السياسة ماتت بالسكتة الأمنية والسياسيون يئسوا وفقدوا الأمل والأحزاب ديكور قديم وبيوت أشباح

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: لا اهتمام للأغلبية الشعبية الكاسحة إلا بالارتفاعات الكبيرة والمفاجئة، بعد قرار الحكومة رفع أسعار البنزين والسولار والبوتاجاز، وما حصل نتيجتها من فوضى ومعارك بين سائقي سيارات الميكروباص والركاب بسبب رفعهم الأسعار أكثر من التسعيرة التي حددتها الحكومة، ورفضهم الزيادة التي حددتها الحكومة، لأنها ستسبب لهم خسارئر كبيرة، لأنها تتجاهل ارتفاع أسعار الزيوت والكاوتشوك وقطع الغيار. وقد حذر البعض الحكومة من الاطمئنان لعدم وجود رد فعل شعبي ضدها، والمطالبة بتحصيل الضرائب من الفئات المتهربة منها.
ورغم امتداد الشكوى إلى المزارعين فإنهم استقبلوا بارتياح قرار عدم تحصيل ضريبة الأطيان لمدة ثلاث سنوات. كما أدت موجة الحر الشديدة إلى انخفاض كبير في أسعار الدواجن والبيض، ورغم زيادة استهلاك الكهرباء فإن التيار لم ينقطع، وهو ما أبعد عن المحلات التجارية والمصانع خطر التوقف والخسائر التي يمكن أن تنجم عنه. كما حدث اهتمام أقل بمباريات كرة القدم وأزمة الزمالك وهزيمته في زيمبابوي، وزيارة الرئيس السيسي إلى المجر لحضور اجتماع قمة دول الفيشغراد. وعادت الصحف للاهتمام ببعض مسلسلات رمضان وأفلام عيد الفطر، وسخر بعض الكتاب من حالات الدروشة التي أصابت أبطال بعض المسلسلات في رمضان، وقولهم إن نجاحهم فيها بسبب بركة الشهر. ومن الأخبار الأخرى مطالبة الدولة بصرف إعانة سنوية قدرها أربعمئة مليون جنيه للصحف الورقية لوقف إغلاقها.
وإلى ما عندنا من أخبار متنوعة.

رفع أسعار الوقود

«كلما أقبلت الحكومة المصرية على اتخاذ قرارات اقتصادية جديدة انقسم الناس إلى فريقين رئيسيين: فريق يرى القرارات وكأنها عذاب خالص يصب فوق رؤوس المواطنين، وأنها نتاج لمخطط شيطاني من أعضاء الحكومة لزيادة الأعباء على الشعب، وفريق يرى القرارات سبيل الإنقاذ الوحيد، وطريق الإصلاح الذي ليس منه بد ولا يوجد له أي بديل! وبين الفريقين يتوه الرأي المتخصص الموضوعي، الذي يبحث عن أفضل الحلول بأقل التكاليف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على السواء. هذا ما بدأ به الكاتب مدحت نافع مقاله في « الشروق».
ويزيد من اشتعال أزمة الانقسام بين المواطنين حول رأي ومسألة، تلك النبرة الكريهة التي تسود حوار المختلفين في الرأي، التي تتحوّل إلى اختلاف في المنهج والمبدأ والمعتقد، ومنه إلى تبادل الاتهامات بالتخوين والعمالة، وكأن شعبا لا يمكنه أن يختلف أفراده بسلام، وكأن أحدا يجب أن يغلب على أمره. بين خيار «التطبيل» وخيار «التقليل» على حد وصف الإعلان الحكومي، هناك خيار البحث عن الحق الذي ليس بالضرورة مصطبغا بلون أبيض أو أسود، بل هو مزيج بين عدة ألوان يمثّل كل لون منها بديلا قابلا للتطبيق. المسألة ليست «أهلي» و«زمالك».. «مع» أو «ضد» التي يستريح لها المصنّفون المفتشون في الضمائر. المسألة مقادير وتوقيتات وقدرة على تشخيص المرض الاقتصادي بدقة، وتلك تتفاوت بين أهل الاختصاص، ناهيك عن سائر العوام. لا بأس إذن أن يختلف الرأي الاقتصادي، كما يختلف الرأي الطبي والرأى الهندسي، وتلك علوم تجريبية تزداد فيها درجة اليقين عن علم الاقتصاد الذي هو فرع من العلوم الإنسانية. القرارات الحكومية الأخيرة برفع الدعم عن المحروقات، التي وضعت تحت عنوان قرارات الإصلاح الاقتصادي، وعرفت شعبيا بقرارات الصندوق، في إشارة إلى صندوق النقد الدولي، واتفاق القرض الأخير الذي يبلغ 12 مليار دولار تحصل عليه مصر في ثلاث سنوات على دفعات، لا تعدو أن تكون برنامجا حكوميا أقره الصندوق، واستمراره وفقا للجدول الزمني مشروط باستقرار الأوضاع الاجتماعية، وعدم تفشّي الفقر والتضخم الجامح.. وغيرها من أعراض مدمّرة للاقتصاد. ومن هذا المنطلق تقوم بعثة صندوق النقد بالاجتماع دوريا مع مسؤولي الحكومات المدينة، بغرض التقييم المستمر لأثر السياسات المتّبعة و«ترشيدها» كلما كان ذلك ضروريا. ليس مطلوبا إذن أن تعكس الحكومة المصرية صورة وردية للظروف المجتمعية تحت وطأة قرار التعويم وسائر القرارات الاقتصادية التي أعقبته، ونتج عنها موجات تضخمية غير مسبوقة وارتفاع كبير في تكلفة الدين العام وفي مستوى هذا الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. بل إن رد فعل رئيس بعثة الصندوق بخصوص زيادة التراجع في قيمة الجنيه مقابل الدولار عمّا كان متوقعا كان من الممكن البناء عليه لإعادة توجيه الجدول الزمني لخطة الإصلاح، وربما إعادة وضع أولويات الإصلاح وترشيد فلسفته لتصب بشكل أفضل في مصلحة المواطن. معظم قرارات الإصلاح مؤسسة على فرضية حكومية غير سليمة، مفادها أن المواطن لديه فوائض مالية غير ضرورية، وأن تلك الفوائض يجب أن تعود إلى الحكومة لأنها أكفأ منه في تخصيص الموارد.. لكنّ المنطق يخبرنا أن المواطن الفرد والمؤسسة أكفأ في تخصيص الموارد من الدولة، وأكثر حرصا على المال الخاص من حرص موظف الدولة على المال العام، وفي سبيل ذلك هو يدخر ويستثمر ويساوم ويفاوض للحصول على أفضل الشروط وأفضل الأسعار في مختلف الصفقات. لا يعني ذلك الكفاءة المطلقة في تخصيص الموارد من قبل كثير من الأفراد، خاصة أولئك الذين يستخدمون العقارات مخزنا للقيمة، فيتضرر الاقتصاد من تحوّله إلى اقتصاد ريعي، ومن فقاعات تتضخم في أسعار العقارات، ومن فرصة بديلة لاستثمار تلك الأموال في نشاط منتج، هنا يجب على الدولة أن تتدخل لفرض ضرائب عقارية كبيرة وتصاعدية على ملاك الوحدات الإضافية، فيكون موردا مهما للموازنة العامة ومحفّزا لتشغيل رؤوس الأموال المختزنة في هذا الوعاء الميت».

برنامج الحماية الاجتماعية

ونشرت مجلة «آخر ساعة» أمس تحقيقا موسعا شارك في إعداده محمد التلاوي ومنى سراج ومروة أنور ومحمد مخلوف وياسمين عبد الحميد كان أبرز ما جاء فيه هو: «الدكتور كمال القليوبي أستاذ هندسة البترول والطاقة يقول، إنه كان لا بد من تحريك أسعار الوقود، لأنها خطة مستهدفة منذ عام 2014 لتحرير جزء من دعم سلع الوقود لتحويلها لبرامج الحماية الاجتماعية، كالمعاشات وزيادة دعم السلع التموينية، ومعاش الضمان الاجتماعي، وبرنامج تكافل وكرامة. وبالتالي كل الموازنات السابقة لم تراع مستوى الدخول والشرائح لبرامج الحماية الاجتماعية، بل أدى فرق دعم سلع الوقود إلى تآكل 70٪ من قيمة الدعم في الموازنات السابقة، وبالتالي موازنة عام 2017 تعتمد على زيادة الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية، ومعالجة التشوهات في البرامج الاقتصادية، وتقليل العجز في الموازنة العامة تقليل زيادة الدين الداخلي، زيادة الناتج المحلي أيضا زيادة الناتج المعدل التنموي إلى أكثر من 5٪ لضخ استثمارات محلية وأجنبية، لإيجاد فرص عمل تصل إلى 750 ألف فرصة عمل، ما يترتب عليه تقليل معدل البطالة لتصل إلى 11٪ وبالتالي كل هذه العوامل، بالإضافة إلى رفع مستوى الأجور لتطبيق علاوة الخدمة الاجتماعية 10٪ وعلاوة مكافحة الغلاء بنسبة 15٪، بجانب تحريك شريحة السلع التموينية المدعمة من 21 جنيها إلى 50 جنيها للفرد، حيث أدت كل هذه الالتزامات تجاه دعم المواطن إلى اعادة تقييم مصادر الدعم مرة أخرى، فوجد أن هناك شريحة كبيرة جدا من دعم الوقود، خصوصا بنزين 80 و92 وأنبوبة البوتاجاز والسولار من الشرائح الكبيرة، التي تحتاج إلى توفير جزء من قيمة هذا الدعم إلى مستحقيه والمستهدف من تحريك أسعار الوقود بنسب 43٪ إلى 100 يستهدف منه توفير ما يوازي 45 مليار جنيه حجم المتوقع ضخه في برنامج الحماية الاجتماعية».

المشكلة في تأخر الإصلاح الاقتصادي

وتوالت الكتابات في الموضوع نفسه ففي الصفحة الأخيرة من «الشروق» كان مقال الخبير والمفكر الاقتصادي الدكتور زياد بهاء الدين بعنوان «الإصلاح المالي ليس المشكلة بل تأخر الإصلاح الاقتصادي» قال فيه: «أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن يدفع الناس ثمن الإصلاح المالي كاملا، ولا يستفيدون بعوائده وهذا بالضبط ما نحن فيه الآن. مع كل قرار اقتصادي لابد أن تكون هناك تكلفة، وأن يصاحبها عائد. وبالنسبة للبرنامج الذي التزمت به الدولة مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الذي تضمن تحرير سعر الصرف وخفض دعم الطاقة وفرض ضريبة القيمة المضافة، فإن التكلفة هي الزيادة الكبيرة في الأسعار، التي طالت الجميع وقفزت بمعدل التضخم إلى 32٪‏ العام الماضي، وبأسعار المواد الغذائية إلى أكثر من ذلك. ومع ذلك فإن هذه الإجراءات كانت ضرورية لإعادة التوازن المالي للاقتصاد القومي، ولأن التأخير في تنفيذها كان حتما سوف يجعل تكلفتها تتضاعف مستقبلا، ولكن تنفيذها كلها خلال مدة وجيزة ودون استعداد كافٍ، جعل تكلفتها الاجتماعية تتجاوز ما يقدر الناس على احتماله. ليس غريبا أن يصب الرأي العام غضبه على الدولة والمسؤولين، من جراء الارتفاع المستمر في الأسعار، ومن التصريحات التي تستخف بعقول الناس ومشاعرهم، ولكن الحقيقة أن السبب في ما آلت إليه هذه الأوضاع المتردية ليس القرارات المتعلقة بتحرير سعر الصرف ولا ضريبة القيمة المضافة ولا تخفيض دعم الطاقة، بل الإخفاق الحقيقي هو عجز الحكومة عن استغلال التحسن الذي طرأ على المؤشرات الاقتصادية الكلية نتيجة هذه القرارات من أجل إطلاق طاقات البلد في الاستثمار والتشغيل والتصدير، فكانت النتيجة أن المواطن دفع الثمن مرتين: الأولى في زيادة الأسعار والثانية في استمرار الركود والبطالة وتدهور الخدمات العامة».

سياسة الصدمات

وفي «الأهرام» نقرأ لفاروق جويدة مقالا في عموده اليومي «هوامش حرة» في الصفحة الأخيرة تحت عنوان «الحكومة وسياسة الصدمات» قال فيه: «كان من الممكن أن تنتظر الحكومة يومين أو ثلاثة أو حتى أسبوعا، وتؤجل قرارات زيادة أسعار البنزين والطاقة، وتترك المصريين يحتفلون بالعيد وذكرى ثورة 30 يونيو/حزيران تقديراً للأيام المباركة والذكرى العزيزة، ولكنها اختارت توقيتاً غريباً، كأنها قررت إفساد المناسبتين على الناس. هناك بعض الأشياء التي تحتاج إلى قدر من الإحساس بالناس، خاصة أن المواطن المصري خرج من شهر رمضان المبارك مرهقاً ما بين الأسعار والالتزامات وطلبات العيد وملابس الأبناء، وكلها أشياء تبدو بسيطة، ولكنها تحمل الكثير من المشاعر، إلا إذا كانت الحكومة قد قررت أن تستبعد تماماً قضية المشاعر في علاقاتها بالمواطنين. إن القرارات الصادمة التي تمارسها الحكومات تعكس فكراً وأسلوباً لا يتناسب مع روح العصر، فقد انتهى عصر الصدمات وكل شيء الآن ينبغى أن يتسم بالوضوح والشفافية والصراحة».

حرب ضريبية

ونبقى في «الأهرام» ومقال زميل جويدة سيد عبد المجيد، الذي تحدث فيه عما حدث من فوضى في وسائل المواصلات وعدم تحصيل الدولة الضرائب من فئات معينة قائلا: «هل مثلا لو فكرنا في القضاء على الزحام في القاهرة الكبرى، عن طريق التخلص من المواقف العشوائية التي تفوح منها رائحة فساد المحليات، وكذلك الأسواق بعد ذلك يمكن أن نختصر زمن الرحلة في شوارع عاصمتنا إلى النصف، فهل هذا لا يوفر نصف الدعم، ولكنه للأسف الحل الأصعب الذي ستقاومه منظومة الفساد، ولو أصلحنا منظومة الضرائب أعتقد أنها ستغطي فاتورة الدعم بالكامل فهل يدفع جميع الأطباء ما عليهم من ضرائب؟ وهل يدفع رجال الأعمال أيضا والتجار؟ الإجابة نعرفها جميعا للأسف فهناك خبراء في كيفية «تستيف» ملفك الضريبي مقابل أموال حرام تدخل جيوبهم بدلا من خزينة الدولة. أطلب فاتورة من أي تاجر ستجدها عبارة عن ورقة تلقى بكل سهولة في سلة المهملات. الخلاصة أن جيب الموظف مهما كان موقعه هو أقرب مصادر سد العجز عند كل حكومات مصر، رغم أن المنظومة الضريبية المصرية لو تم إصلاحها بشكل عاجل ستفي بأغلب ما تحتاجه الدولة من أموال للدعم الذي يضيع أيضا في التعليم والصحة، حيث تدني الخدمات إلى درجة الحضيض. نحتاج إلى «حرب ضريبية» على غرار «حرب الأفيون» التي خاضتها الصين، وكانت سببا رئيسيا في ما تشهده من نهضة مذهلة الآن. كل هذا بدون أعباء جديدة، ولكن بإعلان الحرب على التهرب الضريبي ورعاته وبلا رحمة لأن جيب الموظف لم يعد يطيق».

لكل شيء حدود

أما آخر زبون في هذه القضية فسيكون عضو مجلس الشعب الأسبق والسياسي والكاتب جمال أسعد عبد الملاك وقوله في مقاله في «اليوم السابع» الذي يكتبه تحت عنوان «بوضوح»: «برنامج الحكومة الذي وافق عليه البرلمان تماشيا مع متطلبات صندوق النقد الدولي حتى تحصل على قرض الصندوق، كان من أهم مطالبه إلغاء الدعم بما يعني ارتفاع أسعار السلع المدعمة، ارتفاعا يتساوى مع الأسعار العالمية، في الوقت الذي لا تتساوى فيه الأجور مع الأجور العالمية، ورغم ذلك كانت تلك القرارات الاقتصادية التي ستصل إلى الإلغاء الكامل لهذا الدعم، وهنا وجدنا وشاهدنا مدى التأثير السلبي على الطبقات الفقيرة والمعدمة، بل الطبقة المتوسطة نتيجة لهذه القرارات، خاصة أن رفع سعر بيع المحروقات تؤثر في أسعار نقل الأفراد والسلع بلا استثناء. المصادر كثيرة لخفض المصروفات ولزيادة وتعظيم الإيرادات بغير تحميل الاعباء على غير القادرين، فلكل شيء قدرة، ولكل شيء حدود والعدالة الاجتماعية التي أٌرساها الدستور ليست في علاوة ولكنها في توزيع الأعباء، وتوزيع الناتج القومي وتحمل المسؤولية بالعدل والتساوي، كل حسب قدرته. هناك مشكلة نعم لا بد من حلها، نعم هناك ثمن لهذا نعم، ولكن لابد للجميع أن يدفع هذا الثمن ويتجرعوا هذا الدواء المر هناك تكون مصر وبحق لكل المصريين».
معارك وردود

وإلى المعارك والردود وسنبدأ مع الدكتورة هناء أبو الغار أستاذة طب الأطفال في جامعة القاهرة التي كتبت مقالا يوم الاثنين في «الشروق» بعنوان «عن مسؤولية الفرد في العمل العام»: «تسعون مليون خبير سياسي»، «أتركوا أمور السياسة للخبراء»، «شعب يفتي في كل شيء» تعليقات نقرأها ونسمعها كثيرا على صفحات التواصل الاجتماعي، تعكس بوضوح ثقافة أبوية في تناول الشأن العام في مصر منذ ثورة 1952. ثقافة قائمة على انتقال القرار السياسي إلى السلطة مقابل مسؤولية الدولة عن الفرد في ما يخص خدماته الأساسية من تعليم وصحة وسكن إلخ، وهو أمر استطاعت الدولة أن تحققه في فترة ما قبل نكسة 1967، حيث تولت بالفعل العملية التعليمية المجانية بمراحلها، وبنت شبكة من الوحدات الصحية خدمت معظم القرى المصرية، واستثمرت في الصناعة الوطنية. مثل هذه السياسات جعلت الشعب يتقبل غلق المجال العام، وهو مجال كان قد وصل إلى مرحلة من النضوج تعتبر متقدمة بالنسبة لمثيلات مصر من البلدان النامية في أوائل القرن العشرين، على الرغم من الاحتلال البريطاني منذ نكسة 1967 مرورا بحرب الاستنزاف ثم انتصار 1973 وبعدها الانفتاح «السداح مداح» لم تستطع الدولة الحفاظ على دورها «الأبوي» في لعب دور الأب العائل، وبالتالي لم يعد من المنطقي أن تستأثر باتخاذ القرار، خاصة لأجيال ولدت في الثمانينيات والتسعينيات، في وقت ضعفت فيه هيبة الدولة المصرية كثيرا، وأصبح ما يربط الشاب بمصر ليس ما تقدمه له من فرص، وإنما ما ورثه من انتماء عن الأجيال السابقة، بالإضافة إلى انفتاح الجميع عبر النت على دول العالم الأخرى، أصبح من الصعب معه بيع فكرة الدولة الأبوية أو المجتمع الأبوي للشباب، سواء من النساء أو الرجال، إلى كل هؤلاء أحب أن أذكرهم أن سبب مجيء الإخوان إلى الحكم في مصر أنهم كانوا القوة السياسية الوحيدة المنظمة على الساحة، وأن سبب فشل القوى السياسية التي تكونت بعد الثورة هو أولا: أن هذه القوى لا تنزل علينا من الفضاء ولا تنتقل إلينا من كوكب آخر، وأنها في أي بلد مكونة من أفراد من الشعب، وأن شعوب الدول المتقدمة فيها نسب عالية من المشاركة السياسية وأنه بدون مثل هذه المشاركة لا تتكون الأحزاب. ثانيا: أن هذه الأحزاب تم إشهارها بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، ثم دفعت دفعا للمشاركة في معارك انتخابية متتالية بعد أشهر من إنشائها، فيما كانت لا تزال تجمع أعضاء وتبلور برنامجا وتتفق على لائحة «وهي أمور يمكن أن تأخذ سنوات» وبالتالي من النفاق أن يقوم شخص بانتقاد الأحزاب إذا لم يشارك في العملية الحزبية وهو واجب وطني».

لعبة الثلاث ورقات

وهكذا إذا كان المثل الشعبي يقول ابن الوز عوام فإنه أصبح كذلك بنت الوز عوامة فالدكتورة هنا هي ابنة أستاذ الطب والسياسي النزيه والأمين ومؤسس الحزب المصري الاجتماعي والكاتب محمد أبو الغار. وهي تذكرنا أيضا باستاذة الطب الأخرى الكاتبة في «المصري اليوم» غادة شريف ابنة أستاذ الطب ومحافظ القاهرة الأسبق والمسؤول في التنظيم السياسي الاتحاد الاشتراكي في عهد عبد الناصر الدكتور محمود شريف، التي قالت في مقالها الأسبوعي في «المصري اليوم»: «لو إنت قديم يا حمادة أو غاوي الأبيض واسود مثلي، فأنت بالتأكيد تعلم أن زمان كان هناك من يمتهن لعبة الثلاث ورقات في الشارع مثله مثل الحاوى والقرداتي وبتاع البيانولا، وكلها كانت وسائل للتسول نستطيع الآن أن نعتبرها وسائل راقية إذا ما قارناها بوسائل التسول الذي يحدث هذه الأيام، أما عن بتاع الثلاث ورقات يا حمادة فكانت شغلته أنه يخيلك بثلاث ورقات كوتشينة على منضدة وبخفة يده يبدل أماكن الورقات سريعا ثم يسألك فين السنيورة؟ أو «البنت» في الكوتشينة هذه اللعبة كانت نوعا من أنواع القمار الخاص بالفقراء، أم أنك تعتقد أن الفقير يعني مالوش نفس ينحرف مثلك؟ قبل 24 ساعة من صدور قرار رفع سعر البنزين، حيث أصدر تصريحين فضائيين بنفي حدوث هذه الزيادة، وخلي بالك بقى يا حمادة أن هذا النفي الفضائي خدع الناس، فناموا نوما فضائيا وأكلوا رزا فضائيا مع الملائكة، فإذا بهم يستيقظون تاني يوم ليفاجأوا بأن الزيادة حدثت بالفعل».

الدروشة

وتواصل عبلة الرويني في «الأخبار» السخرية في عمودها اليومي «نهار» مما تراه أمامها من أعاجيب قالت عنها: «اختفى تقريبا مصطلح «السينما النظيفة» الذي ظهر أواخر السبعينيات، والمقصود السينما الخالية من العري والمايوهات والقبلات والإثارة، السينما المناسبة لكل أفراد الأسرة. تراجع المصطلح واختفى بسبب زيفه ورؤيته البعيدة عن جوهر الفن ومفهوم الإبداع، فلا توجد سينما نظيفة وسينما غير نظيفة ولا يوجد فن صالح وفن فاسد، الفن دائما هو الحق والخير والجمال، وهو الإبداع المحكوم بمعايير فنية وجمالية، وليس بمعايير أخلاقية ولادينية. تراجع مصطلح «السينما النظيفة» لكن ظهرت «حالة من الدروشة» في التعامل مع الفن ووظيفته. الفنان يوسف الشريف يحرص في كل رمضان على أن ينصح جمهوره بألا يضيع صلاته من أجل مشاهدة المسلسلات الدرامية، بما فيها مسلسلاته هو لأنه «خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له». بينما تصرح الفنانة روجينا التي شاركته العمل في مسلسل «كفر دلهاب» بأن السر وراء نجاح المسلسل أنها ويوسف الشريف «بتوع ربنا» وأن كل العاملين في المسلسل «يراعون الله عز وجل». التصريح نفسه قالته روجينا العام الماضي حول نجاح مسلسل «الأسطورة» لأنها ومحمد رمضان «بتوع ربنا» أيضا. طبعا محمد هنيدي هو أول من ربط نجاح العمل الفني بالبركة والرضا، عندما فسر نجاح فيلمه «إسماعيلية رايح جاي» بالرزق ورضا ربنا عليه، وهو ما يدفعنا إلى سؤاله: هل فشل أفلامه الأخيرة تعني غضب الله عليه. ربط الفنانون نجاحات أعمالهم الفنية بالبركة والعمل الصالح ومراعاة الله، تلك الحالة من الدروشة هي حالة من السذاجة وضعف الوعي تماما كتصريحات أحد الدعاة على فضائية تلفزيونية بأن ذنوبنا سبب ارتفاع أسعار الوقود».

انهيار الطبقة الوسطى

وآخر المعارك اتسمت بمهاجمة النظام واتهامه بأنه السبب في موت السياسة، وذلك في المقال الذي نشرته أمس جريدة «المقال» الأسبوعية لمحمد الشبة في صفحتها الأولى تحت عنوان «موت السياسة وقتل النخبة» وقوله فيه: «إن أي حديث عن القائمة الطويلة للإنجازات التي تحققت في وقت قياسي، طريقا ومدنا جديدة وكباري الخ، لم يقنع رب أسرة متوسطة اضطر إلى بيع سيارته ليدفع قسط مدرسة ابنته ودروسها الخصوصية. وفي أي مجتمع إذا انهارت الطبقة الوسطى حامية الاستقرار التي تقف في طوابير الانتخابات لتعطي صوتها للدولة، فإن المجتمع كله ينهار ومظاهر الانهيار عديدة، تبدأ بالسخط على الحكومة، ثم تتحول إلى السخرية المريرة منها، كما حدث بعد رفع أسعار البنزين، ثم الغرق في التفاهة والبذاءة، كما حدث على السوشيال ميديا مع فيديو غادة عبد الرازق. وهذه الطبقة التي يتم إهمالها ودهسها ببشاعة لن تجدها الدولة عندما تحتاج إليها بعد عدة شهور، لتدعم الاستقرار في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويخطئ من يظن أن خلو الساحة من المعارضة وإن حالة الانفراد بالسياسة وتطفيش السياسيين سوف تجعل هذه الانتخابات تمر مرور الكرام، على العكس تماما فإن الضمانة الوحيدة لأي انتخابات هي الديمقراطية وحضور الطرف الآخر بقوة في منافسة حقيقية ونزيهة أمام العالم. أما المشهد الراهن في مصر الذي تبدو فيه السياسة وقد ماتت بالسكتة الأمنية والذي يبدو فيه السياسيون وكأنهم يئسوا وفقدوا الأمل والذي تبدو فيه الأحزاب وكأنها ديكور قديم أو خيال مأتة وبيوت أشباح، هذا المشهد لا يفيد النظام ويجب ألا يسعد به المدافعون عنه باستماتة وبغشومية، ويجب أن لا يطمئن له الرئيس السيسي عندما يعلن رسميا عزمه على خوض الانتخابات الرئاسية لفترة ثانية، فليس في صالحه ولا في صالح البلد موت السياسية وقتل النخبة السياسية وانسحاب المثقفين وأهل الرأي من العمل العام. وعيب أن تتحول بعض الأحزاب إلى دكاكين أمنية مهمتها التهليل للسلطة وقمع المعارضين عند الحاجة وعيب أن لا يوجد من يدافع عن سياساته غير بعض الوجوه المحروقة الفاشلة في التسويق وحتى في الكتابة والإملاء».

أزمة الصحافة

وإلى الأزمة الخانقة التي تعاني منها الصحافة المصرية الورقية قومية وخاصة، وقال عنها في «الوفد» جمال صلاح الدين: «تتعرض الصحافة الورقية لأزمة مالية تهدد وجودها أصلاً في مجال الإعلام، فبعد أن كانت بجانب الإذاعة أهم مصدر للأخبار، أصبحت موضة قديمة توشك أن تندثر، وأصبح السؤال: هل تريد الدولة والمجتمع الصحافة الورقية؟إذا كانت الإجابة لا نريدها فهذا ممكن، ونغلق كل الصحف ونكتفي بالمواقع الإلكترونية ونفصل كل الصحافيين والعاملين في الجرائد. أما إذا كانت الإجابة نعم نريد الصحف الورقية لأننا نعرف قيمتها وأهميتها، والصحف هي رمانة الميزان بين مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت المصدر الأول للشائعات والمؤامرات وترويج الأجندات الهدامة واللجان الإلكترونية التي لا نعرف من أين تأتي لتهدم المجتمع والدولة وبرامج التوك شو، التي يعتمد استمرارها على مدى جاذبيتها للإعلانات فقط، بغض النظر عن المحتوى، أو التي تروج لسياسات دول تمول الإرهاب وتنفخ في نار الحروب الأهلية. الصحف الورقية هي عين المجتمع على سلطات الدولة، وهي نافذة كبار الكتاب والمفكرين وأصحاب وجهات النظر، وإذا كانت المواقع الإلكترونية هي الأسرع في نشر الأخبار، بل نقلها على الهواء في أحيان كثيرة فإن الصحف هي الأشمل في التغطية وعرض وجهات النظر والمتابعة الإخبارية والتحقيقات الصحافية ونشر أخبار تغفلها الفضائيات، وتبقى الميزة الكبيرة وهي الاعتياد على قراءة الورق وفرد الصفحات التي لا تتيحها شاشة الكمبيوتر، وكل التعليم من الورق فلا يمكن الاستغناء عن الورق في التعلم في المدى المنظور من حياتنا، وإذا كان إجمالي توزيع الصحف والمجلات في مصر حول المليون نسخة يومياً، فإن إضافة نصف مليون أخرى لتوسع الحكومة في الاشتراك في الإصدارات سيكون مفيداً للجميع، ويجذب الإعلانات للصحف ويرفع تأثيرها في المجتمع، ويعيد ثقافة القراءة الورقية، التي هي أساس التعلم، وهذا لن يكلف الدولة أكثر 400 مليون جنيه سنويا، وهو مبلغ زهيد إذا ما قيس بالعائد الثقافي والاجتماعي والسياسي منه. تبقى نقطه مهمة هي المساواة بين كل الصحف المملوكة للدولة والحزبية والخاصة فكلها صحف قومية تهدف لخدمة المصريين».

مصر والمجر

وبمناسبة زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي المجر لحضور قمة تجمع دول فيشغراد التي تضم المجر وبولندا وتشيكيا وسلوفيكيا، فقد نشرت «الجمهورية» أمس في صفحتها السادسة تحقيقا عن علاقة مصر التاريخية مع المجر، وكان تحقيقا بديعا ولكن للأسف لم تضع اسم من قام به وأبرز ما جاء فيه عن العلاقات التي انقطعت بين الدولة وأضافت: «الصلات عادت بين البلدين حينما حكم العثمانيون المجر لمدة 180 عامًا خلال الفترة من 1526 إلى 1699 ومن الخطوات التي عززت أواصر العلاقات بين البلدين أيضا زواج الخديوي عباس حلمي الثاني من الكونتيسا المجرية ــــ النمساوية ماريان توروك فون سيندرو عام 1910 وتشييده لها قصر السلاملك في المنتزه بعد اعتناقها الإسلام، وأصبح اسمها الأميرة جاويدان هانم عبدالله. وبدأت البعثات المجرية للحفريات نشاطها في مصر عام 1907 ولها العديد من الاكتشافات المهمة في منطقة شارون في محافظة المنيا ومنطقة الفشن ومنطقة طيبة .وللمجريين الفضل في اكتشاف مقبرة تحتمس في منطقة الخوخة، وتم إنشاء أول جمعية صداقة برلمانية مصرية ـــ مجرية في البرلمان المجري في يوليو/تموز 2010 وبدأ تسيير 7 رحلات لمصر للطيران أسبوعيًا اعتبارًا من أول يوليو/تموز 2010 ووصل عدد السائحين المجريين إلى مصر قرابة 60 ألف سائح سنويًا، ويظل أكبر منتج مرتبط في أذهان الشعب المصري بالمجر هو القطار المجري السريع المعروف بالـ»المجري» حيث أصبح يقترن هذا الاسم بكل ما هو سريع وفعال على شاكلة لاعب النادي الأهلي والمنتخب المصري مصطفى عبده، الذي لقب بالمجري لسرعته في الملعب. وفي المجال الزراعي قدم خبراء الزراعة المجريون العون من أجل إقامة المتحف الزراعي المصري في الدقي، وهم أول من أدخلوا في مصر أسلوب زراعة المشاتل والصوب». وقصر السلاملك يقع في منطقة القصور الملكية بالمنتزة في الإسكندرية.

السياسة ماتت بالسكتة الأمنية والسياسيون يئسوا وفقدوا الأمل والأحزاب ديكور قديم وبيوت أشباح

حسنين كروم

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية