استفز كثيرا وأنا اقرأ أو استمع لتصريحات بعض المسؤولين الفلسطينيين، فهم يصرحون لمجرد التصريح ولا يقدمون أي خدمة لقضيتهم، إن لم يضروا بها..
إنهم يؤكدون المؤكد مرات ومرات، مما يفقدهم المصداقية، خاصة إذا ما انطوت هذه التصريحات على التهديدات المعهودة والخطوط الحمراء إلى آخره.
وقد يسأل متسائل لماذا أضع نفسي في مثل هذا الوضع وأحرق دمي وأعصابي ويقول البعض «طنش يا زلمة».. ولكن كيف إذا كانت متابعة هذه التصريحات في صميم عملي كمحرر للشؤون الفلسطينية.
ينتابك إحساس وانت تسمع لتصريحات هؤلاء المسؤولين أو تقرأها وكأنك تستمع لاسطوانة قديمة مشروخة تجاوزها الزمن والاحداث، أو جريدة قديمة بالية.. كلام مكرر ومعاد مئات المرات، إن لم يكن آلاف المرات، لذا تتوقع ما سيقولون قبل أن يخرج من افواههم.. يردد وكأنه قطعة محفوظات عن ظهر قلب.. ممل وخال من الحرارة بارد كبرودة الأموات.. فاقد للمصداقية… لا يقدم بل يؤخر.. لا يفيد القضية الفلسطينية إن لم يكن يضرها.. وهناك تصريحات بعينها هي التي تفقد مستمعها وقارئها صوابه، خاصة تلك التصريحات المتعلقة بالمفاوضات وعملية السلام وتركيبة وسياسات الحكومة الاسرائيلية اليمينية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو… تصريحات على شاكلة أن الحكومة الاسرائيلية بقراراتها الاستيطانية إنما تفشل عملية السلام.
فهو، أي هذا المسؤول، وغيره إما أن يكون مقتنعا فعلا بوجود عملية سلام وهذه مصيبة بل طامة كبرى، أو لديه أمل في إعادة الحكومة الاسرائيلية الحالية بعد عقدين تقريبا من المفاوضات العبثية، إلى طريق السلام.. وهذه مصيبة أكبر.
فالمصيبة الاولى تكمن في أن هذا المسؤول لا يزال وبعد كل هذه السنوات من التفاوض يجهل هذا العدو، أو لنقل الخصم بعد أن اصبح من التطرّف أن يشار إلى اسرائيل بالعدو، بعد ابرام «اتفاق سلام» معها، لم يقدم لنا على مدى 22 عاما تقريبا سوى مزيد من النشاط الاستيطاني وتوسيع المستوطنات عددا ومساحة. فحتى الحكم الذاتي المحدود على المدن الرئيسية في الضفة الغربية لم يعد قائما، بعد أن ألغت إسرائيل من جانب واحد، العمل به وأصبح بإمكان قوات الاحتلال الوصول إلى أي شخص في أي زاوية من زوايا ما يسمى بمناطق «أ» اي مناطق السلطة في الضفة الغربية، بموجب اتفاق اوسلو المشؤوم عام 1993، بدون أن يتجرأ أي جهاز أمن فلسطيني على اعتراض طريقها… ليس هذا فحسب، بل أن جيش الاحتلال يبلغ الامن الفلسطيني مسبقا بالمهمة التي سيقوم بها، وهي عادة ما تكون مهام اعتقال مواطن من مواطني السلطة، حتى يعطيه وقتا كافيا لسحب عناصره من تلك المنطقة تجنبا لأي صدام. والمصيبة الاكبر هي اذا كان هذا المسؤول أو ذاك يعتقد بان الأمل لا يزال موجودا لديه في إقناع الحكومة الاسرائيلية الحالية بمركباتها الائتلافية العنصرية والاستيطانية القائمة على كره الأغيار، ورفض مبدأ السلام والقناعة بأن هذه الارض هي كلها لليهود.. وهذا ليس ادعاء أو تجنيا على أحد، بل هو بعض مما قالته تسيبي حوطوفلي نائبة وزير الخارجية الجديدة، أي نائبة بنيامين نتنياهو الذي احتفظ بحقيبة الخارجية لنفسه على أمل اغراء كتل اخرى في الانضمام إلى ائتلافه الحكومي. وكانت حوطوفلي تتحدث امام ممثلي اسرائيل في الخارج، وقالت بالحرف الواحد «هذه الأرض لنا.. كلها لنا.. لم نصل إلى هنا لكي نعتذر عن ذلك». وبالمناسبة حوطوفلي هذه من حزب الليكود الذي يعتبر من «الحمائم» في الائتلاف الحكومي الجديد. ولا نتحدث عن وزيرة العدل ايليت شكيد التي تدعو إلى إبادة الفلسطينيين الاطفال منهم قبل الكبار.
تصريح آخر يقول «إن نتنياهو يتقن أساليب فن العلاقات العامة، والحديث عن السلام وحل الدولتين بالشكل الظاهري، لكنه في الحقيقة يُفشل السلام بقراراته الاستيطانية والعنصرية».
مرة اخرى عن اي سلام يتحدث هذا المسؤول الذي سيفشله نتنياهو.. إذا كان نتنياهو نفسه أعلن في الانتخابات الاخيرة ومن دون أن يرف له جفن عن تراجعه عما جاء في خطابه في جامعة بار إيلان في تل ابيب في يونيو 2009.. حول قبوله بحل الدولتين .. فأين هو السلام.. وهل يرى صاحبنا ما نحن عاجزين عن رؤيته، أم أنه يعيش في كوكب آخر غير كوكبنا ويتحدث عن نتنياهو غير نتنياهو الذي نعرفه زوج سارة وشقيق يوناثان قائد وحدة النخبة في الجيش الاسرائيلي الذي قتل في عملية مطار عينتيبي في يوغندا عام 1976، ونجل ابن صهيون المتطرّف في صهيونيته، ومعارضته الهائلة للتسوية مع الفلسطينيين. ويقول المسؤول نفسه إن قرارات الحكومة الإسرائيلية بطرح عطاءات استيطانية في القدس الشرقية المحتلة، ونقل مقر وزارة التربية الإسرائيلية إلى القدس الشرقية المحتلة، وتصريحات نتنياهو حول القدس ومواصلة فرض الحصار على قطاع غزة، تدل على أن الحكومة الإسرائيلية حددت فعلاً مسارها وسياستها التي تهدف إلى تقويض خيار الدولتين. وهل فقط الان علم صاحبنا بهذا الامر.. فإذا كان تقويض خيار الدولتين قائما خلال حكومتي نتنياهو السابقتين الأقل تطرفا، وحتى قبل ذلك، فهل يستكثر ذلك على اكثر الحكومات عنصرية وتطرفا في تاريخ اسرائيل؟ ثم ما هو الجديد في العطاءات الاستيطانية.. فهل توقفت منذ توقيع اتفاق اوسلو حتى الان.. ألم تتضاعف أعداد المستوطنين لتصل إلى حوالي 560 الفا مقارنة بحوالي ربع مليون، أو أقل عند توقيع اتفاق اوسلو.. وما الجديد في تصريح نتنياهو بان القدس هي العاصمة الموحدة والأبدية لدولة اسرائيل .. لقد رددها بدل المرة ألف مرة. مسار حكومة نتنياهو وسياساتها محددة منذ زمن، ولسنا بحاجة إلى مزيد من التصريحات الجوفاء لنعرف هذه الحقيقة.. المهم أن تعرفوها أنتم وتقولوا لنا ما أنتم فاعلون؟ مسؤول وجد نفسه مضطرا لان يدلو بدلوه حتى إن ردد ما قاله غيره، لكي يبقى في الصورة، فقال «إن حكومة إسرائيل أعلنت قبل عدة أيام عن عدة عطاءات استيطانية في القدس الشرقية، وان نتنياهو يتحدث عن القدس كعاصمة وحيدة للشعب اليهودي، وهذا إنكار لحقوق الديانات السماوية الإسلامية والمسيحية، وبالتالي إنكار لكل ما قامت عليه العملية السلمية».. انتهى التصريح.
ألا يقرأون.. ألا يتابعون.. ألا يستوعبون؟ أم أن ذاكرتهم أضحت قصيرة بسبب التقدم في السن.. لم يسمع هذا المسؤول بان نتنياهو أعلن وبأعلى صوته تنكره وتنصله من اوسلو، وأن ما فعله وما يفعله على الارض تجاوز اوسلو، مما يعني انه متنكر لما يسمى بالعملية السلمية.. وهذا ينسحب بالطبع على اعضاء حكوماته الحالية والسابقة.
تصريح آخر لمسؤول اخر يقول «لم يمض على حكومة «اليمين واليمين المتطرف»، التي شكلها نتنياهو، سوى ايام قليلة حتى بدأت بالتطبيق العملي لبرنامجها الانتخابي، وشرعت بتوسيع عدد من المستوطنات المقامة في الاراضي المحتلة، سواء في القدس أو أنحاء الضفة، وكذلك تقديم الدعم للمجموعات المتطرفة لإقامة بؤر استيطانية جديدة.
يا سلام.. كلام كبير.. واكتشاف عبقري.. يمين ويمين متطرف.. وهل بإمكان هذا المسؤول أن يقول لنا ما هي مقاييس التطرّف من وجهة نظره.. هل يقصد أن نتنياهو ووزير أمنه موشيه يعلون هم اليمين، ونفتالي بنيت وايليت شكيد هما اليمين المتطرف. وهل يتفضل علينا هذا المسؤول ويبين لنا الفروقات بين نتنياهو – يعلون، وبنيت- شكيد وجميعهم أيديهم ملطخة بدماء الفلسطينيين. والأدهى أن هذا المسؤول يستغرب من أن هذه الحكومة بدأت بتنفيذ مخططاتها.. فهو معتاد على اتخاذ القرارات لتدخل إلى الأدراج وتبقى حبرا على ورق، كما حصل مع قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الاخير، لاسيما قرار وقف التنسيق الامني.
ويقول المسؤول ايضا «قبل ايام طرحت حكومة الاحتلال عطاءات لبناء وحدات سكنية في القدس المحتلة، واليوم تدعم هذه الحكومة التي تحكمها الأحزاب المتطرفة ذات النزعات العنصرية والمعادية لشعبنا الفلسطيني، المجموعات المتطرفة في اقامة بؤرة استيطانية جديدة قرب الخليل». ويعتقد بأن حكومة الاحتلال تسعى من خلال هذه السياسة المتمثلة في نهب الأراضي، إلى فرض وقائع على الأرض وإعادة رسم خريطة الدولة الفلسطينية.
عجيب وغريب.. كيف لحكومة يمينة ومتطرفة في يمينيتها وذات نزعات عنصرية ومعادية للفلسطينيين، أن تدعم مجموعات متطرفة؟ والآن فقط يكتشف صاحبنا أن حكومة نتنياهو تفرض واقعا جديدا على الارض. ما قيمة هذ الكلام وهل يغني الموقف الفلسطيني.. أم انهم يعتقدون أنه يفتح عيون العالم على حقيقة جديدة لا يعرفها.. فإذا كان هذا المسؤول أو ذاك يعتقد بأن تصريحاته وما يقوله قد يقلب الطاولة على رأس الحكومة الاسرائيلية، فهو انما يضحك على نفسه أو يحاول الاستخفاف بعقول الناس.
واخيرا.. يفترض انه عندما يصدر تصريح عن مسؤول لا بد ان يكون موزونا ومحسوبا.. له أهداف واضحة ويحمل رسائل ذات معنى، سواء إلى الداخل الفلسطيني اولا (طبعا هذا هو اخر ما يفكر به) والى الاسرائيليين ثانيا، والى المجتمع الدولي ثالثا. بمعنى يجب الا تصدر التصريحات يميناً أو يسار لمجرد أن هذا المسؤول أو ذاك يريد إثبات وجوده شخصيا أو تنظيمه، أو ربما يحاول أن يحلل الراتب الذي يتقاضاه.
والمثل يقول «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب».. فعليكم بالذهب.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
علي الصالح
المفاوضات حياة !
المشكلة ان المسار خاطئ. و مهما كانت الاراء و السكوت و الكلام فلن نصل الى الهدف بل اننا نبتعد ما دمنا في المسار الخاطئ. مسار الاعتراف و التنازلات و الدولتين كلها مسارات خاطئة. المشكلة هي وجود اسرائيل ذاته. و بالطبع فان هذا الوجود مدعوم باكبر قوى العالم و لكن يمكن قهره بحصاره و عدم الاعتراف به و التركيز على البعد الاخلاقي فانه ما زال الاساس لديهم ولدينا. و لا ننسى اننا رأينا هزيمة اكبر قوى العالم في فيتنام و الافغان و العراق و غيرها ماديا و اخلاقيا