الرياض وطهران: 35 دقيقة قد تهزّ المنطقة

حجم الخط
19

 

لم تكن مصادفة أنّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما اختار البرلمان التركي (وليس الأندونيسي مثلاً، كما قالت ترجيحات مبكرة يومذاك) لمخاطبة العالم المسلم، في مستوى شعوبه وقضاياها الكبرى، إسوة بأنظمته ومصالحها الصغرى؛ وذلك في أوّل إطلالة دولية، لأوّل رئيس أمريكي أسود، ولد لأب مسلم. ولسوف تتولى تلك الخطبة التشديد على البُعد الثقافي (الديني والحضاري والتاريخي، في معانٍ أخرى) وراء خطوة كهذه بصفة خاصة، ثمّ إبراز الخلفية الستراتيجية والجيو ـ سياسية لعلاقة الغرب بالعالم المسلم، وبتركيا خصوصاً.
وإلى جانب مستقبل التعاون في ملفات سياسية كبرى، مثل العراق وإيران والسلام العربي ـ الإسرائيلي والقضية القبرصية وأفغانستان والباكستان وناغورني ـ كارباخ، كانت الركيزة الفكرية، أو الثقافية لمَن يشاء، في خطاب أوباما هي امتداح التجربة الديمقراطية التركية. وذاك مديح شمل سيرورة نشوء تركيا الحديثة (ومن هنا جاءت فقرة التغنّي بشخص مصطفى كمال أتاتورك)، ثمّ التطورات اللاحقة التي عزّزت النظام الديمقراطي التركي (إلغاء محاكم أمن الدولة، وإصلاح قانون العقوبات، وتدعيم قوانين حرّية الصحافة والتعبير، ورفع الحظر عن تدريس اللغة الكردية…). وعلى نحو مبطّن، ولكنه غير خافٍ بالطبع، خاطب أوباما تركيا بوصفها، أيضاُ، دولة أطلسية تستضيف قواعد عسكرية أمريكية أساسية، تُناط بها مهامّ لوجستية وعملياتية لا يُستهان بها.
جرت مياه كثيرة في أنهار تركيا والولايات المتحدة منذ تلك الخطبة، غنيّ عن القول؛ ولم تكن تركيا في حينه أردوغانية ـ إذا جاز التعبير ـ إلى الدرجة التي هي عليها اليوم؛ كما لم يكن الجوار الإقليمي عاصفاً إلى هذا الحدّ، غير المسبوق: علاقات تركية ـ إسرائيلية لم تشهد، من قبل، هذا المستوى من الخلاف والتوتر والمواجهة؛ و»ربيع عربي» هزّ أنظمة استبداد مكينة عتيقة، وأعاد تركيب معادلات المنطقة الجيو ـ سياسية، بعد أن قلبها رأساً على عقب تقريباً؛ وتنظيمات جهادية متشددة لم تكتفِ بتسعير الممارسات الإرهابية، بل ذهبت بالعنف إلى أقصى أنساقه وحشية وهمجية؛ وتمدد إيراني في المنطقة، أتاح له الغزو الأمريكي للعراق أن يتطوّر إلى مشروع نفوذ إقليمي واسع الجغرافيا وجَشِع الأطماع، يقطع قوس منطقة عريضة تبدأ من العراق وسوريا ولبنان، دون أن تتوقف عند فلسطين والخليج العربي واليمن.
الأرجح أنّ هذا المشهد، المركب والمعقد والزاخر بالمعطيات المتفجرة، كان محور الدقائق الـ35 لاجتماع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء زيارة الأخير للمملكة مطلع هذا الشهر. هذه محادثات «على انفراد»، كما تصف اللغة الدبلوماسية طرازاً من مداولات ساسة العالم، على طاولة تنفرد عن المعلَن لكي تنتهج ما هو مكتوم وسرّي، حيث تُصاغ سياسات كبرى، وتُتخذ قرارات حاسمة. صحيح أنّ البيان الصحفي المشترك، الذي أعقب الزيارة، لم يشر إلى أيّ اختراق دراماتيكي في العلاقات السعودية ـ التركية، في مستوى اللفظ على الأقلّ؛ إلا أنّ علائم كثيرة تنبيء بأنّ تحوّلاً نوعياً سوف يطرأ على تعاون البلدين، في ميادين كثيرة، لعلّ أبرزها احتواء المدّ الإيراني في المنطقة عموماً، وإعادة «جدولة» الأولويات في تحديد الأخطار الأدهى؛ كأن يراجع العاهل السعودي قراءة أخيه الراحل الملك عبد الله لخطر الإخوان المسلمين بالمقارنة مع المدّ الإيراني، خاصة إذا نجحت طهران في انتزاع اتفاق دولي حول برنامجها النووي.
وهكذا فإنّ الأيام القليلة القادمة حبلى بالمتغيرات، أغلب الظنّ، ولعلّ تلك الدقائق الـ35 سوف تهزّ قوس النفوذ الإيراني ذاته، أوّلاً؛ قبل أن تنتقل الهزّات إلى سائر المنطقة، حيث الأرض حاضنة زلازل كثيرة، أصلاً!

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    من لم يرضى بالاسلاميين الاخوان عليه أن يراجع حسابته جيدا
    فالاسلاميين الدواعش سيصبحون البديل
    وعلى نفسها جنت الحكام

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول هوزان سعود - السعوديه:

    ستنتصر السعوديه بحول الله وقوته ستنتصر عرين أهل السنه

  3. يقول سامح // الامارات:

    * من الآخر :
    1 ـ ( أمريكا ) تتعاون وتنسق مع ( تركيا ) لوقف ولجم ( الدب الروسي ) .
    2 ـ ( السعودية ) تتعاون وتنسق مع ( تركيا ) لوقف ولجم ( الوحش الإيراني)
    شكرا .

  4. يقول كريم ايطاليا:

    لم نستبشر خيرا بملك عربي كما نستبشر بالملك سلمان لعله الرجل الدي ياتي الفرج على يديه .الخطر الايراني اشد من اي خطر عرفه العرب في تاريخهم الحديث اترانا نعيد نكبه الاندلس من جديد

  5. يقول محمد علي . الخليج الفارسي / ايران:

    شعوب المنطقة من عرب وفرس واتراك يرفضون الحرب ..

    وشبعت من الحروب والماسي ..

    هذه الحروب لا يكسب فيها احد لا الوطن ولا الشعوب ..

    بل هي هدم للمستقبل واهدار لثروات هذه الامم ..

    السؤال الاصعب الغير مطروح ..

    كيف نبني المنطقة بالتعاون بين العرب والاتراك والفرس ..

    لنتعلم كيف نبني والمنطقة مليئة بالعقول العربية والتركية والفارسية الفذة للبناء والازدهار بدل الهدم والقتل والتهجير والحروب ..

    هل سنرى توجها يدعو للتعاون والبناء والتفاهم والحوار ؟؟

    ارجو ذلك مثلث مثل غيري ..

  6. يقول المنال البعيد:

    الأحداث متسارعة في الشرق الأوسط والسياسة متقلبة اليوم صديقك يصبح عدوك وغدا عدوك يصبح صديقك لاصداقات دائمة ولا عداوات دائمة في ابسياسة؟

  7. يقول wael - USA:

    كلام لا جدال فيه ,
    في أي لعبه هناك الغالب و المغلوب. الاعب و الملعوب فيه.
    هناك الكثير من التساؤلات, لكن ما اظن هو ان تركيا بالاحتياط

  8. يقول nahed sulaiman:

    ولكن يبقى السؤال : ما تفسير ” نأي ” اعلام الحكومة التركية عن أي نقد مباشر لدور ايران في المنطقة وعلى الأقل في دعم نظام الأسد وقيادة حربه ضد الثورة السورية التي لا ينفك هذا الاعلام عن إعلان تأييده لها و مطالبته برحيل الأسد، في حين يعرف السيد أردوغان أنه لولا الدعم الايراني اللامحدود لتحقق من زمن ليس فقط ما طالب به الشعب السوري بل أيضا لما اضطرت تركيا إلى ايواء واستقبال أكثر من مليون لاجىء؟؟

  9. يقول منی مقراني _ الجزائر..:

    واضح أن الملك السعودي الجديد يختلف الی حد ما مع سابقه الملك عبدالله؛ ويتوقع الكثير إعادة النظر في السياسة العامة السعودية سواءا علی الصعيد الداخلي أو الخارجي ؛فرب ضارة نافعة؛ لعل التغول الإيراني في المنطقة وتخطيطها منذ سنوات لإستعادة مجد أمبراطوريتها الفارسية جعل الإدارة السعودية تعيد هيكلة أولوياتها والسعي الی إحتواء او الحد من نفوذ ايران؛ وكما جاء في المثل ان تصل متأخرا خير من أن لا تصل! وشكرا لقدسنا.

  10. يقول ابراهيم البصري من العراق:

    السلفية والاخوان من اسوأ من يمثل الاسلام

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      مبروك عليكم داعش وماعش وحالش

      ولا حول ولا قوة الا بالله

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية