باريس ـ «القدس العربي» من راشد عيسى: بعد مضي أربعة أعوام على إنجازها، أعيد إحياء ونشر صورة رقمية صمّمها الفنان التشكيلي السوري تمام عزام عام 2012 مع بدايات الثورة في سوريا، وبدايات قصف النظام للمدن التي شهدت أكبر التظاهرات ضد النظام. لكن لأهدافٍ مغايرة لما أراده الفنان، وعلى الأغلب من قبل ناشطين موالين للنظام السوري.
الصورة، وهي واحدة من أعمال فنية عديدة أنجزها الفنان عزام بالتوازي مع فعاليات وتظاهرات مناهضة للنظام، تحاكي تمثال الحرية الشهير، حيث أعاد الفنان تصميمه (رقمياً) من حجارة بيت مهدّم جراء القصف. أراد الفنان، كما قال في تصريح لـ»القدس العربي»، أن يوظف «التمثال كرمز للحرية، لا رمزا أمريكيا»، ويؤكد «أنجزتُ العمل عندما لم يكن هناك من يقصف في سوريا سوى النظام». ولا يتردد الفنان في التأكيد على أنه لو أراد أن ينجز عملاً فنياً مماثلاً اليوم فإنه سيكون أولاً باتجاه النظام، فمن الواضح أنه علّة العلل.
الفنان عزام فوجئ، مثلما كثير من المتابعين، كيف نُفض غبار السنوات عن تلك الصورة لتنتشر بسرعة لم تحدث عند نشرها لأول مرة. لكن المفاجأة الأكبر هي في العناوين التي جرى تحميلها للعمل، والتعليقات التي صاحبت النشر خصوصاً على صفحات ناشطي النظام.
لم يجر أي تعديل للعمل، إنما وضع في سياق مغاير تماماً، يشبه الأمر كما لو أن هناك من أراد تزوير حكاية الطفل الفلسطيني الشهيد محمد الدرة الذي قتل برصاص الإسرائيليين، على أساس أن الدرة قضى برصاص الفلسطينيين أنفسهم، أو أن ضحايا الكيماوي في غوطة دمشق الشرقية هم من أبناء النظام، حيث جرى خطفهم ووضعهم في مهب الكيماوي، على ما صرّحت مسؤولة رفيعة من النظام، أو أن عمران السوري الحلبي ولد مزورا مفبركا، وأن الصورة من صنع «جبهة النصرة»، أو أن آلان، الطفل السوري الكردي الذي قضي غرقاً على الشاطئ، كان ضحية لمهرب هو والده بالذات!
وهنا، ستساق صورة تمام عزام محمولة على عناوين من قبيل «تمثال سوري يفضح حقيقة ماما أمريكا»، أو اختراع اسم للتمثال يقول «هذا ما فعلته بنا حريتكم»، والزعم بأن الفنان هو من أطلق تلك التسمية على العمل، أو القول بأن «الفنان السوري حرص على تلقين الولايات المتحدة الأمريكية درساً في مفهوم الحرية». والأخطر من ذلك هو تقديم العمل لا باعتباره صورة، بل كعمل نحتي «بناه الفنان عزام بحجارة من أنقاض بيته». وهنا يمكن القول إن النشر الجديد كان ضربة مزدوجة؛ فمن جهة سيجري تحويل العمل ليكون «رسالة احتجاج ضد السياسة الأمريكية»، باعتبار الأخيرة سبب كل المصائب في سوريا، ومن جهة ثانية فإن خبراء الفن، والعيون المدرّبة، سيكتشفون على الفور أن العمل مجرد فوتوشوب، وليس تمثالاً حقيقياً من حجارة بيت مهدّم، وبالتالي سينصبّ الغضب على الفنان في ما لا ذنب له به.
وفي كل الأحوال سيبدو الفنـــــان بلا حول وهو يرمق بأسى ما آل إليه عمله، حيث آلاف مؤلفة من المشاركات على مواقع التواصل الاجتماعي، وأخـــــبار صحافية هنا وهناك، وبضع مقابلات صحافية لم يجرها. وسيكون محاصراً، فوق ذلك، بزعمٍ جاهـــــز، قد يتهمه إنه مع السياسة الأمريكية، ومع التدخل الأمريكي، في ما لو أنكر التوظــــيف الجديد لعمله الفني، علماً بأن صورة الفنان، ببساطة، لا تقع أساساً في إطار هذا الجدال، إنها ببســاطة مع الحرية التي كان النظام السوري يتفنن في قصفها منذ كانت عزلاء عام 2012. من الواضح أن عمل الفنان عزام خرج من يده، لم يعد تحت السيطرة، وحتى الوسائل التي يمكن أن يلجأ إليها لاسترداد عمله تقع هي نفسها ضحية التزوير.. إن ذلك يشبه الحقيقة السورية الساطعة التي بدأت عندما حفر الأطفال بأظافرهم على حيطان درعا وسواها من المدن السورية ثورتهم لتتحوّل على يد ماكينة النظام وحلفائه إلى مؤامرة كونية بيد السياسة الأمريكية والصهيونية العالمية وكل قوى الشر.