رغم كون السعودية آخر دولة عربية اعترفت بالصين الشعبية في تموز/يوليو 1990 إلا أن تطورا استثنائيا في العلاقات الاقتصادية بين البلدين خاصة تجارة النفط ميز هذه العلاقة، حيث أصبحت السعودية أكبر موردي النفط الخام للصين سنة 2004. وخلال سنة 2010 أصبحت الصين أكبر مستهلك للنفط في العالم، وبلغت حصة السعودية في سوقها النفطية آنذاك حوالي 19 في المئة، هذه الزيادة الهائلة في حجم واردات الصين من النفط الخام المستورد كانت بمثابة نقطة تحول في علاقتها مع موردي النفط الخام، والذين على رأسهم المملكة، وفي كانون الثاني/يناير 2015 بدأت الصين السداد باليوان مقابل النفط الروسي، وعقدت اجتماعات، واتصالات ماراثونية مع المملكة توجت في نهاية أيلول/سبتمبر 2016 بتوقع اتفاق يتم بموجبه التعامل بين البلدين باليوان الصيني، والريال السعودي في التعاملات التجارية، ما جعل المملكة تترنح بين مطرقة البترو – يوان، وسندان البترو – دولار، فمن جهة المملكة تعتمد في أمنها، وأمن المنطقة الخليجية على أمريكا، وفي المقابل يوفر البترول العربي الغطاء النفطي لدعم الدولار الأمريكي حتى يبقى العملة الوحيدة المهيمنة على التجارة العالمية، ومن جهة أخرى تسلل التنين الصيني إلى جميع قطاعات الاقتصاد السعودي أصبح يهدد المملكة في عقر دارها، فالصين تعد منذ 2011 أكبر شريك تجاري للسعودية، وخلال السنة المنصرمة بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 49 مليار دولار، كما وقع البلدان على اتفاقيات تعاون تقدر قيمتها بحوالي 65 مليار دولار، ومؤخرا عرضت الصين شراء حوالي 5 في المئة من أسهم شركة أرامكو النفطية مباشرة، وهو ما قد يشكل عائدات للسعودية قد تصل إلى 100 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى وجود أكثر من 160 شركة مقاولات مملوكة للحكومة الصينية تزاول أعمالها في المملكة.
وانتهجت الصين أسلوب الترغيب والترهيب باعتدال مع المملكة، فمن جهة دخلت في شراكات اقتصادية ضخمة معها، وعرضت بسخاء نقل التكنولوجيا الصينية إليها، ومن جهة أخرى قامت بتنويع موردي النفط الخام مع زيادة حصة الدول المناوئة لنظام البترودولار، وتخفيض حصة السعودية التي تراجعت إلى المرتبة الثانية بينما قفزت روسيا إلى مرتبة أكبر موردي النفط الخام إلى الصين، ومع نهاية السنة الماضية بدأت المملكة تسلك مسارا جديدا، المسار الذي أطلق عليه رئيس معهد أسواق وسياسة الطاقة التركي، فولكان أوزدمير «تنظيف الرياض من معارضي نظام البترودولار» وأعلنت في بداية نيسان/أبريل الماضي عن رفع سعر البيع للخام العربي الخفيف إلى آسيا ليصبح بعلاوة قدرها 1.20 دولار للبرميل، وجاء رد بكين سريعا، وقويا، حيث قامت بتخفيض مشترياتها من النفط السعودي بنسبة 40 في المئة، وأعلنت عن اكتشاف ثلاثة حقول نفطية ضخمة هي: حقل هضبة تشينغهاي – التبت باحتياطي أكثر من 500 مليون طن، وحقل حوض جونغقار بإقليم شينجيانغ بإحتياطي يصل إلى 1 مليار طن، وحقل تشاوتشو في منغوليا الداخلية باحتياطيات تقدر بحوالي 30 مليون طن، ويبدو أن الضغوط الصينية على السعودية لم تقتصر على الجانب الاقتصادي بل طالت المجال السياسي، حيث تخلت الصين عن موقفها المعهود من القضايا الحساسة عالميا «موقف بلا لون» وأصبحت أقرب إلى المحور الإيراني في المنطقة.
الصين يمكنها تعويض حصة السعودية من وارداتها النفطية بزيادة حصص الدولة التي تبيع باليوان مثل روسيا، وأنغولا، وفنزويلا، كما يمكنها زيادة الاعتماد على نفطها المستخرج من الحقول الجـديدة المكتــشـــفة، لكن ســيــكـــون من الصعب على المملكة إيجاد شريك تجاري أول مثل التنين الصيني.
وتبقى المشكلة الكبيرة التي ستواجهها السعودية، والمنطقة برمتها في المستقبل القريب هي أن الصين لم تعد أكبر مستورد للنفط الخام عالميا فحسب، بل إن أمريكا قد تتحول في المستقبل القريب إلى منافس قوي للدول المصدرة للنفط. وتشير توقعات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن حجم واردات الصين من النفط الخام سيرتفع إلى حوالي10 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2023، عندها سيكون حجم واردات أمريكا حوالي 5 ملايين برميل فقط.
إن تبني السعودية، ودول «أوبك» الأخرى لنظام البترويوان في ظل تحول مركز الاقتصاد العالمي من الغرب نحو الشرق قد يخلق ظرفية جديدة تكسب الصين، والسعودية، والعرب من بعدها مزايا جيوسياسية كبيرة في النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب الذي بدأ يتشكل.
د. يربان الحسين الخراشي
الدولار الأمريكي صار عجوزا و هو في طريقه إلى الموت و بالتالي إلى دفنه في المقابر و ما لدى الولايات المتحدة من نفط ما هو إلا قليل و هذا ما يحد من منافسة السعودية في الإنتاج لربما لشهرين أو ثلاثة أو ستة اشهر أو نحو ذلك ليس أكثر.