مؤخرا أشار الكاتب التونسي كمال الرياحي على صفحته الشخصية في فيسبوك، إلى كاتب أكاديمي نقل مقالا له منشورا على أحد المواقع الثقافية في الإنترنت، ونشره باسمه في مكان آخر، بدون أن يشير إلى صاحب المقال أو جهوده الكتابية.
ومنذ شهرين أرسل لي صديق تنبيها إلى مقالات عدة لي، مأخوذة من أحد كتبي غير الأدبية، نشرها أحدهم باسمه في صحيفة معروفة، ونسي في إحدى المقالات أن يحذف فقرة محلية جدا وتحيل المقال إلى صاحبه الأصلي، ما نبه إلى سرقاته. أيضا دأب الكاتب العماني سليمان المعمري إلى تنبيهنا باستمرار لمقالات طويلة وقصيرة تنشر في صحف بلاده، وبأسماء مختلفة عن كتابها الذين نشروها في وقت سابق، في أماكن مختلفة، ونسمع كثيرا عن السطو على روايات كاملة، وإعادة إنتاجها بشيء من التحوير لتبدو جديدة، وكتبت بقلم آخر غير القلم الأصلي، كذلك نسمع عن أفلام أجنبية، تمت كتابتها عربيا في روايات، والذين يفعلون ذلك لا يتصورون أن هناك من يراقب، ومن يبحث عن الأدلة، ومن يستطيع أن يفضح في النهاية.
لقد كانت ردة فعلي في شأن ما أخذ مني، لا شيء، لم أشكُ ولم أرسل للصحيفة التي نشرت المسروقات، مطالبا بشيء، وهذا أمر سلبي للغاية، لكنني تعودت على بعض السلبيات ومن الصعب التخلي عنها، ويمكن جدا أن أعثر على فقرات طويلة من نصوص لي منشورة في كتب أخرى، أو شخصيات قمت باختراعها موجودة بالمواصفات نفسها، في أعمال صدرت لكتاب آخرين، بعد عملي ولا أقول شيئا، أعتبر أن النص الذي أنتج وفيه ثقوب مثل التي تحدثها السرقات، هو بالفعل نص رث لن يصمد طويلا أمام التشريح، وأن هناك من سينتبه إلى ثقوبه، ويكتب عنها. وتبدو ردة فعل الزميل الرياحي معقولة حين عثر على نص مقاله مذيلا بقلم آخر، هو الغضب نفسه الذي قد يجتاح الأب حين يسطو أحد على بنيه ويدعي أبوتهم، هكذا. السؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذه الأحوال: لماذا يسطو الناس على جهود غيرهم؟ وأعني جهود البحث والكتابة، أو حتى الكتابة المتدفقة بلا بحث كما يحدث في الروايات؟ لماذا يفعلون ذلك والكتابة عموما بشقيها الإبداعي وغير الإبداعي، ليست تجارة مربحة، كي يغامر أحدهم باحتمال افتضاحه، وهو احتمال قوي جدا، في عصر أمسكت فيه تقنية الاتصال الحديثة بكل شيء، ولدرجة أن الهمس بين الهامسين، يمكن أن يدون ويصل إلى أبعد مستوى، والبحث المتشعب في الباحثات الإلكترونية يأتي بكل شيء، ولا تستطيع أن تمشي مطمئنا في أي مكان لأن هناك من يراقبك، ومن يلتقط الصور لك بلا معنى، ومن يمسك بك في أماكن حتى غير صالحة للصور مثل، سوق الخضروات ودكاكين اللحوم، وورش تصليح السيارات في المنطقة الصناعية، ويلتقط معك صورة سيلفي، يضعها في فيسبوك أو تويتر. وأذكر أنني عثرت مرة على صورتي بجانب سيارة قديمة كنت أملكها، منشورة على أحد المواقع، واتضح أن هناك من التقطها ووضعها بلا تعليق، ومؤكد لن يكون ثمة تعليق على صورة لا تعني أحدا على الإطلاق، وقد زارني مرة مريض شاب، كنت أسأله عن أعراض مرضه، ويجيب باقتضاب، واتضح أنه كان ينقل حوارنا مباشرة على «اسناب شات»، وحين سألته عن الهدف من ذلك، رد بأنه يتسلى.
لكن في المقابل، نقل أفكار الآخرين بطريقة حرفية، ليس تسلية أبدا، هنا قد يحصل ناقل المقال أو النص القصصي على بعض التقدير، وربما على شيء من المال، نظير سرقته، بينما الذي يصور ويلعب في أزرار الكومبيوتر، قد يشعر بالمتعة والتسلية كما قال الشاب.
لا بأس من استخدام الفكرة نفسها التي قد ترد في رواية أو قصيدة أو ملحمة، ولكن كتابتها بطريقة أخرى، ولطالما رددت بأن الأفكار واحدة وتكاد تكون محدودة، والذي يحدث أن أساليب كتابتها هي المتعددة وتميز كل كاتب عن آخر.
فمنذ زمن قديم يكتب الناس قصص الحب التي تحدث بين الرجال والنساء، لكن دائما يوجد فرق في كل قصة تروى، الفرق الذي قد يشمل الأوصاف والزمن وأمكنة حدوث القصة، هكذا، لذلك لن نقول بأن أحدهم سرق قصة حب من تولستوي، أو ماركيز وكتبها لنا، لأن كتابة الأفكار ليست سرقة على الإطلاق.
أيضا فكرة الخير والشر والصراع بينهما، إنها فكرة أزلية ومكررة آلاف المرات منذ قابيل وهابيل، لكن كل نص أو شريط سينمائي قام بالتطرق لها، يبدو مختلفا عن الآخر. هناك من يجعل الخير رجلا والشر امرأة، والعكس، من يجعل الخير صفة لمجتمع ما والشر صفة لمجتمع آخر، من يؤلب الدنيا على الشر من أجل دحره، ومن يتعامل معه برفق ليقضي عليه في هدوء، وأذكر أن أحد مدرسينا في زمان قديم، كان يتنكر بملابس رثة تحاكي ملابس المشردين، ويغطي وجهه، ويجلس أمام دار السينما، ويسجل أسماء الطلاب الذين يشاهدهم يدخلون السينما أو يتسكعون قربها بلا هدف، كان يأتي في الصباح يخرج أولئك التلاميذ أمامنا ويقوم بجلدهم بسوط رقيق من الجلد وهو يردد بنشوة: قضينا على الشهر. وكان نتيجة ذلك أننا جميعا امتنعنا عن دخول السينما طيلة فترة الدراسة وإن ذهب أحدنا إلى أي فيلم، يذهب برفقة والده أو عمه تفاديا للعقاب.
لنستخدم الأفكار بكل تلقائية إذن ولكن لنبتعد عن السطو على أساليب الآخرين في معالجة تلك الأفكار، فرغم عدم وجود مكسب كبير في حرفة الكتابة كما ذكرت، إلا أن افتضاح أمر السارق فيها، ينتشر بسرعة، ويصبح من استولى على نص لكاتب آخر، منبوذا ومحاربا، وينظر إليه بلا احترام. ليس كل من يؤخذ منه شيء ينحاز إلى الصمت، هناك من يلجأوون إلى القضاء، خاصة إن كان الاستيلاء قد حدث لبحث جامعي من بحوث رسائل التأهيل والترقية إلى درجات علمية كبيرة.
كاتب سوداني
أمير تاج السر
“حرامية الكلمة” ما أكثرهم في بلادنا وهؤلاء لأنهم يشكون ضحالة ويبغون شهرة أو صفة مجتمعية كونهم ” كتابا” يسعون لسرقة كلمات الغير.
هذه السرقات أصبحت ( صغيرة ) يادكتورأمير…البحث عن الشهرة مرض مستمر؛ ولو كان على حساب الآخرين مرّ.هذا العصرقد شهد حالات ( بشرية ) سلبية في مجتمعنا العربيّ تعادل جميع ما شهدته سالف العصور.حتى وصل الأمرإلى التباهي بالخيانة على شاشات التلفزيون.فيخرج علينا منْ يقول : أنا مع إسرائيل وأنا مع احتلال أمريكا وأنا مع عزارائيل ؛ ويصبح خبرًا مألوفًا كأنه حررالنفس والقدس.وهوسارق لأفكار ووثائق النصوص ؛ كواحد من سراق التاريخ من اللصوص.الخيانة تبدأ من جرثومة اسمها :{ ما كان أبوك امرأ سوء ؛ وما كانت أمك بغيًّا }(مريم28).