الساعة المغربية

تقودنا تطورات شؤون الساعة إلى المغرب الأقصى ومعها إلى واحد من أكثر البلدان ارتباطا ببلد فيكتور هوغو وموليير، المملكة المغربية.
ويحملنا شريط الأنباء المغربية الأخيرة إلى تفاصيل لا تبعث قارئها طبعا إلى الارتياح، إلى درجة أن بعض غرف أخبار الإعلام الفرنسي رأت في حادث وفاة المواطن محسن فكري، بعد أن جرى شفطه داخل شاحنة لنقل الأزبال، شرارة اندلاع « ثورة مغربية ».
حزن بلا حدود وأسى لانهائي يرافقهما أقصى الغضب، تلكم مشاعر اكتسحت شوارع مدينة الحسيمة المغربية، وما لبثت أن عمت المشاعر ذاتها في غيرها من المدن المهمة للمملكة. وشاركها قطاع عريض من الشعب الفرنسي، ومعه صاحب هذه السطور.
وإذا كانت أكثر من حجة مقنعة تصب في اتجاه عقد المقارنة بين الحدث ذاته وحدث البائع الجوال التونسي، فلأن منطلق الواقعة يضرب جذوره في التربة نفسها، تربة متسلطة ترمز إلى جسم تراه غالبية المواطنين سقيما، لتقصير في أداء المهام الإداري المنظم المقنن في أحسن الحالات، ولفساد مستشر في مفاصله في أسوأها.
أن تكون السلطات المحلية قد عمدت إلى منع الضحية من تسويق سمكه باتجاه بوابة المدينة متذرعة باقتنائه لكميات من أسماك موصوفة بـ«غير الصحية»، قد يعود بنا إلى صد البوعزيزي عن تصريف سلعته بحجج كانت على درجة مماثلة من الوهن تقريبا. وظروف وفاة فكري يمكن ان تقود البعض إلى اعتباره شهيدا ولا نرى في ذلك أدنى وجه اعتراض.
فبعد أن قررت السلطات إتلاف البضاعة باستقدامها الشاحنة المخصصة لتدوير النفايات، حاول فكري مصحوبا برفيقين استرجاع كميته من الأسماك، ما جعل الشباب يقفزون إلى داخل الشاحنة قبل أن يتم، وفق مصادر صحافية، «تشغيل زر التدوير بشكل مفاجئ من قبل شخص مجهول». هنا حصلت الكارثة بعد أن تمكن رفيقا الضحية من القفز إلى خارج الشاحنة، بينما بقي هوعالقا بها ليلقى حتفه.
كارثتان نمتا عن مصدر قمة الغضب.. عدم القبول. أولا عدم قبول إلغاء إنسانية إنسان يتمثل في تجريد شخص من مصدر رزقه. ثانيا عدم قبول شرخ بين فقراء وأغنياء بات يتسع على مر الأزمان، وسط تفريط تام بالعدل والإنصاف. وهو وضع ليس جديدا.
وضع ليس جديدا، ولكن ما ليس بجديد أيضا هو ارتباط الشعب المغربي العريق والوجودي بدولته ومؤسساتها. وقت كتابة هذه السطور، تخرج حشود من المواطنين من جديد في تجمعات غاضبة مطالبة بالمضي قدما في التحقيق. ويبدو أن السلطات المغربية عازمة فعلا على المضي قدما في التحقيق. وقت كتابة هذه السطور أيضا، يوجد 11 مسؤولا في قمة الهرم على ذمة التحقيق. لكن الجماهير في المغرب لم تخرج مطالبة بـ«إسقاط النظام». عند هذا الحد تتوقف المقارنة مع المشهد التونسي. من وفاة فكري تندلع ثورة على الاضطهاد والمكيال بمكيالين. من وفاة البوعزيزي اندلعت ثورة على نظام وجهاز وفلول.
سئم الشعب المغربي من الوضع المزري الذي تعاني شريحة واسعة منه. وهو مستعد لأن يثور وأن يسمع صوته بعيدا، إلى أبعد ما يكون. لكن «أبعد ما يكون» هذا، معروف الاتجاه والمضمون والمشروع. الشعب المغربي ثائر، ولكنه شعب « ثورة الملك والشعب» وسيظل كذلك. غير أن شعب « ثورة الملك والشعب» يطالب هذه الأخيرة بأن تكون ذات معنى، وليس أن يظل تعبيرا طنانا رنانا أجوف. وهو في ذلك محق.
باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي

الساعة المغربية

بيار لوي ريمون

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    الساعة المغربية … تيك تاك، تيك تاك، تيك تاك …
    هل سمعتم النغم؟ انه مغاير …
    .
    شكرا بيير، لقد اصبت ايقاع الساعة.

  2. يقول karim:

    شرف كبير لي كمغربي أن تدلي قامة معرفية في مقامكم بدلوها في شأن مغربي بات حديث العالم ، لاسيما وأن ما سطرته ينم عن معرفة مكينة بواقع أموره، وهذا ما وقفت عليه أيضا في مقالاتك السابقة،وهو ما يناقض تماما أحكام متعسفة صادرة عن جهل مركب ومستكينة الى صور نمطية مستبدة بالعقول تواترت في أكثر من موقع اعلامي ،وهي احكام مطبوعة برؤية حدية ;ابيض واسود ،،فكما أن وردة واحدة لا تصنع الربيع فإن حدث واحد ،على رمزيته الموغلة في المأساوية والذي أدمى قلوبنا وأبكى أمهاتنا، لا يكفي لتقويض تجربة منيرة قيد التبلور، رغم نواقصها الكثيرة، فنحن لانزعم أبدا ان المغرب بلغ منتهى الديموقراطية لكنه بكل تأكيد منخرط في صيرورتها المتدرجة،فالمجتمع المدني المغربي قوي جدا وهو من سهر على تأطير مسيرات عفوية حضارية راقية وتأمين مخرجاتها،وهو ما يفارق تجارب دول- الربيع العربي-التي كانت موغلة في الانسداد ، وحده من تغشيه العدمية أو سوء النية -وما أكثرهم-يخطئ تحولات ،على نسبيتها ،جرت بفضل تضحيات الشعب المغربي ودينامية مجتمعه ،طبعا لازال أمامنا الكثير لنفعله ،و سنخرج اقوى من هذه المحنة ،لانها بكل بساطة لن تسقطنا كما تريد لنا القراءات المتحاملة~ لاسيما وأن الارادات معقودة على مواجهة حقائقنا المرة وليس انكارها تحياتي استاذي واحتراماتي

  3. يقول عبد الله المغربي:

    لا مجال للمقارنة بين البوعزيزي وفكري.هذا الأخير توفي خطأ لان صديقه ضعط علي زر التشغيل عن غير قصد.المغرب شق طريقه في خلق ديموقراطية جنينية.هناك دستور جديد تلته انتخابات بلدية وتشريعية نزيهة.الملك تنازل عن مجموعة من الصلاحيات الدستورية لصالح رئيس الحكومة.كل ما وقع هو بعض الأطراف السياسية أرادت أن تركب على موجة الاحتجاجات لاهداف سياسوية ضيقة.مدعومة ببعض وسائل الإعلام المغرضة.وأختم بمقولة والد الضحية محسن فكري.رحمة الله على ابني ولايجب ان يستغل الحادث لأهداف سياسوية.

إشترك في قائمتنا البريدية