السيسي ـ نتنياهو: خدمات «بنك المياه»

حجم الخط
11

 

لعلّ السذّج، غريزياً أو عن سابق اختيار قصدي، هم وحدهم الذين اقتنعوا أنّ زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى إسرائيل، كانت تستهدف «تحريك» العملية السلمية الفلسطينية ـ الإسرائيلية؛ أو أنّ العشاء الخاصّ، الحميم، على مائدة السيدة سارة نتنياهو تكفّل بأي تحريك، من طراز فشلت فيه تنازلات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أو مساعي الدبلوماسية الفرنسية الأخيرة، أو أيّ جهد من أي فريق آخر.
ولو سار المرء مع هذا الخطّ في التفكير، وجارى القوم في السذاجة، أو في ادعائها، لتوجّب أن يكون شكري قد سافر إلى إسرائيل قبل ستة أسابيع على الأقلّ، أي مباشرة بعد خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 17 أيار (مايو) الماضي، أثناء افتتاح أحد المشاريع الكهرباء في محافظة أسيوط. يومذاك، امتدح السيسي المبادرتين المطروحتين، العربية القديمة والفرنسية الجديدة، وقال: «هناك فرصة حقيقية لإقامة سلام حقيقي بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، إذا ما كان هناك تجاوب حقيقي مع الجهود العربية والدولية»؛ مؤكداً على أنّ «مصر على استعداد للعب دور بين الفلسطينيين والإسرائيليين في هذا الصدد».
الأبعد، والأكثر واقعية، في زيارة شكري ـ الخاطفة والمفاجئة، والتي خضعت لتعتيم شديد على التفاصيل ـ يمكن استخلاصها، دون عناء يُذكر، إذا استعاد المرء سلسلة «الخدمات» التي ينتظرها انقلاب السيسي من إسرائيل، وليس العكس، أي حرص إسرائيل على أية وساطة مصرية مع الفلسطينيين. ذلك لأنّ ملفّ المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، هو آخر هموم نتنياهو، وآخر ما يمكن أن يدفعه إلى أي تنازل، أو مرونة، تحت أي ضغط… إذا توفّر أصلاً فريق يمكن أن يضغط على إسرائيل اليوم!
بين هذه الخدمات، وأبرزها ربما، حاجة نظام السيسي إلى وساطة إسرائيلية مع أثيوبيا، بخصوص حصص مياه النيل ونزاع «سدّ النهضة»؛ وليس خافياً أن إسرائيل، حتى قبل جولة نتنياهو الأخيرة في أفريقيا، تملك نفوذاً هائلاً في أثيوبيا. ولكن كيف يمكن للأخير أن يقدّم هذه الخدمة الثمينة للسيسي، إذا كانت إسرائيل نفسها تخطط لتحويل النيل إلى «بنك مياه» مفتوح، بحيث يصبح متاحاً شراء مياهه عبر منابعه، مثل أية سلعة أخرى؛ كما يرجح حسين مكي، مدير «مركز البحوث والدراسات الأفريقية» في جامعة الخرطوم؟
خدمة أخرى، أمنية صرفة، هي تقديم العون الاستخباراتي واللوجستي للأجهزة الأمنية المصرية في سيناء، ثمّ في قطاع غزّة؛ ليس على سبيل مكافحة الإرهاب الذي بات يستوطن شبه الجزيرة فقط، بل كذلك لإطباق المزيد من الحصار على حركة «حماس». في هذه يمكن لإسرائيل أن تلعب دوراً، بالفعل، ولكن ليس البتة بمعنى تأمين وحدات الجيش المصرية، ضحية العمليات الإرهابية حتى الساعة، والحفاظ على سلامتها؛ بل على مستوى التضييق على «حماس»، وتطوير الصورة الردعية لأجهزة السيسي في ناظر المواطن المصري.
خدمة ثالثة، لها طابع الوساطة أيضاً، هي الطلب من نتنياهو أن يناشد تركيا، في سياق ما طرأ على العلاقات التركية ـ الإسرائيلية من دفء مؤخراً، الكفّ عن دعم جماعة الإخوان المسلمين المصرية، أو على الأقلّ الحدّ من أنشطتها السياسية والإعلامية التي تنطلق من الأراضي التركية. وفي هذه يفوت السيسي، الذي لا يُعرف عنه مقدار الحدّ الأدنى من التبصّر في العلاقات الدولية وطبائع موازين المصالح بين القوى، أنّ نتنياهو ليس على درجة من حسن النية ـ تجاه مصر وتركيا، على حدّ سواء في الواقع ـ لكي يقدّم هذه الخدمة للطرفين!
وفي الإجمال، قد يصحّ الافتراض بأنّ خدمات «بنك المياه» بين السيسي ونتنياهو تظلّ أحادية الجانب، لصالح الأول دون الثاني؛ حتى إشعار آخر… غير قريب!

السيسي ـ نتنياهو: خدمات «بنك المياه»

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    حكومة الإنقلاب المصرية ترفض إدانة الإنقلاب بتركيا – شيئ طبيعي
    ولكن كيف سمح لحكومة إنقلابية بالحصول على مقعد بمجلس الأمن ؟
    روسيا وأوروبا وأمريكا تأخروا ساعات قبل إدانة الإنقلاب بعد أن إتضح لهم بوادر فشله حين خرجت الملايين بالشوارع
    والسؤال هو : الشعب التركي يستحق الديموقراطية بجدارة ولكن ماذا عن الشعب المصري ؟ ألا يستحق ديموقراطية ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول tharwat gasim south africa:

    شكرا على مقال ممتاز

    اسرائيل لا يمكن ان تستفيد من مياه النيل عبر نقلها بالطائرة من اثيوبيا الي اسرائيل وانما عبر ترعة السلام التي تنقل المياه من النيل عبر سيناء الى اسرائيل وبالتالي تحتاج اسرائيل لتعاون مصر في هذه العملية

    وشكرا

  3. يقول S. Soliman, London:

    لابد ان يكون واضحا للقراء انه اذا ارادت إسرائيل أي قدر من مياه النيل بشرائها من اثيوبيا عن طريق قنوات او انابيب فلابد من ان تمر هذه الانابيب او القنوات بمصر . اذن من المتحكم بمن هنا ؟

  4. يقول سامح // الاردن:

    * بشكل عام العلاقات بين الدول تربطها وتحكمها
    ( المصالح المشتركة ) باستثناء ( اسرائيل )..؟؟؟
    * قادة اسرائيل بدون استثناء مجرمين وقتلة
    ( قاتلهم الله ) ويجب التعامل معهم على هذا الأساس وشكرا.
    سلام

  5. يقول ALI SALEM:

    اشكرك استاذ صبحي فعلا التحليل في محلة وفي غاية الاهمية ، وماتقوم به اسرائل هو لخدمة مصالحها وخاصة على حساب مصر ،كما اتوقع ان مايجري في سيناء لاسائل الدور فيه وذلك لخلق نوع من التوثر للجيش المصري حتى ليرف من كفاءته ويحاربها مستقبلا لان الجيش الوحيد الذي لازالت تضع له حساب .

  6. يقول رؤوف بدران - فلسطين:

    مصر اليوم لا حولَ لها ولا قوة امام دهاء احفاد اسباط بني اسرائيل ؟! مصر اليوم ليست مصر خوفو, ورمسيس وتوت عنخ آمون!! مصر اليوم ليست مصر المعز لدين الله ولا حتى الناصر جمال ,!! مصر اليوم هي مصر السيسي( يا دي الحلاوة ) !!!
    النيل عصب الحياة في مصر (ام الدنيا) واثيوبيا بايعاز من اسيادهم في ارض كنعان يبنون السدود ويتحكمون بالمردود!! والسيسي بابتسامته يتخطى الحدود ؟!!
    ما اصعب العطش في وقت الظهيرة ؟ والاصعب المدة في انتظار بوادر الامل …ولا امل !!
    مصر السيسي اصبحت من اضعف الدول الافريقية , تستجدي رحمة الظالمين في استكمال عبور السنين !!
    قلبي معكم يا سكان المقابر في القاهرة , ومع ذلك مجاورة العفاريت تكون اهون من القبوع تحت سلطة الخنوع والسلام.

  7. يقول محمد صلاح:

    مع احترامى الكبير لكاتب المقال وكل المعلقين
    هل يتصور انسان عاقل ان اسرائيل سوف تعتمد على مياة النيل وتبنى عليها الامال ان مصر سوف تسمح بتجويع نفسها من المياة التى تمر عبر أراضيها لآلاف الاميال وتحصل عليها اسرائيل
    وهل اثيوبيا حصتها تسمح لها ان تعطيها لإسرائيل مع العلم ان اثيوبيا تتظلم ان حصتها مقدارها ثلث حصة مصر وهى غير كافية لاثيوبيا
    مصر لن تعطى اى قطرة مياة الى اسرائيل لان مصر تحتاج الى كل قطرة مياه
    اما سبب الزيارة هو بعد عودة المياة الى مجاريها بين اسرائيل وتركيا ببنود معلنه وبنود غير معلنه خاصة بقطاع غزة وكان من حق مصر ان تعرف مايدور خلف الأبواب المعلقة لان غزة وشعب غزة يعتمد على مصر فى كثير من الأشياء ومن حق مصر ان تلعب الدور المنوط لها فى القطاع حسب كل الاتفاقيات بين مصر والسلطة الفلسطينية
    وإذا ارادت حماس ان تعتمد على تركيا فمن حق مصر ان تغير قواعد المعاملات مما يحفظ لمصر أمنها القومى وسلامة أراضيها
    لان فى مصر جيش قوى يحميها وهى ليس العراق او سوريا دولة مفككة
    وحماس تعى ذالك ولها ان تختار بين مصر وبين اى قوة اخرى تعتقد ان الفرصة سانحة لأضعاف دور مصر فى المنطقة
    ونصيحة لاخونا فى غزة ان يختاروا بين الاخوان وبين مصر
    الاخوان زائلون ومصر باقية ولكم حرية الاختيار

  8. يقول Passerby:

    تستطيع إسرائيل أن تنقل كميات هائلة من مياه نهر النيل من إثيوبيا عبر إرتيريا ( وكلا النظامين في إرتيريا وإثيوبيا) لديهما أوثق العلاقات مع إسرائيل. يمكن أن يتم النقل عن طريق ناقلات عملاقة ( كما يتم نقل البترول الخام) من إرتيريا إلى الكيان الصهيوني عبر البحر الأحمر في رحلة لا تستغرق سوى بضع ساعات. والكل سوف يستفيد من هذا المشروع, إثيوبيا تبيع المياه المخزنة في سدودها الجديدة ( والتي ساهمت إسرائيل والولايات المتحدة بالقسط الأكبر من تمويلها), إرتيريا سوف تستفيد من القنوات عبر أراضيها ورسوم العبور أما المتضرر الوحيد فهو مصر لأن علاقة النظام المصري ليست على ما يرام مع السودان ( المتضررة بدورها). لا حل للشعب المصري العطشان إلا بالتخلص من النظام السيساوي البغيض وبناء هيبة مصر ثانية بحيث يحسب لها ألف حساب بدل من التزلف للكيان الصهيوني. الشعب التركي ليس أفضل من الشعب المصري.

    1. يقول محمد صلاح:

      الاخ passerby
      فكرة عبقرية ماتقترحوا سيادتكم ينقلوا المياة من مرتفعات اثيوبيا الى ارتيريا ومش مهم كيف يتم ذالك
      وبعد ذالك يتم شحنها فى سفن الى اسرائيل وسوف تصل فى بضع ساعات فكره عظيمة
      ولكن فى مشكلةصغيرة اثيوبيا واريتريا بينهم حروب ومشاكل مش مهم المهم المياة توصل بالسلامة الى اسرائيل وغير مهم سعر لتر المياة ثمنه بعد ان يصل بالسلامة الى اسرائيل ضعف سعر البترول المهم يعطش الشعب المصرى وفى النهاية يرجع الاخوان الى الحكم
      وعلى رأي المثل المصرى توته توته وخلصت الحدوتة
      ملحوظة هذه عينة من تفكير افراد الاخوان المسلمين

  9. يقول احمد الجبالي:

    أرجح فرضية ان يكون لزيارة وزير خارجية السيسي لـ “إسرائيل” علاقة بالانقلاب الفاشل في تركيا من حيث ان هناك ما يشير الى تورط أطراف خارجية في التحريض على اسقاط الدولة المدنية في تركيا أسوة بنظيرتها المصرية، ذلك شيء مهم لـ “إسرائيل” لكي تبقى هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة الامر الذي يحتاجه الساسة في الغرب لتبرير انحيازهم الفج لكيان يرتكب جرائم حرب دون ان يخشى حساب أو عتاب لا سيما وان الشعوب الأوروبية صارت تنظر الى هذا الانحياز بعيون ناقدة، على أقل تقدير .

  10. يقول بلحرمة محمد المغرب:

    ما يزعمه النظام المصري من خلال زيارة وزير خارجيته سامح شكري الى عش الدبابير في تل ابيب عن تحريك العملية السلمية بين ما يسمى بالسلطة الفلسطينية وعصابات الاجرام الصهيونية هو در للرماد على العيون واستهزاء بالعقول فالقضية الفلسطينية هي اخر اهتمامات النظام الانقلابي المصري الدي يسعى الى تحقيق اهداف اخرى من خلال هده الزيارة المشؤومة والتي تبين مدى التواطؤ الرسمي المصري ضد الشعب الفلسطيني فمن يريد فعلا خدمة القضية الفلسطينية لا يستمر في حصاره الخانق والظالم ضد اهلنا في غزة ويصعد مع حركة حماس ويعتبرها حركة ارهابية؟ ومن يريد خدمة القضية الفلسطينية لا يطلق العنان لابواقه الاعلامية للنيل من حركات المقاومة وتشويهها ووصمها بالارهاب؟ ومن يريد خدمة القضية الفلسطينية لا يتعاون امنيا ومخابراتيا مع عصابات العدو الصهيوني لتزويدها بالمعلومات عن النشطاء والمقاومين؟ هدا غيض من فيض يوضح ان كل من يحسن النوايا في النظام المصري تجاه القضية الفلسطينية فهو خاطئ لانه وبكل بساطة فمند اتفاقية كامب ديفيد الاستسلامية لم تعد القضية الفلسطينية ضمن اولويات النظم المصرية المتعاقبة وصولا الى النظام الحالي الغارق في حميميته مع الصهاينة. ان مجرم الحرب نتنياهو يعرف جيدا طبيعة النظم العربية وضمنها مصر ويعرف اسرارها وسياساتها وفسادها وخنوعها وتبعيتها وضعفها الشديد وتواطئها ويعلم خيانتها للقضية الفلسطينية ولهده الاسباب فهو لا يقيم اي وزن يدكر لهكدا نظم ولا يلتفت الى مبادراتها الميتة اصلا ولا يعيرها اي اهتمام كيف لا وهده النظم لا ترى ابعد من كراسيها وكيفية استمرارها في السلطة ولو على حساب البلاد والعباد فكيف يستقيم ادن من لم يكن امينا وخادما حتى لبلده وشعبه ان يكون وفيا للقضية الفلسطينية؟

إشترك في قائمتنا البريدية