■ لن تطفئ دعوة وزير الخارجية السعودي نظيره الايراني لزيارة المملكة نار الهواجس المستعرة بين الطرفين، لاننا كمراقبين لم نجد اشارات او مؤشرات حقيقية بعثها الطرف الايراني شجعت الجانب السعودي لتقديم هذا المقترح.
في السياسة والعلاقات الدولية توجد اشارات ومؤشرات يبعث بها احد الفريقين، يقرأ من خلالها الخصم حسن نية الطرف الاول للحوار ومستوى الجدية التي صمم فيها على حل المشاكل العالقة، فيقدم خطوة باتجاهه.
وكلما كانت الاشارات ذات كلفة سياسية عالية، فانها ترسم صورة شفافة للعقل السياسي للطرف الباعث، تجبر المقابل على التعامل معها بجدية، أي ان حسن النية والاصرار على فتح صفحة جديدة في العلاقات بين طرفين دوليين او اقليميين يتوقف على قوة الاشارة المرسلة من احد الطرفين، لان الاخر يعرف ان التراجع عنها له ثمن سياسي وأمني عال ضد الخصم. فماذا قدم الايرانيون للسعودية عربون حسن نية اجبرتهم على الدعوة؟ انظروا الى الاشارات المكلفة التي قدمتها ايران الى الولايات المتحدة الامريكية، كي تغريها بفتح صفحة جديدة في العلاقة معها. اولها الاستعداد الايراني العلني لتوقيع اتفاق نووي خلال شهور، كما رافق هذا المسعى شعار المرشد وهو، الليونة البطولية مع الشيطان الاكبر.
ثانيا التخلي عن الخطاب الديماغوجي ضد اسرائيل الذي كان في عــهد الرئيس السابق نجاتي، واستبداله بتقديم التهاني الى الاسرائيليين بعيد رأس السنة من قبل روحاني.
ثالثا التصريحات الايرانية من قبل صناع القرار المبشرة بامكانية المساعدة في ايجاد الحلول في سوريا والعراق وافغانستان.
رابعا بقاء الحرس الثوري شبه بعيد عن هذا التوجه، ولم نسمع تصريحات نقيضة حاسمة في هذا الموضوع. هذه بعض الاشارات المكلفة العلنية التي قدمتها ايران، ولاشك ان هنالك اشارات مؤكدة قدمتها اثناء المفاوضات السرية بينهما. وعندما تحقق الامريكان منها وجدوها مكلفة جدا على الصعيد الداخلي، في ضوء البناء الايديولوجي للمجتمع الايراني، الذي ربته القيادة الايرانية على ان الامريكان شيطان اكبر، وان المشروع النووي غير قابل للتفاوض او التنازل عنه قيد أنملة، وان الجيوش الايرانية في المنطقة لا يستطيع احد ايقاف زحفها المقدس. عندها تيقنوا من جدية النوايا الايرانية ففتحوا باب التفاوض. لكننا لو حرفنا زاوية النظر الى المشهد السعودي الايراني نجد ان الاشارات السلبية المؤكدة المرسلة من طهران الى الرياض كانت، القيام بنشاطات مالية وعسكرية واستخباراتية كبيرة في الخاصرة السعودية في اليمن، النشاطات الطائفية التي تشهدها البحرين والمتهمة ايران فيها، محاولات اقناع السودان بنصب صواريخ ايرانية موجهه للمملكة، وقد علمت بها السعودية قبل النفي الاخير لوزارة الخارجية السودانية، كذلك الدخول العلني من خلال حزب الله والميليشيات العراقية في الحرب السورية، وهذه كلها أذرع ايرانيةـ، بل تبين ان وزير الخارجية الايراني في زياراته الى بعض دول مجلس التعاون الخليجي، لم يقدم امامهم أي بادرة حسن نية تجاه المملكة العربية السعودية. قد يقول البعض بانه قدم ذلك الى العمانيين او الكويتيين، وهذا غير صحيح، فلو حصل ما تجاهلت المملكة تصريحاته الراغبة بالزيارة، لكن لماذا الان طلبت زيارته ولم تقبلها عندما صرح بها؟ توصلت السعودية في الوقت الضائع بعد الاتفاق الامريكي الايراني، الى ان كل ما فعلته الولايات المتحدة منذ عام 2001 وحتى اليوم صب في مصلحة ايران، وهي تشعر بالاسف لكونها كانت جزءا من بعض ذلك الذي حدث، خصوصا في احتلال العراق. هي لا تستطيع تصديق ان ذلك تم بعفوية من قبل دولة عظمى، بل ترى فيه محاولات امريكية للتخلي عنها باتجاه المثلث غير العربي في المنطقة، وهو تركيا وايران واسرائيل، وهذه كلها تخرق قواعد السياسة السعودية المتمثلة برفض القبول بدور ثانوي، ورفض سيطرة ايران على العالم السني، ولا لايران النووية. وعندما اعترضوا قال لهم الامريكان بصراحة تامة، نعم انكم حلفاؤنا، لكن نقول لكم بان هنالك تغييرا جذريا في المنطقة، فاصاب السعوديين القلق، لان ليس لديهم خيار الا السير فيه والقبول بالخسارة، متذكرين صديقهم الوفي حسني مبارك الذي تركته امريكا يتدحرج من كرسيه وهو حليفهم. لذلك لم يكن امام القيادة السعودية الا اعادة النظر بمعادلة الامن الوطني والاقليمي في المنطقة، التي رسمت في ضوئها سياساتها الداخلية والخارجية. وكانت اولى بوادر هذه الاعادة، محاولات انشاء محور عربي لتحقيق التوازن الديمغرافي والعسكري للمرحلة المقبلة، فذهبت الى المغرب والاردن ومصر وفتحت خزائنها لهم واشترت السلاح للجيش اللبناني، وزادت من وتيرة اللقاءات والمباحثات مع اركان المؤسسة العسكرية الباكستانية التي تدين بالولاء للسعودية. كما انها دخلت في سباق تسلح وانفتحت على الكثير من الدول المصنعة له، ثم توجت نشاطاتها في مرحلة ما بعد الاتفاق الامريكي الايراني، باضخم مناورات عسكرية في تاريخ المملكة جرت مؤخرا، ارادتها ان تكون حزمة رسائل موجهة الى ايران والعراق، من خلال المكان وهو حفر الباطن كدليل للموقع الجغرافي، ومن خلال الصواريخ ذات المديات 3300 و1500 كم القادرة على الوصول، ومن خلال حضور رئيس اركان الجيش الباكستاني الاستعراض العسكري، الذي يعلن وجوده عن امكانية تزويد المملكة بالسلاح النووي الباكستاني. كما ان توقيت المناورة ونوعية الاسلحة المستعرضة يؤكد على ان واشنطن لم تستطع اذابة جبل القلق السعودي من التحول الامريكي نحو ايران. بعد هذه الرسائل وجدت المملكة انها مستعدة لاستقبال وزير الخارجية الايراني. السؤال الان هل سيحصل اللقاء السعودي الايراني بضغط امريكي او بمساع عمانية او كويتية؟ لا نعتقد باهمية ذلك ان حصل او لم يحصل، لان البناء الاستراتيجي بين الطرفين مختلف تماما، وتنعدم فيه اي نقاط مشتركة حتى لو بالحد الادنى. السياسة السعودية كانت دائما ضد التغيير لانها تعتقد انه يأكل من دورها، بينما المشروع الايراني يطور باستمرار جهوزيته ويسعى للسيطرة المركزية. استراتيجية المملكة قائمة على اساس استخدام القوة الناعمة على لاعبين قدامى في المنطقة، بينما ايران تستعمل كل القوى الناعمة والصلبة في خلق لاعبين جدد يكونون اذرعها التي تهدد وقد تضرب فتقتل. اخيرا لقد توصلت القيادة السعودية الى ان الضامن الامريكي ليس موثوقا به دائما، بينما توصلت الولايات المتحدة الى ان ايران يمكن ان تكون دينامية جديدة في المنطقة، تحركها لصنع وضع جديد ومعادلة جيوسياسية جديدة، تتبادل منافعها مع ايران.
٭ باحث سياسي عراقي
د. مثنى عبدالله
شكراللكاتب الفذ
شكراً للاخ الدكتور مثنى على هذا التحليل المنطقي الذي يسرد حقائق و وقائع حول وضع العرب وعلى رأسهم السعودية من ناحية وأيران من ناحية أخرى وتعامل أميريكا معهما عبر الاربعين عام و نبف الماضية وليس منذ 2001… فبينما أنشغلت الدول العربية بالصراعات وبالتنافس غير الشريف فيما بينهم أنكبّت دول أخرى مثل السعودية ودول الخليج العربي بجمع أموال النفط وأيداعها لدى البنوك الغربية وبالتالى الاثراء على حساب العرب ” الفقراء “…على عكس ذلك تماماً عملت أيران على أخضاع شعبها دينياً وأستثمار مواردها للبناء والتنمية وعلى الرغم من الحرب مع العراق عبر ثمانية أعوام فأن أيران أستمرت في بناء أقتصادها وما صناعتها النووية ألا تتويج لهذه النجاحات منذ أسقاط الشاه و تولّي ولاية الفقيه زمام السلطة.
أذاً ماذا تفعل أميريكا ؟؟؟ بالتأكيد تتعامل و تتابع مع أيران لا بل و تتخذها ” كشريك ” أستراتيجي تعتمد عليه في شؤون المنطقة بما في ذلك السعودية ومعها باقي العرب.