انه موسم الانقلابات والاختراقات والمساخر الإعلامية والسياسية والأمنية في مصر. لا يستطيع المراقب أن يلتقط انفاسه وهو يلاحق التطورات غير المتوقعة في مشهد ملتبس يشبه الرمال المتحركة. لم يعد هناك ما يمكن أن تستبعد حدوثه تماما.
وعلى الرغم من أن كلمة «الانقلاب» كانت حاضرة منذ اليوم الأول بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، إلا انها ازدهرت مؤخرا مع مشتقاتها، لتشكل قاسما مشتركا في كثير من «التقلصات والمفاجآت». وهذه محاولة واقعية لفك طلاسم «الخريطة الانقلابية» على الساحة المصرية.
أولا: بعد أن كان «الإخوان» ومؤيدوهم ينفردون باستخدام كلمة «الانقلاب والانقلابيين» في وصف نظام الثالث من يوليو، انضم اليهم معسكر الفلول مؤخرا، اذ اتهم مذيع معروف بـ»صلاته الأمنية الوثيقة» منذ عهد المخلوع، الرئيس عبد الفتاح السيسي حرفيا بـ»الانقلاب على ثورة الثلاثين من يونيو» بسبب اقتراحه مشروع قانون يجرم الإساءة الى ثورة يناير. ومن المفترض ان يقر مجلس الوزراء القانون خلال أيام، وهو ينص على معاقبة كل من «أساء علانية إلى مبادئ الدستور(بما في ذلك ثورتا يناير ويونيو) بالحبس مدة لا تزيد عن السنة مع غرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه». والغريب أن النظام تقبل تهمة «الانقلاب» من الفلول، الذين يعتبرهم الإخوان انقلابيين، فيما يواجه أي مواطن آخر خطر الاعتقال، إذا تجرأ على وصف النظام بالانقلابي أو رفع اشارة مؤيدة للإخوان في مظاهرة سلمية. المثير للسخرية ان بعض اولئك الفلول اصبحوا يعتبرون انفسهم «زعماء شعبيين»، و»يعايرون النظام علنا» بأنهم أصحاب الفضل في إطاحة نظام الإخوان، ويزعمون زورا انهم شكلوا ثمانين في المئة من متظاهري يونيو، ويطلبون الثمن في شكل مناصب او نفوذ سياسي او مصالح مادية، كاعلانات تجارية لقنواتهم.
وفي المحصلة أصبح المشهد اقرب الى مهزلة كبرى، اذ نرى «اعلاميين» في رتبة «مخبرين بجهاز الأمن» يتطاولون على رئيس جمهورية يفترض أنه جاء نتيجة ثورة شعبية، ما يمثل إهانة مباشرة الى كل من انتخبه، وكل من خرج مطالبا بالتغيير في يناير أو يونيو، وهم بالملايين على اي حال، ما يجعل هيبة الدولة تتآكل كل ليلة فيما يكتفي النظام المرتبك بالفرجة.
ثانيا – مع فشل النظام في الحفاظ على تماسك «تحالف الثلاثين من يونيو»، قررت بعض القوى السياسية الرد على تجاهلها (لم يجتمع السيسي بأي قيادات حزبية منذ توليه الرئاسة، كما لم يشاورها في القانون الجديد للانتخابات) بالانقلاب على النظام، ما يعني عمليا اتهامه بالانقلاب على الثورة، وأعلن بعضها الدعم لكل المظاهرات السلمية المنددة بتبرئة مبارك او المطالبة بإطلاق المعتقلين. ومن الضروري ملاحظة ان بعض اولئك السياسيين لم ينقلبوا «حبا في الوطن» بل غضبا من عدم حصولهم على «الثمن»، خاصة انهم غامروا بإعطاء السيسي «شيكا على بياض» قبل انتخابه. وهكذااصبح النظام عاريا عن اي ظهير سياسي، فيما تتآكل شعبيته بمعدلات متفاوتة، وان بقي وحتى اشعار اخر «متمتعا بقوة الامر الواقع وشرعيته» بالنظر الى عدم وجود بديل عنه.
ثالثا – على المستوى الأمني، جاءت التسريبات العسكرية الأخيرة لتثير اسئلة موجعة بشأن حجم الاختراقات، والجهة التي تقف وراءها، وان كانت هناك تسجيلات أخرى قد تحمل مفاجأت جديدة، وهو ما اشارت اليه القناة التي اذاعتها بقولها «ياما في الجراب ياحاوي». وتعددت السيناريوهات والتكهنات حول تفسير الاختراقات، فذهب البعض الى الحديث عن «جبهة انقلابية» بقيادة الفريق سامي عنان، الذي يرتبط بعلاقة عائلية مع بعض قيادات الإخوان، تهدف إلى إضعاف السيسي تمهيدا للانقلاب عليه، فيما اعتبر آخرون ان قيادات اخرى انقلبت على السيسي فعلا وأرادت أن تنتقم لإبعادها لمصلحة آخرين، بينما يخشى البعض من ان اجهزة مخابرات معادية لما تعتبره «النظام الانقلابي» اخترقت مكتب وزير الدفاع، وسربت التسجيلات الى القناة التي تبث من تركيا في هذا التوقيت تحديدا، لإجبار السيسي على الدخول في مفاوضات مع الإخوان، وصولا الى تسوية ما تضمن الإفراج عن قياداتهم والسماح لهم بالعودة الى الساحة السياسية بالشروط نفسها التي كانت عليها «اللعبة السياسية» في عهد مبارك، على ان يوقفوا مظاهراتهم وأعمال العنف في آن، مع الاعتراف واقعيا وعمليا بخريطة المستقبل والدستور الجديد، بدون ان يتخلوا نظريا عن «آرائهم السياسية» بما في ذلك وصف النظام بـ»الانقلابي».
وبكلمات أخرى فانهم سينضمون عمليا الى معسكر «الانقلابيين» بدون ان ينقلبوا على موقفهم المعادي نظريا لـ»الانقلاب»(..)، وسيبررون ذلك بإعلاء المصالح الوطنية على المكاسب السياسية. فهل سيفتح النظام حقا قنوات سرية للحوار بهذا الشأن، خاصة إن تأكد من وجود تسجيلات أخرى؟
وبالمناسبة فإن بعض الإعلاميين المخبرين «المنقلبين» على السيسي والمتهمين اياه بـ»الانقلاب» على ما يعتبرونه «ثورتهم» ، تعمدوا التصرف كالدبة التي ضربت صاحبها بحجر قاتل، إذ اعلنوا ان التسجيلات صحيحة، وانها «فخر» للجيش، فيما كانت النيابة العامة تؤكد انها مفبركة وتهدد من يروج لها. فيا له من مشهد تتوالى فيه الضربات من «اصدقائه المنقلبين على انقلابه، بالإضافة إلى اعدائه المتهمين له بالانقلاب اصلا».
اما بالنسبة للغالبية الساحقة والمسحوقة من المصريين، فالواقع أنهم لا يهتمون اصلا بالاسماء، ولا يعنيهم ان يتحدث هؤلاء او اولئك عن ثورة او انقلاب او انقلابيين أو منقلبين. تعنيهم النتائج على الأرض وما تمثله بالنسبة لحياتهم ومعاناتهم. فهم لن يترددوا في ان يؤيدوا ما حدث في الثالث من يوليو، حتى ان سماه العالم كله انقلابا، اذا هو حقق أهداف الثورة، ولن يترددوا في رفضه والانقلاب عليه حتى اذا كان ثورة حقيقية لكن تبين ان النظام استغلها للاستيلاء على السلطة، أي انه انقلب بها على الثورة واهدافها، بحجة إطاحة نظام الإخوان.
واخيرا وعلى المستوى الشخصي، فقد كنت واظل أفخر بمشاركتي في الثلاثين من يونيو كموجة ثورية شعبية صادقة، كان على مرسي ان يتعامل معها ايجابيا وديمقراطيا بدلا من تخوينها وإهانتها، (وهو ما اصبح قياديون في الإخوان يعترفون به اليوم علنا). كما أشعر بالرضى اذ تحفظت عن الدخول في الجدال حول الاسماء مؤجلا حكمي النهائي على النظام بانتظار النتائج العملية على الارض، متفقا في ذلك مع جوهر الموقف الحقيقي لأغلب المصريين.
ومثل اكثر من مليون مصري أبطلت صوتي في انتخابات الرئاسة، ولم اتردد منذ اليوم الاول في معارضة ممارسات النظام القمعية ضد المظاهرات السلمية، وكذلك افتقاده لرؤية سياسية، وتعامله الرخو مع الاختراقات الامنية والعمليات الارهابية، ناهيك عن تقصيره في ملفات الاقتصاد والعدالة الاجتماعية. ومثل اغلب المصريين، فانني اترقب موقف الرئيس السيسي شخصيا، مما اصبح يسمى بـ «انقلاب الفلول»، فإن سمح لهؤلاء المتسلقين الذين يريدون إعادة عجلة الزمــــن للــوراء، وهدر الأعمار التي افنيت نضالا ضد استبداد مبارك وفساده، بالاستمرار في إهانة ثورة يناير وشهدائها، والنيل من هيبة نظام كلف مصر دماء الاف الشهداء بغض النظر عن الانتماءات السياسية، فانه سيكون هو من حكم على نفسه وعلى مصير نظامه وهويته. ويبدو ان الرجل يعرف هذا بالفعل، حيث انه صرح مؤخرا بأن «المصريين الذين قاموا بثورتين يستطيعون القيام بثالثة».
وحتى اذا كان الناس قد تعبوا ويريدون الاستقرار، وهو الواقع حقا اليوم، فان التاريـــخ اثبت ان هذا الشعب يعرف جيدا كيف يتعامل مع اي نظام استبدادي، ولن يعنيه كثيرا حينئذ ان كان اسمه «ثوريا او انقلابيا».
٭ كاتب مصري
خالد الشامي
شكرا على المقال الرائع فعلا يعبر عن اغلب المصريين اللي يرفضون اي عودة للوراء سواء لعهد مبارك او الاخوان. وفعلا يجب على السيسي ان يواجه فلول مبارك والا سيكون في مواجهة مع الشعب كله.
وهل السيسي من الثوار أم من الفلول
ولا حول ولا قوة الا بالله
رائع يا أستاذ الشامي. تحليل واقعي علمي وعملي وانا أوافقك ان لا يعني من يحكم، المهم النتائح، مصر بحاجة لواحد مخلص مفكر أمين وابن أصل، هذا السيسي موظف ترقي بالمناصب لا باع له فكريا ولا سياسيا ولا ثقافيا ومن الظلم والجهل والعداوة لمصر ان يكون عليها حاكما بهذه الصفات مهما كان اسمه، أتمنى من السيسي ان يستمع لأحرار مصر ومثقفوها فهم افهم منه بلا شك واعرف في هكذا اعمال، ام الاستمرار بما هو عليه فهو تفتيت وتمزيق ودك اسافين عداوة بين أطراف الشعب ومن ثم الدخول في فوضى لا تبقي ولا تذر.
وبالمناسبة اذا لا قدر الله ودخلتم في مثل ما يحصل في سوريا فاعرفوا انه لا مكان لكم الا بلدكم شوفو الذي حاصل مع السوريين، لذلك خافو ربكم، ضميركم، او إنسانيتكم واعملوا لإنقاذ مصر فانكم هكذا باتجاه الهاوية لا محال.
كما اعترف اﻻخوان انهم أخطأوا كما يقول الكاتب فعل من وضع يده مع اﻻنقلاب وفلوله عليهم ايضا ان يعترفوا ايضا بخطأهم وهذا الخطأ كان واضحا منذ البداية فاﻻنقلاب كان على ثورة 25 يناير والديمقراطية وهناك شواهد كثيرة عليه ليس أقلها وقوف الغرب ودول الخليج معه خاصة السعودية واﻻمارات والدولة العميقة لذلك على هؤﻻء المتأسفين لما يحصل في مصر عليهم ان يضعوا أيديهم بمن عارضوا اﻻنقلاب من بدايته وان يعودا مع بعضهم لمبادئ ثورة 25 يناير للتخلص من هذا اﻻنقلاب وماترتب علبه ان كانوا يريدون بحق لمصر ان تكون دولة مستقرة ديمقراطية وينسوا في هذه اللحظة التخوين لبعضهم
حضرتك لم تحزم أمرك ولست نادم على الانقلاب على المسار الديمقراطى وليس على الاخوان،أنا لا يعنيني الرئيس كان اخوانيا أم غير اخواني ، أنا يعنيني مسار كان سيحقق لابنائي وأحفادي الحرية في الاختيار وعدم العيش في ذل وقهر ، وحضرتك تقول لست نادما ، بلدنا للاسف الان لارجاء في الكثير من المتعلمين ولا الجهلة ، للاسف الجميع بلا ضمير والكره والحقد لبعضهم البعض أعمى قلوبهم ،واذا كان من أمل سيكون في الشباب الذين ذاقوا طعم الحرية سواء كانوا من الاخوان أو من غيرهم .
Excellent comment.
مقال موضوعي وتحليل سديد متوازن لا يخضع لأي انتماء أيديولوجي مسبق. وجهة نظر معارضة لكلا الطرفين المفسدين (فلول مبارك وفلول المرشد). على السيسي أن يحسم اختيارات الشعب المصري وينحاز للغالبية بكسب معادلة القضاء على الفساد والإرهاب مع التنمية في نفس الوقت. اللهم احفظ مصر وشعبها ووفق السيسي لما فيه الخير
يا سيد خالد ،مهما اختلفنا مع مرسي فهو كان شرعي، وكانت بداية الطريق في الوطن العربي الى ممارسة الحرية والانتخابات الحرة،وان السيسي ليس صاحب كاريزما على ان يفرض نفسه،وان يعطي الحريات كما يجب ،لو كان صادقا وصاحب روءيا من البداية لكسب رأي ودعم الشعب وانتصر على الجميع،انظر الى قوانين الانتخابات البرلمانية المقبلة ،انها سوف تكون هي القاضية على حكم السيسي اذا لم يغير ويبدل لان يجعلها مفتوحة امام جميع الأحزاب،وبذالك يقطع الطريق على الفلول وعلى المتسلطين وبهذا يشرك الشعب معه بالفعل وان يصلح الامر مع الاخوان مثلا ويرضي الجميع،وبهذا ينقظ مصر من فتن ومذابح جديدة،
مقال رائع اؤيد كل كلمة فيه وينطبق علي شخصيا وناس كتير. لكن انا اديت صوتي لمرسي أصلا رغم انني لست من الاخوان ثم فوجئت انه يحكم لمصلحة جماعة وليس الشعب ولا الديمقراطية كما تقول الأخت من مصر، ونزلت في ٣٠ يونيو زي مانزلت في ٢٥ يناير ومحمد محمود. لكن واضح ان الاخوان أعطوا الفرصة للجيش للتدخل والنَّاس أيدته في عزل مرسي مش لأنهم بيحبوا السيسي لكن لأنهم مش عاوزين البلد تغرق اكتر. اما ولو سكت السيسي على الفلول بتوع مبارك انا اول واحد هينزل ضده رغم ان الناس تعبت فعلا زي ما المقال بيقول. لكن الشعب ده غريب فعلا في قوته وجبروته. ومعادش يقبل خلاص اي ظلم او ديكتاتورية.
المقال يصب في مصلحة مصر الآنية حيث كل تأجيل يضعف الموقف الرسمي ويهدد البنيان الشعبي، وأتفق من حيث التحليل مع تعليق “أبي سالم” مضيفا أن عين العقل كان على النخب المصرية الثقة في المسار الانتخابي بعد ثورة يناير مع المطالبة برقابة القضاء المصري على مؤسسة الرئاسة دون الزج بالشارع و”الإعلام المخدوم” في تعقيدات تدبير الدولة.. لأن كلفة الفوضى في جميع الأحوال أفضع من أي أفق حقوقي واجتماعي ضيق، ودوننا مآسي الاقتتال الأوربي في حربين مدمرتين. هذا دون نسيان “التوازنات”(=الأطماع) الإقليمية والدولية.
فلا يمكن إلغاء قاعدة : “أن مابني على باطل فهو باطل” وإلا فإن المطلوب من الشعوب العودة إلى الصفر في كل انطلاقة.
يصر بعض المصريين ومن بينهم صاحب المقال على تبرير مشاركتهم في مظاهرات 30 يونيو وليس ثورة كما يعتقد البعض الذي ظللهم اعلام نظام الرئيس المخلوع رغم ان هذه المظاهرات كانت الخديعة الكبرى التي وقع فيها الكثير من الاحزاب والكتاب والمناضلين عن الحريات والتي نتائجها نراها اليوم
يصر البعض الافتخار بمشاركته في مظاهرات 30 يونيو رغم ان الرئيس الشرعي لمصر مرسي قال في أحد خطبه أوعى يضحكوا عليكم نعم يصر البعض على المكابرة والمعاندة على الباطل لانه لايريد أن يبدوا أمام الاخرين كالمغفل أو السادج اللي انضحك عليه وهذا ماحصل للكثير في مظاهرات 30 يونيو
يصر البعض ومنهم صاحب المقال اعفاء السيسي من تحمل المسؤولية في ماحدث و يصر على ان المشكلة في مصر بين الاخوان ونظام المخلوع مبارك ونسي أن السيسي قتل الالاف من المصريين وأغتصب الحكم بقوة السلاح وصادر الحريات وعذب مثلهم وانقلب على كل مبادئ ثورة 25 يناير
في الاخير أقول من انخدع وشارك في مظاهرات 30 يونيو ان هذه المظاهرات الموجهة مخابراتيا والمدعومة من الدولة العميقة وبعض الدول الاقليمية والولايات المتحدة الامريكية سريا لم تنقلب على الرئيس مرسي فقط بل انقلبت على القواعد الديمقراطية التي من خلالها يمكن الوصول للحكم
أقول للكاتب ان سبب مأساة شعب مصر وانهيار مصر في كل المجالات هو حكم العسكر والسيسي واحد منهم