أكثريّة من اللبنانيين تبدو مؤيدة أو متقبّلة لحملة «حزب الله» وجيش النظام السوريّ على مسلّحي «تحرير الشام» في جرود عرسال والقلمون الغربي. هذه سابقة قد يصعب على مناوىء على طول الخط لكل ما يمثّله «حزب الله» في العقيدة والثقافة والسياسة والإجتماع والعنف أن يقرّ بها. لا تنفع المكابرة عليها في نفس الوقت.
أكثرية من اللبنانيين تؤيد اليوم حرب «حزب الله» على «جبهة النصرة» في جرود عرسال وليس يمكن القول الشيء نفسه أبداً حول الموقف من تدخّل الحزب في الحرب السوريّة، أو حول صولات سلاحه، المعروفة منها والمقدّرة، في الداخل اللبناني.
هم نفسهم، اللبنانيون الذي ينقسم الرأي بينهم بشدّة حيال استخدام النظام البعثي لغاز السارين، وحول دفعة التوماهوك التي أمطر بها دونالد ترامب قاعدة الشعيرات، أو حول تشديد العقوبات الأمريكية على الحزب، أو حول دخول الحزب في أي مواجهة مستقبلية جديدة مع اسرائيل، بعد احد عشر عاماً على تعليق جبهة المواجهة الجنوبية العسكرية معها، تراهم اليوم أقل إنقساماً حيال الحملة الحالية على مسلّحي «تحرير الشام». ليس فقط أكثرية منهم تؤيد هذه الحملة بتفاوت بين الأكثر حماسة لها ولتوظيف نتائجها في الداخل، وبين الأكثر تردّداً وتحسّباً من تداعياتها على هذا الداخل، بل كذلك الذين يعبّرون عن استيائهم من هذه الحملة، فهؤلاء يبدون منقبضين ومُسَلّمين بهذه الحملة، وبالكاد يخفون غربة كلامهم عن مرجعية الدولة، وتعريض «حزب الله» وقوات آل الأسد بسيادتها الوطنية، عن مزاج عام يجد نفسه في حِلّ من هذا «التجريد»، ويعطي للمرّة الأولى تأييداً أكثرياً شعبياً لبنانياً لأعمال حربية يقودها كل من الحزب والنظام السوري، وهو ما لم تحظ به أعمال الحزب ضدّ الإحتلال الإسرائيليّ إلا في السنوات الأربع بين «عدوان نيسان» 1996 وتحرير الجنوب في أيار 2000.
لكنه مزاج متفاوت بين الطوائف. الأكثرية الشعبية التي تؤيد الحزب في ما يقوم به الآن هي أكثرية تقاطعية شيعية – مسيحية تستفيد من لحظة تضعضع للنخبة السياسية السنّية. هناك حالة إجماع في الطائفة الشيعية، شيء من قبيل «هذه حربنا، هذه تضحياتنا». وهناك أكثرية واسعة بين المسيحيين تؤيد، شيء من قبيل «إنّهم فعلاً يحاربون بدلاً عنا هذه المرّة». وهناك إزدواجية حائرة في الوسط السنّي: حالة إستياء من ضعف القيادات السياسية السنية بإزاء تغلّبية «حزب الله»، لكن في نفس الوقت شعور أهليّ بأنّ الطائفة السنّية، ومن فوق ما تتحمّله جراء هذا الضعف السياسي وجراء هذه التغلّبية الفئوية التي تداهمها، فإنّها تتكبّد عناء اتساع حجم اللجوء الديموغرافي السوري إلى لبنان أكثر من الآخرين، وتركزه في مناطقها بالذات، في الوقت نفسه الذي ينظر الآخرون إليها على أنّها «مستفيدة ديموغرافياً» من هذا الوزن السني الزائد القادم من سوريا. بالرغم من الوعي الكبير بالطابع المذهبي للحرب السورية، إلا أنّ الرأي العام السني في لبنان لا يريد أيضاً أن تصادر جماعات متطرفة عابرة من الحرب السورية بإتجاه الواقع اللبناني خياراتهم ومناطقهم. الطائفة الأكثر مدينية في تكوّنها التاريخيّ، قياساً على ريفية الطوائف الأخرى، لا يمكنها أن تتماثل مع نموذج «الطريد» في الجرود.
عوامل متعدّدة تتداخل لصناعة هذا المشهد الشعبي المساند لـ»حزب الله»، مشهد الرأي العام الذي بات يأخذ على محمل الجد أنّ «حزب الله» يحارب الإرهاب بعد أن كان قسم من هذا الرأي العام يُعرّف الإرهاب بهذا الحزب أوّل ما يُعرّف. عوامل متعدّدة بل متناقضة مع بعضها البعض. وبالمختصر، يختلط القلق بإزاء «داعش والنصرة» بالقلق بإزاء «حزب الله» لتوليد مفارقات هذا المشهد. وإذا كان «حزب الله» يحاول عسكرياً الآن منع مقاتلي «فتح الشام» من التسلّل إلى مخيمات اللجوء في منطقة عرسال، تفادياً لإتخاذ الصراع بعداً آخر لا يعود من الممكن السيطرة عليه بسهولة، فإنّ مشكلة أكثرية اللبنانيين مع واقع حال اللجوء السوري تعطي للحزب في حملته على الجرود دعماً لم يكن ليحلم به من قبل.
لا يعني ذلك أنّه مشهد تلقائي. لقد جرت الفلاحة في هذه التربة بشكل منهجي، أمنيّ، مخابراتي، دعائيّ، في الأسابيع الأخيرة، بين حملات تضامنية مع سلاح الشرعية تبيّن بسرعة سهولة تجييرها لصالح مرامي الحزب وخططه، وحملات تصعيدية ضدّ اللاجئين السوريين، ضاربة عرض الحائط التزام لبنان الدستوريّ بحقوق الإنسان، بل قلّصت منسوب الحريات السياسية في البلد في الآونة الأخيرة. تراخي «قوى 14 آذار» الحكومية، وتنقلها من موقف إلى آخر في الأسابيع الأخيرة لعب أيضاً دوراً في تسهيل مهمة تشكيل رأي عام شعبي واسع مساند لحملة الحزب في الجرود، ناهيك على أنّ المواجهة في منطقة صخرية وعرة قاحلة ونائية بدت لأكثر اللبنانيين أقل استنزافاً لهم من تغلغل «حزب الله» في العمق السوريّ، وأكثر رحمة لهم من غزوة الحزب لأحيائهم السكنية كما في 7 أيار 2008.
لم تكن الحال كذلك عندما انقسم اللبنانيون بشكل حاد ابان معركة القصير، فتماهى قسم منهم مع ميليشيات الحزب وقسم آخر مع الثوار السوريين. هذا على الرغم من أن ما يحصل الآن في جرود عرسال بدأ في القصير. نجح مقاتلو الحزب، بإعانة المدفعية الثقيلة الأسدية، باقتحام القصير ويبرود والزبداني والمقلب السوري من القلمون، كما نجحوا في ريف حمص. النسبة الأعلى من اللاجئين إلى شرق لبنان أتت من هذه المناطق، المفرّغة سكانياً أكثر من أي منطقة من سوريا. بالتوازي، المسلّحون الخاسرون في القصير ويبرود والمناطق السورية الحدودية مع لبنان، وبدلاً من أن يدفع بهم «حزب الله» شرقاً أو شمالاً، دفع بهم إلى داخل الأراضي اللبنانيّة، وإلى أحضان «داعش والنصرة». الحزب الآن يزيّن لنفسه بأن يحصر عليهم، لكن ست سنوات من الحرب السورية تعلّمنا أنّه لم تنجح عملية تصفية أي جماعة مسلّحة في أي بقعة من سوريا، بقدر ما كانت كل جماعة تدفع من منطقة إلى أخرى. السؤال الذي يطرح نفسه إذاً، هو إلى أين سينجح الحزب في ابعاد مقاتلي «فتح الشام» المتحصنين منذ سنوات في جرود القلمون الغربي؟ إلى أدلب أو مخيمات اللجوء السوري في شرق لبنان أو غير ذلك من الاحتمالات الهشة والخطرة التي يفرزها الواقع الداخلي اللبناني؟
يقول مثل هندي، بأنّه عندما لا تستطيع أن تغلب غريمك فمن الأفضل أن تنضوي تحت لوائه. هذا أيضاً بعد آخر من الواقع اللبناني حيال الحزب، من فوق ومن تحت. لكنه في مؤداه الحالي يتخذ شكلاً كاريكاتورياً، لأنّ المثل الهندي يوحي بإعداد العدّة للإنقلاب على هذا الغريم بعد أن تنضوي تحت لوائه، في حين أنّ القوى السياسية والجماعات الأهلية التي تفعل هذا اليوم تقنع نفسها بدلاً من ذلك بإنتظار لحظة «كاتاكليزم» برانية، تتبدّل فيها الأشياء رأساً على عقب، للعودة إلى سياسة المواجهة الحارّة مع الحزب، وتتسابق في تقديم ذرائع وسرديات تختلط فيها المسكنة بالمذلّة بالمكابرة، كي تقنع نفسها بأنّها «واقعية» و»عقلانية» فيما تقوم به. وقد نست الشرط الأول للواقعية في مثل هذه الحالات: المراكمة. استجماع عناصر القوى تدريجياً، وليس التنازل عنها تباعاً. تعزيز عناصر الوصل بين المتضررين من حروب «حزب الله»، وليس التنافس بين هؤلاء المتضررين من بينهم الأولى لمنازلة الحزب في «نهاية التاريخ»!!
لا تنفع المكابرة: أكثرية من اللبنانيين تؤيد حملة «حزب الله» الجردية في الوقت الحاليّ. مؤسف هذا أو غير مؤسف ليست هنا القضية. القضية أنّها سابقة خطيرة. لم تحصل للحزب من قبل، وهي تحصل في ظلّ اختلال مريع لموازين القوى اقليمياً وداخلياً، ومحنة كبرى يتعرّض لها من صاروا يعرفون بـ»العرب السنّة» في المشرق العربي، وحسابات نصف مجاهر بها، ولا مجال لمناقشتها الآن، لكنها موجودة سواء عند أكراد العراق وسوريا، أو عند موارنة لبنان، بأنّه المرحلة المقبلة هي لمواجهة بينهم وبين «الهلال الشيعي»، لكن المرحلة الحالية هي لجعل «العرب السنّة» يغادرون خشبة المسرح.
٭ كاتب لبناني
وسام سعادة
صحيح ما ذهب إليه هذا “الكاتب” من أن هناك اختلالا في ميزان القوى؛ ولاأدري لماذا يتأسف ويتحسر لأن هذا الاختلال كما هو واضح من حديثه هو لصالح قوى المقاومة، وضد قوى التبعية للصهاينة والأمريكان. هل هناك خطورة في أن يسحق حزب الله هذه الشراذم المسماة “ثورة” و “تحرير”، وهي عصابات تتعيش على أموال خنازير النفط؟ وهل هناك خطورة أن يسحق حزب الله عنتريات الصهاينة ويحبسهم مثل ذئاب محطمة الأنياب في قفص فلسطين المحتلة؟
وهل هناك فرقا فكريا بين حزب الله وداعش, الفرق في التمويل وكل يصب في مصلحة اسرائيل.
برأيي الشبيه الأكبر لحزب الله هو جبهة النصرة, لدواعي كثيرة …, أخي Faroug
*بما أن مرجعية(حزب الله )
طهران وملالي ايران؛-
* إذن هو ينفذ اجندة إيران ف المنطقة..؟؟؟
*لا توجد أجندة مستقلة لحزب الله.
*مؤيدي حزب الله في لبنان معظمهم
من نفس الطائفة ..وقلة قليلة من طوائف
أخرى.
سلام
بعض السنة اللبنانيين .كانوا وللأسف .يؤيدون وجود جبهة النصرة في الجبال اللبنانبة. وذلك لاستغلال هذا الوجود لمصلحة سياسية داخلية تجاه الشيعة وحزب الله . الشيعة تحكم لبنان بدون منازع .