الزناة والبيت الأبيض

حجم الخط
12

 

مع اقتراب هيلاري كلينتون من حيازة بطاقة ترشيح الحزب الديموقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية، خريف هذا العام، يصحّ استذكار واحدة من الحكايات المثيرة التي تخصّ علاقة نساء أمريكا بالتصويت والانتخاب. فلقد كانت فكتوريا كلافلن وودهل (1838 – 1927)، أوّل امرأة أمريكية تطمح إلى بلوغ البيت الأبيض، وقد لقيت فشلاً ذريعاً لثلاثة أسباب: أنّ النساء في أمريكا لم يحصلن على حقّ التصويت القانوني التامّ إلا في سنة 1920، بالمقارنة مع ديموقراطيات غربية أخرى: الدنمارك سنة 1913، ألمانيا 1918، هولندا 1919، بريطانيا 1928، فرنسا 1944… السبب الثاني أنّ السلطات الحكومية، المسؤولة عن تسيير الأمور الإدارية للانتخابات، رفضت إدراج اسم وودهل على لوائح المرشحين، وبالتالي لم يكن ممكناً، أصلاً، التصويت لها ببطاقات اقتراع نظامية. وأمّا السبب الثالث، الطريف، فهو أنّ المرشحة لم تكن، نهار الانتخابات تحديداً، في بيتها أو في مقرّها أو في أيّ من مراكز الاقتراع، بل كانت… تقبع في السجن، بتهمة توزيع منشورات إباحية في صناديق البريد!
لكنّ حكاية وودهل لم تقتصر على هذه المغامرة، بل إنّ أحداث حياتها الصاخبة تُعدّ سيرة لواحد من أبكر فصول نضالات المرأة الأمريكية لنيل حقوقها الدستورية والمدنية والإنسانية، سواء الحقّ في الترشيح والتصويت، أو ارتياد أسواق البورصة (كانت وودهل أوّل امرأة مضاربة في التاريخ الأمريكي)، أو تأسيس صحيفة. ففي عام 1870 أطلقت وودهل جريدة أسبوعية، سرعان ما احتلّت موقعاً سجالياً وإشكالياً بارزاً بسبب نشرها مواضيع محرّمة ومسكوتاً عنها، في شؤون التربية الجنسية وحرّية العلاقات وتحديد النسل، فضلاً عن نشر الترجمة الإنكليزية لـ»البيان الشيوعي» أواخر العام 1871.
بيد أنّ معركتها القضائية مع القسّ هنري وارد بيشر تظلّ الأشهر في هذا الصدد، إذْ كانت باهظة الثمن مادّياً ومعنوياً، من جانب أوّل، كما شكّلت، من جانب ثانٍ، بعض ذريعة السلطات الحكومية في رفض ترشيحها لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، والحكم عليها بالسجن في نهاية المطاف. وبعد خبر اغتيال الرئيس أبراهام لنكولن، تصدّرت هذه المحاكمة أخبار أمريكا في البيوت والمجالس وعناوين الصحف، ولا يمكن مقارنتها ، من حيث حجم الملفات ومقدار الإثارة الشعبية وانقسام الرأي العام إلا بمحاكمة أو. جي . سيمبسون أو فضيحة كلينتون – لوينسكي.
وكان القسّ بيشر، أحد أشهر رجال الدين في زمانه (تمثاله ينتصب اليوم في حديقة كولومبوس، نيويورك)، قد جعل من فلسفة وودهل التحررية موضوعاً دائماً لمواعظه النارية، فأدانها بشدّة، واعتبرها خطيئة ورجساً، وحرّض عليها بعض الصحف الدينية التي بلغت حدّ إظهار وودهل في صورة امرأة/ شيطان. لكنّ تيودور تلتون، وكان من رعيّة كنيسة بيشر، أفضى بسرّ خطير: أنّ القسّ كان زانياً، وأنّ زوجة تلتون، إليزابيث، اعترفت بإقامة علاقة غير شرعية معه. وبالطبع، أصرّت وودهل على نشر الحكاية وفضح نفاق القسّ، فانتقلت الوقائع إلى القضاء والرأي العام، وانتهت إلى عجز هيئة التحكيم عن التوصل إلى قرار (بعد ستة أيام من المداولات!).
تتمة الحكاية كانت تشكيل لجنة تحقيق خاصة غير قضائية، برّأت بيشر من التهمة، ثمّ عادت القضية مجدداً إلى القضاء بعد سنتين، إثر ظهور اعترافات جديدة من إليزابيث تلتون، أسفرت أيضاً عن تبرئة القسّ مجدداً و… إصدار تحريم كنسي بحقّ صاحبة الاعترافات! ولأنّ وودهل لم تلقِ السلاح، وشرعت وأنصارها في توزيع تفاصيل فضيحة القسّ علانية وعن طريق البريد، فقد صدر بحقّها حكم بالسجن لمدّة شهر، قبل أيام معدودات من موعد الانتخابات الرئاسية. القسّ بيشر، في المقابل، واصل حضوره في معظم حوليات التاريخ الأمريكي، بوصفه رجل دين مجدداً في العقيدة المسيحية، مناهضاً للعبودية، و… مدافعاً عن حقوق المرأة!
وعلى سيرة الزنا والزناة، تروي كلينتون في كتابها «التاريخ الحيّ»، أنه مرّت على آل كلينتون حقبة كان فيها الكلب «بَدي» هو الوحيد المستعدّ لمعاشرة عميد الأسرة، الرئيس بيل. وفي قناعة كاتب هذه السطور، كانت السيدة كلينتون خير مَنْ استفاد من الفضيحة، إذْ أنها تصرّفت بذكاء سياسي وسيكولوجي وإعلامي فائق، وسحبت البساط من تحت قدمَي الرجل المستسلم أمام كلّ السكاكين، ثمّ استأثرت بصورة الزوجة/ الضحية التي كبرت على جراحها، وتطلعت إلى أمام وإلى بعيد، أي إلى ما هو أسمى من الفضيحة ذاتها. وهكذا، حين كان بيل لا يعرف من أين تأتيه الطعنات، كان نجم هيلاري يصعد ويصعد، وباتت المحامية السابقة ترنو إلى سدّة أخرى: مبنى الكابيتول، ثمّ البيت الأبيض… رئيسةً هذه المرّة، لا سيّدة أولى فحسب.
وعلى نقيض من فكتوريا كلافلن وودهل، وبمعزل عن تكتيك الضحية التي تذرف الدموع مدراراً، لا يبدو اليوم أنّ المرشحة/ السيناتور هيلاري رودام كلينتون بحاجة إلى عون أشدّ أهمية ممّا يوفّره لها بيل العجوز نفسه، هذا الزاني السابق!

الزناة والبيت الأبيض

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    مجتمع أغلب من فيه زناة أفلا نتوقع أن يكون رئيسهم زاني أو زوجة زاني ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    تعريف الزاني ، او الزانية ، هو من يمارس الجنس خارج مؤسسة الزواج ! او دون زواج !

    البيت الأبيض عبر تأريخ ساكنيه ، ربما يكون الزنا ، وحتى الاغتصاب بمعناه الجنسي ، هو اخف ذنوبهم و اقلها ، اذا ما قورن هذا الذنب بما فعله اولئك بمصائر دول و شعوب باكملها ! بل سيعتبر الزنا فضيلة ربما وفق هذه المقارنة !

    سؤال محير على الهامش : فيما لو اصبحت هيلاري كلينتون اول رئيسة “امراة” للولايات المتحدة ، ما سيكون منصب زوجها بيل كلينتون ؟! السيدة الأولى؟! ، ام السيد الأول ؟! الذي لن يكون مناسباً برأيي ، لأنه يعطي انطباع انه هو الرئيس!

    ذكرني ذلك بتلك النكتة التي يؤكد البعض انها حقيقية ، عندما زار نيكيتا خروشوف رئيس الاتحاد السوفيتي بريطانيا ، فقابل الأمير فيليب زوج الملكة اليزابيث التي لم يكن قد مضى الا سنوات بسيطة على تنصيبها ملكة على عرش بريطانيا ، فسأله خروشوف بخباثة و لسان سليط كان مشهوراً بهما ، عن عمله الذي يقوم به ، فأجابه الأمير فيليب ، من أنه زوج الملكة … فقال له خروشوف ، عفوا …عفواً ، اقصد ماذا تفعل في النهار ؟!!!!

    واضح ان بيل كلينتون ، زير النساء الشهير ، قد تقاعد هذه الأيام من عمله النهاري و عمله الليلي كذلك ، و بالتالي ليس من المؤكد ما سيكون دوره في البيت الأبيض في حال تمكنت زوجته من اعتلاء سدة الرئاسة!

  3. يقول سامح // الاردن:

    * يا عم صبحي .. الله يصبحك بالخير والعافية
    ( الزاني ) عندنا منبوذ ..؟؟
    * الزاني عندهم محترم ورجل متين.. ؟؟
    * الرئيس ( كلينتون ) بعد عملته السودة
    ذهب لزيارة مسقط رأسه في احدى البلدات
    الأمريكية ماذا حصل..؟؟؟
    * خرجت البلدة لاستقباله رافعين شعار
    ( كلينتون ذكر حقيقي ورفع راسنا فوق )؟؟؟!
    * اما بخصوص الانتخابات الامريكية :
    اتوقع فوز ( هيلاري ) والله اعلم .
    سلام

  4. يقول سامح // الاردن:

    * بالنسبة لنا ( العرب ) .. لا نتوقع أي خير
    منهما ( هيلاري وترامب )..؟؟؟
    * كلاهما مع ( اسرائيل ) قلبا وقالبا .
    لكن الفرق : هيلاري تبقى وجه ناعم
    مبتسم ..
    * اما ترامب : كل ما اشوفه ع الشاشة
    ابادر ( اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ).
    سلام

  5. يقول سلمى:

    هيلاري كلينتون وضعت البيت الأبيض نصب عينيها منذ أمد بعيد و لولا طموحها لما بقيت مع زوجها , والله أعلم, لأن خيانته لها مع لوينسكي لم تكن الأولى.

  6. يقول Ahmad ismaeil.Holland:

    بيل كلينتون هو من برج الاسد،ويقول علم التنجيم بأن مواليد الاسد كوكبهم هو الشمس،والمعدن الذهب ،وخصائصهم هي الرفعة والشرف والصدق والنبل ،و سمو الروح ،والمشكلة بيل كلينتون ليس فقط زاني،بل ايضاً كاذب لأن اثناء التحقيق في هذه التهمة استمر بيل كلينتون في الكذب على المحققين لأكثر من سنة وهو ينفي هذه التهمة.

  7. يقول سامي الحوراني فلسطين:

    كما يعلم الجميع أن الزنا عندهم متعة ودونجوانية يتحدث الذكر ببطولته بعدد من يضاجعهن وكذلك الأنثى ،،،بل بعضهن قامت بتحدي أن تنكح آلآف المرات من شعوب العالم وأعدت لتحقيق الهدف الرحال والحملات الإعلامية قبل أن تبدأ خط سيرها المحدد سلفا ً، فهذا مجال فخرهم ،،،،،، أما الفضيحة المخزية هي الإغتصاب ( بدون رغبة الطرف الآخر )
    اللهم نسألك العفو والعافية منهم ومن أعمالهم وأخلاقهم وما سيؤولون اليه ٠

  8. يقول اسمهان باريس:

    لم تكن هناك اي خيانة لكلنتون .
    اللوبي الصهيوني من اوقع كلينتون و لفق القضية.و السبب هو بداية تخليه عنهم و قال في صحيفة ان اسرائيل خرجت عن نطاق اهتمامى. فالشعب الأمريكي و تطالعته من يشغل اهتمامي .

  9. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

    فاجئني في المقال أنّ النساء في أمريكا لم يحصلن على حقّ التصويت القانوني التامّ إلا في سنة ١٩٢٠ وفي فرنسا عام ١٩٤٤ بلدان الحريات!

  10. يقول عبود:

    قول بعض المحللين السياسيين أن سحر آل كلينتون قد إختفي هل تعاني أمريكا من نقص في الشخصيات سياسية ليس لها سياسيين بارزين

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية