ما العلاقة بين الهبة الشعبية اللبنانية ضد زبالة الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان وبين ركلات مصورة إحدى شبكات التلفزيون المجرية، السيدة بيترا لازلو للأطفال واللاجئين السوريين على الحدود الصربية – المجرية؟
السيدة لازلو التي تعمل في شبكة تلفزيونية تابعة لليمين العنصري المتطرف في المجر اضطرت إلى الاعتذار، ولم تدر، ربما، أن ركلاتها تتصادى مع كلام عنصري أكثر وحشية من الركلات، يحاول تغطية العنصرية والفاشية بحكاية الممانعة إياها.
الركلات تشير إلى ثقافة فاشية عميقة، كما أن الكلام العنصري العربي يشكّل فضيحة أخلاقية تؤشر إلى هلوسات التطهير العرقي التي تصنعها الفاشية الأسدية ومن لفّ لفّها، وهما يتكاملان في موقفهما العنصري، وفي احتقارهما العميق للاجئين مشردين هاربين من الموت، لم يجدوا في العالم العربي ملاذاً، فطفشوا في المراكب والشاحنات.
المسألة ليست السيدة لازلو أو اشباهها من مثقفي هذه الساعة العربية المنقلبة، فهذه مجرد أبواق لنوبة جنون عنصرية تضرب العالم بأسره، وتسعى إلى تحويله إلى مزبلة.
المسألة هي المزبلة والمزبلة تعيدنا إلى بيروت، فأعجوبة الزبالة أو النفايات أعادت لبنان إلى الخريطة العالمية. فريادة بيروت في المسرح السياسي العالمي بدأت مع حربها الأهلية وتفككها، إلى درجة جعلت غورباتشيف، آخر رئيس للاتحاد السوفياتي، يخشى على بلاده من اللبننة! قلنا يومها انها زبطت مع سعيد عقل ولكن بالمقلوب، بدل أن يكون لبنان نموذجاً تحول إلى أمثولة، والفرق بين النموذج والأمثولة مجرد مسألة لغوية، لذا لم يتوقف سعيد عقل عن التغني بالبطولة، حتى لو جاءت على ظهر دبابة اسرائيلية!
الزبالة اللبنانية كانت بهذا المعنى استعارة عربية، وهي استعارة ملائمة لوصف مآلات الأنظمة وتعثر الثورات، التي جعلت من الشعب السوري اليوم رمزاً لإنسانية مفقودة تحاول ترميم نفسها من دون جدوى.
نظام أمراء الحرب وبارونات المال حوّل لبنان إلى مزبلة، أو لنقل انه نقل المزبــــلة من استـــعارة إلى واقع ملمـــوس. فلبنان كان مزبلة في زمن الانتداب السوري، رغم ضجيج الإعمار وأحلامه الوردية، وبقي مزبلة بعد انسحاب الجيش السوري عام 2005. كانت مزبلته خفية، لأنها كانت مغطاة بهيمنة أمنية تكمّ الأفواه، زمن الانتداب، وبقيت خفية بعد خروج الجيش السوري لأنها تغطت بالصراع السياسي الطائفي بين 8 و14 آذار، الذي جعل لبنان يعيش على حافة الحرب الأهلية.
كان يمكن للمزبلة أن تبقى مقفلة لأنها منجم ذهب يجري تقاسمه وإعادة تقاسمه بين الأمراء والبارونات بمعزل عن أي رقابة شعبية. فالشعب مغيّب أو محبط أو خائف، لا يريد من الحياة سوى رمقها الأخير خوفاً من الأعظم. ولكن الشكل المافيوي لسلطة التقاسم والنهب كان لا بد له من أن يخضع لانفجارات دورية، مثلما يحصل في صراعات المافيا. المافيات تصفي حساباتها بالقتل، قبل أن يستعيد توازنها نصابه، أما مافيات الطبقة الحاكمة في لبنان، التي أوصلت النهب في الكهرباء والسدود والأملاك البحرية والخلوي والديون إلى ذروة لا ذروة بعدها، فلعبت بثارات الزبالة. وهنا سقطت في الفخ، وتحولت الزبالة من أزمة يجري حلها عبر إعادة تقاسم أموالها إلى كارثة.
أغلب الظن أن الطبقة الحاكمة لم تستوعب فداحة لعبتها إلا بعد فوات الأوان. كانت تعتقد ان رمي الزبالة في وجوه الناس، وتركها تتعفن في الشوارع والأحياء، ليس أكثر من تصفية حسابات بين أطرافها، ستنتهي بتسوية قائمة على إعادة توزيع أموال النفايات.
وهذا ما حصل عندما فض وزير البيئة محمد المشنوق العروض المقدمة من شركات تابعة أو مقربة من الزعماء السياسين إياهم، لكنها لم تزبط معهم، لأن الناس احتلت الشوارع، ولأن مجموعة من الشبان أعلنت الإضراب عن الطعام حتى يستقيل الوزير.
طافت الزبالة على الطوائف اللبنانية الكريمة، وهي تحاول اليوم ترقيع هيمنتها بمشروع غامض أعده وزير الزراعة، مليء بالثغرات التي ستسمح للمنهبة إياها بأن تُطل برأسها من جديد ولكن بعد هدوء العاصفة.
لكن العاصفة لن تهدأ، فالزبالة أعلنت زمناً سياسياً جديداً في لبنان، من السابق لأوانه رسم ملامحه اليوم. فالشابات والشبان الذين أعادوا لنا بيروت وأخرجونا من القرف واليأس، في حملة «طلعت ريحتكم»، وغيرها من المجموعات التي تشكلت وتتشكل، أعلنوا أن مشروعهم هو تنظيف لغة الزبالة السياسية بالزبالة. فالحضيض الذي وصلنا إليه هو آخر الحضيض، أو يجب أن يكون كذلك. وما بعد بيروت المزبلة لن يشبه ما قبلها. فبعدما أغرقونا في الروائح الكريهة، كشفوا كل عوراتهم ونذالتهم، ولم يعد من الممكن المصالحة مع هذا النظام.
هذا الانفجار اللبناني الكبير سمح بما لم يكن يخطر في بال أحد، إذ استعاد اللغة العلمانية اللاطائفية، وأعاد الاعتبار إلى فكرة الوطن، وأعلن ضرورة تغيير لا تزال ملامحها بحاجة إلى التبلور.
مزبلتنا في لبنان بصفتها استعارة عربية تفتح السؤال الكبير الذي يبدو ان كل اللاعبين الدوليين والإقليميين والمحليين عاجزون عن سماعه. ففي العراق، كما في لبنان، شعور عارم بأن المزبلة الطائفية هي أم الفساد، وأن الحروب الطائفية هي غطاء للفساد والنهب وامتهان الكرامات، وأن شرط الخروج من الحرب الأهلية ليس العودة إلى النظام القديم الذي صنع الحرب، بل الثورة عليه.
الشعار الذي ارتفع في بيروت: «كلّن يعني كلّن»، يحمّل مسؤولية تحويل لبنان إلى مزبلة إلى جميع أطراف النظام اللبناني من دون استثناء أحد. هذا الشعار يصلح أيضاً للعالم العربي الذي حوله الاستبداد والعته الأصولي إلى مزبلة. نعم «كلن»، من المحيط إلى الخليج، «كلن يعني كلن»، في العراق وسورية وفلسطين ومصر وليبيا والخليج وإلى آخره.
الياس خوري
يرجى قراءة ما تعنيه الزبالة بالمنام
وخاصة تفسير ابن سيرين وستندهشون من التطابق
ولا حول ولا قوة الا بالله
صدقت يا سيد خوري،المزابل تحكمنا،وهذا هو الصحيح،أني اشتم رائحتهم عن بعد ثمانية آلاف ميل،وشكرا لكاتبنا العزيز
كما في المثل: كل ديك على مزبلته صياح, لذلك الحل إما تقسيم البلد الى مزابل يصيح كل زعيم فيها كما يحلو له أو أن يكون هناك ديك واحد ومزبلة واحدة, لا مفر من المزبلة, الدنيا كلها مزبلة أو كما سماها أبو العلاء المعري – رحمه الله- جيفة أو ميتة (بكسر اليم) قال:
أصاح هي الدنيا تشابه ميتةً …………ونحن حواليها الكلاب النوابح
فمن ظل آكلاً منها فهو خاسراً…….. ومن عاد عنها ساغباً فهو رابح