القاهرة ـ «القدس العربي»: استمر اهتمام الصحف المصرية الصادرة أمس الأربعاء 14 مارس/آذار بانتخابات رئاسة الجمهورية التي ستجري في الخارج أيام الجمعة والسبت والأحد المقبلة. وفي الداخل أيام 27 ـ 28 ـ 29، وهو ما تمثل في بحث الكثيرين عن أماكن اللجان الانتخابية التي سيدلون فيها بأصواتهم، وتأثرهم بالحملات المكثفة في جميع المحطات التلفزيونية للمشاركة في الإدلاء بأصواتهم حفاظا على استقرار البلاد الأمني.وأن الداعين للمقاطعة هم أعداء للبلاد، وحتى يستكمل الرئيس السيسي المشروعات التي بدأها.
ونشرت الصحف صورة الرئيس وهو يستقبل ســــيدات محمد إسماعيل وفتحية محمد إسماعيل اللتين تبرعتا لصندوق «تحيا مصر» لتعمير سيناء، وهو يقبل رأس كل منهما ويتأبطهما وهو يسير معهما في مظهر عاطفي، سيدفع مزيدا من النساء للنزول للتصويت له.
ومن الأخبار الأخرى الواردة في صحف الأمس، استقبال الرئيس السيسي رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي، وأبرز ما دار في اللقاء هو تنسيق جهود البلدين للمشاركة في إعمار العراق وسوريا، بما سيعود بالفائدة علي اقتصادهما، وهو ما يهم الشركات العاملة في التشييد والكهرباء أساسا. كما اهتم كثيرون من العاملين في قطاع السياحة بخبر استئناف الرحلات الروسية إلى مطار القاهرة في الشهر المقبل، وإن كانوا يركزون الاهتمام على رحلات طائرات الشارتر إلى الغردقة وشرم الشيخ. أما الاهتمام الجماهيري والصحافي الأكبر فكان عن تجديد النادي الأهلي للاعب عبد الله السعيد بمبلغ وصل إلى خمسين مليون جنيه. ومتابعة مسلسلات رمضان التي يتم العمل فيها بسرعة لتلحق بالعرض فيه. وإلى ما عندنا من أخبار متنوعة..
انتخابات الرئاسة
ونبدأ بأبرز ردود الأفعال على انتخابات الرئاسة حيث تعرض الرئيس السيسي لهجمتين عنيفتين في جريدة «الأهالي» لسان حال حزب التجمع اليساري، تتهمه بعدم وجود برنامج له يطرحه علي الناخبين، وأن مؤيديه من رجال الأعمال وأنصار الحزب الوطني. فقال حسين عبد الرازق عضو المكتب السياسي للحزب: «بذلت خلال الأيام الماضية جهداً كبيراً لمحاولة الوصول للبرنامج الانتخابي للرئيس المرشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة بدون جدوى، فالرئيس لم يتقدم للناخبين ببرنامج عمل للسنوات الأربع المقبلة «2018 ـ 2022» ويدعوهم لإنتخابه على أساسه، وقد يُرجع البعض غياب البرنامج بثقة الرئيس المطلقة في الفوز، ليس فقط لتأييد غالبية الناخبين له، وإنما لغياب منافسين حقيقيين نتيجة لمصادرة واستبعاد أي مرشح محتمل قادر على منافسة السيسي، حتى أن كان غير قادر على الفوز، فالمطلوب من المهيمنين على أمور الدولة أن يفوز السيسي بما يشبه الإجماع، كما حدث في انتخابات 2014، حيث حصل على «96.91٪ من أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم». بينما حاول البعض استنباط برنامج له من خلال أحاديث أو تصريحات أدلى بها السيسي هنا أو هناك، خاصة في مؤتمر «حكاية وطن». ولا أظن أن هذه النقاط تشكل برنامجاً للحكم، وتجيب عن التحديات التي تواجهها مصر، بل جرى تجاهل الدستور وإلقائه في سلة المهملات خاصة المواد والبنود المتعلقة بالمقومات الأساسية للمجتمع «المقومات الاجتماعية ـ المقومات الاقتصادية ـ المقومات الثقافية»، وكذلك المواد الخاصة بالحقوق والحريات والواجبات العامة، وتم استبعاد الأحزاب وتجاهلها ـ رغم تأييدها بشكل وآخر للسيسي ـ وبالتالي توجيه ضربة نافذة لحلم الديمقراطية وزاد الطين بلة إجراء انتخابات مجلس النواب طبقاً لنظام شاذ لا يوجد مثيل له في العالم وهو «نظام القائمة المطلقة» والمقاعد الفردية».
سماسرة الانتخابات
والهجوم الثاني شنه زميله في «الأهالي» منصور عبد الغني وقال فيه: «60 مليون مواطن تقريبا لهم حق التصويت في الانتخابات الرئاسية الحالية و25 مليون مواطن على الأقل يخاطبهم الوطنيون في هذا البلد، من أجل الخروج والإدلاء بأصواتهم للوصول بنسبة مشاركة إلى 40 في المئة، حتى يتجاوز الرئيس عبد الفتاح السيسي كمرشح للانتخابات عدد 20 مليون صوت، علما بأن عدد الناخبين في الانتخابات السابقة كان 54 مليون صوت، ونسبة المشاركة بلغت 48 في المئة، والرئيس نجح بـ24 مليون صوت. الموظفون ورجال الأعمال الذين يديرون الحملة الانتخابية للرئيس السيسي يعتمدون على سماسرة الانتخابات، وبلطجية الحزب الوطني المنحل. وعادت لتصدر المشهد وجوه كرههها الشعب وخرج عليها ورفض ممارساتها السابقة، وطاردها وأجبرها على الانزواء بعيدا، خاصة في القرى والنجوع والأحياء الشعبية، التي يتم الاعتماد عليها. زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات، غياب السياسيين عن مشهد سياسي نتج عنه خلل في مشهد الانتخابات الرئاسية، نشاهده ونلمسه ويمكن تداركه فقط باستحضار الرئيس كمرشح لدورة رئاسية ثانية، خلال الأيام المقبلة، يخرج إلى الناخبين يخاطبهم شارحا ومفسرا وساعيا للحصول على مشاركتهم وأصواتهم من أجل استكمال المشروع الوطني لبناء دولة مصرية، وليس عيبا أن يستعين الرئيس المرشح بسياسيين من مؤيديه لمخاطبة الجماهير وتسويق مشروعنا الوطني الذي ينطلق من إرادة حرة وقرار مستقل».
جمال أسعد عبد الملاك: أرجوا وصوتوا من أجل مصر
وفي الوقت نفسه لقي الرئيس السيسي دعما وهجوما على حزب التجمع من الكاتب والسياسي جمال أسعد عبد الملاك في مقاله في مجلة «المصور» تحت عنوان «لماذا سأذهب لانتخابات الرئاسة» قال فيه: «أعتبر نفسي من المعارضة السياسية، ليس الآن، ولكن كان هذا منذ تشكيل المنابر 1976 ثم الأحزاب، وكنت أحد مؤسسي حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي برئاسة المناضل خالد محيي الدين، وصولا لعضوية المكتب السياسي في الحزب، ولأسباب أهمها الإحساس بعدم مطابقة الأقوال مع الأفعال، خاصة أن قيادات الحزب في ذلك الوقت كانت قيادات قومية فكريا وسياسيا، ولكن سياسة الدكتور رفعت السعيد، في إطار العلاقة الإسلامية المسيحية، لم تكن على أرضية محايدة، ولكنها كانت رد فعل للتنظيمات التي تحمل اسم الإسلام، فكنت أعتبر أن كلا المنهجين يلعب على أرضية طائفية، كما لم يكن هناك نوع من الممارسة الديمقراطية الحقيقة، فعندما اعتقلت في سبتمبر/أيلول 1981 لم يعرف عن الحزب شيئا، ولم أعرف عنه شيئا مثل باقي المعتقلين من الحزب من الماركسيين، حيث أني ناصري ولست ماركسيا. كما أن الحزب أخل بوعده لي في انتخابات 1948 لمجلس الشعب ولم يرشحني على القائمة، حيث كان هذا قرار المكتب السياسي أيضا، لأنني لست ماركسيا. نختلف نعارض، ولكن هذا غير المقاطعة التي تصب في غير مصلحة مصر، أخرجوا وصوتوا لا من أجل مدة رئاسية ثانية، ولكن لأجل مصر، حتى تصبح مصر وطنا لكل المصريين وليس لبعضهم كما كان الوضع».
الإرهاب
وإلى الإرهاب في سيناء ودهشة فاروق جويدة في «الأهرام» من حجم الأسلحة والصواريخ التي ضبطها الجيش في سيناء ومن أين جاءت وقال: «بعد أن يتم الجيش مهمته في تطهير كل شبر في سيناء، يجب أن نتتبع خيوط هذه الجريمة وهذه المؤامرة الدنيئة، ونكشف من كان وراءها. لا بد أن نعرف من سدد فواتير شراء كل هذه الأسلحة المتقدمة؟ ومن الذي أقام المخازن والخنادق والممرات التي أقيمت في قلب سيناء؟ إن كشف هذه المؤامرة بكل أبعادها قضية لا تقل في الأهمية عن المعركة ضد حشود الإرهاب. هناك عناصر أجنبية شاركت في هذه المواجهة، وهناك أجهزة اتصال حديثة ظهرت مع الإرهابيين، وبعد أن يصل جيش مصر إلى عناصر المؤامرة والمشاركين فيها، يمكن أن نوضح للعالم كل الجهات التي تورطت فيها لكي يدرك أن المؤامرة ضد مصر كانت فيها أطراف دولية. إن الأجهزة الأمنية في مصر قادرة على أن تصل إلى كل الأيادي التي تآمرت علينا ولا بد من قطعها».
منحة الهلال الأحمر
وضحك نقيب الصحافيين الأسبق جلال عارف في «الأخبار» وأرشد فاروق عن الذين يدعمون الإرهابيين بأن قال: «250 ألف دولار منحة قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للهلال الأحمر المصري، من أجل مساعدة متضرري العملية الإرهابية في قرية «الروضة» في سيناء، الأهم من المبلغ المالي الصغير، هو أن يكون الأمر تعبيراً حقيقياً عن إدانة الإرهاب ودعم الحرب ضده، وليس فقط التضامن مع ضحاياه. جيش مصر قادر على إنجاز المهمة وقوة الردع لديه تصل رسالتها للجميع، لكن الأسئلة تبقى عن مواقف أطراف كبرى مثل أمريكا، والقضية تبقى أكبر من التضامن مع الضحايا. القضية هي أن تقاتل الإرهاب حتى النهاية وألا تستثني أحدا أو تساوم به أو عليه».
كاريكاتير
المهم أن زميله الرسام فرج حسن دعمه بأن أكد له أن هذه رغبة مصر، إذ قال إنه شاهد ممثلا عن الشعب يقدم نقاط حروف لأمه مصر لتضعها على كلمة الديمقراطية فقالت له مبتسمة: أنت اللي تقدر تحط النقاط على الحروف.
من يضمن الديكتاتور الذي بعده؟
وفي «اليوم السابع» كتب عمرو جاد مقالا تحت عنوان «عندما تقرر الصين أن تصنع ديكتاتورا»: «يجب أن تكون صينيًا أولا لتدَّعى أنك تفهم ما يجري في الصين هذه الأيام، بعد إقرار البرلمان لقانون يلغي تحديد مدة الرئاسة بفترتين، وقد وعد الرئيس شين بين جينج مواطنيه بأن يسلمهم البلاد في عام 2020 كأقوى اقتصاد في العالم، مدعوما بأقوى شبكات النقل بكل أنواعها. والصينيون في الداخل تتباين آراؤهم ـ لا أقول إنها تنقسم بحدة ـ حول مستقبل بلاد التنين رغم ثقتهم في نجاح الرجل وفريقه في الحزب، فهم يتوقعون أنه لن يكون ديكتاتورًا سيئًا، لكن من يضمن الديكتاتور الذي بعده؟ ما يعنينا في ما يجري هناك أن الهزة التي أحدثتها التطورات الأخيرة ستجعل الناس يعيدون التفكير في إيمانهم بالأشكال الحالية لديمقراطيات العالم المتقدم، وعلاقتها بالأنظمة الاقتصادية فها هي «الاشتراكية بالخصائص الصينية» ـ كما يفضل الصينيون وصفها ـ تعيد النظر في طريقة تداول السلطة مع أول نجاح تحققه من وراء استعانتها بالرأسمالية».
التفتيش في نوايا الكاتب
«على مدى يومي 17 و18 فبراير/شباط الماضي كتب عماد الدين حسين في «الشروق» مقالين الأول كان بعنوان: «مغزى القبض على عنان وجنينة وأبوالفتوح». والثاني بعنوان «قواعد اللعبة الجديدة». المقالان كانا عبارة عن محاولة لقراءة وتحليل موضوعي للمشهد السياسي وقتها، بدون إبداء رأب مع أو ضد. البعض أعجبه ما كتبت ظنا أنه يؤيد وجهة نظره، والبعض الآخر هاجمه بعنف ظنا أنه ضد وجهة نظره. والغريب أن التأييد والمعارضة يومها كانا داخل كل معسكر، أي المؤيدين والمعارضين. ما الجديد في ما سبق، خاصة أن أي مقال يفترض أن ينال التأييد أو المعارضة، كما أن بعض المقالات بدون طعم لا يشعر بها أحد؟ الجديد أن صديقا عزيزا، أقرب إلى المعارضة، قال لي أن بعض المعارضين يعتقدون أن الحكومة طلبت مني أن أكتب هذه المقالات، لأنها تثبت وضعا قائما، وتصيب المعارضين باليأس والإحباط. وصديق آخر وصفها بأنها مقالات شجاعة توصف الحال الصعبة التي تعيشها مصر في هذه الأيام على حد قوله. لماذا أسرد هذا الكلام الذي قد يبدو تضييعا لوقت القارئ؟ لسبب بسيط هو الحيرة التي يشعر بها كل من يحاول أن يحترم قلمه، فيتلقى السهام والطعنات والبذاءات من كل من هب ودب. كل طرف يحاول أن تكون معه على طول الخط، وإلا فالبديل أن يتم اتهامك بالعمالة والخيانة، وقائمة من التهم المكررة التي لا تنتهي. المشكلة الآن أن أي كاتب يريد أن يحترم نفسه وقلمه، سيجد نفسه مضطرا إلى شرح نفسه في كل كلمة أو عبارة أو فقرة أو مقال أو تحليل. بعض أصحاب النوايا الحسنة ومعهم غالبية الجهلاء، يريدك أن تقف في معسكره فقط وإلا فإنك مارق ينبغي التربص به في كل لحظة. مشكلة هؤلاء وهي نفسها المشكلة الأبرز في الإعلام المصري، أن الكثيرين لا يتصورون أن هناك آراء ثالثة ورابعة وخامسة في أي قضية، وأنه ليس بالضرورة، أن يكون رأيك أو رأيي هو الصحيح، فربما هناك رأي ثالث أصح، أو هناك احتمال أكبر بأن بعض رأيك وبعض رأيي هو الأقرب إلى الصواب. وقد تكون على صواب اليوم وعلى خطأ غدا. لا يوجد أحد منا منزه عن الخطأ، ولا يوجد من هو على صواب طوال الوقت أو العكس. نحن بشر نصيب ونخطئ، لكن الأهم أن نتعلم من الخطأ ونتعلم أن نكون منصفين وموضوعيين. بجانب حسني النية، هناك المتربصون الذين يصطادون لك كلمة من هنا أو تعبيرا أو مداخلة من هناك، وينزعها من سياقها، ثم يعرضها على العامة، ليظهرك بأنك تناقض نفسك. هؤلاء لا يكلفون أنفسهم شجاعة عرض هذا الكلام بالكامل وفي سياقه الصحيح زمانا ومكانا. أدرك تماما أنه يصعب أن نرضى المتربصين في هذا المعسكر أو ذاك، وبالتالي علينا أن نتحملهم. لكن ما يحز في النفس ما يأتي ممن نظنهم يتمتعون بالقدر الكافي من العلم والدراية والتقدير السليم للأمور. هؤلاء يعيبون على البعض استخدام نظرية المؤامرة، لكنهم أيضا صاروا يقعون في الفخ نفسه، وهو التعامل مع كل شيء باعتباره مؤامرة حتى لو كان مقالا عابرا، أو تعليقا على حدث طارئ. قلت لصديقي الذي بدأت به الكلام: وهل حينما انتقدت في الأسابيع الأخيرة بعض التصرفات في قضية التعامل مع بي بي سي، أو حبس خيري رمضان، أو «قوى الشر» أو «تنفيس البخار يضعف القنوات الإخوانية» أو «ما يحتاج اليه أهالي سيناء» أو «الأخطار الثلاثة التي تهدد النظام» أو «سر انزعاج الصحافيين من غياب المنافسة» أو «ذا بوست»..هل عندما كتبت هذه المقالات، كانت الحكومة أيضا هي من طلبت مني ذلك أم أنها المعارضة هذه المرة؟ حينما يخف الاستقطاب، وتهدأ النفوس، ستعود الأمور إلى طبيعتها، وتعود للكلمة الصحيحة والصادقة قيمتها واعتبارها، وإلى أن يحدث ذلك، فنحن مضطرون إلى تحمل الكثير من البذاءات، هنا وهناك، ومحاولة تعلم الترفع عنها».
«الصيني بعد غسيله»
«كلام عجيب جاء على لسان ياسر القاضي، وزير الاتصالات، ذكر فيه أن مصر بصدد إنشاء «فيسبوك» مصري هذا ما بدأ به محمود خليل مقاله في «الوطن» مواصلا متابعته للوزير: «مصر خطت خطوات إيجابية وفاعلة في مجال إنشاء وسائل تواصل مجتمعية مصرية خالصة، على غرار دول كثيرة في العالم». وأضاف: «يجب أن تكون لدينا القدرة على حماية البيانات، وحماية المواطنين لحماية استقرار الدولة». ليس من الحكمة أو الحنكة أن نتعامل مع كلام الوزير من منظور علمي، لأنه ببساطة يتكلم «سياسة»، إنه يريد أن يقول ببساطة أن وزارته تفكر في محاصرة المواطنين بـ«فيسبوك» مصري خالص، يستعيضون به عن موقع التواصل الدولي، وهو لم يُحدّد هل سيتم إغلاق الموقع الدولي أم لا؟ كلام الوزير حول وجود دول تأخذ بهذا النهج صحيح. روسيا على سبيل المثال لديها «فيسبوك روسي»، لكنها لا تحول دون المواطن الروسي وحقه في الوصول إلى الموقع الدولي، في حين تُقلد دول أخرى النموذج الروسي مثل الصين، لكنها تمنع مواطنيها من الوصول إلى «الفيسبوك». المسؤولون في هذه الدول يفكرون بمنطق الوزير «القاضي» نفسه فيعلنون أنهم يفعلون ما يفعلون، من أجل صيانة مواطنيهم وحماية استقرار الدولة، لكن من المفترض أن وزير الاتصالات لدينا يعلم أن هناك مواقع دولية أخرى كثيرة للتواصل الاجتماعي ـ غير «الفيسبوك» ـ يمكن للأفراد تبادل المعلومات والأفكار والصور والفيديوهات عبرها بمنتهى السلاسة والسهولة. وقد يكون من المفيد أن يجيبنا على سؤال: هل من ضمن مشروعاته المستقبلية أن ينشئ «تويتر، وسناب شات، وتليغرام، وواتس آب، وإنستغرام»، ويدمغه بوصف «المصري» حتى يحمي أحباءه المواطنين من المعلومات التي قد تضر بهم؟ من المهم أيضاً أن يجيبنا عن سؤال يتعلق بحقوق الملكية الفكرية وموقفنا من الأخ مارك زوكربيرغ، مؤسس وصاحب فكرة إنشاء موقع التواصل «فيسبوك» وغيره من مواقع التواصل.. إلا أن نكون قد انتوينا أن نشترى هذا الموقع وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، حتى نحمى خلق الله من شرها المستطير؟ أمر بعض المسؤولين والسياسيين والكتاب لدينا عجيب. إنهم يعبرون في مواقف عديدة عن انبهارهم ببعض النماذج المغلقة، مثل النموذج الصيني، ويستدلون بما يحكمه من معادلات سياسية وأساليب في محاصرة حق الجمهور في المعرفة، ويريدون جلبها إلى الواقع المصري، مبرّرين ذلك بما تواجهه مصر من تحديات. وحقيقة الأمر أن من يرد الاستعارة عليه ألا يكون انتقائياً، فيأخذ ما يروق له ويترك ما لا يروقه. من يرد مثلاً أن يقتبس من النموذج الصيني عدم تمكين المواطنين من الوصول إلى الموقع الدولي «فيسبوك»، أن يحدّثنا عن معدل دخل المواطن وفرص العمل المتاحة له، ومعدلات النمو، والاحتياطي النقدي، وحجم المديونية، ومستوى التعليم، ومستوى الرعاية الصحية داخل الصين. من اللائق أيضاً أن يتوقف هؤلاء أمام إشكالية ارتكان دولة مثل الصين على «نظام اشتراكي»، في وقت ينادون فيه بخصخصة وبيع كل شيء، ويرحّبون ببيع أي مرفق، ويتّهمون من يختلف مع هذا التوجّه بأنه يفكر بطريقة قديمة، وأن الاشتراكية ماتت في العالم!. لوزير الاتصالات أيضاً وهو يحدثنا عن حماية استقرار الدولة بإنشاء «فيسبوك مصري»، تأسياً ببعض التجارب العالمية، أن يحدّثنا عن استقرار ومستوى خدمة الإنترنت في مصر، وسعر الخدمة الذي تحصل عليها وزارته من المستخدم قياساً إلى الأسعار العالمية. بلاش نظام «الصيني بعد غسيله».
شرعنة الحجب
وإلى «البديل ومقال محمد سعد عبد الحفيظ عن شرعنة الحجب: «لم تتمكن الجهات القضائية حتى هذه اللحظة من تحديد المسؤول عن حجب مئات المواقع الإلكترونية التي لم تتمكن السلطة من إدخالها في بيت الطاعة، فالقضية التي يتم تداولها في قاعات محكمة القضاء الإداري والمرفوعة من شركة «مدى مصر» ضد الجهاز القومي للاتصالات، لم تحدد بعد المسؤول عن تلك القرارات اللقيطة. حالة الإنكار أصابت جميع الجهات الحكومية المعنية، ممثل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات دفع خلال الجلسات، بعدم اختصاص جهازه بحجب المواقع الصحافية، مشيرا إلى أن الجهاز لا يملك التقنيات الفنية التي تمكنه من ذلك، ووجه أصابع الاتهام إلى جهات أخرى، منها أجهزة الأمن القومي باعتبارها الجهة الوحيدة، التي تملك تقنيات الحجب، أو المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام بصفته المختص بإصدار التراخيص لوسائل الإعلام وغيرها من المواقع الإلكترونية. ما بدا من دفوع ممثل هيئة قضايا الدولة وممثل الجهاز القومي للاتصالات، أن جهات الدولة تلعب على عامل الوقت، محامو الدولة يعلمون علم اليقين أنهم بصدد خسارة القضية التي قد تنتهي بحكم يلزم الدولة بإعادة المواقع المحجوبة وتغريم الأجهزة ذات الصلة. نصوص الدستور والقوانين القائمة التي تنظم حرية الرأي والتعبير لم تعط الحق للأجهزة الأمنية أو غيرها لحجب أو مراقبة وسائل الإعلام، إلا في زمن الحرب أو التعبئة العامة، فضلا عن أن قانون الطوارئ الذي أعطى هذا الحق لرئيس الجمهورية ألزمه بإعلانه حتى يتسنى للمتضرر الطعن عليه. قانون مكافحة الإرهاب أعطى للنيابة العامة الحق الحصري في اتخاذ قرارات حجب المواقع «إذا تضمنت مواد تروج لأفكار ومعتقدات تدعو إلى إرتكاب أعمال إرهابية»، وهو ما لم يحدث في حالات الحجب التي بلغت 465 موقعا خلال الشهور العشرة الماضية. ولأن أجهزة الدولة تعلم أن حجب المواقع الإلكترونية خارج الأطر القانونية جريمة، تفتق ذهن رجالها باستحداث قانون يقنن جريمة الحجب، ويعطي الحق لأجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية في الحجب المؤقت للمواقع لحين صدور قرار من سلطة التحقيق المختصة. قبل ساعات وافقت لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب، على عدد من مواد مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المقدم من الحكومة، ومن بينها مواد تنظيم حجب المواقع الإلكترونية، والتظلم من قرارات الحجب، والمنع من السفر، وتعريف الأمن القومي. ومررت اللجنة في اجتماع، حضره ممثلون عن وزارة الداخلية والقوات المسلحة، نص المادة السابعة التي تنظم حجب المواقع كما جاء من الحكومة، والتي ينص على أن «لسلطة التحقيق المختصة متى قامت أدلة على بث موقع داخل الدولة أو خارجها عبارات أو أرقاما أو صورا أو أفلاما أو أي مواد دعائية، أو ما في حكمها، مما يعد جريمة من الجرائم المنصوص عليها بالقانون، ويشكل تهديدا للأمن القومي أو يعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر ــ الأمر بحجب الموقع أو المواقع أو الروابط أو المحتوى محل البث». وتنص المادة أيضا على أنه في حالة الاستعجال لوجود خطر حال أو ضرر وشيك الوقوع من ارتكاب جريمة، يجوز لجهات التحري والضبط المختصة إبلاغ الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، ليخطر مقدم الخدمة على الفور بالحجب المؤقت للموقع أو المواقع أو الروابط أو المحتوى المذكور في الفقرة الأولى من هذه المادة، وفقا لأحكامها، ويلتزم مقدم الخدمة بتنفيذ مضمون الإخطار فور وروده إليه، وعلى جهة التحرى والضبط المبلغة أن تعرض محضرا تثبت فيه ما تم من إجراءات على سلطة التحقيق المختصة، خلال 48 ساعة من تاريخ الإبلاغ الذي وجهته للجهاز، فإذا لم يعرض المحضر المُشار إليه، في الموعد المحدد، يعد الحجب الذي تم كأن لم يكن».. ما سبق يعني أن الأجهزة الأمنية سيكون لها الحق في استصدار قرارات «الحجب المؤقت»، بشكل شرعي، ويجعل من السادة الضباط رقباء على المحتوى الصحافي المنشور، بصيغة أخرى فستتحول الداخلية بشكل مباشر إلى رئيس التحرير الأعلى في البلاد، يحدد وفقا ما يرى ما إذا كانت المواد المنشورة في أي موقع لا تشكل تهديدا للأمن القومي أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر».
الرهانات الخاطئة
أما عماد الدين أديب في «الوطن» فكتب مقاله الذي جاء بعنوان « لا تستغن عن حلفائك ولا تستهن بأعدائك» قائلا: «كان ونستون تشرشل يعتقد أن الأنظمة تسقط على مرّ التاريخ لأسباب عديدة، ولكن أهمها ـ من وجهة نظره ـ هو «عدم قدرة النظام على معرفة من هو العدو ومن هو الصديق». من وجهة نظر تشرشل، وهو السياسي العريق، والقائد العظيم، والرجل الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب والتاريخ، أن فقدان أي نظام لبوصلة معرفة من هم الحلفاء ومن هم الأصدقاء هو سبب جوهري وعامل رئيسي في سقوط أي نظام سياسي. حينما تفقد هذه البوصلة تعادي الأصدقاء، وتصادق الأعداء، وتقع في قاع بئر الرهانات الخاطئة على البشر الذين تتعامل معهم. وحينما يصل بعض الناس إلى مركز السلطة يعتقدون ـ خطأً ـ أنهم ليسوا بحاجة إلى مساندة الأصدقاء الآن، وأنهم ليسوا في حاجة إلى التخوف من مواقف الأعداء. يقع الحاكم أو المسؤول في الهاوية إذا اعتقد أنه أقوى من الأخطار وأكثر حكمة من طلب النصيحة.
أزمة السلطة أن تدير رؤوس البشر وتلعب بعقول ضعاف النفوس وتصيب البعض بحالة من التعالى على مواقف الغير. إذا وصل الحاكم إلى أنه يأمن مكر أعدائه، وفي حالة استغناء عن مساندة ونصح حلفائه فهو في خطر عظيم وأصبح نظامه في موقف قابل للسقوط».
رسالة إلى الإمام الأكبر
وأخيرا إلى محمود سعد الدين ورسالته إلى الإمام الأكبر في «اليوم السابع»، قبل أيام قضت المحكمة بحبس الزميل أحمد الخطيب 4 سنوات في قضية إهانة الأزهر الشريف، وهو حكم يدفعنا جميعا للتفكير من جديد في العلاقة بين الصحافة والأزهر، وكيف انتقلت من الود والتفاهم وتبادل الآراء إلى الدعاوى في المحاكم. تحرك مشكور لنقابة الصحافيين خلال الأيام الماضية واتصالات متبادلة بين قيادات في الأزهر الشريف ونقابة الصحافيين، لتقريب وجهات النظر وإقناع الأزهر بالتنازل عن القضية، وسبقتها زيارة من الأستاذ مكرم محمد أحمد إلى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في محاولة للحل الودي بعد صدور الحكم القضائي. حتى الآن لم يصدر أي تعليق رسمي من مؤسسة الأزهر، أو أي من قياداتها بشأن موقفهم من الزميل أحمد الخطيب بعد الحكم القضائي ولا حتى السيناريوهات المحتملة من التمسك بتنفيذ الحكم أو التنازل عن القضية، وحتى تتخذ الأزهر الشريف قرارها النهائي يبقى لنا عدد من الرسائل لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب. فضيلة الإمام، إذا كان الغرض الأساسي من بلاغكم تجاه أحمد الخطيب، هو إثبات عدم صحة ما كتبه في حق الأزهر وتبرئة مؤسسة كبيرة كالأزهر من المعلومات المغلوطة التي ذكرها الخطيب، فقد ثبت ذلك فعليا بعد الحكم وبات معروفا للجميع أن الخطيب وقع في خطأ التناول والطرح في ما كتبه عن مؤسسة الأزهر، فضيلة الإمام، رجع الحق كاملا للأزهر الشريف فعلا، فلماذا الإصرار على تنفيذ الحكم بالحبس؟ فضيلة الإمام، أعلم تماما نواياكم الطيبة في العمل وحرصكم الدائم على الحفاظ على مؤسسة الأزهر الشريف منارة الإسلام، ولكن باستمرار تمسكم بتنفيذ حكم أحمد الخطيب، سيكتب التاريخ أنه في عهد جلوسكم على كرسي الأزهر الشريف دخل صحافي السجن في قضية رأي، كان الأزهر طرفا أساسيا فيها، وأعتقد أن حرصكم الأساسي من البلاغ ضد الخطيب في البداية لم يكن لمجرد حبس الخطيب، بل كان لتبرئة الأزهر الشريف من أي اتهامات باطلة. فضيلة الإمام، تبين في الشهور الأخيرة حرصكم الدائم على تقديم الأزهر الشريف بصورة مغايرة جديدة لم نشهدها من قبل، جرى تأسيس مكتب إعلامي للأزهر وإطلاق مطبوعة صحافية وفتح خطوط اتصال مع قطاع كبير من صناع الرأي والإعلاميين، وبات واضحا أن الهدف من ذلك هو الصورة الجديدة التي يريد الأزهر الظهور بها، ومن هنا أعتقد أن الصورة الجديدة لا تتماشى مع التمسك بتنفيذ الحكم القضائي بحبس الزميل أحمد الخطيب 4 سنوات. فضيلة الإمام الأكبر، مشهود لحضرتك بالود والتسامح وطيب الخلق، وهذه صفات تدفعنا أن نطلب من فضيلتكم التفكير الهادئ نحو إنهاء الجدل بقضية أحمد الخطيب والتنازل عنها أمام القضاء، وسيتذكرها جموع الصحافيين لفضيلتكم، وستزيد من رصيدكم لدى قطاعات كبيرة، فضلا عن أنها ستبعدكم عن العنوان الأهم أن الأزهر الشريف سجن صحافي رأي في عهد فضيلتكم».
حسنين كروم