نحن نعيش في عالم لا يقبل العزلة والإنعزال. عالم تحكمه قوانين العولمة التي لا فكاك منها، والتي توفر تربة خصبة لتجلي ظاهرة موضوعية وحتمية، هي ما نشهده من تفاعلات وتداخلات بين مكونات هذا العالم.
وهذه الظاهرة الموضوعية الحتمية، دائما ما تأتي تحت عنوان تحقيق السلام والإستقرار في العالم. ومن هنا قناعتنا بحتمية دور المجتمع الدولي ومساهمته في المشهد السياسي في بلدان العالم الثالث، مستوطن الأزمات والكوارث السياسية والإجتماعية. وأعتقد لن يختلف إثنان في أن عاملين رئيسيين يتربعان على قمة العوامل الدافعة لتدخل المجتمع الدولي في هذا المشهد، أولهما: عجز القوى السياسية الوطنية وفشلها في معالجة الأزمات التي تعصف بالوطن حد تفجر الحروب ونسف الإستقرار، داخل الوطن وخارجه. أما العامل الثاني فيتعلق بضمان وحماية مصالح العالم الأول، المحرك والقائد لتفاعلات المجتمع الدولي. نحن، نتفهم كل هذا، ونعترف بأن المجتمع الدولي قدم خدمات جليلة لإطفاء نيران الحروب وإخماد بؤر التوتر في العديد من مناطق العالم، وحقق أهدافا لصالح أمن وسلام وتقدم البشرية. لكن، كل تفهمنا وإعترافنا هذا، لن يعمينا من رؤية الجانب السلبي لمساهمة المجتمع الدولي في المشهد السياسي في بلدان العالم الثالث.
من حيث المحتوى، نقول أن الوصفات العلاجية التي يقدمها المجتمع الدولي لعلاج الأزمات المتفجرة في دول العالم الثالث، تظل دائما حلولا جزئية ومؤقتة وهشة، تخاطب الظاهر لا الجوهر، بحيث أن تشظيات الأزمة في هذه البلدان تظل كما هي، محدثة إنفجارات داوية من حين لآخر.
وما يحدث الآن في بلادنا، والتي صارت أزماتها مطروحة على بساط البحث والعلاج في دهاليز المجتمع الدولي، منذ تسعينات القرن الماضي، وهو لا يزال يصدر وصفاته العلاجية كأنها الوصفة السحرية الأولى، يؤكد ما ذهبنا إليه. الشعب السوداني ظل يستقبل، بفرح يشوبه القلق، فكرة التدخل الدولي في البلاد، خاصة وأن «الروح بلغت الحلقوم».
وكان يعتقد بوجود «بركة في كل حركة» من تحركات أطياف المفكرين والمنظرين وعلماء السياسة وفض النزاعات الدوليين، الحائمة في منتجعات وبراري مشاكوس ونيفاشا وأديس أبابا، وجميعها يرتبط بخط أحمر ساخن ومباشر مع واشنطن ونيويورك، ظنا منه بأنها ربما توقف الحرب وتحقق التحول الديمقراطي والوفاق الوطني، وتصون وحدة البلاد…، فماذا كانت النتيجة؟ لا الحرب توقفت، ولا التحول الديمقراطي تحقق، ولا وحدة البلاد صينت!! هل سيكون تجنيا، أو نكرانا للمعروف، إذا قلنا أن محتوى الحلول التي ظل المجتمع الدولي يطرحها لعلاج أزمتنا الوطنية، في ظل إستمرار عجزنا عن القيام بدورنا، وفي ظل فشلنا في تطويع هذه الحلول لصالح واقعنا، جاءت بتعقيدات جديدة في واقعنا السياسي، بحيث أن دور المجتمع الدولي في المشهد السياسي السوداني أصبح من ضمن مكونات «الحلقة الشريرة» في البلاد؟! وإضافة إلى النتيجة الملموسة والماثلة أمامنا، فإن قولنا هذا يستند إلى جملة من السمات المصاحبة لأطروحات المجتمع الدولي، ومنها:
أولا: إنتقائية الحل، وإنطلاقه من أفكار مسبقة يغلب عليها الطابع الأكاديمي وقوة المصلحة. وحتى عندما يقترب الحل المطروح من الشمول ومخاطبة كل التفاصيل، تهزمه آليات التنفيذ القاصرة، والتي مرة أخرى يسيطر عليها المنهج الجزئي والإنتقائي، فتحصر الحل في طرفين فقط، كما حدث في إتفاقية السلام الشامل.
ثانيا: سيطرة فكرة أولوية الإستقرار على الحرية والديمقراطية، في تجاهل متعمد للعلاقة الجدلية بين الإثنين، وفي فرض معيار خاص لدول العالم الثالث يخفض من سقف طموحات شعوبها المتطلعة للديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك إنطلاقا من فرضية أن هذه الدول غير مهيأة لإستقبال الديمقراطية الكاملة..!.
ثالثا: من واقع سيناريوهات المجتمع الدولي لعلاج الأزمة العامة في بلادنا، تولد لدينا شعور قوي بأن المجتمع الدولي لم يعد معنيا بمفاهيم وتصورات الوحدة في إطار التنوع، وهو يغض الطرف عن القوة الكامنة التي تفرزها هذه المفاهيم والتصورات في خلق نظم ومؤسسات تستوعب الجميع وتحد من طغيان الصراع الإثني والديني. وبالمقابل، تزداد شكوكنا حول أن المجتمع الدولي أصبح يدعم المشاريع المتطلعة إلى فكفكة الروابط التي تشدنا إلى البقاء تحت راية الوطن الواحد، حتى أن الذهن يجد صعوبة في إستبعاد وجود رؤية/مؤامرة محكمة تهدف إلى إعادة تشكيل السودان إلى دويلات على أساس المكون الإثني.
أما من حيث الأهداف، فلقد بات واضحا أن تيارا قويا وسط النخبة السياسية الأمريكية يتبنى ما يعرف بمشروع «الشرق الأوسط الجديد»، والذي يهدف إلى تفتيت المنطقة إلى دويلات دينية ومذهبية وإثنية، ضعيفة ومتصارعة في ما بينها، مما يسهّل السيطرة على ثرواتها، القديمة والمكتشفة حديثاً، وعلى طرق نقل مصادر الطاقة إلى العالم.
بل أن جزءاً من هذه النخب، ومن وحي الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، يسعى لدفع منطقة الشرق الأوسط للسقوط في حرب واسعة النطاق طويلة الأمد، يمكن أن تعطي دفعة لازدهار الصناعة العسكرية، وإزدهار نشاط الشركات التي تعيد بناء ما ستدمره الحرب، وفي الحالتين التكاليف مدفوعة من ثروات المنطقة.
بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، استبدل الغرب خطاب «نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان» الذي عنون به سياساته في المنطقة خلال الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، بخطاب «تعزيز الاستقرار» و»تجفيف منابع الإرهاب». وعلى هذا الأساس متنت الولايات المتحدة الأمريكية، تحالفاتها الإستخبارية والعسكرية مع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة التي أصبحت تلعب دور المقاول الثانوي في «الحرب على الإرهاب». لكن، كان واضحا للغرب أن هذه الأنظمة قد شاخت وآيلة للسقوط، ولا بد من توفير البديل المناسب الذي يساهم وبقوة في تعزيز الخطاب الجديد، ويضمن المصالح الأمريكية في المنطقة.
وفي هذا السياق ننظر إلى محاولات إختزال سيناريو «الهبوط الناعم»، في صفقة تسمح ببقاء نظام الإنقاذ بنسبة أكبر في أي تغيير قادم، خاصة وأن الإنقاذ، كما صرح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، تعاونت مع أجهزة الإستخبارات الغربية بأكثر مما كان متوقعا، وفي عهدها شكل إنفصال الجنوب ملمحا لخرطة المنطقة الجديدة، إضافة إلى تبنيها لوصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وسائر تفاصيل السياسات النيوليبرالية.
وأخيرا، نحن، لا ننادي بإخفاء المحافير عن من يود مساعدتنا على الحفر، ولا يمكن أن نرفض مساهمات المجتمع الدولي لحل أزماتنا، ولكن كل ما نود قوله هو أن السياسي الذي يظل فاغرا فاهه منتظرا هذه المساهمات دون أن تكون لمساهماته هو القدح المعلى، أو دون أن يأخذ حذره من هذه المساهمات حتى لا تأتي على حساب مصالح شعبنا، هو سياسي غير جدير بالاحترام.
٭ كاتب سوداني
د. الشفيع خضر سعيد
سبحان الله الشيوعية منذ قيامها قبل 100 عام تقريبا وحتى كنسها بعد 60 سنة ونيف فى نهاية الثمانيات من العقد الماضى لم تقدم تجربة ديمقراطية واحدة فى جميع البلدان التى أكتوت بها فالشيوعية التى تقدس الزعيم الاوحد وتؤمن بالحزب الواحد وتمنع التجمهر والتظاهر أما حرية الكلمة فصودرت الا لصحيفة وحيدة ناطقة بأسمهم الشيوعية التى أممت المسرح وكبتت الابداع وجوعت وأعدمت وحرقت وأنكرت الألوهية وأحتقرت الدين حمانا الله منها فخسف بها الارض فأندثرت يأتى بعض من تبقى منها ليحدثنا عن الديمقراطية والثروة والسلطة والحرية حقا أذا لم تستحى فأفعل ما تشاء