الحرب في سوريا وعليها، اختزلتها أو كادت، الأسبوعَ الماضي، هجماتُ فصائل «الجبهة الجنوبية» بقيادة جبهة «النصرة» في جنوب البلاد وتهديدها محافظة السويداء (جبل العرب)، التي تسكنها غالبية من الموحدين الدروز. ذلك أن سيطرتها، قبل أيام، على مقر «اللواء 52» الإستراتيجي أتاحت لها ثلاثة خيارات عسكرية وفرصة سياسية امتدت مفاعيلها من سوريا الى لبنان.
الخيار الأول، الأجدى عسكرياً، ان يتجه مقاتلوها غرباً لمهاجمة مركز محافظة درعا، درعا المحطة، حيث الجيش السوري ما زال صامداً مذّ اندلعت الحرب قبل اربع سنوات، وقطع طريق درعا ـ دمشق، وإعادة ربط جيب «النصرة» وحلفائها في حوران مع جيبها الآخر في القنيطرة، على طول خط وقف النار في الجولان المحتل.
الخيار الثاني، الاكثر إثارة، ان يتجه مقاتلوها شرقاً الى مطار الثعلة، غرب محافظة السويداء وبالتالي تهديد مدينة السويداء التي لا تبعد عنه سوى كيلومترات معدودة، وربما ايضاً قطع طريق السويداء ـ دمشق.
الخيار الثالث، الاقل احتمالاً، ان يتجه مقاتلوها شمالاً بقصد مهاجمة دمشق العاصمة.
قادة «النصرة « تخيّروا، مؤقتاً، الخيار الثاني بمباشرتهم هجمات متكررة على مطار الثعلة، بقصد ترويع سكان السويداء والمحافظة ووضعهم امام خيارين: قطع صلتهم بدمشق، او معاناة آثار الحرب ومآسيها.
رافق الهجمات على محافظة السويداء حدثان متزامنان يشيان بأمر مريب:
في «اسرائيل»، تعالت أصوات، في مقدمهم صوت رئيس الدولة رؤفين رفلين في حضور رئيس هيئة الاركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي، وصوت نائب الوزير الدرزي الإسرائيلي ايوب قرّا، بدعوة مريبة الى «حماية» دروز سوريا من بطش «داعش» وحلفائه (مع أن القوة المهاجمة تقودها جبهة «النصرة»).
في شمال سوريا، قامت «النصرة» بارتكاب مجزرة رهيبة في بلدة «قلب اللوزة» (محافظة ادلب) ذهب ضحيتها نحو 40 رجلاً وشيخاً وطفلاً من سكانها الدروز.
هكذا أصبحت السويداء ودروز سوريا بين عدوين: «النصرة» و»اسرائيل».
المجزرة فجّرت ردود فعل غاضبة واطلقت دعوات متباينة:
٭ حلفاء سوريا والمقاومة في لبنان (طلال أرسلان ووئام وهاب والحزب السوري القومي الاجتماعي والقوى العروبية واليسارية ) دانوا همجية «النصرة» وحلفائها ودعوا الى الوحدة والمواجهة ومساندة المقاومة، كما حرّضوا أهل جبل العرب على حمل السلاح ومؤازرة الجيش السوري للدفاع عن الارض والعرض والكرامة.
٭ حليف سوريا الأقوى حزب الله دعا الى الصبر والوحدة في وجه مشاريع التفتيت والتشتيت وزرع بذور الانقسام بين ابناء الشعب الواحد، متعهداً إنهاء وجود الإرهابيين التكفيريين في جرود القلمون.
٭ وليد جنبلاط حاول تنفيس السخط بالقول إن ما حدث ليس مجزرة، بل مجرد إشكال فردي تحوّل الى اشتباك، داعياً الى التهدئة والحكمة (!) فنجح في تأجيج السخط على شخصه وتكريس الفشل في اقناع الناس بأن مهاندته لـِ»النصرة» تشفع للدروز لديها او تحميهم من بطشها.
٭ سعد الحريري استنكر المجزرة معتبراً «أن اسوأ ما يمكن ان تنحدر اليه الثورة السورية هو التطوع في مهمات قتالية لا وظيفة لها سوى تقديم الخدمات لنظام الاسد».
٭ سمير جعجع دعا «دول المنطقة وغير المنطقة التي تدعم المعارضة السورية الى التدخل بقوة لوضع حد لبعض المجموعات التي ترتكب أعمالاً كهذه» .
٭ الاوساط السياسية المؤيدة للمقاومة في بيروت ودمشق وصفت المجزرة بأنها ضربة مدروسة لترويع الدروز عموماً، واهل جبل العرب خصوصاً، لحملهم على التخلي عن دمشق والجيش السوري.
كما فسرت تنطع المسؤولين الإسرائيليين «لحماية» دروز سوريا بأنه حلقة في سلسلة مناورات سياسية وتحركات عملانية لمساعدة «النصرة»، وحلفائها على إقامة منطقة عازلة في جنوب سوريا خارجة عن سيادة دمشق. غير أن تطورات عسكرية متزامنة قدّمت مؤشرات وشواهد على ان دمشق وليس السويداء فقط باتت بين عدوين: «اسرائيل» و»نصرتها» على مقربة من الجولان المحتل في الجنوب من جهة، و»داعش» المتمدد من مدينة تدمر المحتلة في شرق سوريا الى آبار النفط والغاز على مقربة من مدينة حمص في قلب البلاد من جهة اخرى. قيل ايضاً إن مجموعة داعشية توغّلت غرباً حتى اتصلت باوتستراد دمشق – حمص واقامت حاجزاً عليه بعض الوقت قبل اضطرارها الى الفرار بعد تصدي الجيش السوري لها.
ماذا وراء هذا التقرّب الداعشي المريب من حمص؟
في المسألة قولان:
الاول، يشير الى رغبة تنظيم «الدولة الإسلامية « في السيطرة على آبار النفط والغاز بين تدمر وحمص، بغية تعتيم سوريا بتركها بلا كهرباء بغية إضعافها وحملها على التوجّه الى مؤتمر جنيف – 3 وفق الشروط الامريكية.
الثاني، يشير الى وجود مخطط امريكي تقسيمي يرمي الى تمكين «داعش» من السيطرة على حمص بغية فصل جنوب البلاد عن شمالها ووسط البلاد عن ساحلها.
قادة كثر في دمشق يسلّمون بوجود مخطط صهيوني امريكي من هذا القبيل، لكنهم يسارعون الى تأكيد قدرة سوريا على صده ودحره، ملمّحين في هذا المجال الى تطورين واعدين: نجاح الجيش السوري والمقاومة اللبنانية في طرد «النصرة» و»داعش» من منطقة القلمون المحاذية للحدود مع لبنان، والممتدة الى اطراف حمص الغربية من جهة، وتدفق مدد بشري ولوجستي نوعي من ايران سيكون له تأثير ميداني فارق في قابل الايام من جهة اخرى.
غير ان الصراع يبقى مستمراً وكذلك معاناة الشعب…
كاتب لبناني
د. عصام نعمان