوضياً كلما توجب أن تشهد المحافل الدولية ومؤتمرات التفاوض حضوراً للمعارضة إلى جانب النظام. وليس ببعيد ذلك الزمن الذي كان فيه أحمد الجربا، رئيس الائتلاف الأسبق، رجل السعودية أكثر مما هو ممثل تلك «المعارضة»؛ وليس إقصاؤه اليوم عن صفّ «المعارضين» السوريين الموالين للمملكة إلا علامة بيّنة على انحسار نفوذ الرياض في هذه الورقة.
في المقابل، يمكن ـ مع حفظ الفوارق الكثيرة، بالطبع! ـ استدعاء مثال الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس»، وضابط الإيقاع كليّ الحضور في سوريا والعراق، وربما في اليمن أيضاً، في أيّ وقت قريب؛ والذي، لإنصاف حقائق التاريخ، استُقبل في الكرملين بأحسن مما استُقبل به الجربا في البيت الأبيض. صحيح، هنا أيضاً، أنّ سليماني إيراني الجنسية، وضابط في «الحرس الثوري الإيراني»؛ ولكنّ الجربا، في المقابل، قبل وخلال رئاسة الائتلاف، لم يفتقر إلى دعم السعودية الأقصى، سياسياً ودبلوماسياً ومالياً.
وهكذا، فضلاً عن مشهد المسرحية الركيكة في الرياض، مقابل النجاح الجلي في قمة سوتشي؛ ثمة عناصر كثيرة ترجح كفة التفوق الإيراني، راهناً بادئ ذي بدء، ثمّ لاحقاً كذلك. فالقادم أعظم… أغلب الظنّ!

الرياض وطهران: شتان بين الجربا وسليماني!

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح //الأردن:

    *شئنا أم أبينا ؛-
    (إيران وروسيا وتركيا) لها اليد الطولى
    في سوريا وتستطيع (إن حسنت النوايا )
    فك العقد وإنهاء المحرقة والمأساة
    في سوريا .
    سلام

  2. يقول firas/yamen:

    الاستاذ صبحي يتكلم عن الحق و الحقيقة و هذه هي مهنة الكاتب الحقيقي و هذا لا يعني انه منحاز لايران و لقاسم سليماني ،بل هو يكشف الفرق بين دولتين و شخصين على لهم نفس الدور والمهمة .

  3. يقول عبدالله:

    للاسف البعض ينطلق من منطلقات ليس لها علاقة بالواقع فالاستاذ صبحي يوصف الواقع بعيدا عن الخلفيات الطائفية والاوهام التي عشعشت في اذهان البعض الذين لايريدون رؤية الحقيقة بل يريدون ان يعيشوا في هذه الغيبوبة التي عاشها العرب للاسف لسنوات طويلة باسم العرب والاسلام وهم ابعد مايكون عن العروبة والاسلام, هل العروبة ان تجوع اخاك العربي وتقتله وتجعل الامراض تفتك به كما يحصل في اليمن؟ هل العروبة والاسلام ان تتهم دولة بالارهاب بين ليلة وضحاها وتحاصرها كما يفعل في قطر؟ هل العروبة والاسلام ان تدفع الشعب السوري للثورة ثم تتخلى عنه حفاظا على كبرياء زائفة كما تفعل السعودية

  4. يقول سلام عادل(المانيا):

    ليست المقارنة بين سليماني والجربا موفقة لان ايران هدفها من التدخل في سوريا لصالح النظام هو اولا حماية لحزب الله في لبنان وكذلك مصالحها وفي حال سقط النظام بالتاكيد كان سياتي الاخوان المسلمون للسلطة وهذا كان هدف تركيا الاساسي من التدخل والانقلاب على النظام اما الدول العربية التي تدخلت في القضية السورية كان هدفها الاساس اضعاف البلد لكي تنفرد هي بالقرار العربي كما تريد كما حصل مع العراق فلا يمكن لدول لا تؤمن بالديمقراطية او تداول السلطة اوحرية الصحافة اوان تكون لها برلمانات حقيقية كدول الخليج ان تساند الشعب السوري لكي يكون حر وينتخب حكومته وتكون له احزاب حقيقية وبرلمان فهذا ما تحاربه تلك الدول لكي لا يصل اليها

  5. يقول بلحرمة محمد:

    الفرق بين النظام السعودي وايران ان الاولى تخدم الاجندات الخارجية وبالضبط الصهيوامريكية مقابل الحماية اما الثانية فلا نقول انها حمل وديع ولكنها في حقيقة الامر تتفوق على النظام السعودي لانها بكل بساطة تخدم مصالحها ولا توزع الاموال دات اليمين ودات الشمال لشراء الدمم والمواقف بل تستغلها لبناء قدراتها الداتية.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية