السيسي من «عكاشة» إلى «إلهام شاهين»!

حجم الخط
17

خذوا الحكمة من فم صاحب قناة «الفراعين»، أو إبن صاحبتها، فهو دائم القول إنها ليست قناته، ولكنها قناة «الوالدة»!
قبل أن أذكر الحكمة التي ذكرها، وأثبت أنه الأقدر على وصف حالة «عبد الفتاح السيسي» في زيارته إلى ألمانيا مصطحباً فرقته الموسيقية، دعوني أترحم على عمنا «مصطفى كامل محمد»، الذي كان يعمل مفتشاً سابقاً بالقطارات، حيث جمع بين صرامة الوظيفة، وجدية الزعيم عندما إنضم لحزب الأحرار «المعارض»، وكان الرجل قصير القامة، يناضل ليصبح طويلاً، ليساير الوضع الجديد، وكان يحمل عصاً في يده، لزوم الوجاهة، ولدواعي الشيخوخة، وله فيها مآرب أخرى!
كان «مصطفى كامل محمد» رجلاً بسيطاً في كل شيء، أزمته في أنه أدركته الزعامة في مرحلة متأخرة من العمر، فكان يعتقد أنها لا تكتمل إلا بالحديث بحدة، وفي أن يرفع صوته دائماً، ولم يكن يكتب المقالات، أو يظهر في التلفزيون ومع ذلك تلبسه شعور جارف بأنه معروف للكافة بأنه «الزعيم»، وذات انتخابات برلمانية، قرر خوضها على قوائم الحزب، وعقد مؤتمراً جماهيرياً في دائرته، واعتمد على زعامته في الإعتقاد بأنه سيكون حاشداً، ولم يشأ أن يخبر سكان المنطقة بأن زعيم الحزب الراحل «مصطفى كامل مراد» وعدداً من قيادات الحزب سيحضرون في هذه الليلة الموعودة، ولم يشأ أن يبلغ الناس بذلك، إذ كان يتصور أنه الأشهر، وصاحب زعامة مقدرة في محيطه. قبل حضور الضيوف، حضر عدد من الصحافيين الذين يعملون في صحيفة الحزب من أبناء المنطقة لاستقبال رئيس الحزب، ولم يجدوا أحداً حاضراً، وكان الزعيم يتحدث عبر مكبر الصوت، يزف البشرى للجماهير إلى أنهم الليلة سيكونون في حضرة المرشح الذي يعرفونه، ولا ينسى أن يُنهي كل فاصل بقوله «إنه مصطفى كامل محمد».
كانت تقف زميلتنا الراحلة «نبيلة الأسيوطي» داخل سرادق المؤتمر، وقد توفيت قبل عشرين سنة، وها أنا ذا أقلد الأستاذ هيكل، بذكر روايات كل أطرافها ماتوا، و»نبيلة» كانت عنواناً لغباء حكم العسكر، فقد اعتقلت في عهد «جمال عبد الناصر»، ووجه إليها الإتهام بأنها عضو نشط في جماعة الإخوان المسلمين، تعمل على قلب نظام الحكم، وإعادة الخلافة الإسلامية، وعبثاً حاولت إقناع أهل الحكم بأنها لا يمكن أن تنضم لجماعة إسلامية لأنها مسيحية، وكان الصحافي الراحل مصطفى أمين قد كتب عن ما حدث معها أكثر من مرة في عموده «فكرة» بجريدة «الأخبار» بعد أن انزاحت الغمة.. هذا «راحل آخر»!

جلب الناس
في مواجهة هذا المستحوذ على مكبر الصوت، والمبشر بـ «أنه مصطفى كامل محمد»، وإزاء هذا الفراغ الذي سيتحول إلى فضيحة بعد قليل وعندما يحضر رئيس الحزب لمؤازرة «الزعيم» في معركته الإنتخابية، هدى «نبيلة الأسيوطي» تفكيرها، وكانت تتميز بخفة الدم، أن تجمع الناس على طريقتها، فأمسكت بحجر وقذفت به أكبر لمبة في السرادق فأحدث هذا انفجاراً، لم يحقق المراد به بجلب الناس، ليخبروهم بأن المؤتمر لن يكون قاصراً على «أنه مصطفى كامل محمد»!
يقول الرواة: رغم هذا فلم يدفع الفضول أحدا للحضور للمكان والوقوف على أسباب هذا الانفجار! «عكاشة»، وهو يصف بدقة لم يسبقه إليها أحد حالة «عبد الفتاح السيسي»، في «زفة الفنانين» في ألمانيا، ذكرني بحالة «إنه مصطفى كامل محمد»، وبخوض المحدثين للإنتخابات البرلمانية، وكان كلام «إلهام شاهين» في قناة «أون تي في» أكثر ضبطاً للحالة، عندما قالت في برنامج «السادة المحترمون»، إنهم «تقصد وفد الفنانين والفنانات»: «سافرنا إلى ألمانيا علشان الناس تتلم علينا ويبان عدد كبير في استقبال السيسي أمام العالم»، فذكرتنا بالزميلة «الأسيوطي»، عندما قذفت المصباح بحجر وكان هدفها أيضاً أن الناس «تتلم عليهم».
عندما قال «عكاشة»، إن السيسي يذكره بالمرشح «الطالع في المقدر جديد» ، الذي لا يعرفه أحد، ابتسمت أنثاه، وهي ابتسامة دفعته لان يتقدم خطوات للأمام في شرح الحالة، فكنا أمام تشخيص دقيق لها لم يسبقه لذلك حتى كاتب هذا السطور، عندما كتبت أن ما جرى أقرب لحفلات «الطهور» وباحتشاد أولياء الأمور أمام لجان امتحانات الثانوية العامة. يقولون إن الإبداع هو ابن المحنة، ولهذا أبدع «عكاشة» في وصفه لحالة السيسي الذي هو مثل المرشح النكرة للإنتخابات البرلمانية، والمحدث، أو «الطالع في المقدر جديد»، على حد وصفه، ومحنة المذكور في أنه لم يكن من بين من تمت دعوتهم للمشاركة في هذه الزفة، كما لم تدع جارته بالجنب في البرنامج، التي ابتسمت فحرضته ابتسامتها على أن يتمادى في الشرح والتشخيص.
والسيسي، رغم أنه يرى في «توفيق عكاشة»، أنه «المفكر الضرورة»، ويؤثره على غيره بمعلومات يرددها، إلا أنه لا يصطحبه في زياراته الخارجية، رغم حديث «عكاشة» المتكرر عن أنه حاصل على درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات الأمريكية، ولهذا لا تذكر محاورته اسمه إلا مسبوقاً بلقب «الدكتور»، وإن كان الصحافي «أسامة الكرم» كتب أن المعهد الأمريكي الذي يقول «عكاشة» إنه حصل منه على الدرجة العلمية، هو معهد لتعليم فنون الحلاقة!

الحاملون للدكتوراه
ما علينا، فهذا ليس موضوعنا، فالدكتوراهات على الأرصفة في المجر، وهناك «سيل» عليها، ويكفي أن تشتري واحدة لتمنح أخرى مجاناً، وبعد أن منحت، إحدى الجامعات المجرية الدكتوراه الفخرية لعبد الفتاح السيسي، تم الإعلان عن أن الرئيس المؤقت السابق «عدلي منصور» في طريقه إلى هناك للحصول على واحدة مثله! هناك الآلاف من حملة هذه الدرجة العلمية لكن لا يوجد من بينهم من يمكنه أن يوصف هذا التوصيف الدقيق لحالة «عبد الفتاح السيسي»، كما وصفها «توفيق عكاشة» فابتسمت «حياة الدرديري»، ابتسامة ذات مغزى، وبلغ ما تم حصره في هذه الفقرة ثلاث ابتسامات، كانت محرضة لأن يستفيض في شرح مفهوم «المرشح الطالع في المقدر جديد»، وكلنا نعرف هذا المرشح، الذي شبه عكاشة به «عبد الفتاح السيسي»، لكن لا يمكننا الإحاطة بظاهرته كما أحاط هو بها.
هذا المرشح الذي لا يعرفه الناس، يحرص أن يرسل من يحجزون له ولمرافقه الذي يكون معروفاً نسبياً في الدائرة، مكاناً بارزاً في سرادقات العزاء، حتى إذا دخلا هب من سبقاه إلى هناك، وتركا مقاعدهما لهما: «تفضل يا سيادة النائب» ليوحوا بأن الرجل معروف وذائع الصيت، ولكي يلفتا الانتباه إليه، في طريق الدعاية الإنتخابية. وهذا ما فعله السيسي الرئيس غير المعروف، بإرساله وفد الفنانين والفنانات ليكونوا في استقباله في ألمانيا، وقد ذكرت الموفدة «إلهام شاهين» أن الهدف من سفرهم «علشان الناس تتلم علينا ويبان عدد كبير»، وهي في مقابلتها مع «أون تي في» كشفت عن سر «زفة العوالم»، وقامت ببيان محلها من الإعراب، فالانقلاب الذي أكد شرعيته بمظاهرات ألغي بها شرعية الصندوق، يعتبر في زفة مستقبلين للرئيس «أمام العالم» ما من شأنه تأكيد لشرعيته!
اللافت أنه كما فشلت محاولة الراحلة «نبيلة الأسيوطي» في «لمة» الناس، فقد فشلت محاولة الفنانين الذين تم شحنهم في طائرة ليكونوا في استقبال «عبد الفتاح السيسي» لحظة وصوله، بنصب زفة له أمام مقر إقامته وأمام الإستشارية الألمانية، ففضلاً عن أنه تصرف «بلدي» وغير مسبوق، فالقادة لا يحصلون على شرعيتهم بالأفراح، فإن من الملاحظ أن الألمان لم يحتشدوا لرؤية «يسرا»، كما أن الجالية المصرية والعربية، لم تجد في قدوم الفنانات لأرض الشقيقة برلين، مناسبة للإحتشاد، ورؤية هؤلاء الفنانات، والتقاط الصور معهن، ليؤرخ أحدهم لنفسه باللحظة التي وقف فيها بجانب «إلهام شاهين»، و»فرقة الفنانين المحليين»، الذين ظنوا أن ألمانيا هي «محطة مصر». وفي ظني أن هذا الوفد، لو وقف في أي ميدان في مصر فلن يدفع الفضول الناس لكي يحيطوا به!

ظاهرة فجر العادلي
وقد كانت هذه «اللمة» هي السبب في «لمة» أخرى أكبر، احتشدت في ألمانيا لتندد بزيارة «عبد الفتاح السيسي»، ولم تكن «إلهام»، أو «يسرا»، أو «هالة صدقي»، هن نجمات المولد، لتفيض هذه النجومية على «السيسي» فيصبح نجماً، وإنما انعقدت النجومية، لفتاة صغيرة في السن، هي الطالبة والصحافية المتدربة «فجر العادلي».
لقد نجحت الفتاة الصغيرة، بتصرف فطري، يميزه الصدق، في أن تخطف الأنظار وتكون حديث ألمانيا بل حديث العالم، وهي التي مُنعت من طرح أسئلتها فهتف في وجه «السيسي» بأنه «قاتل»، كما هتفت بسقوط حكم العسكر، وكانت هي أبرز ما في المؤتمر، وقد استضافتها كثير من المحطات التلفزيونية والصحف في ألمانيا بإعجاب وتقدير بالغين، فإذا بها تنجح في عرض القضية المصرية، أفضل ما يكون العرض، وبثبات يفتقده كثير ممن يجري تقديمهم في الفضائيات على أنهم محللون سياسيون من الجانبين: جانب «فجر» وجانب «إلهام»!
كانت «فجر العادلي» في التلفزيون الألماني، و»إلهام شاهين» في «أون تي في» تعبيراً عن ثقافتين، وعن عالمين، مثلت الأولى المستقبل، وكانت الثانية تعبيراً عن الماضي السحيق، كما كانتا رمزين متضادين الأولى رمزت لقضية عادلة والثانية كانت تعبيراً عن باطل يسعى لجذب شعبية بـ «اللمة».
زار الرئيس «مرسي» ألمانيا ولم يجد نفسه بحاجة لمن ينتظره هناك «علشان الناس تتلم علينا ويبان عدد كبير في استقبال الرئيس»، فمرسي حصل على شرعيته كأي رئيس غربي، ثم أنه سافر إلى هناك تعبيراً عن ثورة عظيمة، فلم يكن بحاجة «للمة» جاءت لتتفرج على فنانات فيتم التعامل معها على أنها تجمعت في «استقبال الرئيس». كنت أستمع لـ «فجر العادلي» في التلفزيون الألماني بوقارها وطلاقتها وقوة حجتها، فأسأل لماذا يفتقد الإنقلاب لشخصية كهذه، ولماذا لا يوجد من بين دعاته إلا من يعبر عن التأييد له إما بالرقص وإما بشتم الآخر؟!
«اللمة» لا تمنح شرعية لمن يفتقدها، وثقافة النائب «الطالع في المقدر جديد» تفشل في جذب الإنتباه، وإن وقف كل من في سرادق العزاء ليقولوا له: «تفضل يا سيادة النائب».
خذوا الحكمة في فم «توفيق عكاشة».

صحافي من مصر

سليم عزوز

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول abou abderrahmane algerie:

    لقد أثلجت صدري يا أستاذ ، إن فجر العادلي هي فجر الحق الصادق الواعد الذي يغرد به كل إنسان حر في العالم

  2. يقول الرفاعي /من السودان:

    حقا ياسليم انها اسم علي مسمي .فهل ياتي الفجر العادل؟؟؟

  3. يقول ahmed luxembourg:

    ممتاز واكثر من رائع اذاجازالتعبير ،الانقلاب علي الشرعيه مستحيل تجميله باللمه كما يستحيل ان يصلح العطار ما افسد الدهر.

  4. يقول mohamed lakhdar:

    مقانرنة جيدة شكراللاستاذ عزوز المتالق

  5. يقول S.S.Abdullah:

    من وجهة نظري أن عدد جريدة القدس العربي يوم 13/6/2015 حوى مقالتين رائعتين لكل من فيصل القاسم بعنوان “النظام السوري والمتاجرة بالأقليات على الطريقة الاستعمارية” ومقالة سليم عزوز بعنوان “السيسي من «عكاشة» إلى «إلهام شاهين»!” عملت على تشخيص اشكاليات النظام داخليا وخارجيا في طريقة إدارته دولة “الحداثة” بشكل مفصل ودقيق على الأقل من وجهة نظري، ولكن ما يُميز مقالة سليم عزوز هو ما طرحه بخصوص “فجر العادلي” وعملية المقارنة بين جيلين الأول يُصر على التعامل بدون أخلاق ولا منطق ولا موضوعية، وبين جيل آخر يُصر على التعامل بأخلاق ومنطق وموضوعيّة.

    هاتان المقالتين تُبين الفرق ما بين الحكمة وما بين الفلسفة من خلال أمثلة عملية بداية من محمد حسنين هيكل وفلسفته التي قام عليها انقلاب 3/7/2013، فالحكمة لها علاقة بلغة أرض الواقع، في حين الفلسفة لها علاقة بفكر أو أحلام اليقظة، ولا يوجد حلم بالألوان بل هو يعتمد اللون الرمادي بدرجاته ما بين الأبيض والأسود، بحجة أنّ كل شيء نسبي، هو حر في ذلك لو تركه لنفسه، ولكن أن ينشره على أنّ له علاقة بالواقع هنا هو وقع في مطب كبير، فهناك ملايين الألوان في ألوان الطيف الشمسي غير اللون الرمادي بكل درجاته ما بين الأبيض والأسود.

    وأقول لمن يبحث عن فكفكة الصورة لتشخيص اساس مشاكل المواطن بسبب مزاجيّة وانتقائيّة من يحمل مقص الرقيب في دولة “الحداثة” والتي تمثل ثقافة الـ أنا، فالعولمة وأدواتها التقنية فرضت تحديات حقيقية على دول “الحداثة” لجميع أعضاء نظام الأمم المتحدة البيروقراطي، منها الشفافية واللامركزية للوصول إلى الحوكمة الرشيدة من خلال الاستعانة بالآلة لتقليل تكاليف تكوين فروع من أجل تقديم خدمات الدولة في أبعد نقطة في الدولة إن كانت قرية أو ناحية أو مدينة أو محافظة أو إمارة.

    وأي دولة رفضت التعامل بشفافية ولا مركزية تعاني الآن أزمة وجود، والدليل على ذلك “اليونان” مهد الفلسفة التي تم بناء دولة “الحداثة” عليها في رمزية عجيبة غريبة، وتتبعها البرتغال واسبانية وإيطاليا بل وحتى فرنسا وكذلك بريطانيا، بالرغم من عضويتهم في الاتحاد الأوربي.

    القلق أو الشك سببها الفلسفة، حيث الفلسفة تقول الفكر أولا، بينما الحكمة تقول أنَّ اللغة أولا، ومن يرغب أن يتطور، يجب أن يتجاوز الفلسفة ويعتمد الحكمة، مشروع “صالح” سيكون باللغة الأم لكل من سيحضر دوراته وهذا ما يختلف به عن مشروع “الفاتح”، لأننا نعتمد كل لغات العالم، العولمة والتقنية وأدواتها فرضت تحديات حقيقية على دولة “الحداثة” إلى درجة وكأنّها تعاني أزمة وجود، والدليل على ذلك “اليونان” مهد الفلسفة لأرسطو وأفلاطون والتي عليها تم بناء فلسفة دولة “الحداثة” أو النظام البيروقراطي، خصوصا بعد انهيار الديون ما بين المصارف والبنوك عام 2008، وفي نفس العام رمى منتظر الزيدي حذاءه على ممثلي النظام الفاسد في بغداد هارون الرشيد، بلاد وادي الرافدين (والتي تشمل العراق وسوريا وتركيا حاليا)، مهد الحضارات الإنسانية، في رمزية عجيبة غريبة، وكأنَّ العولمة والتقنية وأدواتها تقول لنا أنَّ الشعب يُريد اسقاط النظام الذي يُنتج مثقف وسياسي وتاجر فاسد، لا يحترم لغته الأم إن كان في ما ورد في قواميس وهيكل لغتها فيما ينتجه تحت عنوان الإبداع وهو إلى الابتداع أقرب.

    ولذلك من وجهة نظري من لا يستطيع التمييز والتفريق ما بين الإبداع والابتداع أو ما بين الحداثة والتحديث والتطوير والتقدّم لا يحق أن يكون له كرسي، في أي شيء له علاقة بالإدارة أو التسويق فكيف الحال بمعايير الجودة أو النقد من أجل التطوير بعد ذلك من الأساس.

    ولذلك أول خطوة في مشوار الألف ميل للإصلاح يكون من خلال التأكيد على المثقف والسياسي والتاجر بالإضافة إلى رجال السّامري للدولة العميقة (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية) الاعتراف والتسليم والتعامل بجدية مع موضوع أنَّ الآلة أصبحت جزء حقيقي في الدولة، ولا يمكن لأي موظف أن يستغني عنها في أداء وظيفته، حيث أنَّ آخر خلاصة جهود الحكمة البشرية، كانت العولمة بأدواتها التقنية وعلى الجميع الاعتراف والتعامل بواقعية مع الآلة وتقنيتها بأسلوب مهني ومحترف بداية من مناهج التعليم.

    ولذلك لكي يكون هناك تكامل وتعايش إنساني ما بين أي مجموعة من البشر في أرض محددة المعالم، يجب أن تكون أي دولة تمثل اللُّغة لذلك المجتمع، وعلى جميع من وافق على الإقامة في أرض الدولة، أن يلتزم بمعنى المعاني الموجودة في قواميس لغة البلد، ويلتزم في محادثاته للتواصل مع الـ آخر وتعاملاته اليومية بهيكل اللغة العام، ولكن الإشكالية لقد تم تداخل أكثر من لغة، وهذا زاد من اشكالية الضبابيّة اللغوية، إن كان من ناحية لغة الدولة أو لغة الـ أنا ولغة الـ آخر داخل نفس الدولة.

    ولذلك من يرغب أن يجنّب الجيل القادم ما يواجه أهل “اليونان” الآن، من شبح الإفلاس، بالرغم من كونها عضو في الاتحاد الأوربي كما هو حال البرتغال واسبانيا وإيطاليا وفرنسا بل وحتى بريطانيا، أو الإنهيار كما إنهار الاتحاد السوفيتي في نفس توقيت تكوين الاتحاد الأوربي، يجب التفكير في تغيير جميع مناهج التعليم في دولة “الحداثة”، فالمناهج الحالية تنتج لنا “مفاوض جيد” ولكن في عصر العولمة وما فرضته من أهمية للـ (الوقت واللغة والترجمة) أصبح لزاما على مناهج التعليم أن تُنتج “مُنجز اتفاقيات جيد” أسرع من غيره، هذا إن أراد المنافسة في أجواء العولمة لتغطية مصاريفه والدولة من بعد ذلك.

    وقد جمعت الكثير لتشخيص هذه الإشكالية تحت عنوان (لماذا الحكمة تبني بينما الفلسفة تهدم؟!) ومن يرغب بحلول فليبحث على يوتيوب عن (مشروع صالح لتطوير الحوكمة الرشيدة بإضافة بُعد اللغات)، فمشروع “صالح” يُمثل الجيل الثاني لمشروع “الفاتح” الذي يحول استخدام الآلة كونها تُساعد الموظف في أداء وظيفته، إلى جعلها الساعد الأيمن الذي يعمل على تكامل الموظف من جهة والمواطن من جهة أخرى، من أجل تناغم أفضل بين الطرفين، للوصول إلى سعادة الجميع في الوطن.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية